القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (الخاتمة)


فؤاد النمري
2020 / 1 / 4 - 19:30     

القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (الخاتمـة)

الأحزاب الشيوعية في العالم إنفكت عن متابعة ثورة أكتوبر الإشتراكية ولم تعد تعنى بالثورة الإشتراكية التي أكدها ماركس وإنجلز في بيانهما الشيوعي (المانيفيستو) في العام 1848 . وعليه اجتمع 54 حزباً "شيوعيا" من مختلف دول العالم في أزمير التركية في أكتوبر 2019 وقررت جميع هذه الأحزاب التضامن في العمل على مقاومة الإمبريالية التي تعاظمت إعتداءاتها على الشعوب كما رأوا .
من عظائم الأمور إتهام هذه الأحزاب "الشيوعية" بالخيانة إلا أنها بالحد الأدنى لم تعد شيوعية لأنها لم تعد تقرأ التاريخ القراءة الماركسية، قراءة التاريخ على حقيقته . لم تقرأ أن الثورة الإشتراكية البولشفية نجحت في تفكيك النظام الرأسمالي كما تنبأ لينين في خطابه يفتتح تأسيس الأممية الشيوعية في مارس آذار 1919، وكما أكد ذلك قرار هام جداً اتخذه المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي بحضور ستالين في أكتوبر 52 يقول .. "سينهار النظام الإمبريالي في وقت قريب" .
هل كان لينين وستالين على خطأ وهذه الأحزاب التي لم تعد تقرأ التاريخ على حقيقته ولم يعد لها أدنى علاقة بالثورة الإشتراكية على صواب !!؟ لنا أن نطالب قادة هذه الأحزاب أن يشعروا بشيءٍ من الحياء والتواضع في مواجهة قادة الثورة الإشتراكية البولشفية العظام لينين وستالين .

علم الإقتصاد الماركسي الغائب عن مفاهيم هذه الأحزاب يؤكد دون لبس أو إبهام أن النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة، وكانت في الستينيات الحصن الأخير للرأسمالية، انهار تماما فيما قبل السبعينيات حيث في العام 1971 إضطرت إدارة نكسون إعلان الدولار الأمريكي عملة مكشوفة لا غطاء لها، وهو ما يعني بالضرورة أن نظام الإنتاج في أميركا لم يعد ينتج البضاعة الكافية لتغطية الدولار، أي أن النظام لم يعد رأسماليا طالما أن النظام الرأسمالي لا يعمل إلا على إنتاج البضاعة . 80% من الإقتصاد الأميركي منذ أكثر من ثلاثين عاماً يقوم على إنتاج الخدمات وإنتاج الخدمات لا ينتج أدنى قيمة (Value) كما أشار ماركس في "نقد برنامج غوتا" . بالعكس تماماً من النظام الإمبريالي القائم على تصدير البضائع والأموال، تبرز أميركا اليوم كأكبر مستورد للبضائع ورؤوس الأموال . ما يمكنّها من ذلك هو بيعها سنوياً لمئات المليارات من الدولارات الخالية من أدنى قيمة إلى العالم، تبيعها بما قيمته 3% من قيمة دولار 1970، بالإضافة إلى استدانة حوالي 2 ترليون دولاراً كل عام . أميركا تدفع اليوم أكثر من 500 مليار دولار للدول الأجنبية كفائدة سنوية على ديونها ومع ذلك يبرز أولئك الخرقاء الذين لا يحسنون قراءة التاريخ ليدّعوا أن ما زال هناك إمبريالية تستوجب النضال ضدها !! أي خَرَقٍ مثل هذا الخَرق !!؟
يحسن هنا تذكير هؤلاء "الشيوعيين" بالدور الجوهري الكبير الذي تلعبه الإمبريالية في تطور المجتمع في المستعمرات والدول التابعة، وقد فصّل ذلك ستالين في محاضراته عن أسس اللينينية في جامعة سفرديلوف في العام 1924 ويمكن الرجوع إليه في كتابه الهام "أسس اللينينية" . أكد ستالين على أن الإمبريالية تلعب دوراً مهما في تسريع الثورة الإشتراكية في العالم .
فقط بحضور الثورة الإشتراكية العالمية يغدو النضال ضد الإمبريالية من واجبات الأحزاب الشيوعية في المستعمرات والبلدان التابعة . كان لينين قد أضاف شرطاً من شروط عضوية الأممية الشيوعية يحكم على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات والبلدان التابعة تكريس نضالها ضد الإمبريالية، حتى وراء قيادة بورجوازية، كشرط لقبولها عضواً في الأممية الشيوعية . لكننا اليوم بلا ثورة اشتراكية وبلا إمبريالية .

ما دعاني إلى كتابة هذه السلسلة تحت عنوان "القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية" هو أن فلول الأحزاب الشيوعية الموروثة عن أعداء الشيوعية خروشتشوف – أندروبوف – غورباتشوف تًحكم الحصار على أطروحاتي التي لا تتعدى القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية . تلك الفلول التي اجتمعت في أزمير في أكتوبر الماضي ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه إلا بافتراضها أن ثورة أكتوبر الإشتراكية من اجتراح لينين فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف الأول من أهدافها وهو تفكيك النظام الرأسمالي العالمي . ولذلك فقط انتهت هذه الأحزاب إلى الإصطفاف في صف المرتد كاوتسكي وبليخانوف معتقدين أن ثورة لينين كانت قد جاءت بغير مكانها وغير زمانها وكأنها بالتالي لم تكن . ووصلت الوقاحة بأحدهم لأن يطالب بمحاكمة لينين على سوء صنيعه !!
القراءة الماركسية لثورة أكتوبر تقول أن الثورة قد نجحت أيما نجاحٍ في تفكيك وتحطيم النظام الرأسمالي والإمبريالي في مختلف أقاصي الأرض . الخارطة الجيوسياسية الماثلة اليوم في العالم والخالية من كل لون رأسمالي أو إمبريالي إنما هي من ترسيم الحرب العالمية الثانية . التاريخ الموثق لنهاية الحرب العالمية الثانية لا يسمح على الإطلاق الإدعاء بموت الثورة الإشتراكية وبقاء النظام الرأسمالي . الموسوعة البريطانية كتبت تقول أن ونستون تشيرتشل وفرانكلن روزفلت لم يكونا ندّين لستالين في مؤتمر يالطا قبل ثلاثة شهور من نهاية الحرب العالمية، وكتبت وكالة الإستخبارات الأميركية في أول تقرير لها بعد تشكيلها تقول .. كانت الجيوش السوفياتية قادرة على ألا تتوقف في برلين وتستمر تزحف إلى الغرب متجاوزة لندن حتى الوصول إلى واشنطن . كيف يمكن والحالة هذه الإدعاء بموت الثورة الإشتراكية وبقاء النظام الرأسمالي !!؟ في نهاية الحرب لم تكن الدول الرأسمالية الكبرى الثلاث سوى فضلات التاريخ ينتظرها الإنقراض تحت مظلة القوى السوفياتية الجبارة، وقد إعترف بذلك أعظم رئيس أميركي في التاريخ فرانكلن روزفلت عندما كتب في مفكرته قبل رحيله في العام 45 يقول .. "سيبني ستالين وليس تشيرتشل عالما يسوده السلام والديموقراطية " . لا يمكن بعد هذه الشواهد اعتبار البرنامج السياسي الذي تبنته فلول الأحزاب الشيوعية في اجتماعها في أزمير غير أنه تساوق مع خونة الشيوعية خروشتشوف – أندروبوف – غورباتشوف .

أعود لأندد بالحصار المحكم الذي تقوم به فلول الأحزاب الشيوعية فتنهال تصوت على مقالاتي التي تذكرهم بثورة أكتوبر بعلامة الصفر حتى بلغ مجموع الأصفار لأحد مقالاتي 26 صفراً الأمر الذي يعني أن المقال أصابهم في الصميم فانهالوا يصوتون عليه بالأصفار .

ثمة من يفترض أنني أضيف للماركسية أو أنني أجدد – كما يعبّر المحرفون – في الماركسية وذلك ما يسمح للكثيرين بمعارضة بعض أطروحاتي . في الحقيقة لا هذا ولا ذاك فيما أكتب ؛ انا فقط أقرأ تاريخ الثورة الإشتراكية المتمثلة بمشروع لينين قراءة ماركسية وبالأخص وقائع الحرب العالمية الثانية وهو أهم ما أنجزته الثورة .
أنا أقرأ التاريخ لأحكم الحصار على "الشيوعيين" ورثة الثلاثي الخؤون خروشتشوف – أندروبوف – غورباتشوف من طراز الذين اجتمعوا في أزمير والذين يجهدون وسعهم في محاصرة قراءاتي .
أنا اليوم أقرأ التاريخ والتاريخ لا يُحاكَم، وهو السيف القاطع ما بين الحياة والإنقراض . فإما أن ينقرض هؤلاء "الشيوعيون" الذين اجتمعوا في أزمير أو أن يستفيقوا على قراءة ماركسية صحيحة لثورة أكتوبر ولنهاية الحرب العالمية الثانية على الأخص . ليقرأوا كيف تذلل مجرم الحرب ترومان لستالين في مؤتمر بوتسدام من أجل مساعدته في الحرب على اليابان كما أشار المراقبون الأمريكان . أميركا حاربت اليابان بكل ثقلها لخمس سنوات دون أن تحقق نجاحاً يُذكر وحتى بعد استخدام السلاح النووي . استسلمت اليابان للولايات المتحدة في الثاني من سبتمبر 45 بعد أن قضى السوفييت على كامل قواها البرية (مليون جندياً) في منشوريا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من أغسطس .
ومع ذلك يزعم "الشيوعيون" الخونة أن الرأسمالية انتصرت على الإشتراكية وأودت بها .
في العام 1922 طلب لينين من قيادة الحزب طرد 100 ألف عضواً من الحزب بشبهة البورجوازية فكان أن تم طرد 20 ألفاً فقط .
قدري في الحياة أن أقضي 60 عاماً قبل نهاية عمري مناضلاً ضد "الشيوعيين" البورجوازيين من مثل الذين كان لينين قد طالب بطردهم من الحزب قبل مائة عام . ففي العام 1963 وبعد قراءتي في سجن الجفر الصحراوي لتقرير خروشتشوف المقدم للمؤتمر العام الثاني والعشرون للحزب الشيوعي السوفياتي في العام 61 أعلنت لرفاقي في السجن أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 وهو ما أكدته للأمين العام المساعد للحزب عندما اجتمعت به بعد خروجي من السجن في ابريل 1965 .
في العام 1922 كتب لينين في كتابه "الضريبة العينية" يؤكد أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي . واليوم وبعد قرن طويل مليءٍ بالأحداث والصراعات تجابه الحركة الشيوعية عدوها الأكثر شراسة وهو البورجوازية الوضيعة ومنها من يدعي الشيوعية وقد تخلت عن كل القيم الإنسانية وتستخدم أحط الأسلحة في حربها على الشيوعية . البورجوازية الوضيعة هي العدو الذي انقلب على الثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن الماضي وحالت دون وصول الثورة الإشتراكية لتحقيق أهدافها بالوصول إلى الشيوعية