الماركسية نظرية علمية-جدلية في النظر الى الحياة


خليل اندراوس
2020 / 1 / 24 - 17:24     


تعلمنا التجارب اليومية والاحداث السياسية المتسارعة في عالمنا المعاصر بانه علينا، كي نفهم فهما صحيحا ما يدور في العالم المحيط بنا ان نسترشد بنظام علمي جدلي في النظر الى الحياة والعالم كله الى مكاننا في العالم، الى هذه او تلك من الظاهرات والاحداث، وهذا النظام من النظر الى العالم عليه ان يلزم الانسان ليس فقط توضيح اسباب الاحداث الدائرة وحسب بل لكي يحدد موقعه في العالم ويعمل من اجل التأثير الفعال الايجابي على مجريات الاحداث لكي يصبح مساهما نشيطا ايجابيا ثوريا في النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية في كل مكان، ولكي نفهم الاحداث الدائرة حولنا علينا ان نسترشد بنظرة علمية صحيحة الى العالم تمثل مجمل المفاهيم عن الحياة عن العالم كله عن هذه وتلك من الظاهرات والاحداث.

ومعرفة كهذه تعطيها فقط الفلسفة الماركسية، لذلك على كل ناشط سياسي اجتماعي يسعى من اجل إحداث تغييرات وتراكمات ايجابية في مجتمعه كخطوات ضرورية لإحداث القفزة الاجتماعية – الثورة ان يتسلح بالمعارف الفلسفية الى جانب المعارف الاخرى، فمن يدرس الفلسفة الماركسية يُنم لديه فكرة البحث والدراسة ويوسع بصيرته ويعمق تمعنه في كل ما يدور في العالم المحيط به، وهنا علينا الاخذ في الاعتبار بانه في البلدان الرأسمالية والرجعية الاستبدادية يعملون بشتى الوسائل السياسية والاعلامية والثقافية والفنية تشويه الوعي والاحداث الجارية في عالمنا المعاصر.



فقط من يمتلك الفكر الماركسي الجدلي المادي التاريخي يستطيع ان يذود وبثقة عن مصالح شعبة والشعوب الاخرى ويذود عن الحرية، ويحفز جماهير الشعب الواسعة للقيام بأعمال نضالية ثورية من اجل السلام والعدالة الاجتماعية وحرية الانسان. فالفلسفة الجدلية المادية التاريخية الماركسية هي الفلسفة العلمية الاكثر شمولا حول تطور الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري. هذا لا يعني بان الفلسفة الماركسية تستطيع الاستغناء عن العلوم الاخرى، وهذه بدورها عن الفلسفة.

فالفلسفة لا تستطيع ان تكون نظرة تقدمية طليعية الى العالم الا حين تعتمد في استنتاجاتها على منجزات العلوم الاخرى، والفلسفة الماركسية اللينينية هي بالذات هذه الفلسفة في عصرنا الحاضر. فالفلسفة الماركسية وثيقة الارتباط بالعلوم الاخرى وتعتمد على احدث منجزات العلم، وتسلح بدورها العلم المعاصر بالنظرة الفلسفية الاكثر تقدما الى العالم، وبطريقة المعرفة الاكثر طليعية وتساعده على احراز المعارف الجديدة الضرورية للبشرية. كل فلسفة تعطي الناس مجموعة من نظرات معينة الى العالم أي انها تسلحهم بمفاهيم عنه، وهنا تكمن قوتها الهائلة، وهنا يجب ان نؤكد بان النظرات الى العالم والمفاهيم عن العالم تختلف عند مختلف الناس والطبقات فلدى بعضهم وخاصة الطبقة العاملة تكون علمية تقدمية ونعني بها الفلسفة الجدلية الماركسية الثورية، ولدى البعض الآخر وخاصة طبقة رأس المال تكون فلسفة مثالية منافية للعمل بل ورجعية، يكفي ان نذكر فلسفة صراع الحضارات ونهاية التاريخ لفوكوباما وايضا الافكار الدينية الاصولية الرجعية وعلى رأسها الوهابية والصهيونية والصهيونية المسيحية.



فلو اخذنا مثلا مسائل فلسفية مثل المسائل المتعلقة بمعنى الحياة والسعادة والحرية، والعدالة الاجتماعية والقومية وما الى ذلك لوجدنا فهمها يختلف بالنسبة لمن يناضل في سبيل حرية وسعادة الشعوب، وبالنسبة لمن يضطهد الشعوب فالمناضلون ضد الاستعمار والامبريالية والصهيونية والرجعية يفهمون الحرية والسعادة بصورة مغايرة لفهم الامبرياليين والصهيونيين والرجعيين عامة والرجعية الدينية الوهابية، ففي المجتمعات البرجوازية وكل المجتمعات الطبقية يستحيل ان تكون هناك فلسفة واحدة، نظرة واحدة الى العالم بالنسبة للمظلومين والظالمين.

فكل فلسفة لا تستطيع ان تكون محايدة في مجتمع يدور فيه صراع طبقي او في عالم يدور فيه نضال الشعوب في سبيل التحرر من الظلم الاجتماعي والطبقي والاستعماري، الفلسفة الديالكتيكية الماركسية هي طريقة فلسفية لمعرفة الواقع تقول بان كل شيء في العالم يوجد في تطور وتغير كل شيء يجري، كل شيء يتغير كما قال الفيلسوف اليوناني القديم هيراقليط. وهنا لا بد وان نؤكد بان الديالكتيك لا يصبح علميا حقا الا حينما يكون في وحدة عضوية مع المادية وهذا التوحيد بين الديالكتيك (الجدلية) والمادية قد تحقق في الفلسفة الماركسية – المادية الديالكتيكية.



كتب لينين في كتابه بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي يقول: "كان انجلز يقول في معرض الحديث عن نفسه وعن صديقه الشهير ان مذهبهما ليس بمذهب جامد، انما هو مرشد للعمل. ان هذه الصيغة الكلاسيكية تبين بقوة رائعة وبصورة اخاذة هذا المظهر من الماركسية الذي يغيب عن البال في كثير من الاحيان، وإذ يغيب هذا المظهر عن بالنا، نجعل من الماركسية شيئا وحيد الطرف، عديم الشكل شيئا جامدا لا حياة فيه، ونفرغ الماركسية من روحها الحية وننسف اسسها النظرية الجوهرية – ونعني بها الديالكتيك، أي مذهب التطور التاريخي المتعدد الاشكال والحافل بالتناقضات ونضعف صلتها بقضايا العصر العملية والدقيقة التي من شأنها ان تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ"، فالماركسية ليست عقيدة جامدة، ميتة، مذهبا منتهيا جاهزا ثابتا لا يتغير بل مرشد حي للعمل الثوري النضال الطبقي الاممي فالاسهام الكبير للماركسية هو صياغة النظرية الثورية العلمية الجدلية، وتسليح الطبقة العاملة بهذه النظرية لكي تقوم من خلال نضالها الطبقي بمعرفة وممارسة رسالتها التاريخية، لذلك تجري محاربة الفلسفة الماركسية بشكل مدروس ومبرمج من قبل طبقة رأس المال العالمي والصهيونية كأيديولوجية عنصرية شوفينية مثالية تعتمد على الخرافات والاوهام وخادمة لطبقة رأس المال العالمي والصهيوني والرجعية في العالم العربي وخاصة الرجعية الوهابية السعودية.

لا شك بان الرجعية الاستبدادية في العالم العربي خاصة الوهابية السعودية ممثلة طبقة رأس المال الكومبرادوري (الوسيط)، تلعب دورا رجعيا فاسدا ممزقا للعالم العربي وخادما لمصالح طبقة رأس المال العالمي والصهيوني، وما جرى ويجري في سوريا واليمن وليبيا والآن ايضا في لبنان لأكبر مثل على ذلك. ولا شك بان طبقة رأس المال في العالم وخاصة في الدول الامبريالية الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا والطبقة البرجوازية الوسيطة في العالم العربي وكذلك في امريكا اللاتينية انعطفت في عهد الامبريالية من الدمقراطية البرجوازية الى الرجعية العنصرية الشوفينية المتغطرسة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والفن والفلسفة والحروب الاقتصادي والسياسية والعسكرية التي تشنها الولايات المتحدة عالميا واسرائيل في منطقة الشرق الاوسط لاكبر دليل على ذلك.

ومع كل هذه التطورات الخطيرة يأتي بعض "رجال السياسة والدين" ويطرحون افكارا رجعية سلفية منها الرغبة في عودة "الامبراطورية العثمانية"، وهناك من يصف دولة الامارات لابسا ثوبه، ولكن برأيي يقف عاريا، ويمتدح دولة الامارات التي تخوض حرب اجرامية لا بل حرب ابادة شعب اليمن ويصفها بدولة "السلام". ويأتي بعض مروجي وداعمي الوهابية السعودية ومؤيدي المؤامرة على سوريا ويمارسون ويحرضون على الاحزاب الشيوعية ودورها التقدمي العلماني الثوري في العالم العربي وهنا في اسرائيل. وما يفعله هؤلاء هو نوع من الجهل المطلق ونوع من المثالية الذاتية واللاعرفانية، ووعي بعيد كل البعد عن الحقائق التاريخية ومشوها لها، وهذا نتيجة لجهلهم بان عملية المعرفة هي عملية جدلية دياليكتيكية وهي انعكاسا للواقع المادي الخارجي وهي، أي عملية المعرفة، اسمى نتاج للمادة، بوصفها وظيفة الدماغ البشري وليست اوهام وغيبيات وخرافات واستعادة مشوهة للتاريخ كما يفعل اصحاب الفكر الاصولي الرجعي واصحاب الفكر الديني المتطرف كالصهيونية المسيحية والايديولوجية الصهيونية والوهابية الرجعية.



فمن اجل الوصول الى الحقيقة المطلقة علينا تطوير عملية المعرفة لكي نرتقي من الحقيقة النسبية الى الحقيقة المطلقة في كتابه "المادية والمذهب النقدي التجريبي" فضح لينين اللاحزبية الموهومة للفلسفة البرجوازية والمستورة بالحيل الكلامية والشعارات الفارغة والبعيدة عن الواقع، وبين ان تطور الفلسفة في المجتمع التناحري الطبقي يتجلى بصورة محتمة في الصراع بين الاتجاهين الفلسفيين الاساسيين – المادية والمثالية – اللذين يعربان بوجه عام احدهما عن مصالح الطبقات التقدمية والثاني عن مصالح الطبقات الرجعية، وكشف لينين لا علمية الفلسفة المثالية وعارضها بالتقليد الفلسفي المادي (من ديموقريطس الى فورباخ وتشيرنيشيفسكي) الذي بلغ ارفع درجات تطوره في الفلسفة الماركسية.

واعتبر لينين تاريخ الفلسفة على انه صراع بين اتجاهي او خطي افلاطون المثالث وديموقريطس المادي ويشير الى ان الفلسفة الحديثة حزبية كما منذ الفي سنة. وفي العديد من الكتابات بيّن ماركس وانجلز ولينين الوحدة التي لا تنفصم عراها بين المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية وقام بتطوير الموضوعات الاساسية في المادية التاريخية لا سيما منها موضوعة الدور المحدِّد للوجود الاجتماعي بالنسبة للوعي الاجتماعي.

لذلك استطيع ان اقول بان انتشار الايديولوجيات الرجعية السلفية في السعودية ودول الخليج العربي لا بل الامريكي وبعض الدول العربية الاخرى هي بسبب وجود اجتماعي اقتصادي صعب لا بل مأساوي يدفع فئات اجتماعية مختلفة نحو التطرف والغيبيات الدينية.