مرّة أخرى ، ثورة أم إنتفاضة شعبيّة ؟ - الفصل الخامس من بحث - - وثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال التونسي تبيّن بجلاء أنّه حزب تحريفي إصلاحي لا غير -


ناظم الماوي
2020 / 4 / 5 - 15:40     

مرّة أخرى ، ثورة أم إنتفاضة شعبيّة ؟ - الفصل الخامس من بحث -
" وثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال التونسي تبيّن بجلاء أنّه حزب تحريفي إصلاحي لا غير "
(ملاحظة : البحث بأكمله ، نسخة بى دى أف ، متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن )
---------------------------------------------------------------------------------------------------------
" إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ، كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ."
( ماركس و إنجلز ، " بيان الحزب الشيوعي " )
------------------------------
" هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 )
-----------------------------------
" يحدث الآن لتعاليم ماركس ما حدث أكثر من مرّة فى التاريخ لتعاليم المفكّرين الثوريّين و زعماء الطبقات المظلومة فى نضالها من أجل التحرّر . ففى حياة الثوريّين العظام كانت الطبقات الظالمة تجزيهم بالملاحقات الدائمة و تتلقّى تعاليمهم بغيظ وحشيّ أبعد الوحشيّة و حقد جنونيّ أبعد القحّة . و بعد وفاتهم تقوم محاولات لجعلهم أيقونات لا يرجى منها نفع أو ضرّ ، لضمّهم ، إن أمكن القول ، إلى قائمة القدّسيّين ، و لإحاطة أسمائهم بهالة ما من التبجيل بقصد " تعزية " الطبقات المظلومة و تخبيلها ، مبتذلة التعاليم الثوريّة بإجتثاث مضمونها و ثلم نصلها الثوري . و فى أمر " تشذيب " الماركسيّة على هذا النحو تلتقى الآن البرجوازيّة و الإنتهازيّون داخل الحركة العمّاليّة . ينسون ، يستبعدون، يشوّهون الجانب الثوريّ من التعاليم ، روحها الثوريّة . و يضعون فى المقام الأوّل و يطنبون فى إمتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لها مقبولا ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " )
-----------------------------------
" إنّ ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسيّة في حقل النظريّة أعداء الماركسيّة على التقنّع بقناع الماركسيّة. "
( لينين ، " مصائر مذهب كارل ماركس التاريخيّة " )
--------------------------------------
" إنّ الإستعاضىة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا تمكن بدون ثورة عنيفة "

( لينين ، " الدولة و الثورة " – الصفحة 23 )
----------------------------------
" إنّ الماركسيّة هي أيضا تطوّرت في غمرة النضال . ففي بادئ الأمر كانت الماركسيّة تصطدم بهجمات من كلّ نوع و تعتبر عشبة سامة . و هي في الوقت الحاضر و في أجزء شتّى من العالم ما تزال تتعرّض للهجمات و تعتبر عشبة سامة ..."
( ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " )
-------------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدّم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم .فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية. و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي ."
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " ، 12 مارس/أذار 1957 ؛ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " الصفحة21-22)


" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي - اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ".

( ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني )

" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
(بوب أفاكيان ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، المقولة 22 من الفصل الأوّل ، ترجمة شادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن )
----------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية.

( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره "، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
مقدّمة :
في إطار جهدنا الدؤوب الذى لا يعرف الكلل للقيام بالواجب الشيوعي الثوريّ الذى من أوكد مهامه في الوقت الراهن نقد و تعرية التحريفيّة و الإصلاحيّة بوجه عام و تحريفيّة و اصلاحيّة المتمركسين في القطر و عربيّا بوجه خاص للتحرّر من براثنهما و نشر الشيوعية الجديدة كإطار نظري جديد للمرحلة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية ، تتنزّل هذه القراءة النقديّة الماركسية لوثائق المؤتمر الخامس لحزب العمّال الذى إنعقد في ديسمبر من سنة 2018 ؛ وهي ليست باكورة أعمالنا بهذا المضمار بل هي مواصلة و تتمّة و تتويج لمقالات سابقة صغناها للغرض نفسه و شملت نقدا لكتابين للناطق الرسمي باسم هذا الحزب و لم نتركها حبيسة الرفوف.
و يقوم بناء هذه القراءة النقدية الجديدة على ما نعدّه من أهمّ المسائل في الخطّ الإيديولوجي و السياسي لهذا الحزب ، أي على الأعمدة التالية التي سنتناول بالبحث بالقدر اللازم في هذا المقام ، دون إسهاب أو إطناب :
دحض أسس الهجوم المسعور الرجعي المتواصل على الماويّة :-I
1- هجوم مسعور على الوقائع و الحقائق التاريخيّة الماويّة و على علم الشيوعية
2- الوقائع محلّيا و عالميّا أثبتت و تثبت صواب الأطروحات الماويّة و خطل الترّهات الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة لحزب العمّال
نقد لجوانب من المنهج الخوجي المثاليّة الميتافيزيقيّة المناهضة للمادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة :-II
1- الإطلاقيّة المثاليّة الميتافيزيقيّة
2- لا حتميّة في النظرة الماركسيّة الأرسخ علميّا
3- قراءة غير مادية جدليّة لمسألة ستالين و الإنقلاب التحريفي فى الإتّحاد السوفياتي
الهدف الأسمى هو الشيوعيّة و ليس الإشتراكيّة : -III
1- شيء من اللخبطة الفكريّة لدى حزب العمّال التونسي في علاقة بالشيوعيّة
2- الثورة و دكتاتوريّة البروليتاريا في الخطّ التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال التونسي
3- الشيوعيّة و ليست الإشتراكية هي الهدف الأسمى للحركة الشيوعية العالميّة
مزيدا عن تحريف حزب العمّال للمفهوم الماركسي للدولة :-IV
1- الدولة الجديدة و الجيش و الأمن وفق الفهم التحريفي الخوجي لحزب العمّال
2- مغالطات بصدد دولة الإستعمار الجديد بتونس
3- الدولة و الدكتاتوريّة بين الفهم الماركسيّ و الفهم التحريفي
مرّة أخرى ، ثورة أم إنتفاضة شعبيّة ؟-V
1- نقاش طفيف لشعار " المؤتمر الوطني الخامس " ، " إلى الثورة "
2- دفاع مستميت عن كونها ثورة و إعترافات بنقيض ذلك ، بأنّها ليست ثورة !
3- الثورة و تحريف حزب العمّال للينينيّة
4- الفهم الماركسي الحقيقي للثورة و تداعياته
- لخبطة فكريّة و مغالطات و بثّ للأوهام البرجوازيّة :VI
1- لخبطة فكريّة بشأن طبيعة الثورة في تونس
2- مغالطات بيّنة بشأن القضاء على الإستبداد و بشأن لجان حماية و الجبهة الشعبيّة
3- تهافت تكتيك الحرّيات السياسيّة
حزب العمّال التونسي حزب خوجي تحريفي إصلاحي على حافة الإنهيار :-VII
1- خطاب ليبالي برجوازي
2- مزيدا عن التفسّخ الإيديولوجي لحزب العمّال
3- حزب مفلس و على حافة الإنهيار
--------------------
و هذه النقاط المحوريّة مرفوقة بخاتمة مقتضبة غاية الإقتضاب .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

- مرّة أخرى ، ثورة أم إنتفاضة شعبيّة ؟V

من أهمّ القضايا التي إقتضت إنفاق الكثير و الكثير من الحبر في نقاشها هي قضيّة ثورة أم إنتفاضة شعبيّة أي هل أنّ ما جدّ في تونس يمكن وسمه ، ماركسيّا ، بالثورة أم هو إنتفاضة شعبية لا غير ؟ و منذ مقالاتنا الأولى المنشورة على صفحات الحوار المتمدّن ، بدايات 2011 ، سلّطنا سياط النقد الماركسي على موقف حمه الهمّامي ، زعيم حزب العمّال ، المعتبر أنّ ما حصل ثورة و شرحنا كيف أنّ الأمر لا يتجاوز كونه إنتفاضة شعبية لا أكثر و أقمنا موقفنا ذلك على أسس و حجج ماركسية صلبة لم يقع دحضها إلى اليوم بل صار عديد الناس يستخدمها وإن لا يذكر مصدرها في النقاشات الدائرة بهذا المضمار. و لن نعود هنا مباشرة إلى ذلك المقال المعنون " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس " و لن نعود أيضا إلى ما حبّرناه من مقالات أخرى بهذا الصدد سواء في مواجهة أطروحات حزب العمّال أو غيره من المتمركسين ، و إنّما سنسعى جهدنا إلى تحليل و تلخيص و نقد ما يظهر و ما يخفى في أحشاء وثائق المؤتمر الوطني الخامس لحزب العمّال وسنعتمد أساسا على اللينينيّة في دحض ترّهات هذا الحزب ، إعتبارا لأنّ متمركسيه يصرّحون يمينا و شمالا بأنّهم " قوّة ثوريّة ماركسيّة – لينينيّة " (ص 98 ، مثلا ) و بأنّ حزبهم ماركسي – لينيني و الماركسيّة – اللينينيّة منهم براء .
1- نقاش طفيف لشعار المؤتمر الخامس " إلى الثورة " :
لقد رفع هذا المؤتمر الأخير شعار " إلى الثورة " البارز لكلّ من هبّ و دبّ حتّى في غلاف الكتاب المتضمّن لوثائق هذا المؤتمر ( و من الصفحة 9 وصولا إلى الصفحة 245 يتواتر ذكر هذا الشعار ). و يدعو هذا الشعار المتأمّل فيه عن كثب إلى طرح عدّة أسئلة منها :
أوّلا ، وردت كلمة الثورة معرّفة في الشعار فليست مجرّد ثورة بل هي الثورة بما يفيد في اللغة العربيّة أنّ هذه الثورة التي يدعون إليها هي الثورة الحقيقيّة و أنّها مغايرة لسابقاتها التي تقلّ عنها قيمة و أهمّية نوعا ما ، و سواها ليست ثورة بأتمّ معنى الكلمة أو هي ثورات غير أصيلة أو حقيقيّة . و نلاحظ هنا أنّ " الثورة التونسيّة " ( " ثورة الشعب التونسي " ، ص 144) لدي حزب العمّال أضحت ثورات و هو ما يؤكّده ما ورد في ثنايا الكتاب من دعوة إلى ثورة جديدة ، " ثورة حقيقيّة "، ( ص 245 ) . فيكون بذلك إنتقل من ثورة واحدة إلى عدّة ثورات و نفض يديه من ما سبق من " ثورة تونسيّة " ! يبدو أنّ حزب العمّال بات كالقائم بالألعاب السحريّة يولّد من ثورة ثورات ، يولّد من واحدة كثرة ، أو قد بات يحذو حذو الشاعر الذى كتب قصيدة غنّاها الهادي الجويني و من كلماتها " حبّى يتبدّل يتجدّد ، ما يتعدّش كيتعدّد " ، فتكون الحصيلة القياسيّة – في عمليّة تجاوز للحدّ بين الهزل و الجدّ ، هي أنّ" ثورة " حزب العمّال " تتبدّل تتجدّد ما تتعدّش كتتعدّد " !
ثانيا ، حين تواجهنا جملة بالصفحة 9 ، نهاية التقديم كهذه " فإلى الثورة ، إلى الجادة ، إلى النضال و العمل " يقشعرّ جسدنا ذلك أنّ هذه الصيغة تجعل سؤالا مهيبا يقفز إلى رؤوسنا : هل أنّ النضالات السابقة لم تكن جادة ؟
ثالثا ، يفيد حرف الجرّ " إلى " المصاحب " للثورة " التوجّه نحو أو التوجّه إلى و هذا يعنى ببساطة أنّ هذا هو التوجّه الصائب ، الحقيقي ، إلى الثورة الحقيقيّة ، بيد أنّ هذا بالمقابل ، مجدّدا ، و بمنطق مادي جدلي يفرض النقيض نفسه ألا وهو التوجّه الخاطئ و نسحبه على ما سبق هذا المؤتمر لنتفطّن إلى فكرة أنّ حزب العمّال ، ضمنيّا من جديد ، يعتقد أنّ التوجّه السابق على هذا المؤتمر كان خاطئا جزئيّا أو كلّيا و أنّ هذا الشعار يصحّح المسار . و لكن لماذا لا يصدح هذا الحزب بهذا صراحة وعلى الملأ و يشرح لنا مسبّباته و تداعياته إلخ ؟
رابعا ، إنّ تقديم كلمة " الثورة " هكذا دون نعت مرافق لها يعدّ تعميما منبوذا ماركسيّا فالثورات من منظور الماركسية – اللينينيّة الحقيقيّة ( حتّى لا نفزع الجماعة بالماركسية – اللينينية – الماوية و تطوّرها الشيوعية الجديدة ) و ليس من منظور ماركسيّة حزب العمّال الزائفة ، توسم بالطبقات التي تقودها فتكون برجوازية أو بروليتاريّة ، أو توسم بالمهام المزمع إنجازها أو الملقاة على عاتقها فتكون ديمقراطية ( برجوازية أو ديمقراطية جديدة / وطنية ديمقراطية بقيادة البروليتاريا و حزبها و إيديولوجيّتها ) أو إشتراكية . و إذن ، عدم تحديد طبيعة هذه الثورة التي يدعون إليها تحديدا ماركسيّا دقيقا يشوّه الماركسيّة كما يشوّه وعي المناضلات و المناضلين و الجماهير الشعبيّة الواسعة ، و هذا من لدن حزب العمّال يدخل بطبيعة الحال ضمن الترسانة النظريّة التحريفية و الإصلاحيّة .
و ما هو جوهر هذه " الثورة " التي ينادى بها حزب العمّال في وثائق مؤتمره الخامس ؟
إنّها ليست لا برجوازية و لا بروليتارية و ما هي بالثورة الديمقراطية و لا هي بالوطنية الديمقراطية و لا الإشتراكية ، إنّها " زوبعة في فنجان " إصلاحية بحتة تتلخّص حسب ما خطّوه بالصفحة 245 في " إزاحة منظومة الحكم الحالية ، برلمان و رئاسة و حكومة ". هذه هي تحريفيّة حزب العمّال التونسي و إصلاحيّته في أبهى صورها !
2- دفاع مستميت عن كونها ثورة و إعترافات بنقيض ذلك ، بأنّها ليست ثورة !
في نصّ " تأمّلات في المسار الثوري ببلادنا : الإنطلاق و التطوّر و المآلات " ، يجرى التركيز على " مقدّمات في الدفاع عن الثورة " في ما يناهز الاثنتي عشرة صفحة ( من الصفحة 41 إلى الصفحة 53 ) سعيا من مؤلّفي النص إلى إثبات أنّها ثورة يكيلون لها أمجد النعوت ، ضد " تشويه الثورة التونسيّة " و " الحطّ من قيمتها وطنيّا و إقليميّا و دوليّا " ( ص41) .
و هذه المرّة ، في محاولة للإلتفاف على التمييز الذى إجتهدنا ضمن من إجتهدوا لسنوات لرسمه بين الإنتفاضة الشعبيّة و الثورة و نقاشاتنا ( و غيرنا طبعا ) لهذه القضيّة ، و لطمس الفروقات يستند هذا الحزب الخوجي على تخريجة إنتهازية جديدة لخلط الأوراق و المغالطة هي جمع الإثنين في واحد ليطلع بدره علينا بمصطلح " الإنتفاضة / الثورة " المكرّر أكثر من مرّة ( من ذلك بالصفحات 46 و 47 ) و كأنّ الإنتفاضة تعنى الثورة و الثورة تعنى الإنتفاضة . بإختصار، ماركسيّا، كلّ ثورة إنتفاضة مسلّحة تطيح بطبقة و تجعل طبقة أخرى تستولى على السلطة لكن ما كلّ إنتفاضة تكون مسلّحة و تفضى إلى ثورة بالمعنى الذى ذكرنا . و بالتالى بعدما بدّدنا مساحات الغموض التي تحيط بالمصطلحين ، ندرك جيّدا أنّ ما قام به حزب العمّال لا يعدو أن يكون عمليّة تحيّل فكريّة إنتهازيّة متعمّدة مناهضة للماركسية – اللينينيّة وجبت إدانتها .
و يمضى الحزب الخوجي في المغالطات لينفخ في الإنتفاضة الشعبيّة في تونس ليجعل لما إعتبره " ثورة " أبعادا قوميّة و أمميّة حتّى ، ( " ما أعطى للثورة التونسيّة أبعادها القوميّة و الأممية " – ص 48) و يرفعها لتصبح في " مصاف الثورات الهامة في التاريخ " – ص 48 ). لئن قال لها تأثيرات بدلا من أبعاد لأمكنت مشاطرته و لو نسبيّا الرأي و لكن الحديث عن أبعاد يلج به في منعرج يؤدّى إلى رمال متحرّكة لذلك أسرع في غلق القوسين و لم يشرح هذه الأبعاد بتاتا كما لم يشرح صنف الثورات الهامة في التاريخ الذى يصنّف ضمنه ما سمّاه ب " الثورة التونسيّة " ، هل هي الثورات البرجوازية أم الثورات البروليتارية ؟ لا إجابة على طول الكتاب و عرضه ، فقط مبالغات مثاليّة صبيانيّة بعيدة البعد كلّه عن التحليل الملموس للواقع الملموس كما علّمنا لينين العظيم !
هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، نلفى الحزب التحريفي الإصلاحي يعترف بما يفيد من حيث الجوهر أنّ ما جدّ في تونس نهاية 2010 و بداية 2011 ليس لا ثورة و لا ثورة أصيلة . و إليكم جملة من أهمّ إعترافاته ( و ليس كلّها لأنّ المجال لا يسمح ) و لكم التعليق قبل أن نسوق ملاحظاتنا نحن :
- " إنّ سياق الثورة و مسارها القادم يبقى الإطار نفسه تقريبا ذلك أن المنجز [ " فرض الحرّيات السياسيّة و الإطاحة بشكل الحكم الدكتاتوري " ] منقوص و مهدّد و المتبقّى أهمّ و أشمل من ذلك " ( ص 98 ).
- " هذه الثورة لئن أدّت إلى ضرب الدكتاتوريّة و تغيير شكل السلطة ، فإنّها بالمقابل لم تؤدّ إلى إفتكاك السلطة من طرف الشعب أي لم تؤدّ إلى تغيير طبيعة الدولة القائمة . لقد ظلّت هذه الأخيرة بيد البرجوازية الكبيرة العميلة ". ( ص 118)
- " لكن ثورة الشعب التونسي ، التي طغت عليها العفويّة ، و حُرمت من قيادة وطنيّة ، مركزيّة ، تؤطّر سيرها سياسيّا و تنظيميّا ، بما يحقّق أهدافها ، وقفت في منتصف الطريق ، لقد حقّق الشعب التونسي الحرّية السياسيّة و جملة من المكتسبات الديمقراطية عبر ضرب الطابع الإستبدادي ، الدكتاتوري للحكم و لكن السلطة السياسيّة و الإقتصاديّة ظلّت بأيدى البرجوازية الكبيرة العميلة " ( ص 144).
- "إنّ تناقضات المجتمع التونسي الأساسيّة ما تزال جوهريّا على حالها ، و على هذا الأساس فإنّ المهام الأساسيّة للثورة التونسيّة ما تزال هي أيضا على حالها " ( ص 144).
- " يقرّ الشيوعيّون بدور الطبقة العاملة التاريخي في التحوّلات السياسيّة لعصرنا من خلال العمل على تغيير نمط الإنتاج عبر الثوة التي تقوم بها الجماهير المضطهدة بذاتها و لذاتها "( ص 217).
- " سقطت الدكتاتوريّة و لم تسقط منظومة الإستغلال و الحيف و العمالة و الفساد " ( ص 245) .
ولكم التعليق بعد إمعان النظر و إعمال الفكر فى كلّ جملة و في كلّ كلمة واضعين نصب أعينكم ما قاله ماركس من أنّ الثورة هي " القابلة التي تولدّ المجتمع الجديد من أرحام المجتمع القديم " ( ذكر هذا القول في الصفحة 45 )...
3- في معنى الثورة و تحريف حزب العمّال للينينيّة :
ممّا سبق نستشفّ أنّ نمط الإنتاج كقاعدة إقتصادية لدولة الإستعمار الجديد لم يشهد تغييرا و أنّ طبيعة الدولة القائمة و التحالف الطبقي الذى يقف وراءها وهي تمثّله و تفرض سياساته و مصالحه لم يشهدا تغييرا أيضا . أضف إلى ذلك أنّ " منظومة الإستغلال و الحيف و العمالة و الفساد " " لم تسقط " و أنّ " تناقضات المجتمع التونسي الأساسيّة ما تزال جوهريّا على حالها ، و على هذا الأساس فإنّ المهام الأساسيّة للثورة التونسيّة ما تزال هي أيضا على حالها " و أنّ الشعب لم يفتكّ السلطة التي ظلّت بيد الطبقات الرجعية و أنّ العفويّة هي التي طغت على التحرّكات الإنتفاضيّة في غياب قيادة مركزية وطنية ... كلّ هذا و لا يخجلون من نعت ما جدّ بالثورة و بإعتبارها ثورة هامة في التاريخ لها أبعاد ليست قوميّة فحسب بل أمميّة ، إنتفاضة من هذا الصنف الذى لم يحدث تغييرا جوهريّا على أي مستوى شكل الحكم ، بإعترافهم ، يرفعها متمركسو حزب العمّال إلى السماء في هذيان لا يخفى أنّ البعض قد لا يجد حرجا في نعته بالسخيف و السخيف جدّا .
و في ثنايا كتاب " المؤتمر الوطني الخامس..." يستخدم مؤلّفو الوثائق و المقرّرات صيغا تفيد بأنّ السلطة هي القضيّة المركزيّة في كلّ ثورة ( بالصفحة 38 على سبيل المثال لا الحصر ) في إحالة على حقيقة لخّصها لينين و ماو تسى تونغ كما سنرى بصورة دقيقة و جليّة كلّ الجلاء ، غير أنّهم لا يطبّقون ذلك على واقع الحال فالسلطة ظلّت بيد الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية و الدولة القائمة ظلّت كما هي دون مساس تقريبا ( بإستثناء تغيير بعض وجوه الساسة و تشريك الإخوان و زحف الفاشيّة الظلاميّة – ص 63) مع تغيير نسبيّ في شكل الحكم لا أكثر ، و مع ذلك يواصلون بطفوليّة ما بعدها طفوليّة الهذيان ب" الثورة التونسية " على أنّها من " الثورات الهامة في التاريخ " و يعقدون في نص " تأمّلات في المسار الثوري : الإنطلاق و التطوّر و المآلات " مقارنة لا تجوز بينها و بين ثورة 1905 في روسيا و كمونة باريس المسلّحتين و اللتين أطاحتا بأجهزة الدولة القديمة و أقامتا أجهزة دولة جديدة حكمت لأيّام فى بطسبورغ مثلا بالنسبة للأولى ( راجع تقرير لينين عن ثورة 1905 ) و لشهرين بالنسبة للثانية التي نعتها إنجلز بأنّها أوّل دكتاتورية بروليتاريا عرفها التاريخ و ألّف ماركس كتابا عنها و إستخلص منها دروسا غاية في الأهمّية ؛ و بوقاحة كبيرة و بصفاقة لا حدود لها يريدوننا أن نصدّق أنّ هذا تطبيق خلاّق منهم للماركسيّة – اللينينيّة !
لا ترد على ذهننا في الآونة الحاضرة سوى كلمات لأبى العلاء المعرّى نستعيرها منه لأنّها جدّ معبّرة عن مهزلة حزب العمّال هذا : هذا معناه ليست لنا عقول !
و لنلتفت الآن إلى لينين و بعض مقولاته التي نستقيها من مصادر لم نعتمدها في جدالاتنا السابقة . و بداية ، لنرى ما يقول في المنجز الذى جعل الجماعة الخوجيّة لحزب العمّال التونسي نقسم بالأيمان الغليظة بأنّها " ثورة " و نقصد " تغيير شكل السلطة " :
"... برجوازية جميع الأقطار تصوغ حتما ، في الواقع ، نهجين للحكم ، أسلوبين للنضال ، دفاعا عن مصالحها و ذودا عن سيطرتها ، - مع العلم أنّ هذين الأسلوبين يتعاقبان تارة و طورا يتعاقدان بمختلف التنسيقات . الأسلوب الأوّل هو أسلوب العنف ، أسلوب رفض كلّ تنازل للحركة العمّاليّة، و دعم جميع المؤسّسات القديمة البائدة ، و التشدّد في إنكار الإصلاحات. ذلك هو جوهر السياسة المحافظة التي تكفّ أكثر فأكثر في أوروبا الغربيّة عن أن تكون سياسة طبقات الملاكين العقاريين و التي تغدو أكثر فأكثر شكلا من أشكال السياسة البرجوازية العامة . أمّا الأسلوب الثاني ، فهو أسلوب " الليبرالية " و التدابير المتّخذة بإتجاه توسيع الحقوق السياسيّة ، بإتّجاه الإصلاحات ، و التنازلات ، إلخ ...
و البرجوازية تنتقل من أسلوب إلى آخر ، لا بدافع الصدفة و لا بدافع حساب سيّئ النيّة يقوم به بعض الأشخاص ، بل بدافع التناقض الأساسي في وضعها بالذات ... ".
( لينين ، " ضد التحريفيّة ، دفاعا عن الماركسيّة " ، دار التقدّم ، موسكو ، باللغة العربيّة ، صفحة 50 )
و " إن أشكال الدول البرجوازية فى منتهى التنوّع ، و لكن كنهها واحد : فجميع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك و فى نهاية الأمر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيد . و يقينا أن الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعيّة لا بدّ و أن يعطى وفرة و تنوّعا هائلين من الأشكال السياسيّة ، و لكن فحواها ستكون لا محالة واحدة : ديكتاتورية البروليتاريا ."
( لينين " الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 37 )
و ليعلم الخوجيّون أنّ التراجع في تونس إلى شكل الحكم القمعي العنيف المفضوح في السنوات القادمة ممكن و وارد و قد بدأت بشائره تطلع علينا منذ مدّة الآن و لن يكون هذا غريبا لا عمليّا و لا نظريّا فتجربة الشيلي من آلندي إلى اليوم مرورا ببينوشى و تجربة الفليبين قبل آكينو و بعدها إلى اليوم و تجربة البرازيل و صعود الفاشيّين هناك و تجربة بوليفيا و تجارب أخرى في أمريكا اللاتينيّة و غيرها تثبت ذلك . و نظريّا ، نبّهنا لينين إلى ذلك في ما سجّلنا أعلاه كما نبّهنا إلى حتّى إمكانية العودة من البرلمانيّة إلى الملكيّة في بعض البلدان :
" إنّ العودة من الجمهوريّة البرلمانيّة البرجوازية إلى الملكيّة من أسهل الأمور ( و قد أثبت التاريخ ذلك ) ، إذ أنّ كل جهاز الإضطهاد يظلّ سليما : الجيش ، البوليس ، البيروقراطيّة . بينا الكومونة و سوفييتات نواب العمّال و الجنود و الفلاّحين ، إلخ ، تحطّم هذا الجهاز و تقضى عليه . "
( الصفحة 380 من المجلّد السادس من " المختارات في 10 مجلّدات " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة باللغة العربيّة )
وهذا في حدّ ذاته ينسف من الأساس إدّعاء الخوجيّين الذين لم يستوعبوا الدروس اللينينيّة بأنّ ما حدث في تونس بين ديسمبر 2010 و جانفى 2011 ثورة !
و آن الأوان لتعريج سريع على تعريفات لينين للثورة وهي أربعة و ليست واحدة كيما لا يقال لنا أنّه تعريف واحد من ضمن تعريفات عدّة أخرى و قد إصطفيناها الأوّل من " الدولة و الثورة " و البقيّة من نفس السنة 1917 وجميعها تصبّ في خانة الماويّة و تطويرها ، الشيوعية الجديدة و تفجّر إلى شظايا و بشدّة إنفجار قنبلة ذرّية ترّهات حزب العمّال الخوجي التحريفي الإصلاحي المعادي للماركسيّة – اللينينيّة الحقيقيّة :
1- " فهل رأي هؤلاء السادة ثورة فى يوم ما ؟ إنّ الثورة هي دون شكّ سلطة ما بعدها سلطة ، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكّان إرادته على القسم الآخر بالبنادق ، بالحراب ، بالمدافع ، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطان ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، باللغة العربيّة ، الصفحة 66)
2- " إنّ إنتقال السلطة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأوّلى ، الرئيسي ، الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة العلمي الدقيق أم بمعناها السياسي و العملي . "
( لينين ، " رسائل حول التكتيك " ، أبريل 1917 ؛ ص346 من المصدر السابق).
3- " سلطة الدولة في روسيا قد إنتقلت إلى ايدى طبقة جديدة هي البرجوازية و الملاّكين العقّاريين المتبرجزين . وعليه، تحقّقت الثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا ."
( لينين ، " مهمّات البروليتاريا في ثورتنا " ، 30 أبريل 28 ماي 1917؛ ص 366 من المصدر السابق ).
4- " إنّ الثورة ، كلّ ثورة ، إذا كانت ثورة حقيقيّة ، تتلخّص في تحوّل في مواقع الطبقات ."
( لينين ، " تحوّل في مواقع الطبقات " ، يونيو 1917 ؛ الصفحة 501 من المصدر السابق )

و في كتابنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلة ، إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " تطرّقنا لمفهوم الثورة و تداعياته و نعتقد أنّ الإطلاع على ما خطّ قلمنا بتلك المناسبة وإن كان طويلا نسبيّا ، يكتسى أهمّية قصوى و له فوائد جمّة للباحثين و الباحثات عن الحقيقة ليطوّروا تنظيراتهم و ممارساتهم على أساس منها :


" فى المعنى المشوّه للثورة و تبعاته :
من فاتحة المقالات التى نشرنا على الأنترنت بموقع الحوار المتمدّن بإمضاء ناظم الماوي فى 2011 بخصوص ما حدث فى تونس بين ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 ، مقالنا " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس " بتاريخ 24 جانفي 2011 و فيه تناولنا بالنقد إنحرافا أخذ يستشرى كالنار فى الهشيم و يعمّ بسرعة مجموعات و منظّمات و أحزاب متمركسة فى تونس و هذا الإنحراف يخصّ مثلا إنجراف ناطقين بإسم حزبين صارا من قيادات الجبهة الشعبيّة إلى تبنّى مصطلح ثورة و إستخدامه لنعت ما حدث فى تونس عوض إنتفاضة تماشيا منهما مع ما كانت تروّج له وسائل الإعلام الرسميّة ، أي وسائل إعلام الدولة و الطبقات الحاكمة التى إنجرفوا وراءها فى طريق تضليل الجماهير و مغالطتها .
و تصرّم الزمن و مرّت الأشهر و طفقت الغالبيّة الغالبة من المناضلات و المناضلين و الكثير من الجماهير يكتشفون حقيقة الأمر و ينحون نحو إستخدام إنتفاضة و أحيانا إنتفاضة و ثورة معا و بلغ الأمر بالجماهير و بمثقّفين و فنّانين أن إستهزؤوا بوصف التغيير الشكلي لا غير بأنّه ثورة .
وقد بيّنت لنا كتابات سلامة كيلة التى تغطّى سنوات 2011 – 2015 على موقع الحوار المتمدّن و موقعه الشخصي على الأنترنت لجوء هذا الكاتب إلى مصطلح الإنتفاضة فى الغالب الأعمّ سنة 2011 مع إستخدام للمصطلحين أحيانا . إلاّ أنّه بعد ذلك و خاصة منذ 2013 أخذ يدافع بإستماتة عن نعت ما جدّ فى تونس و مصر ... بالثورة على الرغم من أنّ الواقع قد زاد من إجلاء أنّ الأمر لا يعدو كونه إنتفاضة شعبيّة لم تهزّ أركان كافة النظام القائم و لم تسقطه بل أطاحت بأحد رموزه فحسب و لم تغيّر شيئا من موقع الطبقات وطبيعة التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية و نمط الإنتاج و طبيعة الدولة.
و سعى مفكّرنا إلى التنظير للمسألة لا سيما فى مقالات " الثورة فى الماركسية " و " عن الثورة والثورة المضادة " و " صدام اللغة والأيديولوجيا في معنى الثورة " ما يقتضى منّا الوقوف عند هذا التنظير لنسوق بصدد هذه المسألة التي تستأهل النقاش جملة من الملاحظات التى نسعى جاهدين لأن تكون من العمق بحيث تجلى المسألة الإجلاء اللازم .
أوّلا ، يقدّم لنا مفكّرنا مفهوما للثورة و لا يقدّم لنا فيما يتميّز عن مفهوم الإنتفاضة و التمرّد و العصيان إلخ . إنّه يركّز بنظرة إحاديّة الجانب على مصطلح و يعرّفه جزئيّا فى حين يتطلّب المنهج المادي الجدلي تطبيق قانون التناقض و تعريف الشيء بما هو و بما ليس هو أي تعريفه إيجابا و سلبا . و هنا نلفى السيّد كيلة يكرّس المنطق الصوري الذى لا ينفكّ يهاجمه .
ثانيا ، يستدعى الحديث عن الثورة الحديث عن نقيضها أي الثورة المضادة غير أنّ السيّد كيلة يستميت فى مقال " عن الثورة والثورة المضادة " فى محاولة دحض الوجود الواقعي للثورة المضادة و يكتفى بوصفه ب " فعل "طبيعي" من قبل الطبقة المسيطرة للحفاظ على سلطتها " ما ينمّ مرّة أخرى عن فهم و تطبيق مشوّهين لقانون التناقض . فإذا كانت الثورة فى آخر المطاف ، فى مقال كيلة ذاك ، تعنى " التمرد الشعبي على السلطة المستبدة " ، لماذا لا يعنى نقيضها أي تحرّكات الطبقات الحاكمة ضدّ التمرّد الشعبي ثورة مضادة ؟
ثالثا ، فى مقال " الثورة فى الماركسية " ( ملاحظات حول منظور لينين عن الثورة ) ، يعرض علينا كاتبنا موقفين للينين هما :
1- " و بالفعل ، ما هي الثورة من وجهة النظر الماركسية ؟ إنها هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي قديم ولى عهده ، وأدى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة، في لحظة معينة، إلى إفلاسه ." ( " خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " ، ص206 ).
2- " تتحقق الثورات في لحظات تفجر جميع الطاقات البشرية وتوترها لدرجة كبيرة، وهي تتحقق بوعي وإرادة وعواطف وتخيلات عشرات الملايين المدفوعة بأحدّ نضال بين الطبقات " ( " مرض "اليسارية " الطفولي في الشيوعية " ، طبعة دار التقدم ، ص107).
و بإبتهاج و تهليل تخاله يقفز من ثنايا الفقرات ، يعلٌق السيد كيلة " هو هنا يتحدث عن الانفجار العفوي تماماً، ومن قبل الملايين بالضبط . هذه هي الثورة " و بعد أسطر يستنتج : " إذن، لينين يسمي كل تمرّد عفوي شعبي ضد النظام ثورة " و ربما إنتبهتم معنا إلى أنّ السيّد كيلة يركّز على " العفوي " و " عفوي " بينما لم يذكر ذلك لينين أصلا بل إنصبّ حديثه عن العكس تماما ، " عن وعي ...الملايين " فى إنسجام معلوم مع مقولته الشهيرة فى " ما العمل ؟ " : " لا حركة ثورية دون نظريّة ثوريّة " !!! و بعد هذا التلاعب بفحوى كلام لينين ، يبذل مفكرّنا كيلة قصارى جهده ليقنع القرّاء بتبنّى تـأويله هو المغرض للموقف الثاني للينين عوض الأوّل !!!
و حتّى فى حال أنّ لينين نطق بموقفين مختلفين ( و ليس الحال كذلك هنا فهما متكاملين تماما لينينيّا ) ، من واجب الباحث عن الحقيقة أن يشبع الموضوع بحثا فيتفحّص مدى صحّة و دقّة الموقفين و أيّهما أقرب إلى الحقيقة و يعكس هذه الحقيقة المادية الموضوعيّة على أفضل وجه و هل يتكامل الموقفان أم يتنافيان و الظروف التى صدر فيهما الموقفين . و هذا أبعد ما يكون عن ما فعله سلامة كيلة فهو كما رأينا يؤوّل كلام لينين كما يحلو له ليوظّفه للدعوة إلى التذيّل إلى العفويّة وتقديسها، العفويّة التى نقدها لينين مطوّلا نقداعلميّا دقيقا و مبدئيّا فى " ما العمل ؟ ". و لن نكون ضد اللينينيّة إن نقدنا مواقفا غير صائبة للينين أو أخطاء ثانويّة لديه ( و إن كانت جدّية ننقدها أيضا كما نقد الماويّون أخطاءا جدّية لدى ستالين منذ عقود الآن وظلّوا يرفعون خلاصة أنّ ستالين ماركسي عظيم قام بأخطاء أحيانا جدّية ). و لن تكون المرّة الأولى لنا كأنصار للخلاصة الجديدة للشيوعية أن ننقد تنظيرات لينين و ممارساته و نقدُنا فى كتاب" آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية " لنزعة قوميّة برزت فى مقال لينين" العزّة القوميّة للروس " لا ينقص شيئا من عظمة لينين و تبنّينا للينينيّة كمرحلة ثانية فى تطوّر علم الشيوعية .
و أكيد أنّ السيّد كيلة و أمثاله لم يفقهوا شيئا من فحوى ما قاله لينين عن الشرط الأوّلى لكلّ ثورة شعبيّة حقّا فى الصفحة 41 من " الدولة والثورة " ( دار التقدّم ، موسكو ) :
" تستحقّ إنتباها خاصا ملاحظة ماركس العميقة منتهى العمق القائلة إنّ تحطيم آلة الدولة البيروقراطية العسكريّة هو " الشرط الأولي لكلّ ثورة شعبيّة حقّا ." "
أضف إلى هذه الملاحظات التى تؤهّلنا إلى إستخلاص أنّ كاتبنا إنحدر إلى المثاليّة و غرق فى لجّاتها أنّ الإنجرار إلى مربّع وصف ما جدّ فى تونس و مصر ... بالثورة ليس خاطئا و حسب بل ضار للغاية أيضا و فى مقالنا " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس " فى 24 جانفي سنة 2011 علّقنا على المسألة فقلنا :
" إنّ رموز بعض التيارات أو الأحزاب اليسارية الذين طلعوا علينا فى التلفزة يوم 22 جانفي منطلقين فى حديثهم من إعتبار ما حصل إنتفاضة ليختموه بأنّها ثورة – حمّه الهمّامي الناطق بإسم حزب العمّال الشيوعي التونسي- أو الذين يصيحون بأنّها ثورة و يا لها من ثورة متميّزة – شكرى بلعيد الناطق بإسم حركة الوطنيين الديمقراطيين- أو الوطنيين الديمقراطيين الوطد الذين كتبوا فى بيان يوم 14 أنّها إنتفاضة شعبية ليتحدّثوا فى نداء يوم 16 عن ثورة عارمة و مضمون وطني و شعبي و ديمقراطي و أهداف داعية للحرية و العدالة الإجتماعية من وجهة نظر العمال و الكادحين، إنّ هؤلاء جميعا من جهة ينشرون الأوهام حول الإنتفاضة و دولة الإستعمار الجديد عوض نشر الحقيقية التي هي وحدها الثورية كما قال لينين و من جهة ثانية يقدّمون خدمة من حيث يعلمون أو لا يعلمون لأعداء الشعب حيث هؤلاء الأخيرين نفسهم يستعملون كلمة الثورة لمغالطة الجماهير و دعوتها بعد القيام بها إلى الركون و السكون و الكفّ عن خوض النضالات و توسيعها و عدم المسّ من مختلف أجهزة بيروقراطية الدولة و الجيش و العودة إلى الحياة العادية مكتفين بما حصل من تغيير على أنّه ثورة ناجزة.
و فضلا عن هذا الخلط النظري و الضرر السياسي و العملي الذى يلحقه بالصراع الطبقي إستعمال مفاهيم مضلّلة ،ثمّة خطر إعتبار الثورة تمّت و إيهام الجماهير بأنّه لا رجعة عن المكاسب المحقّقة فى حين أنّ واحد من أهمّ دروس الصراع الطبقي فى العالم التي إستخلصتها البروليتاريا العالمية هي أنّ مثل هذه المكاسب أو الإصلاحات قابلة للذوبان و التآكل و الإلتفاف عليها لاحقا حتى و إن سجّلت فى الدستور و فى قوانين و عليه لا بدّ من إبقاء الجماهير متيقّضة و رفع وعيها لتحافظ عليها و توظّفها لمزيد رفع الوعي و التقدّم بالنضال نحو الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الماركسي- اللينيني- الماوي و الكفيلة بحلّ التناقضات الأساسية الوطنية و الديمقراطية و تمهيد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية." ( إنتهى المقتطف )
هذا و قد إعترف السيّد كيلة بأنّ ما أطلق عليه ثورات قد تمّ الإلتفاف عليه و لم يرتق إلى إحداث تغييرات نوعيّة و جوهريّة فى البنية الفوقيّة و البنية التحتيّة للمجتمع :
- " يبدو أن الثورة تتعثر، ويجري الالتفاف عليها، حيث لا يشعر الشعب بأن شيئاً قد تغيّر، وأن دم الشهداء قد أحدث ما يوازيه من تغيير يحقق مطالب الطبقات الشعبية.
وإذا كانت الطبقة المسيطرة تعمل على إعادة بناء سلطتها بعد أن اهتزت تحت وقع ضربات الشعب، ولازال رجالاتها ممسكون بمفاصل السلطة، ويعملون على امتصاص الانفجار الشعبي من خلال تحقيق تغييرات شكلية تطال البنية السياسية للسلطة ولا تلمس النمط الاقتصادي أو العلاقات الخارجية، خصوصاً الارتباط بالإمبريالية الأميركية" .( " الثورة التونسية ما هو التكتيك الضروري الآن؟ " )
- " كانت نتيجة الانتفاضات التي حدثت هي الفشل،أو حدوث أشكال من التغيير في بعض الحالات، هذا التغيير الذي خدم شرائح من البورجوازية على حساب أخرى، ولم يؤد في كل الأحوال إلى تحقيق التغيير الجذري، الذي يعني انتصار القوى المعبِّرة عن مطامح الطبقات الشعبية صانعة الانتفاضات ." ( " سمات النشاط الجماهيري و وضع الحركة الماركسية " )
- " لكن النتائج التي حصلت لم تحقق حتى هذا الحلم الشبابي. فقد أفضت عفويتها إلى إسراع الطبقة المسيطرة إلى محاولة امتصاص الأزمة من خلال "إسقاط الرئيس" وتحقيق انفراج ديمقراطي يسهم في إدماج فئات من الرأسمالية التي جرى استبعادها بفعل الطابع الاحتكاري لنشاط الرأسمالية المافياوية الحاكمة، كما يسهم في توسيع القاعدة السياسية لسلطتها، عبر إشراك الإخوان المسلمين في سلطة "ديمقراطية منتخبة ". وبالتالي إعادة بناء السلطة في شكل جديد دون المساس بالنمط الاقتصادي الذي أسسته." ( " الماركسية وطريق انتصار الانتفاضات في البلدان العربية ")
لكنّه ظلّ يعمد إلى إستخدام " ثورة " مبرّرا ذلك بأنّ عدم النظر إلى المسألة على ذلك النحو يجرّ إلى الإستقالة و ترك الجماهير وحدها دون مشاركة " الماركسيين " للتأثير فى مجريات النضالات . و هنا نلفى سلامة كيلة يمارس مجدّدا البراغماتيّة و " الحقيقة السياسيّة " حيث يطوّع الواقع و يشوّهه لخدمة أغراض سياسيّة ، لا يبحث عن الحقيقة كإنعكاس لواقع مادي موضوعي بل ينتج قراءة للواقع ما هي بالحقيقيّة ( حتّى لا نقول شيئا آخر ) و الغاية هي توظيفها و إستخدامها أداة لدعم الإنتفاضات . ومجدّدا تسقط ورقة التوت عن براغماتيّة مناضهة لنظرية المعرفة الماركسية و لما أكّده لينين و ماو تسى تونغ و بعدهما بوب أفاكيان عن أهمّية الحقيقة و ثوريّتها .
هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، يكذّب الواقع ذاته رؤية سلامة كيلة هذه إذ ساهم و أحيانا مساهمة هامة " الماركسيّون " فى هذه الإنتفاضات و فى بعض المناطق أو الجهات قادوها لكن المشكل الجوهري هو أنّهم كانوا يسلكون سياسات إصلاحيّة بالأساس و يرفعون شعارات إصلاحيّة لا غير و لم يرفعوا الوعي الشيوعي للجماهير بل نزلوا هم إلى مستوى وعيها العفوي و المطلبي الأدنى و قبعوا هناك غالبا ( و إن أضاف البعض مطالبا سياسيّة إصلاحيّة أيضا ).
و حتّى " إسقاط النظام " الذى ظهر فى آخر أيّام الإنتفاضة الشعبيّة فى تونس مثلا و على نطاق معيّن ، لم يقصد به الإطاحة بدولة الإستعمار الجديد و الطبقات الحاكمة و تغيير نمط الإنتاج و التركيبة الإقتصادية الإجتماعية إلخ إنّما قصد به الإطاحة برأس الدولة و تبديله فحسب . وهو ما تحقّق فى تونس و مصر على سبيل المثال دون تحقّق تغيير جوهري فى جهاز الدولة و النظام الإقتصادي – الإجتماعي ببنيته التحتيّة و البنية الفوقيّة المناسبة له .
فهم كيلة و محاججته المتحرّكان داخل بنيته الفكرية " للماركسية المناضلة " لا يصمدان أمام الوقائع العنيدة و الحقيقة التى هي وحدها الثوريّة كما عبّر ذات مرّة لينين . و زد إلى ذلك ، و يا للمفارقة ، أنّ سلامة كيلة فى " طريق الإنتفاضة " يصرخ عاليا بأنّ طريق التغيير هو طريق الإنتفاضة و ليس طريق الثورة ! و ليفهم من يستطيع الفهم !
ونخطو خطوة أخرى فنستحضر ماو تسى تونغ الذى يذكره مفكّرنا أحيانا بخير فى ما يتعلّق بالجدليّة ( مع أنّ مفكّرنا لم يستوعب عمق معالجته للتناقض فى " فى التناقض " و فى غيره من الأعمال ولم يقدر على تطبيق الفهم الماوي العميق على الواقع كما رأينا و يشوّه ماو و الماويّة فى أكثر من مناسبة ) و ينساه تمام النسيان فى ما عدا ذلك رغم أنّ لديه تعريف شهير صائب للثورة و جميل فى صياغته هو :
" ليست الثورة مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقّة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس . إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى".
( ماو تسى تونغ ، " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان" – مارس : آذار 1927، المؤلفات المختارة ، المجلّد الأوّل و أيضا ب" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، صفحة 12- 13) .
فتعريف ماو إذن يفرّق بين الإنتفاضة والثورة و يميّز الثورة بالعنف الثوري لأنّ الإنتفاضات قد تكون سلميّة إلى حدود ، و بالإطاحة بالطبقات الحاكمة و إحلال طبقات أخرى محلّها . و بناء على هذا التعريف العلمي الدقيق و إنطلاقا من الواقع المعيش و ما أفرزه عربيّا و بإعتراف من كيلة ذاته ، ليس بوسعنا نعت ما أطلق عليه البعض للتضليل " الربيع العربي " ب " الثورة " .
و ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى فنؤكّد أنّ مفهوم الثورة شأنه شأن مفهوم الإشتراكيّة و غيرهما من المفاهيم الماركسية مفاهيم متطوّرة و ليست جامدة و علم الشيوعيّة ككلّ علم يضع موضع السؤال مفاهيمه و يصحّحها جزئيّا إن لزم الأمر أو يضيف تدقيقات يفرضها الواقع أو كشفت عنها النقاب الممارسة العملية و التنظير الثوريين و قد يستبعد أيضا مفاهيما يراها أضحت لا تعكس الواقع و الحقيقة كما يجب مثلما رأينا بخصوص نفي النفي و جوهريّة قانون التناقض لدى لينين و ماو تسى تونغ . و هنا نلاحظ تطوّر مفهوم الثورة و نردفه بالتذكير بتطوّر مفهوم الإشتراكيّة ليمسي الأمر أيسر على الفهم ، حيث وجدت عدّة إشتراكيّات عرضها " بيان الحزب الشيوعي " و إشتراكية خياليّة و أوجد ماركس و إنجلز إشتراكية علمية ثم صارت الإشتراكية ، ماركسيّا ،الطور الأدنى من الشيوعية ( أنظروا " الدولة و الثورة " للينين ) و كان يُعتقد أنّها ستكون فترة قصيرة الإمتداد زمنيّا و دلّلت التجارب على عكس ذلك و لم يكن الحزب الشيوعي السوفياتي و على رأسه ستالين منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي يقرّ بالصراع الطبقي فى الإتحاد السوفياتي و تواصله و بوجود الطبقة البرجوازية القديمة و الجديدة التى تنشأ جرّاء تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته و بفضل الدراسة و التحليل والتلخيص للواقع و خوض غمار صراعات الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية و صلب الحزب الشيوعي الصيني، توصّل ماو تسى تونغ إلى صياغة نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و قد شرحنا بعجالة فحواها كما شرحنا مفهوم الإشتراكية فى ما مضى من فقرات كتابنا هذا .
و فى أتون الصراع الطبقي عالميّا و فى الولايات المتحدة الأمريكيّة ، وبفضل جهود نظريّة طوال ما يناهز الأربعين سنة، أعاد بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري و صاحب الخلاصة الجديدة للشيوعية صياغة مفهوم الثورة شيوعيّا و جدلية الهدم و البناء ( طبعا دون التغاضي عن الفرق بين طريق الثورة فى البلدان الرأسمالية - الإمبريالية و البلدان المستعمرة و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ) و بُعدها العالمي و مفهوم الوضع الثوري ليكون أوضح و أرسخ علميّا فكتب :
- " من المهمّ أوّلا أن نبيّن بالمعنى الأساسي ما نعينيه حين نقول إنّ الهدف هو الثورة، و بوجه خاص الثورة الشيوعية. الثورة ليست نوعا من التغيير فى الأسلوب و لا هي تغيير فى منحى التفكير و لا هي مجرّد تغيير فى بعض العلاقات صلب المجتمع الذى يبقى جوهريّا هو نفسه . الثورة تعنى لا أقلّ من إلحاق الهزيمة بالدولة الإضطهادية القائمة و الخادمة للنظام الرأسمالي – الإمبريالية و تفكيكها – و خاصّة مؤسساتها للعنف و القمع المنظّمين ، و منها القوات المسلّحة و الشرطة و المحاكم و السجون و السلط البيروقراطية و الإدارية – و تعويض هذه المؤسسات الرجعية التى تركّز القهر و العنف الرجعيين ، بأجهزة سلطة سياسية ثوريّة و مؤسسات و هياكل حكم ثوريّة يرسى أساسها من خلال سيرورة كاملة من بناء الحركة من أجل الثورة ، ثمّ إنجاز إفتكاك السلطة عندما تنضج الظروف – و فى بلد مثل الولايات المتحدة سيتطلّب ذلك تغييرا نوعيّا فى الوضع الموضوعي منتجا أزمة عميقة فى المجتمع و ظهور شعب ثوريّ يعدّ بالملايين و الملايين تكون لديه قيادة شيوعية ثورية طليعية و هو واعي بالحاجة إلى التغيير الثوري و مصمّم على القتال من أجله.
و مثلما شدّدت على ذلك قبلا فى هذا الخطاب ، فإنّ إفتكاك السلطة و التغيير الراديكالي فى المؤسسات المهيمنة فى المجتمع ، حين تنضج الظروف ، يجعل من الممكن المزيد من التغيير الراديكالي عبر المجتمع – فى الإقتصاد و فى العلاقات الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و السياسية و الإيديولوجية و الثقافة السائدين فى المجتمع . و الهدف النهائي لهذه الثورة هو الشيوعية ما يعنى و يتطلّب إلغاء كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد و كلّ النزاعات العدائية المدمّرة فى صفوف البشر ، عبر العالم . و على ضوء هذا الفهم ، إفتكاك السلطة فى بلد معيّن أمر حاسم و حيوي ويفتح الباب لمزيد من التغييرات الراديكالية و إلى تعزيز النضال الثوري عبر العالم و مزيد التقدّم به ؛ لكن فى نفس الوقت ، رغم أنّ هذا حاسم وحيوي ، فإنّه ليس سوى الخطوة الأولى – أو القفزة الكبرى الأولى – فى النضال الشامل الذى ينبغى أن يستمرّ بإتجاه الهدف النهائي لهذه الثورة : عالم شيوعي جديد راديكاليّا . "
( " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق " ، الجزء الثاني - " بناء الحركة من أجل الثورة " ، الثورة 2011 ؛ و أيضا الفصل الثالث من " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، ترجمة شادي الشماوي – مكتبة الحوار المتمدّن )
- " ما هو الوضع الثوري ؟ أزمة عميقة و نزاعات محتدّة فى المجتمع و فى أوساط الحكومة و الأوساط الحاكمة ، حيث لا تستطيع إيجاد طريقة لمعالجة هذه النزاعات - فى المجتمع و فى صفوفها ذاتها - ما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لها و يستدعى المزيد من المقاومة و تزيد من تقويض إعتقاد الناس فى " حقّها فى الحكم " و فى " شرعيّة " إستخدامها للعنف للحفاظ على حكمها ؛ تكشّف أنّ برامج " إصلاح " النظام أفلست وهي كلّيا غير قادرة على معالجة ما يقرّ به متزايد من الناس على أنّه فساد وظيفي عميق و ظلم لا يطاق للوضع بأكمله ؛ و يوجد الذين فى المجتمع مثلما فى صفوف الطبقة العاملة ، يسعون إلى فرض النظام القائم فى وضع دفاعي حتّى و إن كانوا يبذلون قصارى الجهد ؛ بحث الملايين بنشاط عن التغيير الجذري وهو مصمّمون على القتال من أجله و ينوون المجازفة بكلّ شيء لكسبه ؛ لبّ صلب من الآلاف متّحد حول قيادة قوّة طليعيّة منظّمة لها رؤية و منهج و إستراتيجيا و خطّة – و هي تعمّق صلاتها بصفوف الجماهير الشعبيّة – لتقود عمليّا القتال لإلحاق الهزيمة و تفكيك القوّة القمعيّة العنيفة للنظام القائم و هيكلة سلطته و لإنشاء نظام ثوري جديد يمكن أن يوفّر للشعب وسائل تغيير المجتمع تغييرا جذريّا بإتّجاه هدف إلغاء الإضطهاد والإستغلال . "
(What Is a Revolutionary Situation? by Bob Avakian | February 9, 2015 | Revolution Newspaper | revcom.us)
وهكذا مفهوم سلامة كيلة للثورة مفهوم صوري و إحادي الجانب و مثالي ناجم عن نزعة براغماتية و لا ينتج إلاّ الإضطراب فى الرؤية و عليه كي لا نسير إلى الضعف و الهزال النظريين و العمليين و نبيت فى مهبّ الريح وجب تجاوزه و معانقة المفهوم المادي الجدلي و العلمي للثورة من منظور علم الشيوعية فى أرقى تطوّراته اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية . "
( إنتهى المقتطف من كتابنا ، " نقد ماركسية سلامة كيلة ، إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية " )

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------