الخيانة لا تحتاج استئذان


أماني العبادلة
2020 / 2 / 20 - 16:55     

حين يخونك البعض لا يطلب منك الاذن، ولا تنتظر منه الاعتذار فهو يغافلك الى ان تتحقق جل مفاهيم الخيانة الفعلية على أرض الواقع وتكون انت فيها الضحية او كبش الفداء..
وأصعب تلك الخيانات هي خيانة الذات وبعدها خيانة القلب والذي ينكسر بها فؤادك ووجدانك وتبقى جاسمة في قلبك حد الهذيان ولكنك تحتاج وقتا لتتعافى منها و سرعان ما تتناسي ذلك اما بحب جديد يعيد لك الامل و يملأك حياة واما بالنسيان والذي هو نعمة الله الجميلة التي اهدانا اياها مع بقاء تلك الغصة القابعة في قلبك وحدك فلا تؤذي بها أحد غير نفسك الأبية التي ترفض الخنوع.
ولكن الخيانة الحقيقية التي أراها الان من وجهة نظري هي التطبيع او فن الترقيع...
هي خيانة الوطن " treason" ففي القانون هي الجريمة التي تشمل أعمال متطرفة ضد الدولة قد عرفت الخيانة ضد الملك أو الحاكم بالخيانة العظمى، ولمن دونه بالخيانة الصغرى والشخص الذي يرتكب الخيانة في القانون يسمى بالخائن و من أبشع الصفات التي قد يتصف بها الإنسان فهي مناقضة للأخلاق ومنافية للدين ومنافسة لمنظومة الاخلاص والوفاء والانتماء الوطني ..
وتتنوع مفاهيم الخيانة، فهي لا تقتصر على معنى دون آخر، فقد تعني أحيانا خرق ونقض الاتفاقات واحيانا اخرى انعدام الثقة ما بين الأشخاص وعدم الاخلاص الوفاء وأحيانا الغدر والتجريح...
فتتعدد أشكالها وتختلف صياغتها حسب التجربة الخاضعة لها ويسمّى الشخص الفاعل للخيانة بالخائن عديم الوفاء او الغدار...
و محطات الخيانة في وطني العربي والذي ينطوي اجرامها تحت مفهوم الخيانة العظمى هي للشخص الذي يتصل بدولة معادية تقوم على انقاض وطنه وقضيته بهدف تقويض الأمن والاستقرار او القضاء عليه و فيها كثيرة وكبيرة وواضحة وفاضحة والنماذج كبيرة وكثيرة وجميعنا نعلمها..
إذ أن الإجرام هنا لا يغتفر ولا يمكن المسامحة فيه فالخيانة بالوطن جهارا اصبح شعار جميع القادة في فن الحوار والتفاوض والتقايض والاندثار والانهزام والانكسار...
اذا يقاتل و يخطط ويتخابر مع العدو لتسريب معلومات او اخبار او تنازلات او تفاهمات او اتفاقيات... تحت عنوان المفاوضات والتي أودت بنا إلى مهاوي الردي.... عقوبة هذه الخيانة هي الإعدام أو السجن المؤبد في ظل القانون الدولي ويُسمَّى الشخصُ المتهمُ بالخيانة العظمى انه جاسوس او عميل لخيانته الوطن والارض والشرف ....
رغم أن الخيانة في المفهوم اللغوي تعني الغدر وعدم الإخلاص وجحود الولاء إلا أننا نكتشف ان الغموض اللغوي فيها كبير ومتباين تبعاً لمفهوم النظم السياسية السائدة ففي ظل النظم الاستبدادية الخيانة تعني إلقاء التهمة على الخصوم السياسيين في الدولة للتنكيل بهم والحكم عليهم وإبعادهم عن مسرح الحياة السياسية....
وفي ظل النظم الديمقراطية الحديثة فإن الخيانة تتمحور في فن الحوار التفاوضي المقيد وفق شروط دولية واجندات خارجية في شخصية الدولة وتختلف هنا المسميات حسب الدرجة المكانية للخائن في السلم الحكومي او الشعبي على حد سواء....وهنا للحديث إطالة سنخوضها لاحقا اذا ان واقعنا العربي تملؤه الخيانات والخيبات ايضا ...
ومما لا شك فيه أن قضيتنا الفلسطينية قد تعرضت للخيانة المستمرة والكبيرة من كل اسقاع الأرض... فضاعت أرضنا، وشردنا في كل بقاع الكون وسقط منا الشهداء والجرحى والغرقى في كل بحار العالم جراء الهجرة الغير آمنة لشبابنا والمفقودين كثر في ذلك ومعتقلين في كل مكان وزمان نعلم عن البعض منهم والآخرون في غياهب النسيان وفقدنا في رحلة الخيانة كل شيء وأصبحنا مشتتين في كل أرجاء العالم ولا عودة لنا رغم مسيرات العودة التي لم تكبلنا الا عناء وفقدان اطراف واحزان وانحراف عن المشروع الوطني وشهداء وجرحى بالألوف وليس لنا في العودة إلى وطننا سبيل أو حتى البقاء في منافينا التي أصبحت فيه الدول ترفض منحنا حق اللجوء الانساني او السياسي على وجه الخصوص حيث لا لجوء لنا رغم الاعتراف بنا حتى في بلادنا كلاجئين فترفض الدولة المهاجر اليها وجودك على أراضيها بكل قوة فإما ان يقابلك الموت او يقابلك الجوع او مافيا التهجير وتجارة الأعضاء البشرية تحتل بذلك مكانة الأكثر استفادة وتجارة....
بسبب هذه الخيانة الدولية لكل الإدارات الامبريالية المتواجدة في العالم والتكالب على الشعب الفلسطيني .
و لقد بدأت بوادر خيانة الحكومات العربية مبكرا جدا لقضيتنا الفلسطينية ونحن تغاضينا عنها ودفنا رؤوسنا في الرمال كما النعام.... والتزمنا مقاعدنا ومناصبنا وكراسينا الحكومية والرئاسية والتفاوضية والتنازلية التي اعتقلونا فيها...
متجاهلين الحقيقة الواضحة أمام أعيننا، وهي البادرة الأولى لهذه الخيانة قيام الحكومات العربية بإرسال برقيات إلى اللجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة الفلسطينية الكبرى عام1936 بإنهاء الإضراب الفلسطيني الذي استمر ستة أشهر رفضا للسياسات البريطانية، واستجاب الفلسطينيون لهذه البرقيات، وأنهوا الإضراب الأطول في التاريخ الحديث....
فأرسلت بريطانيا لجنة بيل الملكية التي أصدرت توصياتها بتقسيم فلسطين، مما أدى إلى اندلاع شرارة الثورة من جديد ورفضت هذه التوصيات، وكانت هذه النتيجة بسبب سماعنا للحكومات العربية التي خانت العهود والوعود والمواثيق..
و كتب "صلاح خلف أبو إياد " في كتابه "فلسطيني بلا هوية: " أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر... وهذا ما نحن عليه الآن.
وهو من توقع الخيانة من كل الصفوف الملتصقة بالعمل الوطني و الكفاحي و الثوري والقومي أيضا والعربي على وجه التحديد والخلاص من ثقل القضية الفلسطينية كما وتوقع ان الخيانة ستكون داخلية ومنظمة من قلب الجسم الواحد للتنظيم الواحد بشكل هادف ومنظم ومدروس وممنهج ...رحم الله ابو اياد ورحم الله كل شهدائنا.
فالخائن يتجرد من وطنيته وانسانيته بوصفه مجرماً متطرفاً حاقداً لا يجيد إلا التخوين والتجريح والتكفير...
هذا هو المنطق الحقيقي لمن يخون ويرفع إلى أعلى درجة في الاتهام في الخيانة.
مصيبة تلك الأيام التي نعيشها وانقلاب تام للمفاهيم ولمنظومة الاخلاق بمجملها فلم تقف الخيانة إلى هنا ...
فخيانة ازلية سجلها التاريخ قبل قرابة 500 عام.. كان الغدر العثماني بفلسطين، بل وبكل دول المنطقة العربية ، حين اصطنع سليم الأول خلافة كاذبة باسم "الفتح الاسلامي" والذي احتل بها شعوبا دخلت إلى الإسلام قبل أن يخرج العثمانيون من وسط جبال آسيا كمقاتلين مرتزقة بمئات السنين
وتوالى هذا الغدر بتسليم فلسطين إلى الاحتلال البريطاني اليهودي المشترك، كما تركت دولة الاحتلال العثماني مصر وسوريا وبلاد المغرب والعراق وليبيا.. ليتقاسمها المحتلون الجدد، البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون، رغم ادعائها أنها "حامية الإسلام والمسلمين" وهذا ادعاء باطل.. "فمن فمك ادينك "
ومن ثم توالت الخيانات فالهجرات اليهودية الأولى
وغيرها شكلت بداية الخيانات ولم تنتهي حتى وقتنا الحالي الى ان ابتلعت المشروع الوطني الفلسطيني حتى صياغة مشروع صفقة القرن الامبريالي ...
ومن خيانات العثمانيون الحديثة زيارة رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسى كوهين أنقرة فى 26 يونيو 2016 حيث التقى بنظيره التركي هكان فيدان، واتفقا فى هذا المجال على "عدم سماح تركيا لحركة حماس بأي أنشطة عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي التركية سواء من حيث التخطيط أو التوجيه أو التنفيذ، بينما تستمر حماس بالاحتفاظ بمكاتبها فى تركيا للقيام بأنشطة دبلوماسية". مقابل تنازل إسرائيل عن شرط ومطلب طرد قادة حماس من تركيا. وهذا ما تناقلته وسائل الاعلام ....
وخيانة أخرى تضاف إلى الملف العثماني من ضمن ما اعلنت عنه مضامين الاخبار حيث ان أردوغان" طبع مع الاحتلال الإسرائيلي فى2017 و أبرم صفقات على دماء الفلسطينيين.. وأنقذ مستوطنات يهودية من الحرائق.. ومفاجأة ان شركة تركية تبنى سفارة واشنطن في القدس.
وكثيرة جدا الخيانات في ظل التساوق مع سرقة القرن المرتقبة.
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمٌ "
ولم تقف إلى هذا الحد بالموقف العربي الحالي من التطبيع المتمثل في صفقة القرن وهو تداعيات كامب ديفيد المقيتة والتي تضاف إلى سلسلة الخيانات العربية للقضية الفلسطينية والدور المصري الحالي والعربي بشكل عام من مشروع سرقة القرن.
ويضاف الى منظومة الخيانة التطبيع بكل أشكاله ومضامين.
كما الانقسام وكما التشظي في قضايا الوطن.
فالانقسام أيضا خيانة سواء على صعيد الوطن أو على صعيد التنظيمات وانقسامات الحركة الوطنية الفلسطينية و الانشقاقات التنظيمية داخل الحزب الواحد و انشقاق الديمقراطية عن الشعبية وخروج القيادة العامة عن جسم التنظيم ومن ثم انشقاق فدا عن الديمقراطية وظهور فصائل الحركة الوطنية للتغير والتفكك الحقيقي لوحدة فتح وانقسام الشارع الفلسطيني وخروج صبري البنا تحت اسم المجالس الثورية من قلب التنظيم الفتحاوي ومن ثم تباعا لحق به ابو موسى وأبو خالد العملة بتنظيم جديد فتح الانتفاضة وخروج وعزوف الكثير من القيادات عن بوابة الوطنية
ونشوء الحركات الإسلامية كبديل للجسم الوطني القائم لمنظمة التحرير والانقسام الحقيقي للكل الفلسطيني بين فتح وحماس و ظهور التيار الإصلاحي والالوية التنظيمية والتجمعات الديمقراطية والائتلافات السياسية والحزبية وغيرها و الذي أثقل كاهل الحركة الوطنية العملاقة وانعكاسها سياسيا وعسكريا ومقاومة... فتشرذمت منظومة العمل الوطني ككل وبدأت إرهاصات التنظيمات في التفشي والانهيار تلو الآخر و هذا يندرج ضمن الخيانات العظمي لقيادات العمل التنظيمي...
و تعداد التنظيمات و اللوحات التنظيمية العالمية المرتبطة بالجهات الدولية والاقليمية التي تمولها والتي تتبع ممولها والارتباط في رسالة هذا الممول بعيدا عن فكرة الوطن والوطنية فكل يرى نفسه كبيرا عن الوطن فلسطين ويرى الوطن صغيرا ويرى بالقضية الفلسطينية حملا زائدا لا بد من الخلاص منه باي طريقة واي ثمن... أليس هذا تطبيع ؟؟
اليس هذا تضييع...؟
أليس هذا خيانة....؟
أليس هذا اندثار للمشروع الوطني؟
وانهيار للثوابت ؟
والبعد الحقيقي عن ميثاق الشرف الفعلي للعمل الوطني؟؟،
لابد لنا من وقفة تقييمية للكل الفلسطيني للخلاص من هذه الشرذمات ولكل هذه الخيانات و الخيبات.
والسعي جاهدين لإعادة بناء وهيكلة كل مصفوفة العمل الوطني في بوتقة واحدة تشمل الكل الفلسطيني بكل فئاته وأماكن تواجده... والتفعيل الزامي وشرطي مدروس ومنظم كما بداية الثورة الفلسطينية بالعمق العربي القومي حتى نتخلص من تلك الخيانات ومعاقبة كل المشاركين في هذه الخيانات.