من قتل عمر بنجلون؟!


عبد الرحيم التوراني
2019 / 12 / 18 - 15:59     

كان الحسن الثاني مستعجلا يرغب في تنفيذ مشروعه الكبير، الذي سيعرف باسم "المسلسل الديمقراطي". للتمكن من الخروج من "حالة الاستثناء" التي طالت سنواتها، خاصة بعد فتح ملف "قضية الصحراء". فبدأ باستقطاب آحزاب المعارضة اليسارية، خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بقيادة عبد الرحيم بوعبيد. وحزب التقدم والاشتراكية بقيادة علي يعته. حيث قام الزعيمان برحلات دبلوماسية مكوكية بين دول العالم، خاصة المعسكر الشرقي ودول عدم الانحياز، من أجل الدفاع عن موقف المغرب وشرح سياسته بشأن استكمال وحدته الترابية واسترجاع أقاليمه الصحراوية الجنوبية.

لكن المناضل البارز عمر بنجلون عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، سيقف في وجه سياسة الحسن الثاني هذه، ملحا على ضرورة تصفية الجو السياسي العام بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من دون استثناء، وعودة المنفيين والمغتربين السياسيين، وانتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور جديد يعرض على استفتاء شعبي.

فشل عبد الرحيم بوعبيد في إقناع عمر بنجلون بمسايرة الحسن الثاني، وحاول في غياب عمر، استصدار قرار باسم المكتب السياسي، يرد على الحسن الثاني بموافقة الاتحاد الاشتراكي على الدخول في اللعبة الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات. لكن عمر بنجلون اعترض بقوة، ووصل به الغضب إلى الاعتزال ببيته فترة والتفكير في الاستقالة من العمل السياسي.
(التفاصيل نشرت بمجلة "السؤال - الملف"، عدد خاص بالراحل محمد الباهي، جوان 1996).

تكلم الحسن الثاني مع بوعبيد بحزم، أن يزيحوا "عثرة بنجلون"، أو أن المخزن هو من سيتكلف به.

عاد بوعبيد إلى عمر واقترح عليه الاستقرار فترة بباريس. استغرب عمر بنجلون من الاقتراح ورفضه، وأصر على الاستمرار في نضاله من أجل الطبقة العاملة والشعب المغربي.

بعدها بأسابيع، في يوم الخميس 18 ديسمبر 1975، تم اغتيال عمر بنجلون أمام بيته بشارع كاميل دي مولان بالدار البيضاء، بعد تغيير خطة اغتياله أمام باب جريدة "المحرر" التي كان يديرها.

ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى تم تنظيم انتخابات بلدية في يوم الجمعة 12 نوفمبر 1976، تلتها انتخابات برلمانية في يوم الجمعة 3 جوان 1977. وانطلق المسلسل الطويل الذي لا يزال مستمرا إلى يوم الناس هذا.

في أربعينية الاغتيال نظم حفل تأبيني كبير للشهيد بقاعة الأفراح في شارع الجيش الملكي بالدار البيضاء، ترأسه عبد الرحيم بوعبيد، وحضره الشاعر العربي الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، الذي قرأ قصيدته المشهورة "عرس المهدي" (منشورة بديوانه " كائنات مملكة الليل" دار الآداب، بيروت).
وطبع كراس يتضمن بعض افتتاحيات الشهيد عمر في جريدة "المحرر" مع رسوم فلسطينية، أشرف على تصميمه الفنان والخطاط الراحل أحمد الجوهري. وتم وضع صورة عمر بأعلى ترويسة "المحرر" تحت شعار "شهيد المحرر"، وبعد منع "المحرر" جاءت "الاتحاد الاشتراكي" وتحول الشعار تحت الصورة إلى "شهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي"، اقتباسا من مجلة "الهدف" التي وضعت صورة رئيس تحريرها الشهيد غسان كنفاني.

وكانت جريدة "المغرب العربي" التي كان يصدرها عبد الخطيب قد احتفلت في الأسبوع الموالي للجريمة، باغتيال عمر بنجلون على صدر صفحتها الأولى بعنوان بالبنط العريض.
وعلق الإسلامي عبد الإله بنكيران (الذي سيرأس الحكومة المغربية سنة 2012) على محاكمة القتلة، مستغربا: "كيف يحاكم رجال مؤمنون في جريرة كلب أجرب؟".
كما ان وثائق قضية اغتيال عمر بن جلون اختفت لحجب حقيقة المتآمرين الحقيقيين، وعلى رأسهم عبد الكريم الخطيب ،الذي قدم المساعدة الكاملة للمتورطين في عملية الاغتيال، وللتستر على حقائق الجريمة ستتم تصفية النعماني لاحقا حتى لا يظل هناك خيط رابط مع القتلة الحقيقيين.

أما القتلة الصغار، أدوات التنفيذ، فقد كانوا أباطرة داخل سجن عكاشة، يتاجرون في المواد الغذائية وغير الغذائية بين السجناء، ويمارسون السمسرة بين النزلاء وإدارة المعتقل، كما كان يسمح لهم بالخروج، حيث تمكنوا من تأسيس أسر قبل إطلاق سراحهم.

ثم صار حزب الاتحاد الاشتراكي بالتدرج الواضح والتدحرج السريع صوب أحضان المخزن وكنفه، واكتمل الاحتضان مع حكومة التناوب بزعامة عبد الرحمان اليوسفي "الحالف على المصحف" الذي لم يجد ما يقوله للتاريخ والأجيال، عبر أكثر من ثلاثة مجلدات غير الكلام عن بطولاته على رأس حكومة التناوب أو التوافق. وكان التتويج الكبير، أو ضربة "الكاو" في ولاية "خادم الدولة " إدريس لشكر والحبيب المالكي سليل الإقطاع والخيانة والمبشر للتطبيع من كرسي رئاسة مجلس النواب، مع دولة العدو الصهيوني (تصريحه لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية).

نظام الحسن الثاني هو من أمر باغتيال عمر بنجلون. وجماعة عبد الكريم مطيع كانت وسيلة طيعة للتنفيذ ليس غير. و"لجنة الاغتيال" باتت أسماؤها معروفة، ومن ضمنها الجنرال حسني بنسليمان وخاله عبد الكريم الخطيب، هذا الأخير هو من تولى حماية بعض المتورطين في الجريمة (عبد العزيز النعماني)، ثم أكمل المهمة بفتح مجال العمل السياسي المشروع أمام التنظيم السري للقتلة واحتضنهم في حزب الحركة اشعبية الدستورية الديمقراطية، قبل تغييرالاسم إلى "العدالة والتنمية".

ما يفيد أن حزب العدالة والتنمية هو من صناعة النظام، وعندما احتاج المخزن إلى "إسلامييه" وجدهم جاهزون بعد اندلاع ثورات الربيع العربي لإخماد حركة 20 فبراير، ولا يزال المخزن يستعملهم قبل أن ينهي زمنهم قريبا بنهاية الفعالية والصلاحية.