المتنورون عقول راقية تعشق الحرية


محمد كوحلال
2019 / 12 / 30 - 17:30     

عودة إلى التاريخ المظلم حيث كانت سلطة الدين المسيطر على كل المجالات، والسلطة آنذاك كانت تحكم انطلاق من القوة التي تستمدها من السلطة الدينية.. لكن الشعوب قد ترضخ للقمع من كلا الطرفين من شدة الخوف. لكن الحرية هي مادة غذائية لا يمكن لبني البشر الاستغناء عنها. لذلك قامت ثورات في العالم من الثورة البولشيفية في روسيا إلى ثورة طلاب فرنسا.. وسبب هذه المقدمة المختصرة ان الإنسان بطبعه ميال إلى الحرية في العيش و التفكير، ولا سبيل للإنسان سوى الحرية لأنها وقود الفكر. فالمبدع و الكاتب والأديب، والفنان لا يمكنه إطلاقا أن يحقق أحلامه إلا إذا توفر له فضاء كبير من الحرية، ليطلق العنان لكل ما يجول في خياله الخصب أو يطلق العنان لصوته.. وعليه فإنني ككاتب لا يمكني أن أعطي كل ما يجول في خاطري من أفكار، إذا كانت الخطوط الحمراء حاجزا أمامي. لأنه عندما ترفع الحواجز فيمكنني أن أضيف الكثير. ولذلك ظل العالم منقسم إلى شطرين عالم متقدم وآخر متخلف.
الأول اعتمد على الحرية في الفكر والإبداع و رفع كل القيود في جميع المجالات العلمية و الأدبية. وأعطى لكل مجال حقه في العمل دون قيود. فمجال السلطة الدينية لا يتعدى أسوار المعبد أو الكنيسة أو المسجد. فالفرد في المجتمعات المتقدمة له حرية التعبد، لكن حريته تكمن داخل المكان الذي يمارس فيه طقوسه أوصلاته و نفس المعيار لرجال الدين. وهذا هو التنور الذي ينطلق من الحرية للجميع مع مراعاة حقوق الأفراد في المجتمع. فليس لأي كان الحق في أن يلزمني بالاعتقاد بمذهب ديني أو فكري. ولاحظوا ما يجري في العالم الإسلامي والعربي من فوضى لرجال الدين، وجلهم تجار الدين، و بعضهم يحمل قبعة سياسية ونالوا السلطة والمال عن طريق الدين، والضحايا هم الشعوب التي لازالت تعاني من سيطرة هؤلاء المنافقين.. والأنظمة الفاسدة تدعم هذه العصابات لأن كرسي السلطة فوق أعناق رجال الدين. ولكم مثال واضح من إيران، في حين هناك دول عربية أخرى وزعت الحقوق على أفراد المجتمع بالتساوي، لكن تلك الأنظمة تتوخى الحذر من غضب البعض من رجال الدين الخارجين عن سيطرة السلطة و هؤلاء هم الخطر الأكبر. لأن هؤلاء يشكلون جماعات تعتبر لوبي ضغط على تلك الأنظمة العربية الراغبة في تحرير شعوبها مع مراعاة الثقافات والتقاليد في تلك المجتمعات. و لكم نموذج تونس أيام القايد باجي السبسي الذي بدا بقيادة قاطرة تحرير الشعب، لكن الموت خطفه قبل أن يكمل مسيرته.. أما في ما يخص الأنظمة التي تحاول تحرير شعوبها من قبضة العصابات الدينية المتشددة فإنها تكون إما مهددة بعمليات إرهابية من طرف هؤلاء، وأما بمسيرات تحشد فيها الصغار والكبار من أنصارها، وبعضهم مجرد أجراء يأخذون مالا لأجل التظاهر مع العلم انهم لا يعلمون سبب خروجهم. والخطير في الأمر ان هذه الجماعات الدينية لها تمويلا مشبوهة وهذا اكبر خطر يهدد بعض الدول العربية التي ترغب كما قلت سابقا في تحرير شعوبها من هذه الجماعات المتشددة التي تعتمد على الإرهاب الفكري..
أيها المتنورون والحالمون بالتنوير اعلموا جيدا أن التاريخ دوما يعيد نفسه، لأن الطبيعة لا تقبل الجمود و سوف يأتي زمان سوف تتحرر فيه الشعوب من أنظمة سياسية تعتمد على الدين لقمع شعوبها من اجل الحكم. وسوف تقضي ثورات الشعوب المظلومة على تلك العصابات الدينية المتشددة، كما يقضي الفلاح على الجراد في بستانه.. وها نحن نرى التطور الكبير الذي تعيشه أجيال اليوم بعد ثورات الربيع العربي 2011 .. حيث لم يعد الخوف في قلوب الشعوب لا من رجال الديدن ولا من الأنظمة الديكتاتورية. وإنني اخبر من باب الحدس القوي الذي أتوفر عليه، أن الأنظمة الفاسدة المستبدة سوف تغيب كما تغيب الشمس، و التغيير قادم على مشعل يحمله الشباب. لأن التنوير ليس له بديل أمام الأجيال الصاعدة. لأن النور نعمة، فلا يمكن الاستغناء عنه كما أننا لا يمكننا العيش في بيت بدون نور .. يتبع في حلقة ثانية.