على عتبة المؤتمر


عبدالرزاق دحنون
2019 / 12 / 16 - 10:24     

لا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الاشتراكيين ويستمدون منها جميع معتقداتهم ويُطبقونها في أساليب نضالهم وطرائق نشاطهم، وإذا ما دافعنا عن هذه النظرية، التي نعتبرها صحيحة في أعمق أعماقنا، دون التهجمات الباطلة ودون محاولات تشويهها، فإن هذا لا يعني البتة أننا أعداء كل انتقاد، فنحن لا نعتبر أبداً نظريه ماركس شيئاً كاملاً لا يجوز المساس به، بل إننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات، إذا شاؤوا-شاءوا- الاّ يتأخروا عن موكب الحياة. ونحن نعتقد أنه من الضروري بخاصة ان يدرس الاشتراكيون الروس ويطوروا نظرية ماركس بصورة مستقلة لأن هذه النظرية لا تُعطي سوى موضوعات توجيهية عامة تُطبقُ في بريطانية على غير ما تُطبقُ في فرنسا، وفي فرنسا على غير ما تُطبقُ في ألمانيا، وفي المانيا على غير ما تُطبقُ في روسيا. ولهذا سنخصص بكل طيبة خاطر مكاناً في جريدتنا للمقالات التي تتناول القضايا النظرية وندعو جميع الرفاق إلى مناقشة نقاط الخلاف مناقشة علنية.

هذه المقابسة الطويل من مقال برنامجنا الذي كتبه لينين، على الأرجح، عام 1899عندما كان منفياً في سيبيريا، صدر للمرة الأولى عام 1925 في المجموعة اللينينية في العدد الثالث. وصدرت ترجمتها العربية في المجلد الثاني من الصفحة رقم /497/ من مختارات لينين في عشرة مجلدات عن دار التقدم السوفييتية. وأود الإشارة إلى أن كلمة مقابسة هنا تحتاج إلى تفسير. الكلمة مشتقة من فعل قَبَس. ومنها قبس منه ناراً أي أعطاه منها. ومعنى المقابسة أن يشترك اثنان أو أكثر في محاورة علمية فيقبس أحدهما العلم والمعرفة من الآخر ويعطيه ما عنده. وهذا المعنى في الكلمة العربية ما قصده لينين تماماً بشأن نظرية ماركس.

كان لينين في التاسعة والعشرين من عمره حين كتب مقال برنامجنا وحدد فيه خيارات حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا وأعتقد أن من المناسب حين نقتبس عن لينين ان نُراعي تطور منهجه الفكري والسياسي فما يقوله ابن الخامسة والعشرين غير ما يقوله ابن الخمسين، مع أن لينين طور منهجه الماركسي ولم يحد عنه أبداً. في هذه المقابسة يظهر جلياً أن الماركسية ليست عقيدة حزبية بل هي نهج عمل وإن كنت تريد أن تجعل منها عقيدة حزبية فلا بدَّ من اختلاف تجلياتها بين مكان وآخر، كان لينين يبحث عن وحدة تجمع الحلقات الماركسية المنتشرة في روسيا وخارجها. وقد عمل بدأب على جمع هذه الحلقات في برنامج يُراعي بأقل شروط ممكنة نظرية ماركس فكان حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا.

كان لا بد من هذه المؤانسة مع لينين على عتبة المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد حيث يُطلب إبداء الرأي في الوثائق التي عرضتها اللجنة المركزية على الجمهور من خلال العدد/876/ من جريدة النور تاريخ 3/9/2019 والتي ستعرض على مؤتمر الحزب في دورته الجديدة. وأنا على قناعة كاملة أن الشيوعي الجيد هو الذي يمتلك قلباً شيوعياً حاراً لا فكراً شيوعياً فقط. ومن هُنا أجد أن الوثائق المعروضة للنقاش أو الجدل ترسل رسالة واضحة لكل سوري يعيش على أرض الوطن أو خارج حدود هذا الوطن، تقول: قد تختلف وجهة نظرك مع وجهة نظرنا المعروضة في الوثائق وهذا من حقك لا يُماري فيه أحد، ونحن على كل حال نطرح وجهة نظرنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي موضوعات قابلة للجدل والنقاش.

وفي الظروف الحالية التي يمر بها المواطن السوري داخل البلاد وخارجها لابد من أن نستوعب ما جرى ويجري وسوف يجري لنكون على علم -على الأقل- بمستقبلنا. لا بدَّ للحزب الشيوعي أن يكون واضحاً في طروحاته التي يعمل من خلالها على تحليل الواقع المعاش، أو بعبارة أخرى عندما يرسم الحزب الشيوعي سياساته في الظروف التي تمر بها سورية فأعتقد أن تحليله للواقع، ولن أقول يجب، بل استبدلها بكلمة كي يكون صائباً في النتائج المستخلصة من هذا التحليل، وعليه أن يقرأ نتائج التحليل كما هي، ولا يرتعب أو يجزع من ذلك. فأنت كطبيب تشخص المرض بعد تحليل دقيق تصل من خلاله إلى يقين ومن ثمَّ تصف الدواء أو العلاج المناسب. آمل من كل قلبي أن يكون الحزب الشيوعي السوري الموحد قد استطاع تحليل جذور ما نعيشه اليوم وبالتالي وصف العلاج من خلال ما طرحة من وثائق للجدل والمناقشة على عتبة المؤتمر.

عُقد المؤتمر في دمشق تحت شعار: من أجل تحرير الأرض ومكافحة الإرهاب وحقوق المواطن ومصالح العمال والفلاحين وإعادة البناء والعدالة الاجتماعية واجتثاث الفساد، وذلك في الفترة الواقعة بين 28-30/11/2019 في المعهد النقابي العمالي المركزي بدمشق. ألقى نجم الدين خريط الأمين العام الجديد للحزب كلمة ختام المؤتمر جاء فيها:

كلنا ثقة بأن الحزب الذي سار خلال هذا العمر الطويل في طريق صعبة كانت مليئة بالانتصارات والنجاحات، كما أنها لم تخلُ من الإخفاقات والنواقص والسلبيات، هذا الحزب الذي استطاع أن يشكل قوة سياسية مؤثرة وفعالة موجودة على مساحة أرض الوطن من أقصاه إلى أقصاه، ودخل في تحالفات وطنية وساهم في تأسيس جبهة وطنية تقدمية، وحافظ على وجهه المستقل في نضاله من أجل قضايا الجماهير ومطالبها، وقدم كادرات وخبرات لبناء هذا الوطن، عملت في السدود والسكك الحديدية والنفط وغيرها، الحزب الذي صان الأمانة لمبادئه وفكره وحافظ عليها، واتخذ في أحلك الظروف مواقف سياسية متوازنة جوهرها الدفاع عن الوطن وحمايته والنضال من أجل مصالح الجماهير حامية الوطن والمدافعة عنه.

بكل ثقة، يستطيع هذا الحزب أن يحسّن وضعه التنظيمي ويطور آليات عمله وأدائه، ويستطيع أن يجد الأشكال التنظيمية الملائمة والمتجددة مع كل مرحلة وفي ظل الظروف. يستطيع أن يحول الأفكار والبرامج إلى حقائق من خلال نقل رؤيته ومواقفه إلى أوسع الجماهير وتعبئتها من أجل تحقيق أهدافها.

وهذه المسؤولية الكبرى تقتضي من كل رفيق وقفة جدية مع الذات ليرى ما قدمه وما يجب أن يقدم للوطن وللحزب. هذا من جانب، ومن جانب آخر علينا أن نتعاون ونتكاتف جميعاً بعيداً عن الذات والحساسيات، لجنةً مركزية، ولجاناً منطقية، ومكتباً سياسياً، وأميناً عاماً، ورئيساً للحزب، أن نعمل جميعاً لتنفيذ المهام التي أقرها مؤتمر حزبنا وفق برامج وخطط عمل واضحة وملموسة.

في نهاية أعمال المؤتمر انتخبت لجنة مركزية جديدة، اجتمعت وانتخبت علم الدين أبو عاصي رئيساً للجنة المركزية، كما انتخبت حنين نمر رئيساً للحزب، و نجم الدين خريط أميناً عاماً للحزب. كما انتخبت مكتباً سياسياً مؤلفاً من: ملول حسين، عبد الرزاق الدرجي، وفيقة حسني، محمود عفيف، إنعام المصري، عدنان خزام، فؤاد البني، بشار المنيّر، أحمد بوستجي، خليل داود. وانتخب المؤتمر أيضاً لجنة الرقابة الحزبية، وانتخبت اللجنة عبد الله صالح أحمد رئيساً لها.

من أجواء المؤتمر:

في جلسة مسائية في المعهد النقابي العمالي المركزي بدمشق، افتتحها مشهور غريبة أكبر الأعضاء سناً، وهو من مواليد 1930 ويحمل بطاقة عضوية في الحزب منذ 74 عاماً دون انقطاع، وقد ساعده في إدارة الجلسة أصغر المندوبين سنّاً وهما لورين عبد الله و نعيم كوسا.

تقول لورين عبد الله: في الحقيقة أشعر بالفخر لأنني أصغر عضو في المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد. لقد رأيت أن شعارات المؤتمر قوية. وأنا أتمنى من الرفاق ولا سيّما القياديين في الحزب العمل على تطبيق هذه الشعارات على أرض الواقع خصوصاً الشعارات المتعلقة بدعم فئة الشباب، والتواصل الدائم بين الجيلين القديم والجديد، لأنها الشريحة التي تستطيع أن تقدم وتعطي كل ما ليها للحزب. وأريد أن أهنئ كل الرفاق الشيوعيين بالذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، وأريد ان أقول لهم إننا مستمرون وسنقدم أكثر وأكثر ولكن كل ما نحتاجه منهم هو الدعم.