القطاع العام، والقطاع الخاص: أية علاقة؟.....7


محمد الحنفي
2020 / 3 / 23 - 09:47     

احترام القوانين المعمول بها أساس التمرس على الحق والقانون:.....2

وإذا صار المواطنون على علم بالقانون، فإنهم، بدون شك، سيتصرفون طبقا للقانون، وسيعتبرون أنفسهم سواسية، أمام القانون، وأمام الدولة المشرفة على تطبيق القانون، وأمام المحكمة، مهما كان مستواها، ولكن بشرط أن تكون مختلف القوانين، المعمول بها، متلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ونحن في دولتنا، لا نعرف أن المواطنات، والمواطنين، من حقهن، ومن حقهم، أن يصيروا متساويين أمام القانون، وأمام الدولة المشرفة على تطبيق القانون، وأمام المحكمة، مهما كان مستواها، وكيفما كان؛ لأن دولتنا فاسدة، ولأن أجهزتها فاسدة، جملة، وتفصيلا، ولأن علاقة المواطنات، والمواطنين بها، قائمة على المحسوبية، والزبونية، والوصولية، والإرشاء، والارتشاء، والعمل في أجهزتها، يعتبر أفضل وسيلة للتبرجز السريع، حتى يتأتى لأي عامل، في أجهزة الدولة، يضمن لنفسه أن يصير بورجوازيا صغيرا، أو متوسطا، أو كبيرا، فكأن الإدارة بمثابة ضيعة، يحرثها، ويتمتع بإنتاجها، بينما الأمر ليس كذلك. فأغلب الذين يملكون ثروة المغرب، ممن كانوا يعملون في الإدارة المغربية، وفي أجهزتها المختلفة، أو كانوا عملاء لها، فصاروا، بسبب تزوير الانتخابات، رؤساء المجالس الجماعية الترابية، وبرلمانيين، دون أن يكونوا أكفاء لذلك، فنهبوا الثروات التي مكنتهم من الإثراء غير المشروع، وصار لهم من النفوذ ما يجعلهم ينهبون الأراضي، ويملكون المعامل والضيعات الزراعية، وتربية المواشي، وغير ذلك.

فما العمل من أجل أن تصير المواطنات، والمواطنون، متساوين أمام الدولة، وأمام أجهزتها المختلفة، وأمام القانون، وأمام القضاء؟

إن من حق أي مواطنة، وأي مواطن، مهما كان، أن يتساوى مع غيرها، ومع غيره، أمام مؤسسات الدولة، وأمام القانون، وأمام القضاء، ولكن عندما يتعلق الأمر بشيوع الفساد، في مختلف أجهزة الدولة المغربية، بما فيها جهاز القضاء، فإن العلاقة بالإدارة الدولتية، وبالقضاء، يكون محكوما بالمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وغيرها من أشكال الفساد الإداري، والقضائي. وهو ما يعني أن محاربة الفساد، أصبحت فرض عين، على كل المواطنات، والمواطنين، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو عقيدتهم، أو لغتهم، من خلال:

1) الامتناع عن ممارسة كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مهما كان، وكيفما كان، ومهما كانت فوائد الفساد عظيمة، ومهما كانت الشروط مساعدة على تحقيق التطلعات الطبقية، التي يسعى كل عامل بالإدارة الدولتية الفاسدة، إلى تحقيق تطلعاته الطبقية.

ومعلوم، أن امتناع المواطنات، والمواطنين، عن إنتاج الفساد، أو العمل على عدم إنتاجه، أوالقيام بالوساطة، من أجل إنتاج الفساد، الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أجهزة الدولة المختلفة، فإن العاملين في الإدارة المغربية، سيصعب عليهم تحقيق تطلعاتهم الطبقية، وسيوقفون ممارسة الفساد، مهما كان نوعه.

2) إعلان الحرب على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي نخر كيان المجتمع، وأفسده، وأفسد كل أجهزة الدولة الإدارية، وأفسد المؤسسات الجماعية، وأفسد المؤسسة البرلمانية، وذلك من خلال إنشاء منظمات خاصة، مهمتها فضح كل أشكال الفساد، ومحاربتها، في أفق القضاء عليها، باعتبارها عرقلة أمام التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

3) الانخراط في الجمعيات الحقوقية، وفي النقابات المناضلة، من أجل مجتمع متقدم، ومتطور، خال من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، سعيا إلى انخراط المجتمع المغربي، والدولة المغربية،في بناء الحضارة، التي تضاهي الحضارات الراقية، التي ترقى بالمجتمع المغربي، إلى مستوى المجتمعات الراقية، التي تتوفر لها شروط الإنماء الحضاري المتواصل، بعد أن صار الشعب متمتعا بحرياته الأساسية، وبعد أن تم استكمال البناء الديمقراطي، وبعد أن تحققت العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

4) إعادة النظر في البرامج الدراسية، وبرامج تكوين الأساتذة، ومضامين ذلك التكوين، والمواد التي يمكن أن تكون أكثر فائدة من غيرها للتلاميذ، والعمل على استبعاد الغيبي، والخرافي، والأسطوري، من البرامج الدراسية، كلما أمكن ذلك، حتى يتأتى إعداد الأجيال إعدادا جيدا، وعلى أسس علمية، ومعرفية، تجعل تلك الأجيال، تعمل عقولها في الواقع، وتسعى إلى جعله قادرا على مواجهة مساهمة العلم، والمعرفة، في تطورهما، بالبحث، والتدقيق، في عملية الإغناء العلمي، والمعرفي، وفي التطور العلمي، والمعرفي، بعد التخلي عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى إعداد النشء على ممارسة الإرهاب المادي، والمعنوي، وعن طريق المدرسة العمومية، التي يتم استغلالها، حاليا، استغلالا سيئا.

5) إعادة النظر في البرامج الإعلامية، وخاصة تلك التي تُقبل الأجيال الصاعدة على استهلاكها، حتى تصير تلك البرامج مساهمة في تقويم الشخصية الفردية، والجماعية، وفي تطور، وتطوير العقلية الفردية، والجماعية، وفي حفز الأجيال الصاعدة على التمرس على التضحية، من أجل الآخر، مهما كان الاختلاف، أو الخلاف معه، من أجل إقرار: أن الحياة قائمة على أساس التمايز بين الأفراد، وبين الجماعات، وفيما بين الأفراد، وفيما بين الجماعات؛ لأنه بدون ذلك التمايز، لا يمكن أن يكون الإنسان لا متقدما، ولا متطورا، وفي الاتجاه الصحيح.

ومعلوم، أن الدور الذي يقوم به الإعلام، في مستوياته المختلفة، في صياغة الرأي العام، وفي توجيهه، من أجل تحقيق أهداف معينة، قد تكون سلبية، وقد تكون إيجابية، ونحن نعرف جيدا، أن الإعلام الحالي القائم، لا يسعى إلا إلى تبييض وجه الفساد، بدل إعداد الرأي العام، على محاربته، في أفق التخلص منه، كما أنه لا يسيء إلا إلى جعل الفاسدين يحتلون صدارة المجتمع، بدل إعداد الرأي العام، على أساس التمسك بضرورة مساءلة الفاسدين، ومحاكمتهم، نظرا لما قاموا به من إشاعة الفساد، ومن جعل الفساد وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية، حتى ينالوا الجزاء الذي ينتظره الشعب، الذي فقد كرامته، بسبب ما يقوم به الفاسدون.

ولذلك، نجد أن الامتناع عن ممارسة الفساد، وإعلان الحرب، على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، والانخراط في الجمعيات الحقوقية، وفي النقابات، وفي الأحزاب اليسارية المناضلة، للنضال من أجل مجتمع متقدم، ومتطور، وإعادة النظر في البرامج الدراسية، وفي البرامج الإعلامية، من أجل إعداد الأجيال الصاعدة، على أسس سليمة، ومن أجل إعادة صياغة الرأي العام، وتوجيهه توجيها علميا سليما، لا بد أن تنتج لنا مجتمعا جديدا، قادرا على إنتاج الفعل الإيجابي المادي، والمعنوي، في أفق اكتساب القدرة على البناء الحضاري، الذي لا يمكن أن يتم إلا في ظل وضع حد للفساد القائم، الذي لا ينتج لنا إلا المزيد من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وانطلاقا مما رأينا، يمكن القول: بأن الدولة الفاسدة، لا يمكن أن تنتج إلا الفساد، وأن دولة الحق والقانون، لا يمكن أن تنتج إلا الحضارة المتقدمة، والمتطورة، الساعية إلى إيجاد إنسان متحرر من كل الأمراض، وديمقراطي في فكره، وفي ممارسته، وعادل في كل علاقاته القائمة في المجتمع.

وإذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان شائعة في القطاع الخاص، كما في القطاع العام، في هذه الدولة الفاسدة أصلا، فإن من واجب الشعب، ببناته، وأبنائه، باعتبارهم مواطنات، ومواطنين، أن يرفضوا رفضا قاطعا، أن تمارس في حقهم الانتهاكات التي تستهدف حقوق الإنسان، مهما كانت تلك الانتهاكات، ومهما كان مستواها، وأن يواجهوا كل من يقوم بها، فضحا، وإيقافا لممارسة تلك الانتهاكات، سعيا إلى قيام هياكل الدولة، بوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، مع احترامها في السراء، والضراء، ومهما كانت الشروط التي تحكم الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

ومدخل الشعب إلى مواجهة الانتهاكات المختلفة، التي تمارس في حق بناته، وأبنائه، هو الوعي بالحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تتأتى المطالبة بها، إذا لم تتحقق على أرض الواقع، والدفاع عنها، في حالة تحققها، ومواجهة كل المنتهكين لها، مهما كانوا، حتى يتأتى العمل على احترامها من الجميع.

فدولة الحق، والقانون من جهة، والشعب الواعي بحقوقه من جهة أخرى، والمنظمات الحقوقية، والنقابات، والأحزاب اليسارية، تعمل على تنظيم المجتمع، وتسعى إلى فرض مقاومته للانتهاكات الجسيمة، وتعمل على تنظيم تلك المقامة، وتقود تفعيلها في القطاع الخاص، كما في القطاع العام.

وحتى يعي الشعب بكافة حقوقه الإنسانية، ومهما كانت، فإن على الدولة، أن تعمل على تدريسها في مختلف المستويات التعليمية، وأن تعمل على جعل الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في متناول جميع المواطنات، والمواطنين، كما أنها تعمل على على نشرها بين المواطنات، والمواطنين، في أي مكان يعشن، أو يعيشون فيه: في الجبال، والسهول، في المدن، والقرى، في البر، وفي البحر، وبجميع اللغات، التي تستعملها المواطنات، والمواطنين، الذين يجب عليهم أن يدركوا مدى أهميتهم، وأهمية حقوقهم، التي يجب أن يتمتعوا بها.

فتدريس حقوق الإنسان، وإشاعة الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإشاعتها بين المواطنات، والمواطنين، عن طريق وسائل الإعلام، وبمختلف اللغات المستعملة بين المواطنات، والمواطنين، حتى تصير من الاهتمامات الحاضرة في الفكر، وفي الممارسة.

ومن حق المواطنات، والمواطنين، عندما يكنٌ، ويكونون، في سن التمدرس، أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية، كما يعرفون كل ما تريد الدولة معرفته.