الصفة المحدِّدة لستالين، والسمة المشتركة لمناهضي الشيوعية اليوم.


مشعل يسار
2020 / 1 / 3 - 23:32     

(يكمن هدف ستالين في الحياة ومغزى نشاطه كله في النضال من أجل الشيوعية. فيما تكمن أهداف شتى أضراب المعادين للشيوعية، سواء أكانوا معادين لها طوعاً أو عن غير قصد، إما في الصراع المكشوف ضد ستالين كشيوعي، وإما في تحويل ستالين إلى أيقونة تفرغ نضاله كشيوعي من معناه).

ملخص التقرير الذي قدمه الأمين الأول لحزب العمال الشيوعي الروسي فيكتور تولكين في المؤتمر الدولي الذي عقد في مينسك في 15 ديسمبر/ كانون الأول، والمُكرس للذكرى الـ140 لميلاد ستالين، حول موضوع "التغلب على العداء للستالينية شرط لإنجاح الثورة الاشتراكية المعاصرة""

كان علينا أن نوضح مرارًا وتكرارًا موقف حزب العمال الشيوعي الروسي من شخص يوسف ستالين. هذا الموقف معبّر عنه بشكل مباشر في برنامج حزب العمال الشيوعي الروسي، حيث يتم التأكيد على أن "الشعب السوفيتي حقق أهم النجاحات خلال تنفيذه البرنامج اللينيني للحزب تحت قيادة يوسف ستالين.. وقد تم الكشف عن الطبيعة الشيوعية للاشتراكية، إذ رأى العاملون بأم العين واقتنعوا بأن الاشتراكية أخذت تدخل حياتهم اليومية ولم تعد مجرد مثال أو مستقبل منظور". كان ستالين يطلق على نفسه دائمًا اسم تلميذ لينين ويؤكد أنه كرس حياته لخدمة قضية الطبقة العاملة. لقد كان ماركسيًا ثابتًا مثابراً، وأنشأ دولة من طراز جديد، دولة دكتاتورية البروليتاريا - الدولة السوفيتية. وقد شدد ستالين في كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر السوفياتات الثاني لعموم الاتحاد السوفيتي على أنه "تمت إقامة دكتاتورية البروليتاريا في بلدنا على أساس تحالف العمال والفلاحين. وهذا هو الأساس الأول والأساسي لجمهورية السوفييتات".
إن حزب العمال الشيوعي الروسي يحترم ستالين من دون أن يؤلهه على الإطلاق، وهو لا يعتبره معصوماً عن الخطإ ولا يمكن المس بشخصه تحليلاً وانتقاداً، لكنه يقف بوضوح الموقفَ القائل بأن ستالين كان في المقام الأول شيوعياً وأن النظر إلى كل ما فعله وإلى سياسة الدولة تحت قيادته كسياسة تستند على وجه التحديد إلى فهم جدلي لمبادئ الماركسية. بما في ذلك تحليل تلك القرارات التي تبدو اليوم للبعض غير مفهومة أو دون المستوى الأمثل، أو حتى خاطئة. فمن الضروري أن ننطلق بشكل قاطع من افتراض أولوية الثقة في الرفاق وفي رغبتهم تطبيق المنهج الماركسي اللينيني، المنهج الطبقي البحت، مع مراعاة الظروف التاريخية الملموسة والحقيقية لذلك الزمن. وإذا عبّرنا ببساطة، أقول إن ستالين ورفاقه إذا كانوا ارتكبوا في خلال الكفاح أخطاء ما، فهذه كانت أخطاء كفاحٍ، ولم تكن لا ارتداداً ولا طغياناً.
لذا فإن حزب العمال الشيوعي الروسي يشير في برنامجه إلى أن الخطأ السياسي كان في التخلي عن مبدأ انتخاب السوفييتات بحسب مناطق الإنتاج المحدد في برنامج الحزب. لكننا جهدنا لتحليل وفهم الدوافع التي انطلقت منها القيادة السوفيتية في تلك السنوات.
يقول تقرير اللجنة المركزية "100 عام على قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ومهام الشيوعيين اليوم":
"يعتقد حزب العمال الشيوعي الروسي أن بعض الأخطاء السياسية، مهما بدا هذا الأمر غريباً، قد ارتكب في مرحلة نهوض الاتحاد السوفيتي نحو الاشتراكية. فعلى عكس ما جاء في برنامج الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي)، حصل لدى اعتماد دستور جديد في عام 1936، في ظل الوضع الدولي المحتدم جداً وخطر الحرب المتزايد، خروج قسري في كثير من النواحي على مبدإ انتخاب أجهزة السلطة من خلال أسر العاملين. وعلى الرغم من الحفاظ على العديد من خصائص السوفييتات (كالترشيح للنيابة من قبل أسر العاملين، والنسبة العالية من العمال والفلاحين بين النواب، والتقارير الدورية للنواب أمام الناخبين، والجمع بين الوظائف التشريعية والتنفيذية في المجالس السوفياتية)، تم إلغاء قواعد الانتخابات التي كانت تمكّن الطبقة العاملة من الاستفادة من غلبتها في شكل انتظامٍ يتم خلال العمل. فظهرت بذلك مقدمات لتشكل نظام برلماني منفصل عن التجمعات العمالية يتيح للنواب، ولا سيما في المستويات العليا المنتخبة من قبل إقليم ما، تجاهل إرادة الشعب العامل من دون أن يتعرضوا لخطر سحب الثقة منهم وإقالتهم. وقد ساهم غياب سيطرة أسر العاملين على سلطة الدولة واستقلال الأخيرة نسبياً عنها في تقليص دور العمال في إدارة المجتمع وإشاعة البيروقراطية في منظومة سلطة الدولة بأكملها. وتم الحفاظ على الطابع الاشتراكي للسلطة السوفيتية، واستمرت السلطة في العمل لصالح الطبقة العاملة بالقدر الذي ظلت فيه قيادة الحزب الشيوعي وفية للماركسية اللينينية.
كان رفض المبدأ الرئيسي للسوفييتات في مجال انتخاب النواب من خلال أسر العاملين في المعامل والمصانع والانتقال إلى الانتخابات على أساس المناطق الإقليمية مبرَّرًا رسميًا على أنه توسيع شامل للديمقراطية، ولكنه في الحقيقة كان خطوة نحو الانتقال من الديمقراطية السوفيتية البروليتارية إلى الديمقراطية البرلمانية البرجوازية، والتي تتضمن المساواة الشكلية وتجاهل عدم المساواة القائم فعليا. فما كان ممكنا أي توسيع حقيقي لرقعة الديمقراطية من خلال المنح الشكلي لمرة واحدة على نطاق واسع للحق في التصويت الذي يتساوى فيه جميع المواطنين دون استثناء، بما في ذلك ممثلو الطبقات الاستغلالية السابقة. فأدت هذه الخطوة موضوعياً إلى إضعاف دكتاتورية الطبقة العاملة، أي تقليص الديمقراطية البروليتارية الحقيقية.
تفسير هذا القرار، من وجهة نظرنا، يمكن أن يكون على النحو التالي: في عام 1936، كما ذُكر سابقًا، في ظروف الوضع الدولي المحتدم بسبب تعزز الفاشية وتزايد التهديد بالحرب، كان من الضروري، من ناحية، الحصول على عجل على حجج سياسية من أجل الحركة الشيوعية الدولية لفضح الافتراء الذي يزعم أن السلطة في الاتحاد السوفيتي ديكتاتورية ومعادية للديمقراطية؛ ومن ناحية أخرى، تعزيز المركزية في إدارة الدولة خلال هذه الفترة فترة الإعداد للحرب وكيفية خوضها. لذلك يمكن فهم هذا الأمر على أنه كان يمليه الوضع إلى حد بعيد، لأن النهج الجديد في ظل الدور القيادي للحزب الشيوعي (البلشفي) ساهم في المزيد من ضبط وتنظيم عملية تشكيل هيئات السلطة من قبل الجهاز الحزبي (وجذب أيضا إلى النظام السوفيتي بعضاً ممن سمّوا بالمحرومين، وهو ما لم يكن في غير محله في ظروف الحرب الوشيكة). ومع ذلك، كان الخطأ، من وجهة نظرنا، في أن قراراً بالعودة إلى هذه المبادئ لم يتخذ بعد انتهاء الحرب والقضاء على السبب الرئيسي لهذا التخلي عن برنامج تعزيز الديمقراطية البروليتارية". بمعنى آخر، تمخض واقع تصفية الطبقات المستغِلة عن سوء تقدير وسوء فهم لجدليات الصراع الطبقي في ظل الاشتراكية، كصراع ضد الميول والتوجهات البرجوازية الصغيرة. هذا هو تحليلنا لتصرفات الشيوعيين تحت قيادة الرفيق ستالين في ظل وضع معقد للغاية في ذلك الوقت.
القضية الأخرى التي توجد في شأنها تباينات بين الأحزاب الشيوعية اليوم هي تقييم عدد من قرارات الكومنترن. والأكثر حدة، بالطبع، من بينها مسألة الأسباب الكامنة وراء الإجماع الذي كان جميع الأحزاب التي هي أعضاء في الكومنترن، ومسألة حل الكومنترن لنفسه، واستراتيجية وتكتيك التعايش السلمي فور هزيمة الفاشية. هنا نسمع من لدن أطراف تحظى باحترام كبير تقييمات هي الأكثر حدة كقولها: "إن قرار حل الكومنترن جاء في تناقض تام مع المبادئ التي مهدت لإنشائه. تناقض مع البيان الشيوعي روحاً ونصاً، ومع مبادئ الأممية البروليتارية، ومع الحاجة في ظل أي شروط إلى وجود استراتيجية ثورية موحدة للأحزاب الشيوعية ضد الإمبريالية الدولية". (من تقرير الحزب الشيوعي اليوناني في مؤتمر" 100 عام على قيام الكومنترن "، 1-2 يونيو/حزيران، موسكو)
يستكشف حزبنا هذه القضايا من كل جوانبها وهو مستعد لتشارك رؤيته مع الآخرين حول أسباب اتخاذ مثل هذه القرارات. يمكن أياً أن يجادل فيها، بالطبع، وسيكون هذا حتى مفيدًا للغاية. ولكن، لا يمكن لهذه الاختلافات في الرأي أن تحجب الشيء الرئيسي ألا وهو أن عمل الكومنترن وفي تلك اللحظة التاريخية أيضا كان في توافق مع مهمة تجسيد فكرة الإعداد للثورة العالمية من خلال التنفيذ العملي للنداء الاستراتيجي "يا عمال العالم، اتحدوا!". إن مزايا الكومنترن تكمن في أنه: عزز العلاقات بين الكادحين من مختلف البلدان، وطور تكتيكات الحركة العمالية في ظل تغير ظروف التنمية، ووضع معايير عامة للدعاية والتحريض لصالح أفكار الشيوعية. وهكذا، تمت تهيئة الظروف لتشكل أحزاب شيوعية حقة، وتعززها، وقيامها لاحقاً بنشاط مستقل حيث أصبحت قيادتها من مركز واحد موحد مسألة صعبة. الكلام هنا عن العام 1943. فالحرب لم تكن بعد لتنتهي. وكان من المفترض أن يجبر الاتحاد السوفيتي الحلفاء البرجوازيين في التحالف المناهض لهتلر على محاربة الفاشية حقًا وفعلاً. وكان على المرء أن يأخذ في الاعتبار الحجج التي تتحدث عن تدخل في شؤون هذه البلدان من خلال أحزاب الكومنترن. فتحول الكومنترن بذلك من أحد العوامل التي ساهمت في تطوير الأحزاب الشيوعية إلى عامل إعاقة لتنميتها وتطويرها ولمشاركة الحلفاء في الحرب عسكرياً. ناهيك أن هناك خطرًا يتمثل في تحول الحلفاء السابقين إلى خوض حرب ضد الاتحاد السوفيتي، فقد صنع الأمريكيون قنبلة ذرية تقريبًا، كما أن التعب من الحرب والخسائر الهائلة تراكمت على كاهل الاتحاد السوفييتي، إلخ. لقد حدد هذا إلى حد بعيد قرار حل الكومنترن لنفسه. كان الحفاظ على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في تلك اللحظة محوريًا في قضية الثورة العالمية. هكذا حل شيوعيو الكومنترن والرفيق ستالين المسألة.
يبقى هناك السؤال محلُّ الجدل: أما كان من الأصح الحفاظ على التفاعل بين الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان ولو في أي شكل آخر. على سبيل المثال، في شكل مركز أيديولوجي وهيئة تنسيق. كان يمكن للمركز النظري أن يواصل عمله.
هذه القضايا نوقشت. جُرِّبت صيغة اـلـ"كومنفورم" Cominform (المكتب الإعلامي للأحزاب الشيوعية والعمالية)، لكنه لم ينجح كما يجب.
بالطبع، أصبح الآن من الصعب وغير المثمر محاولة التوصل إلى حلول لشيوعيين كانوا يعملون في تلك الظروف المحددة. علاوة على ذلك، غالباً ما كانت هذه الظروف تتغير تغيرا شديداً. والشيوعيون لا يضعون حداً لدراستهم شؤون الماضي، لكنهم يركزون الآن على مشاكل اليوم والغد.
لدى الشيوعيين الأصوليين اليوم مهمة جديدة نسبيًا هي مهمة الدفاع عن ستالين من شتى أنواع المشتغلين في السياسة، الذين يطلقون على أنفسهم لقب مؤيدي ستالين. في السنوات السابقة، كنا نقوم بمهام هذا الدفاع ضد كل أنواع المناهضين للشيوعية المكشوفين، الذين راحوا يصورون النظام السوفيتي وكأنه من أكلة لحوم البشر، ويصورون ستالين كطاغية، إلخ. اليوم، أصبح من الضروري حماية ستالين من محاولات استخدام صورته لتحقيق أهداف معادية للماركسية لدى مجموعات أو أفراد. فيلزم إيلاء اهتمام خاص لطرق التشويه "العلمي" لستالين سواء من قبل التحريفيين داخل الحركة الشيوعية أو من قبل القوميين البرجوازيين. من حيث المبدأ، ليست هناك أيضا اكتشافات ذات خصوصية معينة. فقد لاحظ لينين في بداية مؤلفه "الدولة والثورة" ما يلي: "... الآن يحدث ما حدث أكثر من مرة في التاريخ لتعاليم المفكرين الثوريين وقادة الطبقات المضطهدة في نضالهم من أجل التحرير. فقد أذاقت الطبقات المضطهِدة الثوريين العظماء خلال حياتهم طعم الاضطهاد المستمر، وتعاملت مع تعاليمهم بأكثر ما يمكن من الوحشية والكراهية المحمومتين، وشنت عليهم أكثر حملات الأكاذيب والافتراءات تهوراً. وبعد وفاتهم، تُبذل محاولات لتحويلهم إلى أيقونات غير ضارة، وتطويبهم، إذا جاز التعبير، كقديسين وتوفير المجد والشهرة لاسمهم من أجل "إراحة وتطمين" للطبقات المضطَهدة وخداعها، وإفراغ التعاليم الثورية من محتواها، وتخفيف حدتها كتعاليم ثورية، وتسخيفها وتسطيحها. وتتلاقى البرجوازية والانتهازيون داخل الحركة العمالية الآن على "معالجة" الماركسية. فتراهم يتناسون ويمحون ويشوهون الجانب الثوري للنظرية، أي روحها الثورية. إنهم يُبرزون في مركز الصدارة ويمجدون ما هو مقبول أو ما يبدو مقبولاً لدى البرجوازية. فجميع الاشتراكيين الشوفينيين هم اليوم "ماركسيون"، لا مزاح يا صاح!"
لقد كانت الصيغة الأكثر استخدامًا هي تصوير ستالين رجل دولة "يغار على الدولة"، أو مثابة "العاهل الأحمر" تقريبًا، أو براغماتياً بارعاً عالج المهام الجيوسياسية كتوسيع رقعة الدولة وتقويتها، والوصول إلى البحار، وبراغماتياً في البحث عن الحلفاء حتى التخلي عن المبادئ. وخلصوا إلى أن ستالين قام بالدعاية لدولته وبنائها بأي ثمن. وهم يحبون مقارنته ببطرس الأكبر بشكل خاص.
بيد أن من المعروف أن ستالين نفسه كان رد فعله سلبيا للغاية إزاء مثل هذه المحاولات الرامية إلى مقارنته بالقياصرة والحكام. وهو الذي أجاب في أثناء محادثة مع الكاتب الألماني إميل لودفيج رداً على سؤاله: "... هل تقبل أن تُوازى ببطرس الأكبر؟ هل تعتبر نفسك مكمّلاً لقضية بطرس الأكبر؟ "- "لا بأي شكل من الأشكال ... بطرس الأكبر فعل الكثير لرفع شأن طبقة ملاك الأراضي وتعزيز طبقة التجار الناشئة. بطرس فعل الكثير لإنشاء وتعزيز الدولة القومية لملاك الأراضي والتجار. أما المهمة التي أهبها حياتي فهي إعلاء شأن طبقة أخرى هي الطبقة العاملة. هذه المهمة لا تعني تقوية أي دولة "قومية"، ولكنها تعني تقوية الدولة الاشتراكية، وبالتالي الدولة الأممية، فأي تقوية لهذه الدولة سوف تسهم في تقوية الطبقة العاملة العالمية بأكملها. لو لم تكن كل خطوة أخطوها في عملي هي لرفع شأن الطبقة العاملة وتعزيز الدولة الاشتراكية لهذه الطبقة ولا تهدف إلى تعزيز وتحسين وضع الطبقة العاملة، لكنت سأعتبر حياتي بلا هدف".
ويحاول آخرون يطلق عليهم اسم "أنصار عظمة الدولة" أن ينسبوا إلى ستالين أولوية العمل على تقوية الدولة بشكل عام، بمعزل عن المهام الطبقية. ففي بعض الأحيان، تظهر هناك فكرة مفادها أن "ستالين تغلب على لينين"، وأنه تخلى عن موقفه من الماركسية كعلم وبنى ببساطة نظامًا إداريًا سوفييتيًا عبقرياً ورائعًا. ومع ذلك، فإن التاريخ كله، وتصريحات ستالين نفسه، تشير إلى عكس ذلك تماما: كماركسي، حارب ستالين الدولة البرجوازية، وعمل على تدميرها حتى الأسس التي تقف عليها، ثم تدمير عالم العنف، وبناء دولة الطبقة العاملة والفلاحين على هذا الأساس. نظر ستالين إلى الحفاظ على هذه الدولة وتقويتها نظرته إلى علم، ولم يقع في نشوة النجاحات التي تحققت، بل على العكس من ذلك، راح بعينين مفتحتين ورأس بارد، يُعمِل تحليلًا في احتمال حصول هزائم، وقبل كل شيء، في إمكان تدهور الدولة البروليتارية إلى مستوى دولة برجوازية ديمقراطية. وهو ما أوضحه ببساطة عبقرية رائعة في اجتماع مع الشباب في جامعة سفيردلوفسك في يونيو 1925 حين قال: "لنبدأ بالخطر الأول.
السمة المميزة لهذا الخطر هي عدم الإيمان بالقوى الذاتية لثورتنا. عدم الإيمان بقضية تحالف العمال والفلاحين؛ عدم الإيمان بالدور الريادي للطبقة العاملة داخل هذا التحالف؛ عدم الإيمان بمسألة تحويل "روسيا الـNEP" (أي السياسة الاقتصادية الجديدة التي عنت عودة مؤقتة إلى العلاقات الرأسمالية في الاقتصاد) إلى "روسيا اشتراكية"؛ عدم الثقة في انتصار البناء الاشتراكي في بلدنا.
هذا هو الطريق إلى النزعة التصفوية وإلى التدهور والانحطاط، لأنه يؤدي إلى تصفية أسس وأهداف ثورة أكتوبر، إلى تدهور الدولة البروليتارية إلى دولة برجوازية ديمقراطية.
مصدر هذا "الجو المزاجي المكفهر"، والتربة المؤاتية لظهوره في الحزب، هو تعزّز النفوذ البرجوازي الممارس على الحزب في ظروف السياسة الاقتصادية الجديدة، في ظروف الصراع اليائس بين العناصر الرأسمالية والعناصر الاشتراكية داخل اقتصادنا الوطني".
"دعنا ننتقل إلى الخطر الثاني. إن السمة المميزة لهذا الخطر هي عدم الإيمان بالثورة البروليتارية العالمية؛ عدم الإيمان في انتصارها؛ الشكوك حول حركة التحرر الوطني للمستعمرات والدول التابعة؛ الفشل في فهم أن بلدنا لم يكن يمكنه أن يقاوم الإمبريالية العالمية من دون دعم الحركة الثورية في الدول الأخرى له؛ الفشل في فهم أن انتصار الاشتراكية في بلد واحد لا يمكن أن يكون نهائيًا، لأنه لا يمكن ضمان حمايته من التدخل الأجنبي حتى تنتصر الثورة في عدد من البلدان على الأقل؛ عدم فهم أبسط ما تتطلبه النزعة الأممية التي تجعل انتصار الاشتراكية في بلد ما لا غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتطوير ودعم الثورة في البلدان الأخرى.
هذا هو طريق التعصب القومي والانحلال، طريق التصفية التامة للسياسة الأممية للبروليتاريا، فالأشخاص المهووسون المصابون بهذا المرض لا يرون بلدنا كجزء من الكل الذي اسمه الحركة الثورية العالمية، بل كبداية لهذه الحركة ونهاية لها في آن، باعتبار أن مصالح بلادنا يجب أن تتم التضحية بمصالح جميع البلدان الأخرى لأجلها".
"إذا كان مصدر الخطر الأول، خطر التصفوية، هو تعزيز النفوذ البرجوازي على الحزب عبر السياسة الداخلية، عبر صراع العناصر الرأسمالية والاشتراكية في اقتصادنا الوطني، فيجب عندئذٍ اعتبار أن مصدر هذا الخطر الثاني، خطر النزعة القومية، هو تعزيز النفوذ البورجوازي على الحزب من خلال السياسة الخارجية، من خلال صراع الدول الرأسمالية مع دولة الديكتاتورية البروليتارية. ... وإن خطر المضاعفات غالبًا ما يخلقه إغراؤنا بالشروع في السير في مسار المقاومة الأقل، في طريق النزعة القومية".
وأخيرا، عن الخطر الثالث. السمة المميزة لهذا الخطر هي عدم الإيمان في القوى الذاتية للحزب. عدم الإيمان في القيادة الحزبية؛ هي رغبة جهاز الدولة في إضعاف قيادة الحزب، وتحرير نفسه منها؛ هي عدم فهم أنه بدون قيادة الحزب لن تكون هناك دكتاتورية البروليتاريا".
هكذا، نرى بوضوح أن "رجل الدولة القوية" ستالين بنى دولة دكتاتورية البروليتاريا وعمل بلا كلل من أجل الثورة العالمية.
يستحق اهتماما خاصا، من وجهة نظر التدمير الحالي للاتحاد السوفياتي والصراعات القومية المستمرة في مختلف أرجائه، "الثناء" الذي أحيط به ستالين على موقفه وحتى على ما زُعِم من معارضته للينين في مسألة البنية القومية للاتحاد السوفيتي. فستالين يمتدحونه بسبب ما زعموا من "معارضته للفدرالية". حتى أن جيرينوفسكي قال إنه لو تم تبني "النموذج الستاليني"، لكان من الممكن اليوم تجنب الانهيار الملحوظ.
نحن نشدد على أنه لم تكن هناك نماذج أو أشكال لهيكلية الدولة الفيدرالية مختلفة اختلافًا جذريًا. كان هناك اتجاهان، طريقتان لمقاربة مشكلة خلق دولة واحدة لديكتاتورية البروليتاريا متعددة القوميات. لكن النهج الماركسي المتطابق تمامًا هو الذي ساد حيث أن الشيوعيين، في ظل ظروف متشابهة، يفضلون عموماً دولة كبيرة مركزية، ويميلون إلى عدم اعتمادلنظام فيدرالي يجمع بين القوميات الصغيرة، ويؤيدون دولة كبيرة ذات سلطة مركزية. وينبغي أن يساعد حق الأمم في تقرير مصيرها الأمم الصغيرة على التغلب على عدم الثقة بالذات، وعلى الخوف من اضطهاد محتمل.
كانت السلطة السوفيتية، أي أحد أشكال تحقيق دكتاتورية البروليتاريا، أساس البنية المناطقية والقومية للاتحاد السوفياتي، كما فهمها لينين وستالين بنفس القدر. وقد أكد ستالين في كلمته أمام مؤتمر السوفياتات الثاني لعموم الاتحاد السوفيتي: "لقد تم إنشاء دكتاتورية البروليتاريا في بلدنا على أساس اتحاد العمال والفلاحين. وهذا هو الأساس الأول والأساسي لجمهورية السوفييت".
لنقارن هذا الموقف بتصريحات زوغانوف حول برنامج الحزب الشيوعي الروسي: "الهدف الرئيسي لهذا البرنامج هو أن نخلق على أساس التقاليد الروسية جمهورية برلمانية من الطراز السوفيتي كحركة وطنية حقيقية عشناها واختبرناها تاريخياً نحو الديمقراطية (سلطة الشعب) بمعناها الحقيقي" (البرافدا، العدد 140، 10-15 ديسمبر/كانون الأول 2004). (فيما يتعلق بهذا الطرح، نلاحظ أن البرلمان يتعارض مع السوفييتات هو أيضًا من حيث طبيعته الطبقية، وأن الحركة التي اختبرها التاريخ هي الصراع المستمر بين الطبقات، والديمقراطية أو سلطة الشعب بمعناها الحقيقي هي أيضًا مفهوم طبقي: للبرجوازية مفهومها الخاص، والبروليتاريون لديهم مفهوم مختلف).
الكادحون، كما تعلمون، لا يحتاجون إلى حجز أماكن لهم في السوق. لقد أثبت التاريخ أنه ما كان يمكن للأعداء الداخليين أو الخارجيين تدمير الاتحاد السوفيتي عننما كانت السلطة سوفيتية وعندما كان الحزب شيوعياً. والتاريخ إياه أظهر أن الدولة تم تدميرها بسرعة، ونسبيا دون مقاومة، من خلال انتهاج نهج السوق، أي الرأسمالية، بعد أن فقد الحزب والدولة طابعهما الطبقي. لذلك نؤكد مرة أخرى على الدور الحاسم للأساس الطبقي للدولة، الدور الذي فهمه ستالين ولينين بنفس الطريقة الماركسية.
يحاول من يزعمون أنهم وطنيون ومعهم القوميون البرجوازيون الصريحون أن يعزوا إلى ستالين مشاعر "النزعة الوطنية الروسية" كما يقال اليوم بلغتنا المعاصرة. فهم يحاولون تصويره على أنه جورجي القومية وانتقل كليا إلى جانب الروس الحقيقيين، بينما يزعم آخرون أن ستالين ابتعد عن الأممية وعن فكرة الثورة العالمية، أي أنهم يعزون إليه موقف نوع من "القومية السوفيتية". وهناك صيغة أكثر تعقيدًا حول نفس الموضوع تتمثل في قول زعيم الحزب الشيوعي الروسي: "كان النموذج الستاليني في تطوره المكتمل بالذات هو التوليفة المتأصلة تاريخياً لنهجين جغراسياسيين روسيين أزليين هما نهج إمبراطوري بفكرته حول الاكتفاء الذاتي للدولة، ونهج سلافي شامل Pan-Slavic بفكرته حول الفضاء السلافي الكبير (باني الدولة. 10-15 ديسمبر/كانون الأول 2004- Builder of the Power، 10-15 December 2004). كلاهما ليس مجرد خطأ ارتُكب عفو الخاطر، بل هو افتراء صريح على ستالين الذي انتقد منذ بداية نشاطه السياسي انتقادا حاداً النزعة القومية، وهو حتى في تلك السنوات (1905-1907) رأى وراء هذه الظاهرة جوهرها الطبقي والاجتماعي حين قال:
"السوق هي أول مدرسة تتعلم فيها البرجوازية التعصب القومي".
"بيع سلعها والخروج منتصرة في المنافسة مع البرجوازية من جنسيات أخرى - هذا هو هدفها [أي البرجوازية]. ومن هنا فإن رغبتها هي أن تضمن لنفسها "سوقها" المحلية، سوقها هي، لا يشاركها فيها أحد غيرها. هنا، في الاقتصاد، ابحثوا عن جذور أي نوع من أنواع التعصب القومي - الوطني - الشوفيني".
"إن للبروليتاريا رايتها الخاصة المجربة، وهي لا تحتاج إلى الوقوف تحت راية البرجوازية". فـ"مصالح الأمة"و"سيادة الدولة" و"الوطن" هي كلها كلمات لا تخدم إلا مهمة خداع العمال، بحيث يحارب العمال من أجل تأمين سوق لبرجوازيتهم الوطنية بدلاً من حل مشاكلهم الخاصة".
من ناحية أخرى، لم يتخلَّ ستالين كأممي عن فكرة الثورة العالمية. فقد كانت أفعاله الملموسة في مجال بناء الدولة السوفيتية مثابة جهود واعية جدًا تهدف إلى إنشاء موقع متقدم لهذه الثورة. والأممية البروليتارية عند ستالين، كماركسي، لم تتعرض يوماً للشك حتى من قبل خصومه الألدّ من بين الإمبرياليين (هتلر، تشرشل، روزفلت)، وينبغي القول إن أتباعهم المعاصرين لا يزالون يتذكرون "اليد الرهيبة لموسكو"، أي الكومنترن، في جميع أنحاء العالم. لقد كان ستالين دائمًا وفي كل شيء شيوعيًا في المقام الأول.
هناك أيضًا محاولات مستمرة لربط ستالين بفرض النظرة الدينية والروحانية الأرثوذكسية والنزعة الجماعية في روسيا الحديثة. وتدعي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بوضوح اليوم اضطلاعها بدور الأيديولوجي للمجتمع الروسي. وهنا ليست القوى اليمينية وحدها تقيّم هذا الأمر على أنه إيجابي، بل يشاركها في ذلك أيضًا الحزب الشيوعي باعتبار أنه إحياء للروحانية، وعودة إلى "القيم الروسية الأصيلة". كقولهم مثلا أن ستالين قبل بامتنان في عام 1943 مبلغ 6 ملايين روبل (وأشياء ثمينة مختلفة) جمعتها الكنيسة لبناء رتل دبابات. وبعد ذلك رضي عن رؤساء الكنيسة، وساعدهم على عقد المجلس الكنسي المحلي وسمح لهم بانتخاب بطريرك. هذه الحقائق تحاط بأساطير وشائعات إضافية تزعم أنه تم بمباركة القائد الأعلى للقوات المسلحة نقل أيقونة السيدة العذراء في جولة على متن طائرة على طول الخطوط الأمامية للمعركة مع النازيين، وأن هذا قدم مساعدة فعالة للجيش الأحمر، وأن كثيراً من القادة العسكريين كانوا مؤمنين حقيقيين.
بيد أنه يجب أن يكون مفهوما أن الكنيسة عندما قررت تحديد الجهة التي تقف بجانبها في الحرب وساعدت في جمع الأموال والمجوهرات، كان على ستالين أن يشكر رؤساء الكنيسة كمواطنين من بلادنا. لا سيما أن الكنيسة تخلت آنذاك عن نهج محاربة السلطة السوفيتية، وأيدت سلطة ودولة العمال والفلاحين بصدق وحرارة. لذلك، ساعد ستالين الكنيسة على حل بعض القضايا التنظيمية المتعلقة بها. لكن من المستحيل تخيل وجود تحالف أيديولوجي بين الكنيسة وزعيم الدولة السوفيتية، وخاصة أن يقف ستالين في الكنيسة حاملاً شمعة ومبتهلاً أمام أيقونة. لقد أكد ستالين دائمًا على أن قضية بناء الدولة هي في أيدي الحزب والشعب، وأن عدم إيمان الناس بقواها الذاتية، عدم إيمان الحزب بقواه الذاتية، هو أحد الأخطار الرئيسية التي تؤدي إلى انهيار الاشتراكية. ولم يعهد الرفيق ستالين إلى الكنيسة أبداً بمهمة رص صفوف الأمة. فالحزب وسلطة العمال والفلاحين والقضية المشتركة هي التي رصت صفوف الشعب. وكان الشيوعيون، بقيادة الأمين العام الرفيق ستالين، هم القوة الرائدة في هذه العملية.
الاستنتاجات: كفاحنا "من أجل ستالين" يجب أن يشن على جميع الجبهات المذكورة: الثقافية والتاريخية والسياسية والحياتية اليومية والوطنية والفلسفية وغيرها. وعلينا أن ننطلق من حقيقة واضحة أثبتت صحتها مرات عديدة وهي أن ستالين كان شيوعيًا في المقام الأول. وهذا ما يفسر كل أفعاله، وانتصاراته العظيمة، وأخطائه المحتملة. لم يكن ستالين شيوعيًا فحسب، ستالين كان ماركسيًا يتعامل مع الشيوعية كعلم، ويتقن أسلوب المادية الجدلية، وقادراً دائمًا على تحديد الحلقة الرئيسية في معالجته لأي مشكلة في الظروف التاريخية المعينة. وهو لعمري كان الماركسي الأخير من بين قادة الدولة السوفيتية. وإن روسيا اليوم لا يمكنها الأمل بالنجاح في ظل النوعية الحالية لقادة الدولة. هذا واضح، على الأقل، لأولئك الذين لا يضيئون الشموع في الكنيسة من أجل "تقوية الدولة الروسية" ولا يطلبون مساعدة الرب في تنظيم كفاح الشعب العامل.
إن معاداة الستالينية سمة شائعة لدى المعادين للشيوعية الصريحين الذين يكرهون الاتحاد السوفيتي ويشوهون إنجازات الاشتراكية. لكن لا تقل خطورة عن معاداة الستالينية محاولات تشويه ستالين، وتفريغه من روحه الماركسية، وحرمانه من مبادئه كشيوعي.
وفي الختام، ثمة مقارنة واحدة غير علمية تماما. إذا طرح مرة أخرى السؤال عن سبب قيام هؤلاء الأشخاص اليوم بجر ستالين جرّاً إلى حلفهم، وتحويله من ماركسي تارة إلى مجرد غيور على قوة الدولة وسيادتها، وتارة إلى مجرد غيور على حب الوطن والسلافية، فسيكون من المناسب أن نتذكر حادثة في فيلم سوفييتي رائع للرسوم المتحركة حيث يقول هرّ صغير كلمات ذات مغزى عميق هي: "أنا وعمي والنمر نصطاد وحوش البر الكبيرة فقط".
ترجمة مشعل يسار