شيوعيون يجهلون حقيقة الإشتراكية !!


فؤاد النمري
2020 / 2 / 5 - 20:57     

يحزنني بالغ الحزن أن الشيوعيين اليوم سواء من هم في القمة أم في القاعدة يجهلون جميعهم جهلاً مطبقاً حقيقة الإشتراكية فينادون بها كنظام اجتماعي مستقر قابل للحياة يقيم العدل والمساواة بين الناس خلافاً لما قال به ماركس وهو أن هناك فترة عبور نحو الحياة الشيوعية وهي الإشتراكية حيث تقوم دولة دكتاتورية البروليتاريا حصراً بإعداد المجتمع للدخول للحياة الشيوعية من خلال إلغاء مختلف الحقوق الموروثة عن المجتمع البورجوازي دون إحلال أية حقوق أخرى محلها فالمجتمع الشيوعي لا جنساً لأية حقوق فيه طالما أن الحق ذو حدود بورجوازية بما في ذلك الحق في الحياة . وبناء عليه لا يعود المجتمع بحاجة لأية هيئة تفرض أية حقوق على الناس بما في ذلك الدولة كهيئة مولجة بالقمع لحماية الحقوق التي تفرضها الأنظمة الطبقية على المجتمع باستخدام مختلف أدوات القمع .

الحزب الشيوعي السوفياتي وقد بات ألعوبة بيد الجيش حال اغتيال ستالين وارتد عن الإشتراكية قرر في مؤتمره العام الثاني والعشرين في العام 61 إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها بـ "دولة الشعب كله" وهو ما يقتضي التوقف النهائي عن محو الطبقات رغم ان تعريف لينين للإشتراكية هو قصراً محو الطبقات . ذلك المؤتمر الفاضح قرر وقف الصراع الطبقي ومحو الطبقات لكنه لم يعلن نهاية الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي فكان أن استمرت الأحزاب الشيوعية في العالم، باستثناء حزب ماوتسي تونغ في الصين وحزب أنور خوجه في ألبانيا، تنتصر للإشتراكية في الاتحاد السوفياتي، إشتراكية بدون دكتاتورية البروليتاريا !!
قال ماركس في "نقد برنامج غوتا" ما يلي ..
Between capitalist and communist society lies the period of the revolutionary transformation of the one into the other .There corresponds to this also a political transition period in which the state can be nothing but the revolutionary dictatorship of the proletariat.
ما بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي هناك فترة تحول ثوري يترافق معها فترة عبور سياسي حيث تكون الدولة هي قطعاً دولة دكتاتورية البروليتاريا .
ماركس يؤكد على أنه لا عبور اشتراكي من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الشيوعي بدون دولة دكتاتوية البروليتاريا والشيوعيون في العالم يقولون بوجودالإشتراكية في الاتحاد السوفياتي بدون دكتاتورية البروليتاريا أي أن كارل ماركس كان غلطان !!
ما زال الشيوعيون حتى اليوم ينكرون مبدأ دكتاتورية البروليتاريا ولذلك تراهم يجهدون وسعهم للإئتلاف مع شتّى نحل ما يوصف باليسار طالما انهم يتشاركون سويّاً بإنكار دولة دكتاتورية البروليتاريا ؛ وغني عن القول ان كل حديث عن الاشتراكية بدون بروليتاريا هي أشبه بالحديث عن الغول والعنقاء والخل الوفي . أدعياء الشيوعية هؤلاء لم يعودوا شيوعيين بعد إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في الإتحاد السوفياتي في العام 61 فقط ، بل منذ أن ألغى الحزب الشيوعي السوفياتي الخطة الخمسية في سبتمبر 53 بصورة فظة وخلافاً للقانون، وهي الخطة التي كانت ستؤكد النصر الحاسم للثورة الشيوعية على الصعيد الإقتصادي في العالم بعد أن كان قد تأكد إنتصارها على الصعيد العسكري، واستبدالها بانصراف الإقتصاد السوفياتي إلى التسلح وهو مناف للإشتراكية . منذ اكثر من ثمانين عاماً والإتحاد السوفياتي لا ينتج غير الأسلحة، فتجد روسيا اليوم أقوى دولة في العالم مع أن قوى الإنتاج فيها هي أقل من قوى الإنتاج في دولة هامشية في أوروبا مثل البرتغال رغم أن سكانها هم أكثر من عشرة أمثال سكان البرتغال .

بعد ان تخلى هؤلاء الشيوعيون عن ماركس منذ ما قبل الستينيات لم يعودوا يعرفون الإشتراكية . ولذلك إنقلبت جميع الأحزاب الشيوعية في البلدان المتخلفة كما هي في العالم العربي إلى احزاب إصلاحية تقتصر استراتيجيتها النهائية على إقامة الديموقراطية البورجوازية والعدالة الإجتماعية على الرغم من أن الماركسية اللينينية تنفي نفياً قاطعاً كلاً من الديموقراطية البورجوازية والعدالة الإجتماعية كونهما يفترضان تجريد البروليتاريا من خصوصيتها الثورية ؛ أضف إلى ذلك أن الديموقراطية البورجوازية لا تقوم بغير وجود البورجوازية يرافقها بالطبع طبقة بروليتارية والطبقتان غير موجودتين في المجتمعات المتخلفة . وأما العدالة الإجتماعية فهي لا تعني غير العدالة في استغلال العمال من قبل البورجوازية، والعدالة والاستغلال متنافيان لا يجتمعان على الإطلاق .

هؤلاء الشيوعيون الذين انقلبوا إلى إصلاحيين ، على الرغم من أن ماركس وانجلز كانا قد سطرا خطابا لعصبة الشيوعيين (Communist League)في مارس 1850 يؤكدان فيه على أن الإصلاحيين هم الأعداء المباشرون للبروليتاريا، يدّعون أنهم وبعد أن فقدوا كل حيلة للعمل الثوري بعد انهيار الثورة الإشتراكية، وكأنها لم تكن كما يعتقدون، لم يعد يتسنى لهم سوى النضال من أجل إصلاح المجتمعات الماثلة للوصول إلى الديموقراطية والعدالة الإجتماعية حيث يكون هناك أفق للإنتقال إلى الإشتراكية . مثل هذه الحيلة التي احتالتها الأحزاب الشيوعية التي تحولت إلى أحزاب إصلاحية إنما هي تلفيق وكذب صراح . الثورة البورجوازية في البلدان العربية والبلدان المماثلة انعدمت تماما كما حكم التاريخ بذلك، فكيف بالثورة الإشتراكية !؟ ليس إلا المخابيل الذين يفترضون مثل هذا الإفتراض المخبول . بانعدام الثورة البورجوازية تنعدم معها الديموقراطية البورجوازية .
الثورة الإشتراكية التي استشرفها ماركس لا تقوم إلا في مركز النظام الرأسمالي العالمي، ثورة دائمة لا تتوقف “Permanent Revolution” حتى النجاح لنهائي في كل دول العالم . أي أن الإشتراكية في سائر الدول الطرفية لا تكون إلا دفقاً وامتداداً لثورة المركز وليس بسبب الصراع الطبقي المحلي . بسبب الثورة المركزية في الإتحاد السوفياتي انتصرت الثورة الإشتراكية في بلدان لم تكن قد وصلت إلى عتبة النظام الرأسمالي كالصين وفيتنام وغيرهما . أين هي اليوم الثورة الإشتراكية المركزية العالمية لتمتد إلى بلدان طرفية مثل الدول العربية !!؟ إن دعوى الأفق الإشتراكي في بلدان طرفية امتنعت عليها حتى الثورة البورجوازية هي دعوى ساقطة شكلاً وغير مقبولة في محكمة التاريخ طالما لم يعد هناك ثورة اشتراكية مركزية دائمة .
لكل ذلك لم يعد هناك أدنى شك في أن الأحزاب الشيوعية التي انقلبت إلى أحزاب إصلاحية إنما هي أرهاط الخونة من فلول شيوعيي الأممية الثالثة “Comintern” . إنهاعصابات تبيع بضاعة فاسدة على العمال بأن تقنعهم بما يسمى بالعدالة الإجتماعية اي بقبولهم الإستغلال العادل من قبل البورجوازية وهو ما يسد الطريق إلى الإشتراكية انسداداً محكما وإلى الأبد، مثلما طرح الإقتصادي جون مينارد كينز (John Menard Queens) نظريتة حول تأبيد النظام الرأسمالي واليوم بعد قرن طويل يلحق به "الشيوعيون" !!
وما يضاعف الحنق في مواجهة مثل هذه الخيانة العظمى لقضية الشيوعية هو احتفاظ هذه الأحزب باسم الشيوعية الأمر الذي من شأنه الحؤول دون تعرف العامة على الإشتراكية الحقة وعلى الشيوعية .
القراءة الماركسية لتاريخ الإصلاحيين تستوجب أيضاً الإشارة إلى أن الإصلاحيين على الطريقة الكينزية التي كانت تستهدف الحد من إحتدام الصراع الطبقي ربما كان سيكون لها أثر في إطالة عمر الرأسمالية لولا أن النازية استعجلت الأشتراكية للقضاء على الرأسمالية بعد قضائها على النازية، أما الإصلاحية التي انتهى إليها الشيوعيون بعد انهيار الإتحاد السوفياتي فلم يعد هناك رأسمالية لتطيل عمرها . إصلاحيتهم ليست إلا صفراً من غير التضليل .