التلفيق ضد ماركس : بكّير نموذجاً / 1


حسين علوان حسين
2020 / 1 / 24 - 13:47     

في استضافة موقع الحوار المتمدن الأغر للأستاذ محمود يوسف بكير المستمرة لحد الآن منذ العدد : 6458 - 2020 / 1 / 7 ضمن محور "مقابلات و حوارات" ، طرح المحاور المحترم العنوان : "بعض أفكار ماركس وهل تصلح للتطبيق وكعلاج لمشاكل الرأسمالية " ، و ذا موضوع خطير الأهمية ، أشغل الملايين من المفكرين و المناضلين منذ قرن و نصف من الزمان ، و ما زال ، و سيبقى . و بحكم منطوق العنوان الآنف الذكر و الذي سطره الكاتب بمحض اختياره هو بنفسه ، فإن موضوع البحث هنا أنما ينصب بالضبط على التعريف بماهية "مشاكل الرأسمالية" أولاً ، و من ثم الانتقال لوصف "بعض أفكار ماركس" التي عرضها في مؤلفاته لحل تلك المشاكل ونتائج التطبيقات العملية لها ، لكي تتسنى له الإجابة على سؤال البحث : "هل أن هذه الحلول صالحة لحل تلك المشاكل ، أم لا ؟ و لماذا" ؟ هذه هي مقتضيات البحث العلمي الحقيقي المعتبر ، كل بحث ، و أي بحث : عرض مشكلة البحث أولاً ، و تقديم فرضياته ثانياً ، و سرد إطاره النظري اعتماداً على المصادر الأصلية ثالثاً ، و من ثم المسح الميداني لتطبيقاته العملية و ما أسفرت عنه من نتائج على أرض الواقع رابعاً ، بغية الخلوص إلى البرهان العملي على مدى صحة فرضيات البحث من عدمها ، أخيراً .-
و لكن لا ! الأستاذ محمود مصطفى بكير المحترم – الذي يصف نفسه بكونه : " كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية "غير مهتم إطلاقا بأدنى متطلبات البحث العلمي المحترم بدليل أنه يبدأ بحثه بهذه النتيجة التحكمية الجاهزة مسبقاً ، بلا إحم و لا دستور :
نص مستهل مقالة المحاور المحترم :
"عندما تفشل أي منظومة فكرية جديدة في إحداث أي نوع من التغيير الإيجابي في المجتمع فإنه يفترض أن ندرك على الفور أن هذه المنظومة والعدم سواء. وبكلمات أخرى فإنه عندما نؤمن بشيء ونكتشف مع الوقت أنه غير ذي جدوى، فمن البديهي أن نعي أن هذا الشيء غير موجودا من الناحية العملية في حياتنا حتى ولو كان موجودا بالفعل لأنه لا يزيد عن كونه نوع من خيال المآته كما نقول في مصر وهو ديكور لإخافة الطيور يستخدم في الأرياف، ولكن الطيور لا تلبث أن تكتشف إنه وهم. أما العقل الأيديولوجي الذي تسيطر عليه قناعات وتفضيلات تفتقر عادة إلى البرهان العلمي والعملي ولا يكون لها أثر إيجابي ملموس في حياة الناس فإنه كثيرا ما يقاوم ما فعلته الطيور. "
انتهى نص المستهل .
و قبل مواصلة هذا الوصف ، لا بد من الإيضاح أولاً أن الماركسية تستوجب على كل باحث مهتم بمستقبل البشرية نقد أفكار ماركس و إنجلز و كل ماركسي آخر ، و ذلك خدمة منه للعلم و للماركسية نفسها التي تقول بوجوب النقد العلمي الملازم (immanent criticism) لكل فكر ، بضمنه الفكر الماركسي نفسه ، بغية ضمان تطويره قدما ، لأن كل شيء في العالم – بضمنه الماركسية نفسها – إنما هو في حالة سيرورة متحركة و متغيرة لا تقبل الثبات . و على حد علمي ، ثانياً ، فإن ما من باحث قط قد استطاع حتى هذه اللحظة حك و لو أظفر الإصبع الصغير لماركس . لماذا ؟ لأن ماركس – ثالثاً – قدم للبشرية مشروعاً نظرياً لاتقاء شرور الجائحة الرأسمالية التي عصفت بالإنسان منذ قرنين و نيف وباتت تهدد حتى وجود كل البشر و الأحياء الأخرى طراً على سطح الكرة الأرضية ، و لم يتسنى بعد التطبيق العملي الحقيقي لهذا البرنامج في أي مكان على وجه البسيطة لحد الآن جراء الحروب الرأسمالية الشاملة و الدائمة و الشعواء ضده بكل أنواع الأسلحة المادية الحارة و الفكرية الباردة . ملخص هذا الحل الماركسي المعروض لتحرير الإنسان من الاستلاب و التغريب و تفادي خطر الفناء إنما هو تشريك وسائل الإنتاج الاجتماعي و تطويرها على نحو مضطرد للرقي بالمجتمع البشري وصولاً إلى تطبيق الشعار الشيوعي المنشود الذي يلخص عملية الإنتاج و التوزيع الاجتماعي للبضائع و الخدمات : من كل حسب قدراته ، و لكل حسب حاجاته .
أعود الآن للمستهل أعلاه والذي مؤداه الحقيقي – في ضوء منطوقه نفسه و ما سيلحقه من كلام – إنما هو بالضبط :
"إن فشل المنظومة الفكرية الماركسية في إحداث أي نوع من التغيير الإيجابي في المجتمع يتطلب منا أن ندرك على الفور أن هذه المنظومة والعدم سواء لأنها لا تزيد عن كونها نوع من خيال المآته - ديكور لإخافة الطيور ، ولكن الطيور لا تلبث أن تكتشف إنه وهم . أما العقل الأيديولوجي الماركسي الذي تسيطر عليه قناعات وتفضيلات تفتقر عادة إلى البرهان العلمي والعملي ولا يكون لها أثر إيجابي ملموس في حياة الناس فإنه كثيرا ما يقاوم ما فعلته الطيور. "
من الواضح تماماً أن الأستاذ محمود يوسف بكير يتعمد استهلال بحثه بتسطير فحوى قناعاته التحكمية و غير العلمية الجاهزة مسبقاً و ذلك حتى قبل أن يبدأ إجراءات بحثه أصلاً : "الماركسية هي آيديولوجيا فاشلة في إحداث أي نوع من التغيير الايجابي في المجتمع مثل فشل خيال المآتة في إخافة الطيور ، لذا فهي – أي الماركسية – وهم واجب التبديد " . نقطة ، رأس السطر ، و انتهت جلسة الحكم .
السؤال المهم جداً هنا هو : أين هي المقدمات المثبتة على وجه اليقين و البرهان العملي و الأكاديمي القاطع التي قدمها الباحث ابتداءً و التي سوّغت له الخلوص إلى هذه النتيجة الكاسحة ؟ الجواب : لا توجد أي مقدمات معروضة أولاً البتة ! و كأني بالباحث المحترم في الشؤون الاقتصادية و الإنسانية و هو يدس أصابعه في عيون قرائه المعترضين من أمثالي قائلاً : "مقدمات إيه و زفت إيه إللي إنت جاي تقول عليه ؟ الجدع هوا إللي يقطع العِرق و يسيّح دمّو طوّالي ؛ و اللى ميشفش من الغربال يبقى أعمى ."
و كأنني أعلق : يا عيني ، الله يرحم عَم عبعال ؛ كان ديماً بيقول : إللى ياكل لوحده يزور ، و اللي في الحَلّه تطلعه المغرفه .
طيب : ما هو الحكم الناقد في هذه المقولة الجاهزة بلا برهان : "الماركسية هي آيديولوجيا فاشلة في إحداث أي نوع من التغيير الايجابي في المجتمع مثل فشل خيال المآتة في إخافة الطيور ، لذا فهي – أي الماركسية – وهم واجب التبديد " ؟
الجواب هو : إن مقولة الأستاذ بكير المحترم هذه هي التي بالضبط و التحديد الآيديولوجيا الفاشلة القامعة الفاسدة ، و هي قطعاً الوهم – بل الأوهام – الواجبة التبديد ، على العكس تماماً من الماركسية ، مثلما سأثبت بالنصوص القاطعة و البراهين الدامغة في هذه السلسلة .

ملاحظة : هذه السلسلة هي التكملة لمقالتي : "لِمَ قَبَرَ بكّيرْ تعليقيَ الصَّغيرْ" ؟ المنشورة على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=662743

يتبع ، لطفاً .