حول فكر الحداثة


سليم نزال
2020 / 2 / 19 - 09:47     


انطلاقا من ايمانى بنشر قيم التنوير فكرت هذا الصباح ان اقوم ببعض القراءات النقدية حول مفهوم الحداثة.و لعل هذا يتطلب بضعة مقالات حول
الموضوع ؟ فقد صار هذا التعبير يكرر فى العالم العربى الى درجة كبيرة جدا تذكرنا بالكثير من المقولات الجاهزة التى سمعناها فى عصور سابقة مثل الحل فى الاشتراكية و الحل فى الاسلام الى اخره من منهج اختزالى لا يقارب الفكر فى اطار تاريخي. كما لاحظت فى الكثير من الكتابات العربية اختلاط مفهومي الحداثة و المعاصرة و اعتقد انه لا بد من التمييز بينهما اذ انهما يلتقيان ربما فى المضمون لكن ليس بالمفهوم الزمنى .بدات الحداثة فى اوروبا كتيار فكرى ثقافى ادبى قبل بضعة قرون و هناك اراء عدة فى هذا الخصوص لا داعى للخوض فيها .لكن المفهوم انتقل لاحقا ليشمل السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و العلم .اما المعاصرة فتشير الى مفهوم الزمن و ان كانت تلتقى مع الحداثة فى بعض من النواحى .لكنها ايضا تفترق عنها لان العصر الحالى فى المجتمعات ليس متساويا فى موضوع الحداثة بين بلاد العالم.فى بلادنا على سبيل المثال لم يصبح مفهوم الحداثة مفهوما عاما فى مجتمعاتنا المعاصرة . و قد استخدمت فى السابق تعبير الحداثة الشكلية لاصف اعمال التحديث التى جرت فى بلادنا سواء فى المرحلة الاستعمارية او بعد الاستقلالات الوطنية .

المفكر محمد عبدة الجابرى يفرق بين مفهوم الحداثة و التحديث .الحداثة كمفهوم فكرى شامل و لعل العقلنة التى تم وضع اساساتها الفكرية من ديكارت الى كانت من اهم ركائزه .اما التحديث الذى تم فى بلادنا فقد اقتصر على استيراد منتوجات الحداثة من تقنيات لكن بدون ان يتم استبطانها اجتماعيا. و لذا بقيت مثل اى سلعة يتم شراءها لكن بدون معينة و محاولة فهم العلاقة بين السلعة التقنية و الفكر الذى انتجها .و لعل هذا الامر قد ادى الى نوع من انفصام فى مجتمعاتنا .تقنيات حديثة لكن العقل التراثى التقليدى ذاته.و بالعقل التقليدى اعنى الكم الهائل من الموروثات ذات الطابع الاسطورى و اللا عقلانى التى تتحكم فى اليات التفكير فى بلادنا .و هناك الكثير من الابحاث التى صدرت مؤخرا التى اعتبرت ان هشاشة هذه الثقافة هى التى قدمت التغذية الثقافية المناسبة و سمحت بظهور و نمو سريع لفكر التطرف .

اعتقد ان تلك المشكلة كانت من المشاكل التى واجهت الدولة الوطنية العربية بعد الاستفلال . نجحت النخب فى تحقيق الاستفلال الوطنى من الاحتلال الاجنبى لكنها واجهت مشاكل كبيرة فى بناء الدولة انطلافا من قيم حداثية كما نجحت فى الحاق ضربات هامة ب مفهوم الدولة السلطانية لكن لم تنجح فى الوقت نفسه فى هضم قيم الحداثة لا على مستوى الدولة من حيث تعزيز قيم الحرية و العدالة و المواطنية و لا على المستوى الاجتماعى حيث نشر الثقافة العقلانية و غربلة التراث من الاساطير .
و اعتقد ان هذا المازق كان من اكبر المشاكل التى واجهت الدولة الوطنية بعد الاستفلال