الاستلاب الفكري والثقافي مدخل للسيطرة الاقتصادية الإمبريالية على الشعوب

سيدي اسباعي
2020 / 2 / 11 - 08:48     


في المنطقة العربية والمغاربية وداخل كل فضاء عمومي أو خاص لابد من أن تصطدم بمظاهر الاستلاب الفكري والثقافي المسلط عليها من قبل الإمبريالية والأنظمة الرجعية والعميلة الحاكمة، رغم أننا نشهد مواجهة شرسة من طرف القوى التقدمية الرافضة لسياسات الأنظمة اللاوطنية واللاديمقراطية، تلك القوى المدافعة عن حقوق شعوب المنطقة، والتي تتصدى لكافة مظاهر وأشكال هذا الاستلاب ما يجعلها تقاوم بمفردها في خضم صراع إيديولوجي شرس.
كثيرا ما نسمع وفي أماكن مختلفة عبارات تفيد أننا متأخرون بآلاف السنوات الضوئية عن دول إمبريالية أو أخرى تدعمها الإمبريالية، هذه العبارات تتكرر في المقاهي، في البيوت وفي كل مكان من حولك، وهذا يبرز شيئا واحدا هو تمكن الإمبريالية من محاصرة الفكر الجماعي واستسلام هذا الأخير للتفكير الدوني لقدرة العقل البشري على مواجهة كل تلك الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا والتي يراد بها تدميرنا فكريا كبداية لدمارنا الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والغاية هنا طبعا هي شل كل محاولات خلق عناصر المواجهة والتصدي لمختلف أساليب الاستلاب الفكري والثقافي.
لأنه وكلما كان الإنسان متذمرا من ثقافته الأصلية ويشعر بداخله بدونيتها مقارنة مع الثقافات الغربية، كلما كان صيدا سهلا لاستيعاب وتبني الثقافة الدخيلة، ليجد نفسه في معمعان صراع ما بين الثقافة المحلية والثقافة الدخيلة تتشكل فيه ملامح الاستلاب الفكري والثقافي داخل مجتمعاتنا، وتظل المواجهة غير كافية ما لم تتعزز بوعي شعبي بضرورة مواجهتها جماعيا بغية الوصول إلى تحرير العقل البشري، وطرح مشروع ثقافي يعبر عن الشعب ويكون بمثابة البديل الحقيقي لأي مشروع دخيل.
بالمقابل تحاول الرجعية وبدعم من الإمبريالية الحيلولة دون حدوثه، عبر منع الهيئات والجمعيات الثقافية التقدمية من الاستفادة من الفضاءات العمومية والخاصة حتى لا تترك الفرصة للتواصل مع الفئات والشرائح المجتمعية التي تشكل أرضية خصبة لتشكل عناصر مواجهة وحشية هذا الاستلاب الفكري والثقافي. وترمي بهذا القمع الممنهج إلى تكريس سياسة الاستلاب الفكري والثقافي كمدخل أساسي للسيطرة الاقتصادية الإمبريالية على الشعوب.
بالنظر إلى سياسات الإمبريالية التي تلبس ثوب النيوليبرالية والموجهة للسيطرة الاقتصادية على شعوبنا، فهي لم تعد تختزل سيطرتها فقط في استعمال القوة العسكرية لفرض سياسة التبادل التجاري الحر الذي يقوي سيطرتها الاقتصادية على الشعوب، بل أصبحت تستخدم أسلوب السيطرة الفكرية والثقافية على العقل الجماعي في مختلف تفاصيل الحياة اليومية للشعوب، وفي الغالب نصطدم بفعل تلك السياسات بواقع يهيمن عليه الفراغ الفكري، في ظل عدم وجود أي مشروع فكري واضح يبتعد عن ثقافة الاستهلاك وانعدام الانتاج الفكري والثقافي، رغم تواجد بعض الاستثناءات لمثقفين يحملون مشاريع فكرية وثقافية تشكل نقطة البياض الوحيدة داخل هذا الصراع الفكري والثقافي، إلا أنها تظل معزولة بسبب قوة الجانب الدعائي والإعلامي لدى القوى التي تقف وراء المشاريع الثقافية التدميرية الجديدة، بالإضافة لعدم وجود جبهة ثقافية وفكرية موحدة تشتغل على مشروع فكري وحضاري موحد يعبر عن الهوية الثقافية والفكرية لشعوب المنطقة.
يقول الفيلسوف الماركسي انطونيو غرامشي ” المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب المثقف”، ويأتي الاستدلال بهذه المقولة اعتبارا لكون المثقف من أهم مفاتيح مواجهة هذا الاستلاب المتوحش الذي تعانيه شعوب المنطقة، فما لم يكن مثقفو المنطقة على قرب كبير من واقع شعوبهم، ويملكون الإرادة الحقيقية لتحرير العقل البشري من كل خرافات الدونية وثقافة الاستهلاك والاستسلام للغزو الثقافي والفكري الموجه ضددنا، لن نتمكن من خلق خطة و استراتيجية واضحة لبناء مشروع فكري وحضاري جديد قادر على الوقوف بندية في مواجهة مشاريع الأنظمة الرجعية المدعومة من الإمبريالية وسياساتها النيوليبرالية المتوحشة.