عشتار الفصول:442 الحتمية التاريخية وما يجري وسيجري في الشرق وشمالي افريقية.


اسحق قومي
2020 / 3 / 30 - 11:05     

منذ شهرين وأنا أُعيد قراءة كتاب ابن خلدون ـ عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي الذي ولد عام 1332م وتوفي في 1382م ، هو تونسي المولد الأندلسي الأصل والمفربي الثقافة . كتابه الذي قرأتهُ وأنا في المراحل التاليةـ الإعدادية والثانوية والجامعية :
( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والبربر ومن عاصرهم من السلطان الأكبر)..
والمشهور منه المقدمة.تراني بحاجة لهذا الرجل ومجموعة فكره في سياقاتها العلمية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها بالواقع وتغيراته السياسية والمرفولوجية والثقافية والعلمية،وكان لابد علي إلا وأن أعرج وباهتمام على كتاب المادية التاريخية والديالكتيكية التي كانت مقررة عندنا في الجامعة وكنت قد قرأتها وأنا في المرحلة الإعدادية .وعرجت على كتاب رأس المال وأرغمني على قراءة الفكر الهيجلي الألماني والديالكتيك الذي وجدته يعود إلى ما قبل هذا الفيلسوف حيث عنترة بن شداد يقول:
حَـكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ //وَإِذا نَـزَلتَ بِـدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُـليتَ بِـظالِمٍ كُن ظالِماً //وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وَإِذا الـجَبانُ نَـهاكَ يَومَ كَريهَةٍ// خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَـاِعصِ مَـقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها// وَأِقـدِم إِذا حَـقَّ اللِقا في الأَوَّلِ
وَاِخـتَر لِـنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ //أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَـالمَوتُ لا يُـنجيكَ مِن آفاتِهِ// حِـصنٌ وَلَـو شَـيَّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَـوتُ الـفَتى فـي عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ //مِـن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إِن كُـنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي// فَـوقَ الـثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ.
كما عدت إلى التاريخ لأنه المنطلق الوحيد لقراءة كل التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية فكان لابد من إعادة سريعة للحضارات البابلية والآشورية والآرامية والفينيقية والقبطية والأميزيغية والعمق الحضاري للحضارات الفارسية والهندية والأفريقية واليونانية خاصة الإغريقية على الفكر الشرق أوسطي عبر سيرورته وتكونه والذي تسمى فيما بعد بالفكر العربي أو الحضارة العربية .
لكن كتابا في مكتبتي يقبع منذ أكثر من عشرة أعوام دون أن أمسسه هو كتاب الملل والنحل لأبو الفتح تاج الدين عبد الكريم بن أبي بكر المشهور بالشهرساتني يجعلني أن أعيد قراءته لأن فيه تكمن أسرارا لا تخطر على بال أحد من حيث أن العادات والتقاليد والديانات والمذاهب لم يستطع أحد أن يلغيها من ثقافته وتراثه بل أن ذاك التراث جله يقوم على تجميع تلك الثقافات التي سبقت سيطرة الثقافة التي سُميت فيما بعد بالثقافة والتراث العربي الإسلامي بعد الغزو العربي لبلاد الشام وبلاد مابين النهرين وبلاد الأقباط والأمازيغيين في المغرب.
وبعد هذا فغايتي هي الوقوف على مايجري في الشرق وشمالي أفريقيا اليوم من قتل وتدمير وتهجير وإلى أين ستقودنا هذه الصراعات وهل هناك روابط بين ما يجري وبين التجاذبات الحضارية في العالم اليوم والتجارة العابرة للقارات والتقدم التكنولوجي العلمي والاكتشافات والاختراعات والتواصل الاجتماعي والثقافي .كما التناقضات التي هي نتيجة حتمية لثقافة الشعوب والأمم ؟!!.
أم أن الأمر يعود كذلك للحالة الكمونية التي تختزنها الجينات الوراثية عبر الشعور الجمعي للأمم والشعوب التي سيطرت عليها بالقوة قومية واحدة ادعت أنها المتفردة؟!!
وهنا استحضر لافوازيه بأن لاشيء يفنى حتى لو أصابه التحول والتبدل وهذا من نواميس الطبيعة وحتمية التطور .
ورأيتُ بأن مايجري في الشرق ليس عبارة عن طفرة ولا عن مخططات ذكية قرأتْ الواقع والتاريخ والمستقبل ومتطلبات الشعوب النفسية وطموحاتها ولا هو بحرب كونية على المنطقة برمتها بل هوحصيلة كل هذه الأمور وغيرها ولا بدّ أن نعيدها ، لموضوعين أثنين
الأول والمباشر هو استفحال شعور الأغلبية بأن التراث الروحي يجب أن يُفعل دوره في هذه الأيام وسمي عبر الإسلام السياسي بالصحوة والوقوف في وجه الطواغيت مهما كانوا .وهذا يعود بالأصل للتراث الفكري الديني الذي تم فرضه على جميع المكونات الفكرية للشعوب والأقوام والأمم التي تمّ غزوها والسيطرة عليها بالقوة ولهذا نرى منذ بدايات انتشار الدين في المناطق التي تمّ غزوها وقعت حروباً مدمرة طاحنة بين تلك الشعوب التي آمنت بعدة مذاهب دينية إسلامية . ومابين المؤيد والمناهض لآل البيت وموضوع مقتل الحسن والحسين والعديد من المواقع والمواقف التي ستؤثر حتى ما بعد اليوم على مسيرة الفكر العربي بمجمله.
وأما الأمر الثاني فيعود إلى:
حتمية التراكمات ورواسب الحضارات التي تبوتقت في سياقات ظلم مجموعة الغزاة لمناطق وشعوب كان أصحابها يملكون الحضارة بكلّ مقوماتها المادية والاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية منذ فجر التاريخ لكن أصابها ما أصابها وجاء الغزاة واحتلوا أرضها واعتبروها أرضاً تاريخية وتراثاً وعلماً وحضارة لهم وصهروا جميع تلك الشعوب في ثقافتهم مدعين أنهم (الأعلون).ولكنهم نسيوا أهمية ودور الصيرورة التاريخية للشعوب المضطهدة وما تختزنه في شعورها الجمعي وجيناتها ومورثاتها وأن تلك الصراعات والتناقضات ستتفجر حتما يوما ما.
ولهذا إن ما يجري من حروب وقتال ودمار في منطقتنا هو صراعٌ حضاري بين ثلاث مكونات حضارية ورواسبها وأثر التناقضات الدينية والمذهبية ، والأمر الثالث هو عامل الاقتصاد ومصالح الدول الكبرى في المنطقة.
إنَّ إعادة دراسة للواقع بشكل عام وموضوعي وعلمي وذلك من منطلق مصلحة العالم أولا في السلام والأمن والاستقرار ولصالح المنطقة وشعوبها ومكوناتها يتطلب ويقتضي أن نعود إلى تأهيل عقولنا أولاً وقدرتنا على أن نعترف بظلم وقع مننا على غيرنا الذي هو الآخر المختلف عنا في العرق والدين والمذهب والثقافة.وعليه فإنّ إعادة تسمية المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية ومناطقهم الأصلية بتسمياتها باسم شعوبها الأصلية وإقامة صرح حضاري بين تلك المناطق يقوم على العدل والحق من خلال اتفاقيات بين تلك الشعوب في شكل سياسي هي تقرره بحريتها وقدرتها على صنع الحياة وليس بالقوة الفكرية والدينية والجهادية بل بكامل حريتها ومصالحها ومقتضياتها الحيوية.
فإنّ تحرير الشعوب وشعارات العدالة والحرية لا يأتي بالقوة ولا بفرض الأمر الواقع وضرورة المصلحة الوطنية على حساب وكرامة الشعوب.
وعلينا أن نقرّ بأن فترة طويلة مظلمة وظالمة حكمت شعوب المنطقة بالقوة والنار وحان لنا أن نؤهل عقولنا لإعادة ترتيب المنطقة على أساس العدل وحتمية التاريخ التي لن ترحم أيّ قوة ظالمة فجميع الإمبراطوريات قامت واضمحلت وتفسخت لأنها قامت على القوة والعنف.
والبشرية بحاجة ماسة إلى السلام والاستقرار والازدهار والتفكير بالإنسان لا بالخرائط والتسميات التي جاءت بالقوة.
إنّ إعادة خرائط وتسميات جغرافية للمنطقة ليست خيانة وطنية بل هو تصويب وتصحيح مسارات لمرحلة طويلة الأمد وأخطاء تلك التجارب غير السليمة وإنّ أيّ ادعاء وتعنت في هذا المجال لن يزيد الأمر إلا سوءاً وحروباً قادمة وعنيفة ستحدث ما لم نفعّل دور العقل النقدي والعلمي والموضوعي ونبتعد عن العاطفة الهوجاء التي تأتينا مع رياح الفتاوى المختلفة التي ليست إلا للدمار ومن أعماق مخلفاتنا الفكرية الشوفينية.
والشعوب الفقيرة وحدها هي التي ستدفع الثمن ودوما هي التي كانت تدفعه. كما أن تصويب الفكر السياسي برمته يستلزم الإصلاح .
إنّ إعادة تأهيل الفكر لمجموع الشعوب والمكونات في الشرق هو ضرورة حتى تُعاد الأمور إلى نصابها ويستقيم عندها حق الإنسان والمكونات في العيش بحرية وسلام وآمن واستقرار.
**
ألمانيا
25/12/2013م.
1= السيرورة هي حركة سير الزمن، والصيرورة هي ما انتهت إليه الكينونة الأولى بعد مرورها بمرحلة السيرورة