الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور 1/3

معقل زهور عدي
2006 / 6 / 13 - 11:46     

الطبقة الوسطى في سورية – الواقع والدور 1/3

تتعين الطبقة الاجتماعية وفق التحليل الماركسي بمركزها ضمن نمط الانتاج ، ولكون اهتمام الماركسية قد انصب بصورة رئيسية على تحليل المجتمع الرأسمالي في أوربة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد ظهر للوجود مفهوم الطبقة العاملة والطبقة البورجوازية كقطبين متصارعين ضمن حيز اجتماعي واحد بحيث يرسم ذلك الصراع تاريخ المجتمع .
هذا المخطط الذي يبدو للبعض الآن كلاسيكيا وتبسيطيا كان بحق ثورة في الأدوات المعرفية التي امتلكها الانسان والموجهة لفهم المجتمع وقوانينه الداخلية ، ماحدث بعد ذلك أنه بدلا من امتلاك تلك الأداة المعرفية الهامة واستخدامها كسلاح لتوسيع معرفة التناقضات الداخلية للمجتمعات الأخرى الناتجة عن انقسامها لتشكيلات أكثر تنوعا وتعقيدا من المجتمع الرأسمالي الأوربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكذلك لاعادة انتاج المخطط الطبقي في ضوء التاريخ اللاحق ، أقول بدلا من ذلك فقد تطورت ظاهرة الخضوع للمخطط الأصلي والنظر اليه كشيء مقدس ونهائي بل وقابل للتطبيق في كل زمان ومكان !
هكذا تحولت الأداة المعرفية العظيمة الى شيء يشبه الصنم وتحول السلاح الفكري الى قيد يمنع العقل من التفتح .
أسوق هذه المقدمة لأصل الى ضرورة البحث عن مقاربة لمفهوم أوسع للطبقة الاجتماعية يعكس في الوقت ذاته شروطا أقرب لواقعنا الاجتماعي .
مثل تلك المقاربة لايمكن ان تعي ذاتها كنفي لمفهوم الطبقة الاجتماعية الماركسي ، ولكن بالأحرى كمحاولة للخروج عن الصنمية التي لحقته ، فاذا نظرنا للطبقة الاجتماعية بوصفها كيانا اجتماعيا يتميز بالاتحاد حول مصالح اقتصادية متماثلة اتحادا يؤدي الى نزوعها نحو سياسات عامة متشابهة ، مرتبطة برؤى ثقافية ( قد يوجد أكثر من رؤية ثقافية لتشكيل اجتماعي واحد ) لأمكن لنا الوقوف على أرضية أرحب من مجرد رد التحليل الاجتماعي الى طبقتين لاثالث لهما .
ماقلته سابقا ليس بجديد ، فمفهوم البورجوازية الصغيرة الذي توقف عنده طويلا الياس مرقص وياسين الحافظ هو محاولة لشق المخطط النموذج واستخراج مخطط معدل منه يتسم بمقاربة أكثر واقعية للمجتمعات العربية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، لكن المسألة الآن ليست فقط في اعادة النظر بمفهوم البورجوازية الصغيرة الذي اهتم به الياس مرقص وياسين الحافظ ، ولكن أيضا في شيء من التحرر من مفهوم البورجوازية ذاته ( الكبيرة والصغيرة ) .
مفهوم البورجوازية الصغيرة يبدو كاشتقاق ذي دلالة كمية من مفهوم البورجوازية ، ذلك يعني التأكيد ضمنا أنه لايوجد داخل المجتمع سوى قطبين ( الطبقة العاملة والبورجوازية ) كل ما فعلناه أننا اكتشفنا وجود حفيدة للبورجوازية هي البورجوازية الصغيرة .
في الواقع هناك تجاوز في تسمية بعض الكيانات الاجتماعية ( الطبقات ) بالبورجوازية حتى لو أضفنا اليها ( الصغيرة ) .
البورجوازية في المفهوم الماركسي هي طبقة كبار التجار التي تطورت لتصبح طبقة الرأسماليين ( أصحاب المصانع ) ، وقد ساهمت الأدبيات الماركسية في تكريس المفهوم السابق الى حد كبير .
هكذا أصبح العالم بالنسبة للماركسي ذا لونين أسود وأبيض ، طبقة عاملة تمثل الخير وبورجوازية تمثل الشر وبينهما لاشيء.
مقاربة البولرجوازية الصغيرة لاتغير في الجوهر شيئا ، فقط تريد القول هناك شر صغير في المجتمع لم ينتبه له الآخرون جيدا .
حتى نخرج من العام الى الخاص في سورية اليوم ملامح اعادة اصطفاف اجتماعي يمكن من خلال سيرورته رؤية فئات اجتماعية متنوعة تتقارب في وضعها الاقتصادي ويدفعها الشعور بالتهديد بالسقوط نحو الأسفل نحو التضامن في متحد اجتماعي – سياسي بغض النظر عن التسمية التي نرغب في وصفها بها ( طبقة ، فئة اجتماعية ، متحد الخ...) من هؤلاء : الحرفيون ، المثقفون ( مدرسون ، مهندسون ، أطباء ، صيادلة ،محامون ، الخ..) ، صغار التجار ، المزارعون ذوو الملكيات الصغيرة ، الموظفون الاداريون لدى الدولة والقطاع الخاص ، أصحاب الورش الصغيرة ، وفئات أخرى يمكن الحاقها بهم .
في الفترة السابقة التي تميزت بنهوض الطبقة الوسطى في سورية ، اتسعت تلك الطبقة بروافد متعددة جاءتها من أسفل الهرم الاجتماعي ، وتمايزت مصالح فئاتها الاجتماعية ، وظهر وكأن تلك الطبقة ليست سوى ممر اجتماعي للعبور نحو الأعلى أو هكذا بدت الصورة في أكثر لحظاتها تفاؤلا، وساهم هذا الشعور في تفككها ، كما ساهم اقتصاد الدولة في اختراقها ، ومع نهاية السبعينات أصبح تعبير الطبقة الوسطى غير ذي دلالة في الحقل السياسي
اليوم تم وضع حد لطوح الغالبية العظمى لفئات تلك الطبقة في الصعود نحو الأعلى ، وبدأ اتجاه انحدار سريع نحو افقار شرائح واسعة فيها وبدلا من كونها ممرا اجتماعيا يستقبل الوافدين من العمال وفقراء المدينة والأرياف ويودع آخرين صعدوا نحو الثروة والترف ، فقد غدت سجنا ينفتح نحو الهاوية ، ويودع نزلاءه الذاهبين باتجاه واحد نحو الأسفل .
هذا الواقع المرير هو الأساس الذي يشد اليوم تلك الفئات الاجتماعية المتنوعة ليدفعها للتلاحم لتتمكن من الدفاع عن مصالحها المهددة ، وهو الباعث للتفكير في استعادة وعي التناقضات الاجتماعية ومفاعيلها الموضوعية .
أما مفهوم الطبقة العاملة فرغم انه يبدو أقل اشكالية ، الا ان الواقع مختلف ، فهناك الفروقات بين العمال الصناعيين والعمال الريفيين ، وبين عمال الدولة وعمال القطاع الخاص ، وبين العمال ذوي المهارة والثقافة والعمال العاديين ، وفي الحقيقة مازال وعي مختلف تلك الفئات متباينا لدرجة ان تصنيفها في متحد اجتماعي لايقل مجازية عن تصنيف فئات الطبقة الوسطى في متحد اجتماعي .