العودة الى لينين 2


طلال الربيعي
2020 / 1 / 6 - 09:56     

فصل الكتاب المعنون :
"اللينينية في القرن الحادي والعشرين: لينين, ويبر, وسياسة المسؤولية"
هو من تأليف بروفسور اليكس كالينيكوس Alex Callinicos. اليكس كالينيكوس (مواليد عام 1950 في روديسيا, زيمبابوي الآن) مفكر ماركسي بريطاني وعضو في اللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي (SWP) في المملكة المتحدة وهو جزء من التيار الاشتراكي الدولي ومؤلف العديد من الكتب الماركسية. كالينيكوس هو أستاذ الدراسات الأوروبية في كلية كينجز بلندن. سابقا, كان أستاذا للعلوم السياسية في جامعة يورك.

يبدء كالينيكوس كلامه باقتباس من رائد المسرح الملحمي, الماركسي, برتولت بريخت. كتب بريخت في ثلاثينيات القرن العشرين "يشيد الانسان المفكر بالرفيق لينين". ولكن, على حد تعبير كالينيكوس, لا شيء يمكن أن يكون أبعد من هذه المهمة التي يفكر بها رجل أو امرأة في يومنا هذا. يظل لينين, بعد أن تم شجبه و تحقيره, اقل المقبولين سياسياً او اكثرهم شحوبا، كما هو الحال في الدوائر اليسارية الليبرالية وكتلك الموجودة على اليمين. التاريخ المألوف يعيد إنتاج هذا الموقف بأمانة. من الواضح أن الصورة التي يرسمها أورلاندو فيغز للينين, في جداليته المناهضة للبلاشفة والمليئة بالمغالطات, هي صورة البلطجي الأرستقراطي.
O. Figes
A People s Tragedy: The Russian Revolution 1891–1924
https://www.amazon.de/Peoples-Tragedy-Russian-Revolution-1891-1924/dp/1847922910

كتاب فيغز ملئ بالمغالطات. نقطة بديهية, مثلا, هي ان كتاب "تطور الرأسمالية في روسيا" للينين تم نشره في عام 1899 وليس 1893 كما يزعم فيغز(ص 146)؛ لقد انتهى لينين فقط بفكرة أن الثورة الروسية يجب أن تمر بمرحلة برجوازية في أبريل 1917 وليس، كما يؤكد فيغز, بعد ثورة 1905 (ص 211)؛ ولم تمثل معاهدة بريست ليتوفسك (معاهدة سلام وقعت في 3 مارس 1918 في برست ليتوفسك (الآن برست, روسيا البيضاء) بين جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية ودول المركز, على رأسها ألمانيا, لتـُخرج روسيا من الحرب العالمية الأولى) تبني لينين لمبدأ "الاشتراكية في بلد واحد" (ص 550): حتى السيرة الذاتية الحاسمة للغاية لروبرت سيرفيس (انظر أدناه) توضح أن لينين بقي ملتزماً بـهدف الثورة الاشتراكية العالمية حتى وفاته.

والطريقة التي يعالجج بها روبرت سيرفيس ملاحظة زعيم المنشفيك فيودور دان (1947-1871 Fyodor Dan) خلال سنواته في المنفى مع لينين تجسد لنا المنهجية العامة لسيرفيس. يقول دان "لا يوجد مثل هذا الشخص (مشيرا الى لينين) الذي يشغل نفسه حتى الآن أربع وعشرين ساعة يوميًا بالثورة, الذي لا يشغل نفسه في أية أفكار أخرى والتي يحلم بها حتى في نومه". إن القراءة الواضحة لهذا التعليق هي أنه ينسب إلى لينين أحادية التفكير غير العادية - وهي نوعية من السمات التي تنطوي, كالعديد من التفاهات, على نقاط قوة و ضعف على حد سواء. لكن سيرفيس يكشف عن ان ملاحظة دان هي دليل ان لينين اعتقد أن "أفكاره فقط هي التي ستدفع حقًا قضية الثورة", اي ان لينين كان, على حد تعبير سيرفيس, مصابا بالميغالومينيا, او جنون العظمة!
R. Service
Lenin: A Biography
https://www.amazon.com/Lenin-Biography-Robert-Service/dp/0674008286

بحلول الوقت الذي يصل فيه سيرفيس في كتابه إلى الحرب الأهلية, يفقد هو كل ضبط للنفس - وبالتالي يُعزى مقتل نيكولاس الثاني وعائلته في يوليو 1918 إلى "غضب" لينين و "شهيته للانتقام" وكراهية الرومانوف دون أي اعتبار المصادر أو نوع الحوافز التي تبدو في الواقع, صوابًا أو خطأً, خلف قرار البلاشفة بإطلاق النار على العائلة الإمبراطورية.

إنه من السهل بما فيه الكفاية رفض مثل هذه الحالات من الإرهاق الذهني كأمثلة على التأثير السلبي لما بعد 1989 وانتصار الرأسمالية في الخطاب الاكاديمي للدراسات التاريخية. لكن عندما نضع هذا النوع من الحافز جانباً, يبقى السؤال الأكثر خطورة الذي يجب طرحه: هل لدى لينين أي شيء يقوله لليسار في القرن الحادي والعشرين؟ يطرح هذا السؤال في سياق سياسي مهم للغاية, عندما تتزايد المقاومة للرأسمالية العالمية والاحتجاجات العارمة ضدها.

بعض أقوى التيارات في اليسار الجديد الناشئ في هذه الاحتجاجات ملتزمة صراحة بأشكال غير مركزية للغاية من التنظيم التي تبدو مناقضة تمامًا للمفهوم اللينيني للحزب الطليعي (انتفاضة العراق, كمثال, وان كان لا يمكن توصيفها باليسارية بدقيق العبارة تعاني من هذا الضعف القاتل ايضا!). في الواقع، يسعى الأناركيون في بعض الأحيان إلى استبعاد أي شخص يدافع عن هذه الفكرة من الائتلافات المناهضة للرأسمالية, ويصفونه بالاستبدادية.

هل لدى لينين أي شيء يقوله لليسار الجديد المناهض للرأسمالية اليوم؟ يقول كالينيكوس نحن مدينون بشدة لسلافوي شيشك بالإجابة بكل تأكيد على هذا السؤال ب "نعم!". باستخدام بعض الرأسمال الثقافي الذي تراكم من خلال كتاباته النقدية الرائعة على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك للدعوة إلى العودة إلى لينين, يساعد شيشيك بفتح فضاء يمكن فيه تجديد مناقشة جادة للعودة الى لينين من قبل اليسار. يسعى كالينيكوس لتحقيق استجواب الشكل الدقيق الذي أصدر به شيشيك هذه الدعوة, فهو يسلك بروح التضامن التي يجب أن تسترشد بها أعمال المثقفين المناهضين للرأسمالية عندما يشاركون في المناقشات الاستراتيجية الضرورية لمواجهة العدو المشترك. وكما يوضح هذا المقطع من إعلانه عن هذا المؤتمر, فإن اللينينية بالنسبة لـشيشيك تمثل الانقسام داخل اليسار المناهض للرأسمالية:
حسب شيشيك, إن افكار لينين لا تشكل فقط نقيض الانتهازية البراغماتية من يسار الوسط, بل أيضًا نقيض الهامشي, الموقف اليساري لما وصفه المحلل النفسي لاكان بـ "نرجسية القضية المفقودة" (اي بمعنى مازوخية الفرد بقبوله الاخصاء الذي يسقطه الآخرون عليه ويتجسد بشعوره بالاحباط والسلبية وانعدام الفعل وعدم سعيه للاستيلاء على مقاليد الامور وذلك, كما عندنا, باللجوء الى عقلنة مراوغة مثل الزعم بعدم ضرورة حرق المراحل وغيرها من الترهات والسفالات الفكرية الزائفة).

الشيء المشترك بين اللينيني الحقيقي والمحافظ سياسيا هو حقيقة أنهما يرفضان ما يمكن للمرء أن يسميه عدم المسؤولية اليسارية الليبرالية, أي الدعوة إلى مشاريع كبرى للتضامن والحرية وما إلى ذلك, ومع ذلك يتراجعون عند دفع الحساب عندما تكون التدابير السياسية الملموسة "قاسية" او مكلّفة. ومثل المحافظ الاصيل، فإن اللينيني الحقيقي لا يخشى أن ينتقل إلى الفعل ويتحمل المسؤولية عن كل العواقب، غير السارة , المترتبة على تحقيق مشروعه السياسي. احتقر الشاعر البريطاني روديارد كبلينغ 1865 - 1936 (الذي أعجب به بريخت كثيراً) الليبراليين البريطانيين الذين دافعوا عن الحرية والعدالة بينما كانوا يعتمدون بصمت على المحافظين للقيام بالعمل القذر المطلوب لهم؛ يمكن قول الشيء نفسه عن علاقة اليسار الليبرالي (أو "الاشتراكي الديمقراطي") بالشيوعيين اللينينيين: اليساريون الليبراليون يرفضون تنازلات الاشتراكية الديمقراطية؛ إنهم يريدون ثورة حقيقية لكنهم يتهربون من الثمن الفعلي الذي يجب دفعه مقابل ذلك, وبالتالي يفضلون تبني موقف "الروح الجميلة" في ان يكونوا مقبولين من قبل الجميع والحفاظ على نظافة أيديهم. على عكس هذا الموقف اليساري الليبرالي الخاطئ (لأولئك الذين يريدون ديمقراطية حقيقية للشعب, ولكن بدون شرطة سرية لقمع الثورة المضادة وبدون تهديد امتيازاتهم الأكاديمية), فإن اللينيني, مثل المحافظ, أصيل بمعنى أنه يتحمل بالكامل عواقب خياراته, أي أنه يدرك تمامًا ما يعنيه فعليًا الاستيلاء على السلطة وممارستها. هنا تكمن عظمة لينين بعد تولي البلاشفة السلطة: على عكس الحماس الثوري الهستيري الذي يوقع الناس في حلقة مفرغة، حماسة أولئك الذين يفضلون البقاء في المعارضة ويفضلون (علنًا أو سراً) تجنب عبء الاستيلاء على مقاليد الامور ( احد اشكال ذلك هو حالة الحزب الشيوعي العراقي بعد تخليه عن اللينينية, او قبلها, وتفضيله في ان يحتل في الاغلب موقعا هامشيا تابعا في السلطة: انه يتماهى مع اخصاء الاخرين له في مازوخيته), لإنجاز التحول من النشاط التخريبي إلى المسؤولية عن الإدارة السلسة للبنية الاجتماعية، تبنى لينين بطوليًة المهمة الشاقة المتمثلة في إدارة الدولة فعليًا, المتمثلة في تقديم جميع التنازلات اللازمة, ولكن أيضًا بسن الإجراءات القاسية الضرورية لضمان عدم انهيار السلطة البلشفية!
انظر مقاربة بهذا المضمون
When the Party Commits Suicide
-عندما ينتحر الحزب-
Slavoj Zizek
https://newleftreview.org/issues/I238/articles/slavoj-zizek-when-the-party-commits-suicide