الرأسمالية تقتلنا بالوباء وبالجوع

إسلام إبراهيم
2020 / 3 / 28 - 19:08     

تطرح العديد من التساؤلات نفسها، منذ ظهور فيروس كورونا، حول أسباب سرعة انتشاره ومدى قدرة الدول على الحد من انتشاره وعن قوة المنظومة الصحية في تلك الدول وعن الأزمة الاقتصادية العنيفة التي سبَّبها انتشار الفيروس. هل كل تلك التساؤلات منفصلة عن شكل النظام الرأسمالي الذي يحكم العالم؟ هل يجب التعامل مع كورونا على أنه مجرد وباء عالمي منفصل عن الرأسمالية وأنها مجرد ازمة بيولوجية؟ أو أنها تعبير عن غضب إلهي في تحليلات أخرى. هل الفيروس منفصل عن المجتمع الطبقي الذي نعيشه ويصيب الاغنياء والفقراء بشكل متساو؟

في واقع الأمر إن ظهور الأوبئة وانتشارها ومواجهتها هي مسائل وثيقة الصلة بالمنظومة الرأسمالية والواقع أن الفيروس ليس منفصلا عن المجتمع الطبقي.

ظهور الفيروس بالأساس نتيجة انتقاله من الحيوانات البرية إلى البشر من خلال الاختلاط بالحيوانات المصابة أثناء عمليات تجارة الحياة البرية في أسواق مكدسة تفتقد لضوابط الصحة البيطرية والتي تعتبر ثاني أكبر تجارة غير قانونية من حيث الحجم بعد تجارة المخدرات ويليها تجارة الأسلحة. تلك الانشطة المرتبطة بالنظام الرأسمالي في الأساس.

وقدرتنا ايضا على مواجهة الفيروس مرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي فتدهور المنظومة الصحية في أغلب بلدان العالم مرتبط بالسياسات النيوليبرالية التي أدت إلى تخفيض ميزانية الصحة مقابل الإنفاق على شراء السلاح وتطوير الرؤوس النووية، وهو ما شهدنا نتائجه في الأزمة الاخيرة من انهيار المنظومات الصحية في بلدان عديدة.

وفي مصر فالوضع أسوأ فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، انخفض عدد مستشفيات القطاع الحكومي من 1146 مستشفى عام 2008 إلى 691 عام 2018، بينما ارتفع عدد مستشفيات القطاع الخاص من 686 عام 2008 إلى 1157 عام 2018. فنجد أن عدد المستشفيات الخاصة قد زاد بنسبة 41% وانخفض عدد المستشفيات الحكومية بنسبة 40%. وكل هذا بسبب انتهاج الدولة للسياسات النيوليبرالية.

فعلى المستوى الصحي الفقراء هم المتضررون الأكبر بسبب تردي الخدمات الصحية وعدم تلقيهم رعاية صحية مناسبة بينما الأغنياء يتمتعون بمستشفياتهم الخاصة. وحتى على مستوى الاهتمام بالصحة والنظافة الشخصية فشاهدنا أزمة في توفير وسائل الحماية الشخصية من كمامات وكحول ومعقمات اليد وارتفاع أسعارها على مستوى العالم بسبب محاولات الشركات الكبرى تحقيق أرباح في الأزمة مما دعى عمدة نيويورك مثلًا للمطالبة بتأميم تلك الشركات.

وحتى سبل الوقاية الأخرى كالبقاء في المنزل وعدم النزول للشارع هي رفاهية ليست متوفرة لكل الأفراد فهناك العمال باليومية وغيرهم من العمال المجبرون على الذهاب لأشغالهم بالإضافة اضطرارهم ركوب المواصلات العامة كالمترو والأتوبيسات، وتعرضهم للازدحام بشكل أكبر من غيرهم. فهؤلاء بسبب موقعهم الطبقي معرضون إذن للإصابة أكثر من غيرهم. فحتي عندما نري اصابة مسؤول أو رئيس وزراء او حتي امير بالفيروس فهو بسبب قدرته على إجراء الاختبار بشكل عاجل وهو ما لا يتوفر لعامة الشعب. فالحديث هنا عن أن الفيروس يصيب الفقراء والاغنياء بشكل متساو هو محض هراء.

من الصحة للاقتصاد
الفقراء ليسوا فقط معرضين بشكل أكبر للموت بالوباء ولكن بالجوع كذلك. فهناك أزمة اقتصادية عنيفة تلوح في الأفق وشبح كساد عظيم آخر يوشك أن يبتلع العالم. وكالعادة فالعمال هم من سيدفعون ثمن تلك الازمة من تهديد عملهم عن طريق الفصل التعسفي أو بأن يتم فرض إجازات غير مدفوعة الأجر عليهم وغيرها من الإجراءات التي ينتهجها أرباب الأعمال للحفاظ على ثرواتهم على حساب تشريد العمال.

فيروس كورونا كشف لنا بوضوح مدي حقارة النظام الرأسمالي واهتمامه باستمرار عجلة الانتاج والأرباح على حساب أرواح البشر، بداية من تدمير الطبيعة الذي يساهم في انتشار الفيروسات، إلى إهمال القطاع الصحي على حساب شراء السلاح، والاستفادة من الأزمة على حساب أرواح البشر، واخيرًا تشريد العاملين.

النظام الرأسمالي يقتلنا بالوباء وبالجوع. تدمير ذلك النظام هو ضرورة قصوى وواجب إنساني ليس فقط لعالم أكثر حرية وعدلا ولكن للحفاظ على بقاء البشرية.