فينزويلا شوكة في حلق الامبريالية الاميركية


جورج حداد
2020 / 2 / 19 - 13:23     

اعداد: جورج حداد*


في تسعينات القرن الماضي، لدى انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية السابقين، "بفضل" خيانة البيروقراطية السوفياتية السابقة، انطلقت آلة البروباغندا الاميركية تقرع الطبول وتعلن موت الاشتراكية والفكر التحرري والاشتراكي، وانضم اليها قطيع من الوطنيين السابقين والشيوعيين السابقين، الذين نقلوا البندقية من كتف الى كتف وانضموا الى الجوقة الامبريالية الاميركية تحت يافطات "الليبيرالية الجديدة".
وجاءت التطورات في فينزويلا في نهاية تسعينات القرن الماضي لتزعزع جبل البروباغندا الاميركية وتعلن ان السيرورة التاريخية تتابع مسيرتها رغم النكسة السوفياتية. إذ فاز هوغو تشافيز بالانتخابات الرئاسية في شباط 1999، واعلن تحويل فينزويلا الى جمهورية بوليفارية (نسبة الى الثائر الاميركي اللاتيني سيمون دي بوليفار) والتحول الى معاداة الامبريالية وبناء الاشتراكية في فينزويلا. واعلنت فينزويلا الجديدة تأييد الدولة الثورية الاسلامية الايرانية، ودعم وتأييد القضية والمقاومة الفلسطينيتين والمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان. واصيبت الادارة الاميركية بالهستيريا. وعملت المستحيل لازاحة هوغو تشافيز وسلطته الثورية، حتى بمحاولة اغتياله، او تنظيم انقلاب عسكري ضده، ولكنها فشلت.
وفي 2013 توفي هوغو تشافيز بالسرطان وحل محله كرئيس بالوكالة نائبه نيكولاس مادورو، وهو مناضل نقابي يساري قديم، تابع مسيرة هوغو تشافيز. وكانت الادارة الاميركية تأمل باسقاطه في الانتخابات وبنجاح المعارضة اليمينية الموالية لاميركا. ولكنه نجح في الانتخابات الرئاسية في 2013 وفي 2018. وجرت محاولة اغتياله بمطيّرة (درون) في 2018 خلال عرض عسكري ولكنه نجا من الموت. واعلنت ادارة ترامب بشكل تعسفي "عدم شرعيته" واعترفت برئيس مجلس النواب خوان غوايدو الموالي لاميركا بوصفه الرئيس "الشرعي" لفينزويلا. وشرعت ادارة ترامب في تطبيق العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي الكامل ضد فينزويلا. واعلنت تأييد غوايدو ضد مادورو جميع الدول الموالية لاميركا في اميركا اللاتينية واوروبا، ما ادى الى نشوب ازمة معيشية حقيقية في البلاد، فعم التضخم والغلاء والبطالة وافتقدت من الاسواق مواد حياتية اساسية، واضطر اكثر من ثلاثة ملايين مواطن لمغادرة البلاد سعيا وراء سبل العيش.
واستغلت المعارضة الموالية لاميركا وعلى رأسها غوايدو هذه الاوضاع المأساوية وسيرت مظاهرات كبيرة تطالب بتنحي الرئيس الشرعي مادورو وتسليم السلطة لعملاء اميركا. وهددت ادارة ترامب بالتدخل العسكري المباشر لازاحة مادورو وتنصيب عميلها غوايدو. فسارت مظاهرات شعبية مليونية دعما للرئيس الشرعي مادورو ونهجه السياسي الوطني، ووقف الجيش الى جانب مادورو وتم تشكيل جيش شعبي ضم الملايين للوقوف ضد اي عدوان داخلي او خارجي، ووقفت البلاد على شفير حرب اهلية، فاضطرت الادارة الاميركية والمعارضة العميلة للتراجع. ولكن ادارة ترامب عمدت الى تحريض نظامي الحكم اليمينيين العميلين في كولومبيا والبرازيل المجاورتين لمهاجمة فينزويلا، كتمهيد للتدخل الاميركي بحجة "فك الاشتباك" بين الاطراف المتنازعة. واحتشدت قوات البلدين على الحدود مع فينزويلا. فأعلن الرئيس مادورو، ومعه الجيش النظامي والجيش الشعبي الفينزويليين، تحذير كولومبيا والبرازيل من مغبة اي عدوان ضد الاراضي الفينزويلية، مهددا بنقل المعركة الى اراضي المعتدين. فاضطرت كولومبيا والبرازيل للتراجع عن نية العدوان، وانضمتا الى صفوف جوقة الجعجعة الدعائية ضد فينزويلا.
وتمر فينزويلا اليوم في مرحلة صعبة جدا ولا سيما على المستوى الاقتصادي والمعيشي. وقد وقعت الدول الموالية لاميركا في اميركا الشمالية والجنوبية "اتفاقا اقليميا" للدفاع ضد فينزويلا.
وفي تصريح له للجريدة الاميركية Washington Post قال مادورو انه على استعداد للتفاوض مع الرئيس الاميركي اذا كان هناك احترام لسيادة بلاده بصرف النظر عن الحجم الكبير للولايات المتحدة الاميركية.
واضاف مادورو "ان وزير الخارجية الاميركية مايك بومبييو قد فشل في فينزويلا" وان دونالد ترامب يحيط نفسه بمجموعة من المستشارين المثيرين للاشمئزاز فيما يتعلق بالسياسة حيال فينزويلا، ومنهم مايك بومبييو وجون بولتون وايليوت ابرامز (الممثل الاميركي المختص بالشؤون الفينزويلية). واتهم مادورو جون بولتون المستشار الرئيسي لترامب بمحاولة اغتياله (لمادورو) قبل سنة.
وقد هدد مادورو باحتمال اعتقال غوايدو واعوانه وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الخيانة الوطنية. واتهمت فينزويلا الولايات المتحدة الاميركية بممارسة "الارهاب الاقتصادي"، وانها تطبق الحصار العدواني الذي يهدف الى خنق الشعب الفينزويلي وفرض الانقلاب غير الدستوري. وتفرض اميركا على فينزويلا عقوبات كتلك المفروضة على كوريا الشمالية، ايران وسوريا.
وفي الاوضاع فائقة الصعوبة التي تمر بها فينزويلا تظهر روسيا على المسرح بوصفها الحليف والداعم الاول والاكبر لفينزويلا. وافادت الانباء الصحفية ان روسيا امنت لفينزويلا البنزين وغيره من مشتقات النفط. ويتم نقل الوقود في صهاريج مائية من مرفأ تامان الروسي على البحر الاسود الى جزيرة مالطة، ومنها يعاد تحميل الوقود في صهاريج اخرى تبحر الى فينزويلا. وتستغرق رحلة الشحن من روسيا الى فينزويلا مدة شهر كامل. كما تحط في مطار كاراكاس قاذفات القنابل الروسية الستراتيجية العملاقة، وطائرات نقل وشحن عملاقة روسية، عسكرية ومدنية. وردا على الاتهامات الاميركية بـ"الاستفزازات التصعيدية الروسية" تقول المراجع الروسية ان طائراتها تنقل مساعدات انسانية وبعض الاسلحة التقليدية وبعض الوحدات العسكرية من المدربين والمستشارين العسكريين الروس، ضمن قوانين الشرعية الدولية وبناء على طلب الحكومة الشرعية لفينزويلا. وهذا ما يساعد الشعب الفينزويلي على الالتفاف على الحصار العدواني والعقوبات الاميركية الجائرة. وصرح السفير الفينزويلي في موسكو كارلوس رافاييل فاريا تورتوسا انه يجري التحضير لزيارة الرئيس مادورو الى موسكو. ويتوقع ان يتم خلال الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقات المهمة بين البلدين.
ان الصمود الاسطوري للشعب الفينزويلي البطل، بمواجهة اعتى قوة امبريالية في العالم، يؤكد ان الارادة الحرة لاي شعب هي اقوى من الامبريالية العالمية، وهذا الصمود سيقدم المثال الحي لشعوب اميركا اللاتينية ويؤسس لتحرير هذه الشعوب المناضلة من طغيان الامبريالية الاميركية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل