المتعاقدين بالمغرب.وتجليات طبائع البرجوازية الصغرى


عبد الهادي مصطفى
2020 / 3 / 7 - 16:06     

تتداول وسائل التواصل الاجتماعي خبر استشهاد تلميذ من المشاركين في احتجاجات الحركة التلاميدية في مدينة مكناس ضدا على قرار الساعة الاضافية المجحف في حق كل الشعب المغربي ...حيث يتحمل النظام القائم باعتباره المسؤول الاول عن هدا القرار كل المسؤولية لكن وفي جانب مهم منه يتحمل رجال التعليم مسؤولية اخرى في عدم قدرتهم على القيام بدورهم اتجاه من يمكن ان يعتبروا ابنائهم نضرا لحداتة سنهم ولكون اغلبية التلاميد يعتبرون دون السن 18اي انهم قاصرين بحسب القانون بالتالي فهم بحاجة الى من يرشدهم ويرافقهم داخل المدرسة وخارجها اثناء انشطتهم الجماعية والفردية .
ان دور رجل التعليم لا يقتصر فقط على تقديم الدروس والتأطير البيداغوجي والتكوين النضري والعلمي فقط ولكنها مسؤولية في ارشاد التلميد ومرافقته في جل حياته الدراسية ولعل الاستاد يعتبر قدوة للتلميد ومتله الاعلى ومعلمه حيث من المفترض على رجال التعليم ان يكونوا في الصفوف الاولى لتظاهرات التلاميد حيث تقتضي مهمتهم الوقوف على سير التظاهرات وتنظيمها وتاطير التلاميد لضمان حسن سير الاحتجاجات بعيدا عن الوقوع في اخطاء وكوارث قاتلة كالتي وقعت بمدينة مكناس .
لو اننا فعلا نمتلك رجل تعليم حقيقي وغيور على مصلحة الاجيال وله من المبدئية والشرف ما يكفي فقد كان من اللازم ان نرى هؤلاء في مقدمة التلاميد وفي مؤخرة وعلى جنبات التظاهرات لتنظيم ابنائهم وتاطيرهم طالما ان المعركة واحدة والمطلب واحد والعدو واحد ولكن طالما اننا في المغرب فلا شيء على طبيعته الا همجية النظام القائم
تاريخ المغرب حافل بفاعلية ودور رجال التعليم في الانتفاضات بالمغرب ويشهد لهم بدورهم التأطيري في مجموعة من الاحتجاجات ويسجل ايضا حضورهم الى جانب المحتجين بالبيضاء سنة1981ومراكش سنة1984وفاس سنة 1991بل ان تاريخ الانتفاضات بالمغرب يسجل وبكل فخر احدى اعظم شهيدات الحملم وهي معلمة مناضلة وتورية اسمها سعيدة المنبهي بصمت بتضحياتها على تاريخ رجال التعليم بدمائها الغالية....تاريخ الصراع مع النظام يحتفظ ايضا بنثرات من مبدئية هؤلاء وانخراطهم الفعال في الصراع ولا ادل على ذلك تطرق الكومبرادور الحسن الثاني لتظاهرات مراكش واتهامه لرجال التعليم بالوقوف خلف تأطير وتنظيم المتظاهرين....فعلا انه تاريخ مشرق ومشرف لرجل التعليم المغربي الذي يجب ان يفخر به .
لكن بين تضحيات الشهيدة سعيدة المنبهي وتأطير رجال التعليم لتظاهرات التلاميذ ونزولهم الى حظن الجماهير الكادحة واليوم ...سلسلة متصلة من الردات والتراجعات والمساومات اسهمت فيها مجموعة عوامل متداخلة ومترابطة من بينها تراجع المد الجماهيري وانحصاره في مستويات متدنية اضافة الى سيطرت المركزيات النقابية الصفراء على المشهد النقابي وانخراطها في عملية تدجين الجماهير وتلجيم فعلها بالتوافق مع النظام . غير ان ذلك يبقى لا شيئ امام المحدد الرئيسي في الانعطافة النوعية لرجال التعليم من الانخراط والفاعلية الى الركون والتراجع والردة حيث يمكن اعتبار العامل المحدد اساسا ينبع من ذاتية مكونات هذا القطاع الحيوي حيث ينتمي رجال التعليم الى البرجوازية الصغرى كما انهم وفي ذات الوقت لا يملكون وسائل انتاج تمكنهم من التحول او الانتقال للبرجوازية الكبرى والمتوسطة ، كما لا يقومون وكما يقول البعض الا ببيع طاقتهم الدهنية في تقارب وتشابه الى حد ما مع الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها العضلية .غير انه وبالرغم من هذا الاختلاف فيما بينها وبين البرجوازية المتوسطة والكبرى وتقاطعاتها الكبيرة مع الطبقة الكادحة التي تبدوا الى حد ما الاقرب اليها خصوصا مع كل ازموة او ركوض اقتصادي لا يمكن ان تمثل طبقة مستقلة بذاتها لها مميزاتها وموقعها الطبقي ولكنها مجرد فئة وشريحة اجتماعية جعلتها علاقات الانتاج السائدة والتبعية منها على الخصوص تستقر على خط التماس الفاصل بين الطبقتين الرئيستين او نقيضي علاقات الانتاج السائدة فيما بين الطبقة الكادحة والمستغلة التي تظم الفقراء والعمال والفلاحين واشباه البروليتاريين وبين الطبقة المالكة لوسائل الانتاج والمتحكمة على مستوى البنيتين التحتية والفوقية تتزعمهاالبرجوازية الكومبرادورية.
بمعنى ادق فتموقع هاته الشريحة او الفئة الاجتماعية المتكونة من رجال التعليم وعموم الموظفين ومن يدور في فلكهم على خط التماس بين طبقتين متناحرتين يجعلهم ضحية اوهامهم وتطلعاتهم المميزة للطبقة البرجوازية بالأساس للرقي هربا من السقوط في حظن الطبقة الكادحة ولأجل تحقيق غايتها فهي مرغمة على الخنوع لطباعها ومحددات فعلها التي لا يمكن الا ان تكون انتهازية بدرجات متفاوتة تماشيا وموازين القوى بين طرفي النقيض .حيث تعمد الى النزول الى صف الجماهير الكادحة عند فترات الغليان الشعبي وخلال الانتفاظات املا منها لتحسين شروط واقعها المعاش وتحقيق مجال اوسع من الحصانة الاقتصادية عبر ما يمنح لها من امتيازات وحقوق ضرفية خاضعة لمد جماهيري وخلل على مستوى موازين القوى بفعل ازمة اقتصادية تمس الاقتصاد المغربي المرتبط تبعيابالإمبريالية .كما يمكن لهاته الشريحة ان تنزوي الى الصمت والتراجع وتختار الخنوع والصمت بل والى الردة والتموقع الى جانب التحالف الطبقي المسيطر احيانا في حالات انحصار المد الجماهيري وتراجع حركات التحرر الوطني او عندما يتمكن النظام من الامساك بزمام الامور وهو ما يبدوا واضحا في وقتنا الحالي من خلال الصمت المطبق لهؤلاء وغيرهم بالرغم من كل السياسات الطبقية والتصفوية التي تستهدف قطاع التعليم ،ليس ذلك فحسب بل اصبحت عاجزة عن حماية نفسها وضمان استقرارية شريحتها ومكوناتها بفعل قيام النظام باستهدافهم بشكل مباشر وفاضح عبر تكريس واقع الطرد والفصل والاقتطاعات للمضربين ثم كخطوة اخيرة بسن وتطبيق قانون العمل بالعقدة الذي يعتبر بمثابة مسمار جحا الذي ذق في نعش شريحة رجال التعليم اضافة الى اكتساح قطاع التعليم الخاص على حساب التعليم العمومي.
من المعلوم ان رجال التعليم بالمغرب يعدون شريحة كبيرة وعريضة جدا لها وزنها على مستوى الاطارات الجماهيرية خصوصا على مستوى الجمعية المغربية لحقوق الانسان وكذا على مستوى المركزيات النقابية لكن وبالرغم من ذلك فدورهم في الوقت الحالي اصبح ضعيفا و محصورا او غير دي قيمة حيث يسجل التاريخ ردتهم و خيانتهم لمصالحهم اولا ثم لمصالح عموم الجماهير باكتفائهم بدور المتفرج على تصفية التعليم ببيانات وتنديدات محتشمة ومعزولة هنا وهناك للتضامن مع أساتذة التعاقد الذين اعتبروهم بحسب المتداول بمثابة الدخيل على القطاع او المكون من الدرجة الثانية دون عملهم على احتضانهم والتضامن معهم والعمل معهم لإسقاط العقدة .
ان ما يقع في الوقت الراهن من انعزالية لنضالية الأساتذة المتعاقدين ومن تظاهرات ومقاطعات للتلاميذ في معزل عن اي دور لرجال التعليم ليعد نكوصا لهؤلاء وردة وخيانة لدورهم التاريخي بل هو تجسيد عملي وفعلي لطبيعتهم الانتهازية المتحكمة في فعلهم واختيارهم وطبيعة تعاطيهم مع حركية وفعل الجماهير وعموم القطاعات الاخرى وهذا ما يفسر بالملموس وبدرجة كبيرة التعاطي المحتشم مع نضالية واشكال الاساتذة المتعاقدين ومع غياب شريحة التعليم عن اي ردة فعل عن اشكالية الساعة الاضافية في توجيه وتأطير التلاميذ والمشاركة في فعلم النضالي بل الاكثر من ذلك وقفوا موقف المتفرج و الغير المعني حول فاعلية ونضالية الحركة التلاميدية التي تنتظر تأطيرهم وتأثيرهم الايجابي لها بعيدا عن الاكتفاء بنشر صور الاقسام الفارغة او نشر خبر المقاطعة هنا وهناك دون القدرة على الدعاية والتشهير لحجم ومستوى هذا الفعل النضالي الدي يقع امام عينيه من قبل من يمكن ان يعتبرهم ابائه
انها الانتهازية في ابهى حللها والردة في اقصى صورها حيث انحصر الفعل النضالي وغابت معه الغيرة والمبدئية لتتحول الى اشياء اعجز عن وصفها لأنها غريبة عن هذا القطاع الذي عودنا ان يكون سباقا للانخراط والتأطير والفعل دفاعا عن الكادحين اولا ثم تحصينا لمكتسباته تانيا ...غير انه وبالرغم من ذلك فالتاريخ سيسجل ان هناك استثناءات كبيرة لا يمكن القفز عليها او انكار تضحياتها وان كانت تعد على رؤوس اصابع اليد الواحدة نذكر منها مفخرة المغاربة والمتمثلة في المعتقل السياسي جلول وهو رمز من رموز التضحية والنضال ونكران الذات ومثال يحتدى به في المبدئية حيث بصم بالدماء والتضحية على واقعنا البائس .في نفس السياق يمكن ان نتحدث عن الجامعة الوطنية للتعليم التي خرقت بدورها الاجماع المختلق وقامت بعدة اشكال نوعية عبرت من خلالها على موقفها بالرغم من محدودية امكاناتها.