الالحاق القسري نقيض الاتحاد الاختياري


صلاح بدرالدين
2019 / 12 / 24 - 20:40     

هناك دائما تشابه من حيث المبدأ في مختلف أنواع النشاطات الإنسانية من أجل التفاعل والتشارك والتعايش بين الشعوب والأقوام والأمم والدول والجماعات وكذلك بين القوى السياسية المعبرة عن مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية والوطنية وهناك دائما النزوع الإيجابي نحو التفاهمات والحوار السلمي والعمل المشترك على أسس سليمة لخير المجتمعات والشعوب والإنسانية جمعاء بالمقابل هناك أيضا قوى الشر المتربصة لاثارة الحروب والفتن ومصادرة حريات الآخر ومحاولة استغلال المقابل لغايات مصلحية خاصة وصولا الى انتهاك الحريات والقمع تحت عناوين الوحدة والاتحاد .

تاريخ البشرية ماهو الا أطول أنواع أفلام الرعب أبطاله كانوا من الأقوياء من فرسان مفتولي العضلات ومحاربين أشداء في العهود الغابرة أو امبراطوريات أخضعت الشعوب والبلدان في القرون الوسطى أو دولا قوية بحضارتها ومواردها وصناعاتها الحربية استعمرت العالم وأرغمت الشعوب على الاستسلام والتبعية والالحاق حتى القرن التاسع عشر أو نظما دكتاتورية شمولية في العصر الحديث استعبدت شعوبا وأقواما بالحديد والنار وألحقتها قسرا الى جغرافية مجالها الحيوي من دون ارادتها .
بعيدا عن الغوص طويلا في الماضي نعود الى حاضرنا السوري المزري المثقل بالهموم وماحل بنا من كوارث ومآسي وانقسام عامودي وأفقي ومانعانيه من إصرار على المضي في الطريق الخطأ ( أفرادا وشيعا وأحزابا ومجموعات وأقواما وأديانا وطوائف ) والتشبث بالتمسك بثقافة ( اتبعني والتحق بي ) follow me التي أفرزها وأنتجها ومارسها فرسان الجاهلية والامبراطوريات الباغية والمستعمر الطاغي والدكتاتور الارعن .
كان من المفترض وبعد كل الذي حصل لشعبنا السوري بكل مكوناته الاجتماعية وفي مختلف مناطقه منذ تسعة أعوام من خنق ثورته وهزيمة ( معارضته ) وتشتت شمله ودفعه ثمنا باهظا من ضحايا بشرية وتدمير وتهجير وانقسام واستفحال العداوات العنصرية والدينية والطائفية والمناطقية نعم كان واجبا على من بقي على قيد الحياة أو مازال لديه القدرة على التفكير ويتمتع ولو بجزء من الإحساس الوطني والأخلاقي والإنساني أن يبادر الى نوع من المراجعة ومحاسبة الذات أولا واستخلاص العبر والدروس .
كان من المفترض بعد كل الذي حصل اتباع طرق جديدة بالعمل الوطني والابتعاد عن كل ما أدى الى التراجع والردة وانتهاج دروب آمنة وقطع الصلة بالماضي المظلم بخطابه وشعاراته من مصدريه أو جناحيه التوأمين في الشمولية : نظام الاستبداد ( العلماني ) الأسدي الحاكم وملحقاته وسلطة الإسلام السياسي وتوابعها التي تحكمت بقرار الثورة والمعارضة وفي المقدمة ثقافة التبعية العمياء التي تصادر الوعي الإنساني والالحاق القسري المضاد للإرادة الحرة في تقرير المصير للفرد والجماعة والقوم والشعب .
يبدو أننا الذين كنا ( نفترض ) بخصوص احتمالية اجراء مراجعة بعد الهزيمة كنا نعيش في الأوهام وفاتتنا حقيقة أن مقدمة قيام ( المعارضة ) كانت على أسس هشة وعلى نفس القاعدة البغيضة ( اتبعني ) فباكورتها ( المجلس الوطني السوري ) جاءت بقيام – الاخوان المسلمين السوريين – باعلانه ودعوة الآخرين بالالتحاق من دون المرور مثلا بقيام لجنة تحضيرية متنوعة وممثلة لكل المكونات السورية وشرائحها وأطيافها وتياراتها السياسية .
وحتى اللحظة مازال نظام الاستبداد ماض في دعواته – الالحاقية – تعالوا شاركوا في حكومتي تعالوا نعدل دستوري فلتلتحق فصائلكم المسلحة بجيشي وميليشياتكم بأجهزتي الأمنية .
وفي المقابل ومابعد ( المجلس السوري الالحاقي ) كرت سبحة – الالحاقات – بالائتلاف وهيئة التفاوض وكل مؤتمرات المعارضات والمنصات والأرصفة والساحات حتى العرائض المعروضة لجلب التواقيع بالمناسبات المختلفة تنشر للحاق بها ومن دون استشارة أحد في مضامينها الى أن وصل الامر بممثلي هيئة الأمم المتحدة بالتعلم من السوريين الى استدعاءات الالحاقات باسم المستقلين وحركات المجتمع المدني .
بين الحين والآخر يدعوك أحدهم الى حضور المؤتمر الموسوم بالوطني الجامع مثلا مصرا على الاستقلالية وهو الداعي ويقوم مقام اللجنة التحضيرية ويصيغ البرامج ويؤمن جهة مانحة ( نظام أو مؤسسة أمنية أو أو .. ) في جنح الظلام ثم يدعوك للالتحاق به من دون شروط أو سؤال وجواب والتوقيع بعد ذلك على البيان الختامي الجاهز .
وفي ساحتنا الكردية التي قسمتها الأحزاب الى ساحات وكيانات وقطاعات واقطاعيات تسمع حينا دعوات فضفاضة تحت عنوان وحدة الصف الكردي وهي بحقيقتها دعوات الحاقية حزبية وآخرها دعوة – مظلوم عبدي – قائد – قسد – الذي يطلق عليه جنوده صفة الجنرال حيث يطالب بأن يلتحق الآخرون بميليشياته المسلحة وبادارته الذاتية وشرطته حتى يجلب الجميع بنهاية الامر الى أحضان نظام الاستبداد .
أحزاب – المجلس الكردي الانكسي – تدعو بدورها الآخرين الى الانضمام اليها بنفس الطريقة الالحاقية معتمدة ليس على تنظيماتها شبه المعدومة ولا على جماهيرها المغيبة ولا على مشروعها غير المعروف بل استقواء بالغير .
وللأمانة التاريخية وبحسب اطلاعي ومتابعتي لم أجد في الحالة الكردية السورية سوى حراك – بزاف – bizav.de ( وهو ليس حزبا أو منظمة بل حراك فكري ثقافي سياسي ) حاملا لمشروع برنامج قومي – وطني وداعيا الى مؤتمر كردي سوري انقاذي شامل بغالبية وطنية مستقلة بعد التوافق على تشكيل لجنة تحضيرية تشرف على الاعداد والتنظيم بعيدا عن التبعية والالحاق والاحتواء .