العضوية في الحزب الشيوعي والالتزام


محمد نفاع
2020 / 3 / 26 - 10:12     

نعرف الكثيرين، من الذين كانوا في الحزب، واعتكفوا، لأسباب مختلفة يدّعونها، والبعض يقول انا شيوعي في فكري لكنني لا أستطيع الالتزام بحضور الاجتماعات وغيرها، وفئة أخرى ليست منظمة في الحزب وتصرخ: أنا شيوعي وسأموت شيوعيا. هذه الأسباب والادعاءات كم تبدو واهية وغير مقنعة أمام أهمية العضوية في الحزب والالتزام ليس فقط بخطه السياسي والفكري بل في التنظيم أيضا.

بعد اختراعات غورباتشوف في اعادة البناء، والعلنية والشفافية، وديمقراطية اكثر تعني اشتراكية اكثر، وظهوره انه من اخطر اعداء الشيوعية، وكان له ولغيره دور في الانهيار، باستغلال تراكمات الترهل والأخطاء والمبالغة في دور الفرد خاصة زمن خروتشوف وبعده برجنيف، والذي ظل في الحكم وهو عجوز قاصر على حافة قبره، يضاف الى ذلك الدمار الذي لحق بالاتحاد السوفياتي في الحرب الوطنية ضد النازية، ودور نُظم الاستعمار في فرض سباق التسلح وحرب النجوم بأموال طائلة من استغلال العمال والشعوب ومنها الشعوب العربية وأموالها ونفطها، كل هذا شكل ضغطًا على الاتحاد السوفياتي واقتصاده، وهو الذي لم يبخل في مساندة ومساعدة العديد من شعوب العالم، سياسيا واقتصاديا وعسكريا دون استغلال وأرباح، وكل ذلك على حساب مستوى معيشة مواطنيه، مثل السد العالي ومشروع بهيلاي في الهند وسوريا والعراق وكوبا...


بعد البدَع لغورباتشوف والانهيار، تأثرنا نحن هنا، احيانا باستنتاجات وممارسات كان لها حظ وافر في اضعاف الحزب، حيث ضُرب مبدأ المركزية الديمقراطية واندلقت حجج وتعابير: "لا نقبل إملاءات من فوق، أي من الهيئات المركزية، وأهالي مكة أدرى بشعابها". وظهرت بفظاظة هذه الخلافات في انتخابات السلطات المحلية، والى حدٍّ ما في تشكيل قائمة الحزب والجبهة للكنيست وبدعة: "يجب أن نأخذ التركيبة الاجتماعية لشعبنا بعين الاعتبار" والتي انطوت على ذاتية مفرطة وأنانية زاعقة بمساندة بعض "المستشارين" الانتهازيين. وبهت دور الحزب القيادي. ضُرب التناسب الضروري بين المركزية والدمقراطية، وضرب التناسب بين الأممي والقومي.

وقد يكون كتاب "ما العمل" للينين من أهم وأشمل مؤلفاته، وجوهره: ما العمل من اجل الوصول الى النظام الاشتراكي. وقيمته فيما طرحه من فكر وتنظيم وأهمية العضوية ودور الجريدة...

ويبدو اننا مترددون ومجاملون، وبخلاء في طرح أهم عناصر الجدلية والمسألة الأساسية – اسمها معها – المسألة الاساسية حول أولوية المادة وخلود المادة، والمقولات التي اعتمدت على العلم وساهمت في إغناء العلم وخاصة: لا توجد حركة خارج المادة، ولا توجد مادة بلا حركة، وربط هذه الحركة المطلقة في تطورها من البدائية الميكانيكية الى الحركة الاجتماعية – التظاهرة الاضراب، الثورة على أساس أحد القوانين الجدلية "التراكمات الكمية وتحولها الى تغيرات كيفية ونوعية".



نحن بأمس الحاجة الى التعرف أكثر على "لب التنظيم الثوري لحزب من نوع جديد أي المركزية الديمقراطية" والتي تشمل: دور النقد والنقد الذاتي، وحرية النقاش مع الالتزام بتنفيذ قرار الاكثرية. المركزية الديمقراطية والتناسب بينها هو لبّ التنظيم الثوري وجوهره، فالنظرية الثورية لا تنفصل عن التنظيم الثوري، في الممارسة حدث الخلل الخطير.

كذلك قانون وحدة وصراع الأضاد، والذي هو جوهر الديالكتيك، لا يجري تعاملنا معه بفهم وأمانة وإخلاص، نرى ذلك في التأتأة لبعضنا من النظر الى الخارطة السياسية والمزايدات، نحن جزء من هذا المجتمع، نتوحد معه حتى نصارعه ونصل الى ما نصبو اليه.

نتناسى دور الجريدة كمنظم وموجه، وكم أعطى لينين من أهمية قصوى للصحف الشيوعية ومنها "الايسكرا" وشعار: من الشرارة ينطلق اللهيب.

فهل نحترم دور جريدة الاتحاد كما يجب!! لأقل سبب نزعل عليها ونقاطعها، ولا نقتنيها، واذا كان للبعض منا ملاحظات فالواجب يقتضي التعبير عنها دون القطيعة عنها.


هل ما ميّز الجريدة في الماضي وما يميزها اليوم هي الأخطاء اللغوية وهي كثيرة لأسفنا الشديد.

الأحزاب الشيوعية وبشكل خاص في الاقطار الاشتراكية لم تنفذ الجانب الاجتماعي من قانون نفي النفي، يظل القائد في المسؤولية والمنصب حتى يوافيه الأجل المحتوم، لكن ليس فقط في الأقطار الاشتراكية، والحجة: لا يوجد بديل!! لماذا لا يجري إعداد البديل!! كما هو الأمر في قادة الجيوش مثلا!!

إن تقوية الحزب بفكره وتنظيمه ووحدته هو قوة للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهو قوة اليوم للقائمة المشتركة، وهو قوة لمعافاة المجتمع من الأدران الاجتماعية، من العنف والتعصب والموقف السلبي من المرأة ومختلف الطروحات الانغلاقية والتعصبية.

فيروس الكورونا ألزم المتدينين من كل الطوائف وعلى اختلاف درجاتهم بعدم إقامة الشعائر الدينية الجماعية في المعابد، فللضرورة أحكام، وأحكام جيدة في هذا المثل العيني.

حبذا لو يعود هذا العدد الكبير، والكبير جدا، الى صفوف الحزب، وأقصد الرفاق خارج التنظيم، حتى وان كان الفرع ليس مهيأ وليس قادرا مؤقتا على ان يكون مشجعا لاستيعاب الرفاق.

وكمْ أحنّ، أنا وغيري للعودة الى بطاقات عضوية الحزب، وشعار الحزب، والغلاف الأحمر، ومادة مختصرة مكثفة من المركزية الديمقراطية.. كما كان في السابق، وليس هذه البطاقات المستحدثة "المغنيطي" وكأن القضية هي فقط الإحصاء ودفع الاشتراكات على أهميتها. الغلاف الأحمر هو التضامن الأممي ووحدة دم العمال والمستَغَلين في كل شعوب العالم ضد الرأسمالية وحيتان المال.

كما نصبو الى وقف هذا التحريض على الحزب وقيادته المحلية والقطرية وجريدته عبر ادوات التواصل الاجتماعي، وتعكير الجو، وجذب آخرين للاصطياد في المياه العكرة، فاذا أردنا منع المتصيدين في المياه العكرة علينا أن نصفّي المياه، ولا نعكرها بالتلوث.



اعتقد أننا بحاجة الى دورات في التثقيف الفكري، الى أيام دراسية، حول المسألة الأساسية، وخلود وأولوية المادة، والحركة، مقابل المثالية، والى القوانين الجدلية، ومقولات مثل: الضرورة والصدفة وغيرها، نتسلح بها، فهي الواقية من الأعاصير والهزات.

كثيرون خرجوا من الحزب زمن طروحات غورباتشوف والانهيار، من قيادات وكوادر، وخرج حزبنا مجرّحًا غير مقتولٍ. وهي مناسبة ممتازة لهذا الحزب، وهذا التنظيم الشيوعي في عيده المئوي، أكثر من قرن من الزمن، من النضال والمثابرة والمبدئية مع بعض الأخطاء في هذه المسيرة المشرفة والمعقدة، فلنوسع صفوف هذا الحزب.

ان الشبيبة الشيوعية هي الرافد الأساسي لتوسيع صفوف الحزب، وكان التدرج من أبناء الكادحين – الطلائع – الى الشبيبة والحزب له أهمية استثنائية في السياسة والتنظيم وحتى في الفكر بالاضافة الى الثقافة والفن – أناشيد وغناء .... .

وقامت اتحادات الشبيبة الشيوعية في العالم بأعمال هائلة، وأمثلة على ذلك: مشروع الـ "بَم" خط سكة حديد البايكال آمور والذي قام به الكومسومول اللينيني في تلك الثلوج والمعاصي الجبلية، وقد أسعدني الحظ وبحكم مسؤوليتي لأن أرى ذلك على نهر الآمور – أمازون آسيا – وكذلك إعمار مدينة طشقند عندما ضربها الزلزال، والحملة العالمية للشباب لإعمار المدينة اليوغسلافية – سرايوفو – حيث شارك وفد من شبيبتنا. وصمد أعضاء الكومسومول في النضال ضد النازية وتعذيبها، وضد "البيض" المدعومين من الدول الامبريالية. ومنهم كان روّاد الفضاء وأولهم يوري غاغارين، "وكل وادي على قد سيله" رأيناهم عندنا في مخيم العمل التطوعي في الناصرة، مع وفود من خارج البلاد، ونراهم اليوم في مخيم فرخة الدولي بمسؤولية شبيبة حزب الشعب الفلسطيني.

وقد يكون الاستثمار الأنجع ماليا وسياسيا وفكريا في صفوف الشبيبة الشيوعية والنوادي، وعلى عاتق الرفاق تقع مسؤولية تقوية "الاتحاد" الأمر الذي يساعد على بقائها وتطورها، ولا يوجد أي بديل لذلك.