القطاع العام، والقطاع الخاص: أية علاقة؟.....6


محمد الحنفي
2020 / 3 / 21 - 10:09     

احترام القوانين المعمول بها أساس التمرس على الحق والقانون:.....1

وبعد تناولنا لمفهومي القطاع العام، والقطاع الخاص، واستعراضنا لأوجه العلاقة بينهما، ننتقل إلى تناول احترام القوانين المعمول بها، باعتبارها هي الأساس، وهي المنطلق.

ونحن عندما نصير دولة للحق والقانون، يلتزم في إطارها أبناء، وبنات الشعب المغربي، بالحق، وبالقانون، ويعول المسؤولون، في مستوياتهم المختلفة، على فرض احترامه، وبقوة الحق، والقانون، ولأن تطبيق الحق، والقانون، في جميع القطاعات، يضع حدا للمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، ليصير المواطنون، والمواطنات، سواء أمام القانون، ويجعلهم يتمتعون، على الأقل، بحقوقهم القانونية، في أفق المطالبة بملاءمة كل القوانين المعمول بها، بالإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي حالة تحقق ذلك، فإن دولتنا، ستصبح، بتطبيقها للقوانين المعمول بها، دولة للحق، والقانون، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص.

فما هي المشكلة، التي يعاني منها الشعب المغربي؟

إن معاناة الشعب المغربي، التي لم تتوقف يوما، منذ الاستقلال الشكلي للمغرب، ناجمة عن أن:

1) المسؤولين، في مستوياتهم المختلفة، يرتشون، ويخترقون مختلف القوانين، لأن مصلحتهم ليست في ذلك، ولا يمكن أن تكون في ذلك؛ لأنهم، لو التزموا بنص القانون، وبما تقتضيه بنوده، في كل القطاعات، ما احتاجوا إلى المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، ولأن مصلحتهم الخاصة، في عدم الالتزام بالقانون، مما يجعل كل مواطنة، وكل مواطن، تعد نفسها، ويعد نفسه، على التعامل مع الإدارة، ومع مسؤوليها، على أساس المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، بعيدا عن الالتزام بما تقتضيه القوانين المختلفة.

ومعلوم أن عدم الالتزام بالقوانين، لا يكون إلا لخدمة مصلحة معينة، وإلا وجب العود إلى الالتزام بالقوانين المعمول بها، مهما كانت هذه القوانين متلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال.

2) المواطنين، والمواطنات، الذين، واللواتي، ليس من مصلحتهم، ومن مصلحتهن، تطبيق القوانين المعمول بها، يعملون على الاعتماد على المحسوبية، والوصولية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء.

ومعلوم أن المواطنين، والمواطنات، اللواتي، والذين، يلجأن، ويلجأون إلى اعتماد المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، تسعين، ويسعون إلى التمتع بالحقوق، التي ليست لهن، وليست لهم، والتي يحرم منها غيرهن، وغيرهم، الأمر الذي يترتب عنه: أن عدم الالتزام بالقوانين المعمول بها، هو العنوان المعبر عن الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والإداري، والسياسي، وكأن قدر الشعب المغربي، أن يقضي حياته في الفساد الذي يعيشه.

فالفساد، مهما كان، وكيفما ما كان، هو المدخل الرئيسي لعدم احترام الحقوق، والقوانين، المعمول بها في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

3) الواقع الفاسد، الذي أصبح يوجه الممارسة الفردية، في الاتجاه الذي يخدم مصالح الفاسدين في الإدارة، وفي السياسة، وفي المجتمع، الذي لا يعرف إلا الإدارة الفاسدة، والمؤسسات الجماعية، والوطنية الفاسدة، والمجتمع الفاسد، والأحزاب السياسية الفاسدة، والعلاقات الاجتماعية التي تصير قائمة على الفساد.

4 الطبقات الاجتماعية: الإقطاعية، والبورجوازية، والتحالف الطبقي الإقطاعي البورجوازي المتخلف، القائم على أساس الفساد، مهما كان مصدر هذا الفساد، ولأن كل طبقة تمارس الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، تراهن على ممارسة الفسا،د بمختلف أشكاله، في نمو ممتلكاتها، وفي اتساع نفوذها، وفي اتساع نفوذها، وفي ارتفاع مستوى شهرتها، حتى تصير سمعتها القائمة على الفساد، مصدرا لنمو نفوذها، الذي يتجاوز الوطن، ليصل إلى أوروبا، وأميريكا، ولكن في ظل الدولة الفاسدة، وفي ظل الممارسة القائمة على الفساد.

5) البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تراهن على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في تحقيق تطلعاتها الطبقية، حتى تلتحق بالإقطاع، وبالبورجوازية، وبالتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف؛ لأن التطلعات الطبقية، لا تتحقق بطريقة مشروعة، بل لا بد من حالات الاستثناء، التي تنتفي فيها المشروعية. وحالات الاستثناء وحدها تنتفي فيها المشروعية. وانتشار الفساد يشكل بالنسبة إلينا حالة استثناء؛ إلا أن حالة الاستثناء هذه، طال أمدها، والمستفيدون من انعدام المشروعية، في حالة الاستثناء، يتوالدون كالفطر.

ونحن الذين نسعى إلى وضع حد لحالة الاستثناء، نتألم كثيرا، بتألم الكادحين من الشعب، بسبب هذا الأمد، الذي استغرقته حالة الاستثناء، التي لا تزيد إلا ترسيخا في الواقع، مهما كان هذا الواقع. ويظهر أن الألم، والأمل، في فكر، وفي وجدان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، متناقضان، ومتصارعان، على أساس: أن الألم يجر إلى الإحباط، في خدمة الدولة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين، الذين طال استغلالهم للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأن الأمل يعمل على الدفع في اتجاه القيام بالفعل الإيجابي، الهادف إلى وضع حد لحالة الاستثناء، التي طالت. غير أن الفعل أن الفعل الإيجابي المنتج، لا يرقى أبدا إلى مستوى نفي حالة الاستثناء، والدخول، مباشرة، في عملية كنس كافة أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يطمئن الشعب على مستقبله، ومستقبل أبنائه، وبناته، من كل أشكال الفساد، بعد أن يغادروا جميعا حالة الاستثناء.

وعندما يتعلق الأمر باحترام القوانين، في بعدها الوطني، والدولي، فإن احترام تلك القوانين، يقتضي، كذلك، أن تحضر في فكرنا، وفي ممارستنا، الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارها قوانين دولية إنسانية، والقانون الدولي الإنساني، يمكن اعتباره من القوانين السامية، الأحق بالاحترام، من القوانين الوطنية، ما لم تتلاءم معها القوانين الوطنية، لتحظى بنفس الاحترام، الذي تحظى به القوانين الدولية الإنسانية. وبالتالي، فإن العلاقة، في حد ذاتها، كفيلة بأن تجعل دولتنا دولة للحق، والقانون، ما دام كنس الفساد شاملا، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص. وكنس الفساد، الذي يترتب عنه، اعتبار الدولة المغربية، دولة للحق، والقانون، يفرض التسريع بتقويم جميع المؤسسات، سواء كانت عامة، أو كانت خاصة، باعتبارها مؤهلة، أو في طريقها إلى التأهيل، لأن تصير مؤسسات للحق، والقانون.

ولذلك، فإن واجب الدولة، أن تعمل على فرض احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في القطاع الخاص، كما في القطاع العام، من أجل تجاوز الوضعية القائمة، التي أنتجها الفساد، وجعل القطاع العام، أو القطاع الخاص، على حد سواء، مجالا لاحترام حقوق الإنسان، والالتزام بتفعيلها في القطاع الخاص، والقطاع العام، ليصيرا معا، في خدمة دولة الحق، والقانون، وفي خدمة حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما هي متعارف عليها دوليا.

وانطلاقا من ملاءمة القوانين المغربية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن التزام القطاع العام، والقطاع الخاص، على حد سواء، فإن على الدولة المغربية، باعتبارها دولة للحق، والقانون، أن تقوم بفرض احترام السلامة البدنية، والروحية، لجميع أفراد المجتمع، على أساس المساواة فيما بينهم: (لا فرق بين عربي، وعجمي، ولا بين أبيض وأسود)، إلا بالتمتع بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو عدم التمتع بها، مهما كان الجنس، أو اللون، أو العقيدة، أو اللغة.

فقيام الدولة باحترام السلامة البدنية، والروحية، معناه: التزام الدولة باحترام جوهر حقوق الإنسان، وخاصة، عندما تسود السلامة البدنية، لجميع المواطنات، والمواطنين، وعندما تسود السلامة الروحية، التي تضمن حرية التعبير، وحرية المعتقد، وحرية التنقل، وكل الحريات الأساسية في المجتمع، حتى تصير حقوق الإنسان كالهواء، في متناول الجميع، ودور الدولة هو حماية الحقوق الإنسانية، في مستوياتها المختلفة، ووضع حد لجميع الانتهاكات، سواء كانت جسيمة، أو غير جسيمة، سواء تعلق الأمر بصدورها عن القطاع العام، أو القطاع الخاص، ومحاكمة كل من يقوم بتلك الانتهاكات، مهما كان مركزه، أو مركزها، أو جنسه، أو جنسها، أو الطبقة التي ينتمي، أو تنتمي إليها، أو المسؤولية التي يتحملها، أو تتحملها، ما دام لم يحترم، أو تحترم حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ويجب على الدولة المغربية، بجميع أجهزتها، بما فيها جهاز القضاء، أن لا تتحرك إلا في إطار القانون، الذي هو المبتدأ، وهو الخبر، في نفس الوقت، وقد كان من اللازم أن يصير القانون المتلائم مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مادة دراسية، تعوض حصص ما تسميه الدولة، في برامجها الدراسية، ب (التربية الإسلامية)، التي يتلقى فيها تلاميذ، وتلميذات المؤسسات العمومية، أحكاما، لا يستفيدون منها إلا التشويش، الذي يصاب به التلاميذ، والتلميذات، عندما يتبين: أن الدولة تدرسهم شيئا، وتطبق في الحياة العامة، شيئا آخر. ولا بأس أن نقترح: أن الدرس الديني، يجب أن يقتصر على المستويات الدنيا، وعلى العبادات، وما له علاقة بالأخلاق العامة.

أما ما يمكن أن نعتبره أحكاما للشريعة، يجب إيقافه، حتى لا يقف وراء التشويش، الذي تصاب به الأجيال المتمدرسة بالتشويش، وأن يعوض بأحكام القانون المفعل في الواقع، ما كان مقررا من أحكام الشريعة الإسلامية.

وهذه الأحكام القانونية، التي يجب أن ترتبط، بالدرجة الأولى، بتدريس الأخلاق العامة، والخاصة، لإعداد ناشئتنا، لتحمل المسؤولية، كاملة، في واقعنا الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق إعادة صياغة المجتمع، على أسس جديدة، تتناسب مع مقتضيات التحول، الذي يعرفه المجتمع، على جميع الأصعدة، مما يعبر عن تطوره، الذي لا يتوقف أبدا، في اتجاه أن تصير الأجيال الصاعدة، مبدعة، بعيدا عن التخويف، والترهيب، الذي يبثه أساتذة التربية الإسلامية، في صفوف التلميذات، والتلاميذ، وبعيدا عن صناعة الإرهاب، الذي تقف وراءه دروس التربية الإسلامية، التي فرضتها الدولة.

والدولة المغربية، عندما يطلب منها، ومن أجهزتها المختلفة، أن لا تتحرك، إلا في إطار القانون، فلأنها، بذلك، تعد الأجيال الصاعدة على الالتزام بالقانون، الذي لا يدرس في المدارس المختلفة، مما يجعل الشعار الذي يرفعه الوكلاء العامون، والقضاة، وأساتذة كليات الحقوق، والذي يقول: (لا يعذر أحد بجهله للقانون)، فارغا من محتواه، فإذا أردنا أن لا نكون جاهلين بالقانون، علينا أن نقوم بتدريس القوانين المعتمدة في مختلف مجالات الحياة، وفي مختلف القطاعات، حتى يصير الجميع، على دراية، مما تقتضيه مختلف القوانين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمدونة الأسرة، المفعلة في الواقع، وبمدونة الشغل، المفعلة، أيضا، في الواقع، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص. والقانون الجنائي المفعل في الواقع، والقانون المدني، المفعل في الواقع، لجعل الأجيال بعيدة عن المتاهات، وحريصة على الاندماج في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، انطلاقا من المقتضيات، التي ينص عليها أي قانون، يستهدف تنظيم الواقع، ومحاصرة الأمراض المختلفة، التي ينتجها المنحرفون.

أما عندما تمسك الدولة المغربية، عن تدريس القوانين المختلفة، في المدارس المغربية المختلفة، فإنها تتحمل مسؤولية كبيرة، في:

1) جهل المواطنين بالقوانين المختلفة، مما يجعلهم غير مسؤولين عن أفعالهم، التي تصدر عنهم، والتي قد لا تكون لها علاقة بالمعرفة القانونية.

2) ارتكاب المواطنين لأفعال لا يدرون:

هل هي مطابقة للقانون؟ أم مخالفة له؟

مما يدخل المواطنين القائمين بتلك الأفعال، في دوامة المساءلة أمام الضابطة القضائية، وأمام الوكلاء العامين، وأمام المحكمة، وقد يحكم عليه بالسجن، وهو لا يدري أصلا:

لماذا يسجن؟

ولماذا يعتقل؟

ولماذا يحاكم؟

3) إشاعة الثقافة القانونية، عن طريق وسائل الإعلام السمعية / البصرية، والمقروءة، والإليكترونية، حتى يصير المواطن البسيط على بينة بمضامين القوانين المختلفة.

والدولة المغربية، عندما تتحمل مسؤوليتها كاملة، ستعمل على جعل القوانين المعمول بها وطنيا، موضوع الدرس، في المدارس المغربية، وستقف وراء إعداد أجيال، تحصل كل ما يقدم لها، من معرفة قانونية، لتصير ممسكة عن الفعل الضار، وقائمة بالفعل المفيد.

وحتى تقوم الدولة المغربية بدورها كاملا، يجب أن تتخذ طابع الحياد، في تطبيقها للقوانين المختلفة، وأن لا تنحاز، لا إلى القطاع العام، ولا إلى القطاع الخاص، ولا إلى أي طبقة، من الطبقات، ولا إلى أي مسؤول، كيفما كانت المسؤولية، التي يتحملها، حتى تشعر المجتمع، بأنها، فعلا، دولة للحق والقانون.