تزايد الاهتمام بالاشتراكية في أمريكا


تاج السر عثمان
2020 / 2 / 26 - 02:44     

كشفت حملة المرشح اليساري الانتخابية ساندرز، الذي فاز حتى الآن كما ورد في الأنباء في: ثلاث ولايات " بيفادا ، أيوا، نيو هامبستر"، عن تزايد الاهتمام بالاشتراكية التي بدأت تنتشر،وتشكل تحديا لأنصار الليبرالية الجديدة في عقر دارها، مما أدي للحملة المعادية لساندرز، ووصفه بأنه يشكل خطرا علي العالم الديمقراطي ، اذا فاز المرشح اليساري، وتمّ وصفه أيضا بأنه " شيوعي".
الجديد في الأمر انبعاث لهيب الاشتراكية من رماد قلعة الرأسمالية ، التي تزايد فيها التفاوت الصارخ في توزيع الثروة والقهر الطبقي والاجتماعي والثقافي ،بعد شن حملة المكارثية المعادية للشيوعية في سنوات الحرب الباردة، وبذلت الطغمة الحاكمة الرأسمالية في أمريكا دورا رئيسيا في تحطيم التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا وبعض بلدان العالم الثالث التي طرحت التنمية المستقلة عن مسار الفلك الرأسمالي، بعد كل ذلك تنبعث الاشتراكية في قلعة أمريكا التي ظنت أنها الحصينة ، ويتم طرح شعار: العدالة والتوزيع العادل للثروة، وتوفير ومجانية العلاج والتعليم وبقية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد شن اليمين المتطرف الحملة علي ساندرز ووصفه بأنه " شيوعي"، رغم أن ساندرز نفسه لم يدع ذلك ، وصف نفسه بأنه "اشتراكي ديمقراطي" ، مما يطرح ضرورة توضيح الفروق الايديولوجية التي أثرناها سابقا، بين اليسار الاشتراكي والشيوعي، فما هي تلك الفروق؟
بعد فشل التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، برزت اصوات باسم اليسار الفضفاض، دعت الي التخلي عن الماركسية والطبيعة الطبقية للاحزاب الشيوعية ، والتخلي عن اسم الحزب الشيوعي، بحجة استحالة بناء مجتمع شيوعي ، وأن فكرة المجتمع الشيوعي فكرة (طوباوية)، وهي افكار تحتاج لمناقشة بعد تجربة اكثر من ثلاثين عاما ، من السير في طريق العولمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة الذي قام علي التحرير الاقتصادي ،والخصخصة وتشريد العاملين، وادي لافقار الملايين من الكادحين، وجردهم من أبسط خدمات التعليم والرعاية الصحية وخدمات الكهرباء ومياه الشرب النقية، اضافة الي النهب المكثف لثروات بلدان العالم النامي، وتركيز الثروة في أيدي القلة. وهي تجربة قاسية مرت ولا زالت تمر بها شعوب العالم الكادحة، ومازالت تقاومها من خلال نهوض الطبقة العاملة وجماهير الكادحين في مختلف بلدان العالم، من اجل تحسين اوضاعها المعيشية والاجتماعية والثقافية، كما تجلت في انتفاضات وثورات شعوب البلدان الرأسمالية المتطورة وثورات شعوب امريكا اللاتينية وشعوب المنطقة الآسيوية العربية والأفريقية ضد الانظمة التي سارت في طريق الفساد والخصخصة وافقار الشعوب.
وهي تجارب نحتاج معها الي وضوح فكري ونظري يساعد في الصراع من اجل انتزاع الديمقراطية والسير قدما نحو المجتمع الاشتراكي والذي يفضي الي تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للكادحين.
فماهي قضايا التمايز الايديولوجي بين الشيوعية واليسار الاشتراكي الفضفاض؟.
* رغم أن الشيوعية هدف بعيد، وحتي علي مستوي ذلك الهدف البعيد، نلاحظ ان ماركس وانجلز في البيان الشيوعي كانا يتحدثان عن أن من أهداف المجتمع الشيوعي تحقيق مجانية التعليم العام، نجد أن هذا الهدف تحقق بفضل نضال العاملين حتي في المجتمعات الرأسمالية المتطورة.
واذا رجعنا للمبادئ الأولية التي تحدث عنها ماركس والذي اعتقد انه كان من اكثر المفكرين والفلاسفة واقعية وبعيدا عن الطوباوية، علي سبيل المثال: تحدث ماركس في مؤلفه (نقد برنامج غوتا) عن مجتمع اشتراكي سوف يخرج من احشاء المجتمع الرأسمالي الحالي الذي يتميز بالتناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج وعلاقات الانتاج التي تقوم باستحواذ قلة علي جهد العاملين، أي أن فائض القيمة يذهب لثراء قلة من الرأسماليين بحكم منطق نمط الانتاج الرأسمالي الهادف الي تحقيق اقصي قدر من الأرباح علي حساب الكادحين. اشار ماركس الي انه عندما يخرج المجتمع الاشتراكي من صلب المجتمع الرأسمالي، سوف يكون حاملا لسماته لفترة تاريخية طويلة، اطلق عليها ماركس طور الاشتراكية أو الطور الأدني من الشيوعية، وفي هذه الفترة سوف يظل التفاوت بين الناس حسب قدراتهم الجسدية والعقلية قائما، و بالتالي سوف يتفاوتون في دخولهم وهو ما اطلق عليه ماركس ( من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله)، اي أن الحق البورجوازي سوف يظل مستمرا، أي أن قانون القيمة الخاص بحركة السلع في المجتمع الرأسمالي سوف يظل فاعلا، وبالتالي ان هدف مرحلة الانتقال (الاشتراكية) هي لجم التطور الرأسمالي وليس ايقافه، اما فائض القيمة الناتج من عمل الكادحين فسوف يتحول الي تلبية احتياجات الناس الاساسية: في التعليم الصحة، حماية الامومة والطفولة، الضمانات الاجتماعية ضد الشيخوخة.الخ.
كان ماركس واقعيا، لأنه افترض ان الرأسمالية لا يمكن ان تزول بين يوم وليلة، وبالتالي أشار الي مرحلة الاشتراكية كطور ادني من الشيوعية، والتي يستمر الحق البورجوازي فيها لفترة تاريخية طويلة.
أي أن الاشتراكية هي طور ادني من المجتمع الشيوعي الذي يشكل بداية تاريخ الانسانية الحقيقي، ويتحقق شعار: لكل حسب حاجته، وتطور الفرد الحر كشرط لتطور المجموع الحر، والانتقال من مملكة الضرورة الي مملكة الحرية، واضمحلال الدولة وليس الغاءها، والغاء قانون القيمة الذي يتم فيه سيطرة المنتوج علي المنتجين(زوال الاستلاب).
عليه من المهم عدم الخلط بين المجتمع الشيوعي كهدف بعيد يبدأ فيه تاريخ الانسان الحقيقي، ويزول فيه كل اشكال الاستغلال الطبقي والقومي والجنسي والاثني والثقافي، والاشتراكية التي هي طور أدني، يظل يعمل فيه قانون القيمة الذي يعبر عن التفاوت.
هذا اضافة الي أن الارتداد من الاشتراكية الي الرأسمالية يمكن أن يتم بسهولة، كما حدث في التجربة الاشتراكية السوفيتية وبلدان شرق اوربا، ونماذج دول الرفاه في أوربا الغربية،ونماذج مثل: الناصرية ، والبعث ، وغانا .الخ التي حكمت باسم اليسار في المنطقة العربية والافريقية.
فاذا كان هدف احزاب اليسار الفضفاض الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية ، فانها تطلب الطور الأدني الذي يسهل منه الارتداد للرأسمالية، وليس الطور الاعلي الذي يتم فيه الغاء كل اشكال الاستغلال، ويستحيل فيه الارتداد للرأسمالية.