العمل العسكري في سياسة واقتصاد اليوم


جاسم محمد كاظم
2020 / 1 / 15 - 14:04     

تختلف حرب اليوم عن حرب الأمس البعيد وليس ذلك الأمس بالبعيد جدا فهو ما يسمى بالتاريخ المعاصر نظرا لاختلاف وتطور قوى الإنتاج الهائلة التي ألغت كل معايير وقوانين الماضي بجيل رابع وخامس للحروب .
بدئت حروب بني البشر أول الأمر فيما بينهم بالعصي والحجارة بعد انفصال الإنسان عن عالم الحيوان والعيش من اليد إلى الفم نحو الجماعة التي بدأت تهاجم غيرها من الجماعات للاستفراد بالطعام والنساء والمكان الجيد وقتل الآخر نهائيا كما تفعل الحيوانات المتوحشة .
وشيئا فشيئا مع سير وتطور القوى المنتجة وتحول العشيرة إلى الإمبراطورية وتقلد الشيخ والجد الكبير منصب الملك دخل الإنسان عصر العبودية لبني جنسه والتي رافقت مسيرة الجنس البشري في كل عصوره وحقبة واستحسنتها حتى الأديان التي تدعي المنبع السماوي من اجل العيش بجهد الآخرين .
تغير الأمر بظهور الدولة ويحدد أساتذة التاريخ ومفكريه بان الحرب الأهلية الأميركية بداية الحروب الحديثة التي ظهر فيها شكل الجيش ومفهومة المنظم .
ومع بداية القرن العشرين تغير شكل العالم بظهور مفهوم الدولة الحديثة والصناعة والجيوش الكثيرة التي تعتمد التجنيد الإلزامي والجيش المحترف واستمر الأمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور القنبلة النووية التي غيرت نوعية وشكل الحرب القادمة .
ومع سير الحرب الباردة بين العملاقين توقف العالم عن القتال واستمر بنظرية الردع النووي وخوف فناء كوكب الأرض من الوجود لو اندلعت هذه الحرب .
ومع انهيار العملاق السوفيتي وسيادة القوى البربرية على تاريخ اليوم حين توقف العالم عن دخول أسوار الاشتراكية ظهر نوع جديد من الحرب بعد تغير شكل اقتصاد اليوم وظهور الشركات العابرة للقارات والشركات التابعة ونمو المفهوم الاستهلاكي وانتهاء عصر البضاعة المعمرة وتغير الخرائط بظهور السوق الحر والتكامل الاقتصادي وانهيار مفهوم الدولة الوطنية وتحولها إلى مؤسسة أدارية عملها تنظيم الاقتصاد و أدارته في الداخل والخارج .
حلت الشركات العملاقة محل الدولة حتى في صناعة القرار السياسي وأعقبه ظهور منظمات جديدة لحماية رؤوس الأموال والتجارة العالمية من الخطر وضمان حق الشركات كمنظمة التجارة الدولة التي تأسست عام 1995 من اجل انسياب التجارة بحرية وعدم تدخل الدولة القديمة في التجارة العالمية وشؤونها .
والمقصود بهذه الدولة التي لازالت تستخدم النمط القديم والتي لازالت تحتفظ بالحدود والسياسة الكمركية والنقدية الصارمة وتتبنى المفهوم الاشتراكي والسيادة الإقليمية.
وتلا ذلك ظهور البنك الدولي الذي جعل من الولايات المتحدة عملاقا هائلا تنضوي تحت أمرته كل دول المعمورة بلا استثناء .
ومع هذه التطورات الجديدة للعالم الحديث الذي ودع عالم الحرب الباردة بدأت حدود وجدران الحواجز الكمركية بالتساقط مثل قطع الدومينو.
ومع نهاية عصر الاقتصاد الموجة والخطط الخمسية دخلت الدول عصر اقتصاد السوق المنفلت والمنطقة الحرة نحو الاتحاد الكمركي وصولا للسوق المشتركة والتكامل الاقتصادي السياسي ونشوء العملة الموحدة .
ومع كل هذه التغييرات الهائلة في شكل عالم اليوم بقيت في التاريخ مجموعة من الدول العصية على دخول الدولار إلى ساحاتها وأسواقها تحتفظ باقتصاد الأمس وعصر الحرب الباردة لكنها تفتقر لقبة الحماية من قبل القطب الكبير كالاتحاد السوفيتي السابق.
وحين خانتها قوتها المحلية لمواجهة وحش العولمة الهائل لجأت إلى إشعال العالم عن طريق نشر المليشيات المسلحة في كل مكان تصله لتعويق اقتصاد اليوم في شكله الراهن لأنها تعرف مقدما أن سياسة اقتصاد اليوم ستسحقها حد العظم وتجعلها مصدرا للمواد الأولية فقط .
ومع كل هذا التغير الساحق اختلف شكل الحرب أيضا فالدول العظمى لا تريد الدخول في حروب طويلة مملة تعتمد على الجيوش الكثيرة العدد تستنزف النقد وتعيق الشركات العالمية عن العمل وتجد من نفسها مشغولة بصراع ليس له نهاية مع إطراف خارجة على منظمة التاريخ والزمن الحالي,
لذلك لجأت الدول العظمى إلى سياسة تجويع هذه الدول عن طريق منع دخول الدولار والتكنولوجيا الحديثة وتعدى ذلك إلى حبات الدواء وعدم شراء مواردها وصناعتها أبدا لتموت عملتها المحلية ويسود الجوع والفقر والاضطراب لينقلب بعد ذلك الشعب على حكامه .
ومع جيل الحرب الخامس المعتمد على التكنولوجيا الهائلة وتصيد الأعداء في قعر ديارهم وتبني سياسة نشر العملاء والدعاية الإعلامية الهائلة من قبل جيوش الفضائيات لغسل دماغ القاطنين للتخلص من نير الماضي والبشارة بمولد عصر جديد يعتمد على السوق و الإنسان الحر ,
هذا الإنسان الجديد الذي فقد كل شي من مكتسبات الماضي وتحول إلى عبد مستهلك لبضاعة هذا السوق فقط يذهب كل أربع سنوات ليأتي بمن يسرقه عن طريق صناديق الاقتراع الحرة .

:::::::::::::::::::::::::::::::::::