إقتصاد سياسي الصحة المهنية أو نظام الصحة المهنية كخلاصة مركزة للصراع الطبقي


بندر نوري
2020 / 4 / 1 - 02:42     

مقدمة منهجية
يفترض الإقتصاد السياسي الماركسي إنقسام المجتمع إلي طبقات إجتماعية متصارعة طبقة ملاك وسائل الإنتاج (البرجوازية)، وطبقة تعيش علي بيع قوة عملها ولا تمتلك سوي ذلك من أجل الحصول علي معينات الحياة (أجر يغطي الحوجات الأساسية من أكل وشرب ومأوي والبقاء حيا للذهاب للعمل، مع الأخذ في الإعتبارظهور أشكال جديدة للأجور مع الليبرالية الجديدة !)، مصدر تراكم الثروة للبرجوازية هو إستغلال العاملين حيث يعبر الأجر عن يوم العمل الأساسي فقط بينما يعمل العمال ساعات عمل غير مدفوعة الأجر مجانا للراسمالي يمثل فائض القيمة (قسم ماركس يوم العمل إلي يوم العمل الأساسي وإضافي، وأن الأجر الذي يأخذه العمال يتم إنتاج قيمته من خلال يوم العمل الأساسي مثلا إذا كانت ساعات العمل 8 ساعات تمثل يوم العمل الأساسي 4 ساعات بيكون العامل أشتغل قدر مرتبه بينما يعمل 4 ساعات أخري لإنتاج فائض قيمة للبرجوازي) (راس المال الجزء الأول).
تتشكل هياكل جهاز الدولة والتقسيم الإجتماعي للعمل وغيره من أجل التعبير عن الشكل الإجتماعي التاريخي الملائم لمراكمة الفوائض، لذا الشكل التاريخي لتنظيم جهاز الدولة والنظام الصحي ونظام الصحة المهنية تعبر عن التحولات التي تحدث في التنظيم الإجتماعي للعمل وتوزيع الخيرات المادية بين الطبقات الإجتماعية المختلفة. (Brett Heino, 2013)
في فترة مابعد الحرب العالمية التانية بعد أزمة التراكم الراسمالي في الثلاثينيات ازدهرت الكينزية والنموذج الفوردي للتنمية وتنظيم الانتاج وكان التراكم الراسمالي يعتمد علي الانتاج بوفرة مع زيادة الاستهلاك علي طريق تدخل الدولة في اعادة توزيع الدخل وزيادة القدرة الشرائية للعاملين عن طريق تكوين نقابات عمالية قوية.
مع أزمة التضخم والركود وأزمة التراكم الراسمالي في السبعينات تم التحول من الكينزية إلي الراسمالية المالية ( الليبرالية الجديدة) والتعبير السياسي لهذا التحول كان انتخاب ريغان وتاتشر فيما عرف بالريغانية والتاتشرية. تم التنظير للاساس الاقتصادي للتحول من الكينزية لليبرالية الجديدة في جامعة شيكاغو وكان من ابرز المنظرين الاقتصاديين ميلتون فريدمان الذي قال بان الإقتصاد الخالي من القيود وتدخلات الدولة سوف ينمو بشكل اسرع والفوائد سوف تعود علي الفقراء.
برنامج التكييف الهيكلي (Structural Adjustment Program) هو الوسائل العملية التي تستخدمها المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي ((IMF والبنك الدولي ((WB لنشر وتنفيذ اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة عبر التفاوض المباشر مع وزراء المالية في الدول المختلفة عن طريق استخدام برنامج التكيف الهيكلي كشرط لجدولة الديون القديمة واقراض ديون جديدة في المستقبل. إذا لم ينجح التفاوض في احداث التغييرات المطلوبة يتم اللجوء إلي التدخل العسكري المباشر كما أشار لذلك بروف ديفيد هارفي في كتابه عن الليبرالية الجديدة.
وضعت المؤسسات المالية شروط علي الدول يجب أن تفي بها وتمثل هذه الشروط برنامج التكيف الهيكلي وهي:
• أن تقوم الحكومات بتخفيض القوي العاملة في القطاع الحكومي.
• تخفيض الأجور.
• تخفيض ميزانيات القطاعات الحكومية خاصة قطاع الخدمات ( التعليم والصحة)..
• إلغاء الدعم الحكومي للسلع الضرورية وتدخلات الدولة لحماية الأسعار.
• تعويم العملات المحلية.
• بيع أصول الدولة مما يعني تمدد القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني (NGOs)في تقديم الخدمات الاجتماعية.
• تقليل الضرائب علي الإستثمار الأجنبي.
• إضعاف تدخلات الدولة في حماية البيئة وحماية العمالة عن طريق إضعاف النقابات العمالية التي استمدت قوتها ووزنها السياسي في الفترة الفوردية بالاضافة الي تغيير قوانين العمل لمصلحة راس المال من ناحية الحق القانوني في تسريح العمالة بدون قيود واضعاف قوانين الصحة المهنية.
• عدم تدخل الدولة في حركة راس المال والحركة العكسية لفائض القيمة.
في عام 1989 تم صك مصطلح إجماع واشنطن للتعبير برنامج التحالف الذي يجمع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, ووزارة الخزانة الأمريكية من اجل التعامل مع إقتصاديات مابعد التكيف الهيكلي ( فرض اقتصاد تقشف) .(Chapman 2010)
بحلول عام 1991 أصبحت 75 دولة فقيرة حول العالم مستقبلة للدعم المرتبط بالتكيف الهيكلي، 30 دولة في افريقيا و 18 دولة في أمريكا اللاتينية.
في السودان أول محاولة لتطبيق برنامج التكيف الهيكلي كان عام 1978 في عهد الرئيس جعفر نميري، وفي عام 1989 بعد إنقلاب الجبهة الاسلامية تمت إعادة المحاولة وتم تنفيذ كل مراحل البرنامج ( التثبيت و التكيف) لكن بدون مساعدات تقنية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كما أشار لذلك د. عبد الحميد الياس في احدي بحوثه (Suliman 1997). المرحلة الأخيرة من التكيف الهيكلي أي العلاج بالصدمة التي أعلن عنها رئيس وزراء الجبهة الإسلامية معتز موسي في يناير 2018 والتي إشتملت علي تحرير القطاع المصرفي والمالي، تحرير التجارة الخارجية، إنسحاب الدولة الكامل من دعم السلع الضرورية هو نفس البرنامج الذي تبنته السلطة الإنتقالية وأعلنت عنه في موجهات موازنة 2020، موازنة 2020 وسياسات البنك المركزي لنفس العام .
من تاثيرات برنامج التكيف الهيكلي انه أدي إلي خلق طبقات راسمالية مسيطرة ( راسمالية مالية) أو اعادة السيطرة الطبقية مع خلق اليات جديدة للتراكم الراسمالي تمثلت في التراكم عن طريق النزع ((Accumulation by dispossession (نزع الاراضي وأصول الدولة)، الفساد، المضاربات، تجارة العملة، والتحول في أشكال وشروط التوظيف من الوظائف الدائمة إلي المؤقتة وما يصحب ذلك من استغلال للعمالة كما أشار لذلك ديفيد هارفي (Harvey 2005).
التنمية غير المتوازنة والتي تعتبر سمة من سمات التنمية الراسمالية وإحدي تناقضاتها الداخلية كما ذهب لذلك ديفيد هارفي (Harvey, 1992) &(Harvey, 2005b الذى يعتبر التفاوت الجغرافي في التنمية الراسمالية هو الضمانة للحفاظ علي معدلات عالية من الأرباح حيث تعتبر المناطق الفقيرة تنمويا هي منبع العمالة الرخيصة للمناطق الاكثر نموا. بالإضافة إلي التفاوت بين الريف والمدينة حيث يتشكل الريف في المنظومة الراسمالية من أجل مد المدن الراسمالية بالمواد الخام وما يستتبع ذلك من تمركز الخدمات مع تمركز الثروة في المدن والهجرة من الريف للمدينه مما يساهم فى تشكيل القطاع غير المنظم (ينشأ خارج اطار الدولة وتدخلاتها الناظمه بما فيها نظام الصحة المهنية) (Harvey, 2012).
من تأثيرات سياسات التكيف الهيكلي أنها تعمل بشكل هيكلي علي تقلص القطاع المنظم وتمدد القطاع غير المنظم لدرجة أنه أصبح يحتوي علي 65% من العمالة في السودان، اليات تشكل هذا القطاع يمكن تلخيصه في الأتي:
التحول في أليات التراكم الراسمالي للتراكم المرن المرتبط بإعادة تشكيل سوق العمل وعلاقات العمل مما يتيح مرونة كبيرة لراسمال للتخلص من العمالة متي ما دعت الحوجة. أولي الخطوات في هذه التحولات كانت التحول في أنماط التوظيف من الوظائف الدائمة إلي الوظائف المؤقتة وما يصحب ذلك من فقدان لكل الحقوق الحمائية من معاش، تأمين إجتماعي، وغيره. وهذه التحولات تمت تسميتها بالعمالة غير المهيكلة في القطاعات المنظمة. هذه التحولات ساهمت بشكل مباشر في إعادة توزيع الدخل بين العمال والراسمالين حيث تم التنصل من الحقوق التي انتزعتها الطبقة العاملة في ظل الكينزية ولصالح زيادة معدل الأرباح والتراكم الراسمالي ،أي بمعني أخر يرتبط التراكم الراسمالي بزيادة إستغلال العمالة إلي أقصي مراحله ويتطلب ذلك تحطيم النقابات وتدجينها كما حدث في السودان. حيث يعتمد التراكم المرن في ظل الليبرالية الجديدة علي زيادة فائض القيمة النسبي وذلك بالتخلص من العمالة والعمل بالحد الأدني من العمالة مما يساهم في زيادة معدل الربح كما أشار لذلك أليكس كلانيكوس (Alex Callinicos, 2010).
إعادة تشكيل إقتصاديادت الدول من أجل الحصول علي قروض جديدة وجدولة الديون القديمة حيث لاتشمل خطة إقتصادات الليبرالية الجديدة خلق وظائف جديدة مما يفاقم من مشكلة البطالة ونمو القطاع غير المنظم، رغم إدعاءات المؤسسات المالية العالمية بان نمو القطاع الخاص كهدف من هذه السياسات سوف يسهم في إعادة توظيف العطالة، تكذب الأرقام هذه الإدعاءات حيث إنخفضت نسبة التوظيف في القطاع العام في الفترة من 1990-2005-2010 من 58% إلي 30% في الجزائر, ومن 32% إلي 27% في مصر, ومن 26% إلي 11% في المغرب ومن 32% إلي 22% في تونس حيث فشل القطاع الخاص في سد العجز في التوظيف في القطاع العام. ربطت عدد من الدراسات وجود ترابط بين تنامي القطاع غير المنظم وإرتفاع معدل البطالة في كل من موريتانيا، ليبيا، السودان، تونس، الجزائر، ومصر (Elsaadi, 2016) .
في السودان تم تقدير معدل العطالة عام 2011 بحوالي 18.8% من السكان وتتفاوت النسبة بين الذكور والإناث من 13.7% إلي 32% علي الترتيب حيث أن نسبة العطالة أكبر وسط النساء من الرجال. بينما بين الشباب نسبة العطالة أكبر 24.5% مع الحفاظ علي نفس التفاوت بين الجنسين حيث أن العطالة أكبر وسط النساء (27.5%) أكثر من الرجال (22.6%). (Hassan Ahmed& Ashraf Osman, 2016).
شروط المؤسسات الدولية الخاص بإعادة هيكلة القطاع العام وذلك بتخفيض العمالة في هذا القطاع ساهم بشكل مباشر في تنامي القطاع غير المنظم. حيث تشير بعض الإحصائيات إلي فصل أكثر من 250 ألف موظف وعامل في بدايات تطبيق برنامج التكيف الهيكلي حيث عرف هذا الفصل في العرف السياسي السوداني بالإحالة للصالح العام. بالإضافة إلي تخفيض ميزانيات الدولة وإنسحابها من إدارة الإقتصاد وتقديم الخدمات الإجتماعية أدي إلي ضعف دخول العاملين في القطاع المنظم وإفقارهم مما حدا بهم إلي البحث عن وسائل عيش أخري وإنتهي بهم الأمر إلي القطاع غير المنظم.
كل مرحلة من مراحل الراسمالية يصاحبها تنظيم محدد وملموس لجهاز الدولة الذي يوفر اليات هيكلية للتراكم الراسمالي، تستخدم الورقة تعريف بولانتزاس (بولانتزاس 1978) لجهاز الدولة كتعبير عن التركيز المادي لموازين القوي الإجتماعية مما يعطي مرونة أكثر في تحليل وتفسير التحولات التي تحدث في جهاز الدولة من دولة متدخلة في إدارة النشاط الإقتصادي وتقديم الخدمات الإجتماعية في المرحلة الكينزية والفوردية إلي دولة غير مسئولة ومضمحلة في المرحلة الليبرالية الجديدة حيث ينحصر دورها في تهيئة الأجواء للإستثمار وتمدد القطاع الخاص وخصخصة الأدوار التاريخية التي كانت تقوم بها الدولة. تراجع الدولة من توفير نظام الصحة المهنية يقلل تكاليف الإنتاج وبالتالي يزيد أرباح راس المال بشكل مباشر، وفي مراحل متقدمة يتم بناء نظام الصحة المهنية بواسطة شركات خاصة ويصبح مصدرا للتراكم الراسمالي.
مفهوم الصحة المهنية:
هو النظام المعني بوقاية وعلاج العاملين من إصابات العمل والأمراض المهنية بغرض زيادة الإنتاجية. للتحدث عن الصحة المهنية لابد من وضعها في سياقها الإجتماعي كتعبير عن الصراع الطبقي وموقع كل قوة إجتماعية في عملية العمل الإجتماعية كما يذهب لذلك Elling (1989). وذهب B. Heino أبعد من ذلك بان تحديد شكل تنظيم نظام الصحة المهنية والقوانين التي تنظم عمل هذا النظام والطبقة الإجتماعية التي تعبر هذه القوانين عن مصالحها عملية أجتماعية كاملة الدسم تعبر عن موقف الصراع الطبقي في مرحلة تاريخية محددة. لذا خرج بخلاصة أن شكل نظام الصحة المهنية ووظيفته وطريقه عمله مرتبط بنوع التنمية المتبعة في الدولة المحددة في الظرف التاريخي المحدد. بالإضافة إلي ذلك تنظيم جهاز الدولة البرجوازي ودوره في عملية التراكم الراسمالي في المراحل المختلفة للنظام الراسمالي (أزمة التراكم والإزدهار) يحدد دور نظام الصحة المهنية في عملية التراكم الراسمالي من خلال المحافظة علي صحة العاملين مما يساهم في زيادة فعالية العمل وبالتالي إنتزاع فائض القيمة (Brett Heino, 2011). حدد ماركس في راس المال أهمية وجود طبقة عاملة لا تملك سوي بيع قوة عملها من أجل إعادة إنتاج النظام الراسمالي كنظام إجتماعي وإقتصادي لذا ضرورة أن تقوم الدولة البرجوازية (في مرحلة الرفاه الإجتماعي) بتوفير نظام للصحة المهنية مهمته حماية ووقاية صحة العاملين وبالتالي إعادة إنتاج وجودها كطبقة من أجل زيادة الأنتاج والتراكم الرأسمالي، هذا النظام خاضع لمنطق التراكم الراسمالي والمراحل التاريخية التي تمر بها الراسمالية واليات التراكم الراسمالي المصاحبة لكل مرحلة تاريخية محددة.
في ظل الليبرالية الجديدة تتمثل الية التراكم الراسمالي في التخلص من العمالة (زيادة الإستغلال) بالتحولات التي حدثت في تنظيم العمل (ما بعد الفوردية)، بمعني إنتهاء مرحلة التنظيم العملاق لمكان العمل حيث تتسم المرحلة بالتشظي والتخصص، مما أدي لظهور أماكن عمل صغيرة وتعمل بالحد الأدني من العمالة (عامل واحد يقوم بعمل 10 عمال مثلا)، بدل أن تتم صناعة عربة في مصنع واحد تتم الصناعة في عدة مصانع كل مصنع متخصص في صناعة جزء محدد من العربة، والمصنع الأخير يقوم بتركيب كل الأجزاء (يمكن قراءة تفكيك المستشفيات التعليمية مثل مستشفي الخرطوم وتحويل خدمتها لمستشفيات صغيرة مثل إبراهيم مالك بسيطرة تنظيم العمل ما بعد الفوردية). وفي النهاية الهدف هو العمل بالحد الأدني من الطبقة العاملة، بالإضافة إلي الحد من تجمعات العمال بأعداد كبيرة بقدر الإمكان ( تخفيف التناقض بين الطبيعة الإجتماعية لتنظيم العمل والملكية الفردية). بالإضافة إلي تقليص عدد العمال يعتمد إقتلاع الفائض علي التنصل من كل المكتسبات التي تحصل عليها العمال من خلال نضالاتهم التاريخية من وظيفة دائمة، أجر مجزي، حقوق ما بعد الخدمة، ونظام الصحة المهنية لان هذه الحقوق والمكتسبات تزيد من تكاليف الإنتاج وبالتالي تقلل أرباح الراسمالية، بالإضافة إلي ذلك وجود جيش إحتياطي من العاطلين يجعل الحفاظ علي صحة الطبقة العاملة غير ذات جدوي طالما يمكن إستبداله بسهولة وربما بأجر أقل. تمظهر هذا التنصل في قوانين منحازة لراسمال المال بشكل واضح كما حدث في فرنسا والنرويج، أو تعطيل نصوص القوانين علي مستوي الممارسة العملية بان تكون النصوص خالية من اليات عملية لتنفيذها كما فى السودان على سبيل المثال.
هذه الورقة تفترض أن النمط الراسمالي المسيطر، وشكل وتنظيم جهاز الدولة المعبر عن التحولات الحاصلة في تنظيم علاقات العمل الإجتماعية وتوزيع الخيرات المادية بين الطبقات الإجتماعية يحددان وشكل ووظيفة وطريقة عمل نظام الصحة المهنية في واقع محدد وظرف تاريخي محدد. مع إضعاف مقاومة الحركة العمالية عبر الهجمات المستمرة علي النقابات وتنظيمات العمال وتحويلها لأجسام إصلاحية Brett Heino, 2013)).
معلومات أساسية عن السودان ونظام الصحة المهنية:
يبلغ عدد السكان في السودان 39,600 مليون، حوالي ثلث هذا العدد عاملين ومهنيين (12 مليون) (أخر تعداد سكاني 2008) موزعين كالاتي:
• 26% في القطاع الزراعي
• 34% في القطاع الصناعي
• 40% في قطاع الخدمات.
موقف إصابات العمل عالميا ومحليا:
حسب تقديرات منظمة العمل الدولية عام 2014 كانت هنالك 15 مليون حالة إصابة عمل، 11 مليون مرض مهني و2300 حالة وفاة نتيجة إصابات العمل والأمراض المهنية سنويا.
الموقف في السودان:
توجد إشكالات كبيرة في المعلومات المرتبطة بالصحة المهنية نتيجة الإشكالات التي يعاني منها نظام الصحة المهنية، المعلومات المتوفرة تشير إلي إرتفاع في معدلات الوفاة لما يقارب 20%
جدول رقم (1) : يوضح عدد الاصابات المهنية المميته
العام عدد الإصابات المهنية المميتة نسبة الوفاة
1998 2308 21%
2001 2360 18.6%
2003 2863 21.4%
*تقرير صادر عن إدارة الصحة المهنية وزارة الصحة الإتحادية (2011).
جدول رقم (2) : يوضح نوع وعدد الاصابات المهنية
نوع الإصابة المهنية 2013 2014 2015
جزئي دائم 5,438,435 10,561,443 13,792,664
كلي دائم 781,490 833,424 2,029,471
الوفاة من الإصابة 4,005,415 6,601,821 9,049,932
العجز الصحي 4,646,320 5,883,555 7,601,226
*تقرير صادر عن الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية بوزارة العمل والإصلاح الإداري (2017).
التطور التاريخي لقوانين الصحة المهنية بالبلاد
تتعامل الورقة مع القوانين كشكل من أشكال ممارسة الصراع الطبقي في الحقل السياسي، حيث حسب إفتراض مهدي عامل (مقدمات نظرية) تتكون البنية الإجتماعية من ثلاث مستويات أو حقول، المستوي السياسي، الأيدولوجي والإقتصادي. حيث تعتبر القوانين كخلاصة مركزة للصراع الطبقي وتعبر عن مصالح الطبقات المسيطرة علي سدة الحكم وتعمل علي إعادة انتاج سيطرة هذه الطبقات علي السلطة السياسية وتكريس تنظيم محدد لجهاز الدولة يلبي هذه المصالح وضرورة إستدامتها.
ظهور أول قانون للصحة المهنية في السودان كان عام 1949، بعد بداية تكوين النقابات العاملية في عام 1946. قانون عام 1949 أعطي مصلحة العمل (حكيمباش الصحة) مسئولية تفتيش الورش والمصانع والرقابة علي بيئة العمل (تأثر بالقوانين البريطانية). أيضا لاحظت دراسات أخري في المستعمرات البريطانية بان المستعمر كان ينسخ القوانين البريطانية ويوزعها علي المستعمرات دون مراعاة إختلاف الواقع Brett Heino, 2013)).
عام 1950 تم إستبدال قانون عام 1949 بلائحة الورش والمعامل والتي أعطت حق الإبلاغ عن إصابات العمل والأمراض المهنية وتوفير وسائل الحماية العمالية لاصحاب الأعمال، بدون وضع نظام واضح للصحة المهنية.
عام 1956 بعد الإستقلال ظلت قوانين الصحة المهنية تعبر عن الصحة المهنية في قطاع النسيج، ومحالج القطن دون أن تشكل قطاعات مهمة مثل المناجم، المحاجر، البناء، والأعمال الزراعية.
عام 1961 شملت قوانين الصحة المهنية أعمال البناء، والتركيبات الهندسية والنقل والترحيل. ثم تواصلت عملية الإضافات للقطاعات الجديدة وتمت إضافة النقل النهري، تخزين الغاز وأعمال التعبئة وذلك فى عام 1963.
بالإضافة إلي ذلك تمت إضافة قطاع حمل الأوزان القانونية والشحن والتفريغ عام 1964.
عام 1966 إعتبرت الصدمة النفسية الناتجة عن إصابات العمل ضمن الأمراض المهنية، لكن لم يتم إنشاء نظام للصحة المهنية في مؤسسات الصحة مثل أقسام الحوادث بالمستشفيات وغيرها.
تم تكوين أول نظام للصحة المهنية بالبلاد عام 1968 يتبع لوزارة الصحة الإتحادية مسنودا بقانون الصحة العامة. تم تحديد اربع مهام أساسية للإدارة الناشئة وهي:
1. الكشف عن الأمراض المهنية وتحديد نسبة العجز الناتجة عنها.
2. تأهيل المعوقين وتدريب الكوادر العمالية علي الإسعافات الأولية وطرق الوقاية بأماكن العمل.
3. البحوث العلمية في مجال الصحة المهنية.
4. الدراسات المتعلقة بأجهزة ومعدات الصحة المهنية.
عام 1993 وتحت قانون الحكم الفيدرالي تم توزيع أجهزة ومعدات الإدارة علي الولايات، بدلا من إنشاء أقسام بالولايات وتأهيلها من ناحية البنية التحتية وتوفير الأجهزة والمعدات اللازمة وتدريب الكوادر. الأساس النظري لسياسة الحكم الفيدرالي قائم علي السياسة التوزيعية بعني توزيع الموارد المركزية علي الولايات مما يخلق تضارب مصالح جديدة بسبب توزيع هذه الموارد، لكن الأخطر من ذلك أن هذه السياسات قائمة علي إفتراض اخر يستند علي الإقتصاد السياسي البرجوازي وهو التسليم المسبق بندرة الموارد مما يستدعي محاولة توزيعها علي المناطق الجغرافية المختلفة (ندرة الموارد وليس عدم العدالة في توزيع الخيرات المادية بين المناطق الجغرافية وداخل المنطقة الواحدة نفسها بسبب النظام الراسمالي نفسه).
عام 1994 تم تفكيك إدارة الصحة المهنية بالوزارة الإتحادية.
في قانون العمل لعام 1997 تم إسناد كل ما يتعلق بالصحة المهنية من تفتيش الالات والمعدات لمفتشي الأمن الصناعي وبالتالي تم تكوين ما يسمي بلجنة الأمن الصناعي داخل المصانع (محصورة فقط علي المصانع) وتم تعيين ضباط أمن صناعي، ألزم القانون أصحاب الأعمال التبليغ عن إصابات العمل التي تحدث أثناء ساعات العمل، لكنه لم يحدد الية واضحة لمتابعة تنفيذ الراسماليين للنص القانوني (ضرورة التبليغ) وذلك لعدم وجود نظام للصحة المهنية أصلا (معدات، ميزانيات، كوادر مدربة).
ألزمت نصوص قانون العمل لعام 1997 أصحاب العمل (نظريا) بالأتي:
• إحاطة العاملين بمخاطر الصحة المهنية ووسائل الوقاية منها.
• إيجاد الإحتياجات اللازمة لحماية العاملين.
• تدريب العاملين تدريبا كافيا قبل إيكال العمل إليهم.
• حدد القانون بأنه يجوز إيقاف تشغيل المصنع إذا كان يعرض العاملين لمخاطر بسبب عدم توفر وسائل الحماية.
عام 2011 بعد لامركزية الخدمات الصحية تمت إجازة قانون خاص بالصحة المهنية والسلامة بولاية الخرطوم، حيث تم إنشاء اللجنة الإستشارية الولائية للصحة المهنية والسلامة بموجب القانون وتم تحديد مهمتها كالأتي:
 إقتراح وتنسيق السياسات الولائية عن الصحة المهنية والتنسيق.
 تقديم النصح والمشورة في المسائل المتعلقة بالصحة المهنية للولاية (وزارة الصحة ولاية الخرطوم).
 وضع أسس وموجهات لحماية العاملين من المخاطر المهنية.
 تحديد تعويضات إصابات العمل لجميع العاملين بمؤسسات الولاية والمحليات والشركات التابعة لحكومة الولاية وعمال الخدمة المنزلية بالولاية، الملاحظ أن القانون أضاف عاملات-عمال الخدمة المنزلية لكن لم يشمل المؤسسات الخاصة.
 إنشاء مجمعات علاجية لعلاج العاملين بالمناطق الصناعية والإشراف الصحي عليهم من خلال تحديد صندوق إسعافات أولية إذا كان عدد العاملين أقل من 50 عامل/ة، وتعيين ممرض مؤهل إذا كان العدد من 50- 100 عامل/ة، ويتم إنشاء وحدة صحية مؤهلة إذا تجاوز عدد العاملين 100 عامل وعاملة. في أستراليا ألزمت التشريعات أرباب العمل بإنشاء نظام فاعل للصحة المهنية والسلامة في كل منشاة تحتوي علي 20 فما فوق من العاملين وذلك عام 1981
 إقترح القانون تكوين لجان صحية بالمؤسسات لكن كالعادة لم يتم تحديد كيفية تكوين هذه اللجان كما أن اللجنة تشمل أصحاب العمل والعاملين مما يعطل عمل اللجنة نتيجة تضارب المصالح (وزارة الصحة الإتحادية, 2011، محمد علي خوجلي).
ملاحظات عامة علي القوانين:
 لم يتم إشراك العاملين في الصحة المهنية في وضع القوانين، وتم تجاوز حتي إدارات الصحة المهنية بوزارة الصحة والعمل.
 لم تحدد هذه القوانين كيفية تكوين اللجان الصحية، كما لم تحدد مهام محددة للجان بالمنشات المختلفة.
 كل القوانين تفتقر إلي اليات واضحة لتنفيذها مما يجعلها حبرا علي ورق.
 لم تغطي هذه القوانين عمال الورش الصغيرة، عمال البناء، التعدين، المزارعين، كما لم تشمل قطاع الخدمات مثل المؤسسات الصحية.
تعبر هذه الملاحظات المذكورة عن الاليات التي تستخدمها الراسمالية في السيطرة علي منتوج عملية العمل الإجتماعية وتوزيع الخيرات المادية لصالحها وذلك إبتداء بحصر مجال عمل نظام الصحة المهنية في مجالات محددة وهي المصانع فقط، وذلك إتجاه عالمي برز في بداية السبعينات والثمانينات كما يذهب لذلك B. Heino . في ظل تبني الليبرالية الجديدة التي توسع مدي القطاع غير المنظم بشكل هيكلي (65%) فان ذلك يعني عدم وجود نظام للصحة المهنية ل 65% من العمالة في السودان، وبالتالي وجود قطاعات إنتاجية واسعة تفتقر لنظام الصحة المهنية مثل مجال البناء، الزراعة والتعدين والذي يستوعب مالا يقل عن 6 مليون عامل. وأيضا قطاع الخدمات والذي أصبح يشكل 40% من هيكلية الإقتصاد السوداني في ظل الليبرالية الجديدة (موازنة 2020). عدم تغطية نظام الصحة المهنية لعدد كبير من العاملين أيضا كان من الخلاصات التي تم الوصول إليها في البحوث التي أجريت في عدد من البلدان.
التعبير الأهم عن دقة المنهج الماركسي في تحليل وضعية نظام الصحة المهنية وتعبيره عن الصراع الطبقي هو ما تمت ملاحظته من خلو قانون العمل لعام 1997 من إشتمال المؤسسات الخاصة كمجال عمل لنظام الصحة المهنية مما يعبر عن الإنحياز التام لجهاز الدولة لطبقة البرجوازية ومدي مرونة هذا الجهاز والقوانين الناظمة له للتعبير عن متغيرات التراكم الراسمالي، ياتي في نفس الإطار إحتواء اللجان الصحية علي أرباب العمل والعاملين جنبا إلي جنب فان هذا غير أنه يقعد بعمل اللجان فإنه يمكن الراسمالية من التحكم في عمل نظام الصحة المهنية لمنعها من التاثير سلبا علي التراكم الرسمالي. والتكتيك الثاني الذي تتبعه الراسمالية هي الإبقاء علي القوانين كحبر علي الورق وذلك بنزعها من أي اليات عملية يجعل تنفيذ نصوصها ممكنا، حيث يحدد القانون ضرورة توفير وسائل لحماية العاملين ويترك تنفيذ ذلك لأصحاب العمل (الحاكم والجلاد) بدون تحديد الية واضحة للمتابعة والمراقبة، أقرب مثال على الشلل التام الذى اصاب نظام الصحهالمهنية والسلامة وفاة أعداد كبيرة من العمال في المنطقة الصناعية بحري نتيجة لعدم الإلتزام بمعايير السلامة في بناء مصنع السراميك لان المنطق الوحيد الذي يحرك النظام الراسمالي هو الربح وبالتالي يسعي بكل الوسائل لتقليل تكاليف الإنتاج لزيادة الأرباح وهو علي حساب صحة وحياة العمال وخاصة عندما يكون هنالك جيش جرار من إحتياطي العمل من العاطلين. التحطيم المنظم لنظام الصحة المهنية ليس فقط في السودان كما تشير لذلك البحوث، بل يشير تقرير ورد في Brett Heino, 2013)) بان من أسباب إضمحلال نظام الصحة المهنية تكاليف إصابات العمل أصبحت باهظة من ناحية تعويضات إصابة العمل، وأيام العمل التي يتم فقدها بسبب إصابة العامل، وأن هذه التكلفة العالية لايتم تعويضها بعد تحسن سلامة العامل وزيادة دافعيته للعمل Brett Heino, 2011)).
تحليل موقف نظام الصحة المهنية (Situational analysis):
تتبع إدارة الصحة المهنية بوزارة الصحة الإتحادية لمساعد الوكيل للصحة العامة والطوارئ، وتتكون الإدارة من الوحدات الأتية:
1. الوحدة الطبية بمجمع العمال الصحي ببحري.
2. معهد الصحة والسلامة المهنية ويسمي تجاني هلال وتوقف عن العمال منذ عام 1994.
3. وحدة بيئة العمل بالمعهد الصحي القومي.
4. قسم فسيولوجيا العمل التابعة لوحدة بيئة العمل.
5. وحدة التفتيش الإرشادي بالمجمع الصحي (لا يوجد نشاط منذ عام 1994).
 القوي العاملة
 القسم الطبي:
o يوجد بالإدارة إختصاصي واحد في الصحة المهنية، وإختصاصي اخر في طب المجتمع، كادر واحد في تخصص علم النفس، طبيب عمومي واحد، 2 سسترات، مساعدين طبيين، 2 مساعد معمل، 2 مساعد صيدلي، 6 باشممرض، 2 وكيل باشممرض.
 قسم بيئة وفسيولوجيا العمل
يوجد بالقسم اربعة أختصاصيين بيئة عمل، خبير واحد في فسيولوجيا العمل.
 قسم التفتيش الإرشادي
يوجد بالقسم ضابط صحة واحد ومرشد بيئي واحد.
 الشئون الإدارية والإحصاء
يوجد بالقسم 2 شئون عاملين، واحد فني إحصاء، 6 كتبة، و3 سواقين.
 الأجهزة والمعدات
 القسم الطبي: لاتوجد أبسط معينات العمل مثل أجهزة قياس الضغط وقياس التنفس والسمع.
 قسم بيئة العمل: الأجهزة والمعدات قديمة منذ 40 عام ولم يتم تجديدها، كما أن بعض كواشف المواد الكيميائية غير متوفرة.
 معينات عمل إدارية: لا يوجد مكتب لمدير الإدارة ولا وسائل ترحيل للعاملين، ولا أثاثات، ولا كمبيوترات، ولا ماكينة طباعة وتصوير بالوحدة (تقرير صادر عن وزارة الصحة الإتحادية, 2011).
معوقات عمل نظام الصحة المهنية:
• غياب الإلتزام السياسي من الدولة للطبيعة الإجتماعية والطبقية المسيطرة علي جهاز الدولة والمعبرة عن مصالح الراسمالية المالية، والدليل علي ذلك ما تم من إغلاق لإدارة الصحة المهنية بالوزارة الإتحادية عام 1994 وتحويل مبانيها لادارة الصيدلة، أيضا يتم التعامل مع الصحة المهنية كجبايات لا غير (الكرت الصحي...الخ).
• غياب أجسام نقابية حقيقية تدافع عن حقوق العاملين.
• أزمة الأحزاب السياسية وقصورها البرامجي في تناول قضايا نظام الصحة المهنية.
• ضعف الميزانية المرصودة لنظام الصحة المهنية.
• نقص الكوادر ومعينات العمل.
• غياب سياسات واضحة للصحة المهنية بالبلاد.
• غياب الوصف الوظيفي الواضح داخل إدارة الصحة المهنية مما يزيد من حالات تضارب المصالح.
• تقسيم أنشطة الصحة المهنية بين وزارة الصحة، العمل والقمسيون الطبي بدون توفر ألية واضحة للتنسيق مما أدي إلي تشظي نظام الصحة المهنية وتفتته.
• التغيير المتسارع للأنشطة الإنتاجية بالبلاد والنمو المتعاظم للقطاع غير المنظم حيث أصبح يحتوي علي 65% من العاملين بالبلاد حسب تقرير منظمة العمل الدولية.
• ترييف المدن والزيادات المطردة في عدد السكان بالمدن.
• ضعف التوثيق والبحوث بإدارة الصحة المهنية.
مقترحات الحلول:
1. وضع نظام واضح للصحة المهنية بالبلاد:
• سياسات واضحة.
• خطط استراتيجية.
• ميزانيات كافية.
2. تبني سياسات إقتصادية تلعب فيها الدولة الدور القيادي في النشاط الإقتصادي وتقديم الخدمات الإجتماعية، وتقوم بالتدخلات الحمائية في حماية البيئة، نظام الصحة المهنية، دعم السلع الأساسية، ...الخ (دولة الرعاية الإجتماعية).
3. إعادة بناء النظام الصحي ككل بما يخدم حوجة جماهير شعبنا للخدمات الصحية وليس مصالح السوق وراس المال.
4. مراجعة القوانين الخاصة بالصحة المهنية من قانون العمل، الخدمة المدنية، الصحة العامة وضرورة إنحيازها لصالح العاملين، مع وضع اليات واضحة لتنفيذ نصوص القانون.
5. تعيين كوادر بإدارة الصحة المهنية مع وضع نظام واضح للتدريب والتاهيل المستمر.
6. تأهيل الإدارة بمعيينات العمل المطلوبة.
7. إعادة تأهيل وتطوير معهد الصحة والسلامة.
8. تأسيس قسم خاص بابحاث الصحة المهنية.
9. تطوير قسم المتابعة والتقييم بالصحة المهنية.
10. ربط الصحة المهنية بالنظام الصحي من خلال تدريب أطباء الأسرة وأطباء المراكز الصحية في المناطق الصناعية وأماكن تجمعات الحرفيين، والتعدين الأهلي للإشراف عليها.
11. توسيع نظام الصحة المهنية ليشمل قطاع الخدمات.
12. إضافة الصحة المهنية للمناهج الدراسية المختلفة.
يتضح بما لا يدع مجال للشك من خلال إستعراض تحليل الموقف لنظام الصحة المهنية الإنهيار التام الذي أصاب هذا النظام بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية. فالمعينات المتوفرة حاليا لا تفي بالحد الأدني لوجود نظام الصحة المهنية وانعكس ذلك بشكل واضح علي معدلات الإصابة المهنية في أعوام 2013، 2014 و2015 (جدول رقم 2) مما يؤكد عدم وجود نظام صحة مهنية علي الأقل علي مستوي الشق الوقائي. ولم يكن ذلك صدفة فقد تمت تصفية الصحة الوقائية في البلاد مع إعادة بناء نظام صحي نيولبرالي حيث تم إلغاء الإدارة العامة للطب الوقائي من كونها من أكبر وأهم خمس إدارات بوزارة الصحة الإتحادية وتحويلها إلي فرع مهمل في الرعاية الصحية الأولية وتحديدا في إدارة مكافحة الأمراض. هذا الإتجاه يعكس بشكل واضح طبيعة النظام الصحي الذي يتعامل مع الصحة كسلعة لذا يكون جل التركيز علي الطب العلاجي فلابد أن يمرض الناس لكي يحصلوا علي العلاج كسلعة في السوق، يتم إهمال الصحة الوقائية وبالتالي تطوير نظم التقصي الوبائي في التعامل مع الوبائيات (جائحة كورونا المستحدث خير مثال ) ، لذا ليس من ضمن أولويات راس المال الدوائي الإستثمار في البحوث العلمية الخاصة باللقاحات الوقائية لانها أقل ربحية ببساطة لان الربح هو المحدد الأول والأخير للتوجه الراسمالي. لذا من الطبيعي أن يتوجه جل البحث العلمي في إتجاه الطب العلاجي. كما تؤكد القراءة التاريخية لقوانين الصحة المهنية أو موادها في القوانين الأخري مدي إنحياز هذه القوانين لأرباب العمل والراسمالية بشكل ممنهج، وخاصة بعد التحولات التي حدثت في إتجاه الليبرالية الجديدة لان التعدي علي مكتسبات الطبقة العاملة التاريخية أصبح من اليات التراكم الراسمالي بشكل هيكلي.
إضمحلال نظام الصحة المهنية في السودان يعبر عن المتغيرات الإقتصادية والسياسية التي حدثت في إتجاه تبني الليبرالية الجديدة وبالتالي ظهور شكل جديد للدولة واليات جديدة للتراكم الراسمالي، إضمحلال نظام الصحة المهنية وقوانين حماية البيئة والعمالة وما ينتج عنهم من توحش إستغلال العمال يمثل الركيزة الأساسية لاستخراج فائض القيمة في العهد الجديد وأتوقع أن يستمر في ظل تبني حكومة الفترة الإنتقالية ذات سياسات الجبهة الإسلامية. مالم يتم تنظيم الطبقة العاملة وتحالفاتها في تنظيمات طبقية وثورية تساهم في تشكيل الوعي الطبقي بضرورة إنهاء إستغلال الإنسان لاخيه الإنسان وبناء نظام إجتماعي وإقتصادي متجاوز للراسمالية وتناقضاتها.
المراجع:
• راس المال الجزء الأول، كارل ماركس. ترجمة د. فالح عبد الجبار، 2013. دار الفارابي.
• اللجنة الفنية لتاهيل الصحة المهنية، إدارة الصحة المهنية الإتحادية. وزارة الصحة الإتحادية، 2011.
• تقرير صادر عن الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية. وزارة العمل والإصلاخ الإداري، 2017.
• Elsaadi, 2016 السياسات النيولبرالية والعمل غير المهيكل في المنطقة العربية. راصد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية في البلدان العربية.
• (Hassan Ahmed& Ashraf Osman, 2016), العمل غير المنظم في السودان. راصد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية في البلدان العربية.
• الدول تتحرك لتعزيز الصحة المهنية فماذا عن السودان.؟. محمد علي خوجلي.
• Brett Heino, 2013. The state, class and occupational health and safety: locating the
• capitalist state’s role in the regulation of OHS in NSW
• Harvey, D. (2005a). A Brief History of Neoliberalism. Published from Oxford University Press.
• James Pfeiffer, and Rachel Chapman, 2010. Anthropological Perspectives on Structural Adjustment and Public Health.
• Suliman, A. H. E. (1997). The Impact of Structural Adjustment Programs on The Health Sector in The Sudan: A Case of Khartoum State. PDF available at https://www.africaportal.org/dspace/articles/impact-structural-adjustment-programs-health-sector-sudan-case-khartoum-state.
• Alex Callinicos, 2016. Bonfire of illusions. The twin crises of the liberal world. Published from Polity Press, UK. US.
• Harvey, D. (1992). The condition of postmodernity. An equiry in to the origins of cultural change.
• Harvey, D. (2005a). A Brief History of Neoliberalism. Published from Oxford University Press.
• Harvey, D. (2005b). Spaces of neoliberalization: towards a theory of uneven geographical development. Franz Steiner Verlag
• Harvey, D. (2012). REBEL CITIES. From the Right to the City to the Urban Revolution. Published by VERSO London • New York.
• Elling, R (1989) ‘The Political Economy of Workers’ Health and Safety’ Social Science &
Medicine, 28(11) pp. 1171–82.
• Poulantzas, N (1978) State, Power, Socialism, NLB, London.
• نظرية الدولة، نيكوس بولانتزاس . ترجمة ميشيل كيلو. دار التنوير، 2010.