بداية تنكر ناصر للشيوعيين المصريين


محمد مدحت مصطفى
2020 / 2 / 20 - 23:40     

في التاسعة من صباح يوم 23 يوليو 1952م: توجه أحمد الرفاعي إلى أحد المطابع الأهلية في السيدة زينب؛ لطباعة أعداد كبيرة من بيان في صفحة واحدة؛ يُعلن تأييد حركة حدتو لحركة الجيش؛ التي كانت قد أعلنت بيانها في السابعة صباحاً. كانت حدتو المنظمة الشيوعية الوحيدة التي كانت على علم بميعاد حركة الجيش؛ قبل القيام بها بأربعة وعشرين ساعة. نظراً لصلتها بتنظيم الضباط الأحرار؛ من خلال قسم الجيش بالحركة؛ والذي كان يُطلق عليه اسم قسم الأحذية.
رفض صاحب المطبعة في البداية طباعة البيان، ثم تم إجباره على طباعته. ومن أهم الضباط الأحرار الذين كانوا على ارتباط بحدتو كأعضاء أو متعاطفين كل من: يوسف صديق - خالد محى الدين - جمال عبد الناصر - عثمان فوزي - جمال علام - عبد اللطيف البغدادي - وجيه أباظة - لطفي واكد - منير موافي - شوقي حسين - آمال المرصفي - أحمد قدري - علي لطيف - كمال رفعت- طلعت خيري - عبد المجيد نعمان - مجدي حسنين - محمود المناسترلي - محمود القويسني - صلاح السحرتي - أحمد قدري. وكذلك محمود توفيق وأحمد حمروش من تنظيم القلعة، أما كمال رفعت وأحمد خيري فقد انقطعت صلتهم بحدتو عام 1947م بعد موافقتها على قرار تقسيم فلسطين.
كان جمال عبد الناصر يتسلم المنشورات في سيارته من ملكون ملكونيان أرمني مسئول الاتصال بالجهاز الفني لحدتو. والطريف هنا أن ملكونيان: قبض عليه في نهاية أغسطس 1952م مع كل من كمال الشلودي ووليم توفيق وفوزي فام وحكم عليهم بالسجن خمس سنوات؛ بتهمة توزيع منشورات معادية؛ وتم مصادرة المطبعة المعروضة بمتحف الثورة على إعتبار أنها مطبعة الضباط الأحرار.
أما الشيوعيون السودانيين الذيت تم ترحيلهم إلى السودان عام 1956م فهم: برير حامد- عبد الرحمن حسين- يوسف عبد المجيد- فتحي داوود- مصطفى عبد الله- فاروق أبو عيسى- وأحمد علي بقادي.
يا تُرى ماهو سبب هذا التغير تجاه الشيوعيين؟. خاصة وأنه قد سبقه إعدام خميس والبقري في كفر الدوار؛ وسبقه الإفراج عن كافة المسجونين السياسيين فيما عدا الشيوعيين منهم. في سبتمبر 1951م طلب خالد محى الدين من أحمد فؤاد إعداد ورقة برنامج للضباط الأحرار؛ وتم كتابة الورقة التي تتضمن العمل على الاستقلال ورفض الارتباط بالأحلاف ومعاهدات الدفاع المشترك؛ والدعوة إلى إطلاق الحريات العامة جميعها للشعب؛ حتى يستطيع أن يلعب دوراً فعالاً في الحرب ضد الإستعمار. والعمل على تكوين جبهة وطنية من جميع الأفراد والهيئات الوطنية المختلفة التي تكافح ضد الإستعمار؛ ومحاربة الهيئات غير الوطنية. أثارت الورقة انقساما في الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط فطلب عبد الناصر من خالد محي الدين أن يقوم بعرض الورقة على الأعضاء ويجمع التوقيعات عليها. قام خالد محى الدين بإعادة الورقة إلى ناصر بعد جمع التوقيعات عليها، الذي احتفظ بها؛ وقال لخالد نطبعها بعد نجاح الخطة.
عندما شعرت حدتو أن الضباط الأحرار تخلوا عن الورقة البرنامج طلب أحمد فؤاد من خالد محى الدين طباعة الورقة؛ الذي أبلغه رفض جمال عبد الناصر للورقة. كانت حدتو تحتفظ بصورة من الورقة فقامت هى بطباعتها بأعداد كبيرة؛ مما أغضب عبد الناصر واعتبره تحدياً له. ومنذ ذلك التاريخ وأصبح التنكيل بالشيوعيين عملاً ممنهجاً. وفي 15 يناير 1953م: تم اعتقال أحمد حمروش؛ واستقال يوسف صديق في فبراير 1953م؛ ثم إلغاء الدستور وحل الأحزاب بعد ذلك.
في عامى 1956 و 1957م: قدم الشيوعيون المصريون مثلاً رائعاً في الوطنية؛ لم يستطع أن يُنكره أحد. وعندما توحدت الفصائل الشيوعية في حزب واحد في 8 يناير 1958م: أعلنت الوحدة مع سوريا في 8 فبراير؛ فأصدر الحزب الشيوعي المصري بياناً رسمياً بتأييدها، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار خصائص المجتمع السوري. وعندما انطلقت الثورة في العراق في 14 يوليو: أصدر الحزب بياناً بتأييدهاأيضاً. ومع التيار الجارف للوحدة العربية: أعلنت القيادة العراقية استعدادها للوحدة الفيدرالية مع الجمهورية العربية المتحدة، إلا أنها رفضت طلب ناصر بحل الأحزاب التي كانت وراء الثورة (الحزب الوطني الديمقراطي - حزب البعث - حزب الاستقلال - الحزب الشيوعي العراقي). وقام الحزب الشيوعي المصري بتأييد المطالب العراقية إيماناً منه بحرية تكوين الأحزاب. وفي أغسطس نظم الاتحاد القومي برئاسة عبد القادر حاتم: ثلاثة مؤتمرات جماهيرية للمطالبة بالوحدة الفورية مع العراق. قام شباب الحزب الشيوعي في المؤتمرات برفع شعارات حرية تكوين الأحزاب.
في سبتمبر استدعى أنور السادات الدكتور محمود أمين العالم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وأبلغه بضرورة حل الحزب؛ وأنه سيسمح لأعضائه بالانضمام الفردي للإتحاد القومي. رفض الدكتور العالم طلب السادات؛ وعرض انضمام الحزب الشيوعي للإتحاد القومي وتكوين جبهة معه. رفض السادات العرض؛ وهدد بأنه في حالة استمرار الرفض سيتعرض الشيوعيين لعقاب أشد كثيراً مما وقع للإخوان المسلمين.
أقرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي موقف الدكتور العالم. بدأت حملة التنكيل بالشيوعيين المصريين يوم 28 سبتمبر: بالقبض على الشباب الذين حضروا مؤتمرات الاتحاد القومي. وفي فجر عام 1959م: بدأت حملة الاعتقالات الكبرى التي طالت قيادات الحزب الشيوعي. وأعقبتها في مارس حملة موسعة على أعضاء الحزب، ثم حملة ثالثة في إبريل للفارين من الحملتين الأولى والثانية. استمر الشيوعيون المصريون في الاعتقال حتى منتصف عام 1964م. وقتل منهم تحت التعذيب خمسة عشر مناضلاً من بينهم الأيقونة: شهدي عطية الشافعي!.

ورد لدى العديد من المؤرخين أن بداية هجوم جمال عبد الناصر على الشيوعيين المصريين كان في كلمته ببور سعيد أثناء الاحتفال بعيد النصر في 23 ديسمبر 1958م - وقد راجعت هذا الخطاب ولم أجد به كلمة واحدة عن الشيوعيين المصريين. وأول خطاب عثرت عليه في هذا الموضوع كان خطابه من شرفة قصر الضيافة بدمشق في 15 مارس 1959م. برجاء إذا كان فيه اى حد يأكد موضوع خطاب بور سعيد يدلني عليه لأمانة التوثيق فقط - وشكراً.