سعيدة الشهيدة، سعيدة الخالدة


زينة أوبيهي
2019 / 12 / 10 - 23:40     

في الحادي عشر من شهر دجنبر سنة 1977، كان للشعب المغربي، وخاصة العمال والفلاحين الفقراء، الوداع القسري مع إحدى الشموع النادرة والمضيئة في دروب قاسية ومظلمة، وداع إجباري بل طعنة إجرامية أراد من خلالها النظام إطفاء هذه المنارة المشعة الى الأبد. إلا أن نورها ازداد إشعاعا وسيتمدد في خدمة الكادحين لأجيال وأجيال..
لم تتجاوز الشهيدة سعيدة المنبهي ال25 سنة، وكانت قد تعرضت لكافة أصناف التعذيب والتنكيل داخل المخافر السرية والسجون وردهات المحاكم. فارقتنا الشهيدة وهي في عز وعنفوان شبابها، أعطت قفزة نوعية ومتميزة لنضالات عقد السبعينات وما عرفه هذا الأخير من نشاط كفاحي وحركة نضالية متقدمة ولمرحلة تاريخية برمتها؛ أبرزت للمرأة المغربية مكانتها الحقيقية وموقعا النموذجي. كسرت بتضحيتها كل الأوهام والقيود الرجعية متجاوزة العقلية السائدة، لقد أضحت رمزا للمقاومة والتضحية من أجل المرأة والرجل معا بدون منازع، ومن أجل شعبها وكافة الشعوب المضطهدة، إنها سعيدة المنبهي التي استشهدت في الإضراب اللامحدود عن الطعام الذي خاضته بكل همة ونكران للذات الى جانب رفاقها المعتقلين السياسيين (مجموعة 77)..
إن سعيدة الشهيدة معلمة تاريخية ومنارة للمرأة المغربية بالخصوص التي تعيش الاضطهاد المزدوج، اضطهاد النظام من جهة ومن جهة أخرى اضطهاد العقلية الذكورية السائدة في المجتمع الطبقي. وسعيدة الشهيدة مفخرة للشعب المغربي عامة، إنها ذاكرة حية لا تقبل النسيان أو التلف. ستظل تضحيتها وإبداعاتها شاهدة على عصرها وعلى استماتتها في الدفاع عن مواقفها الثورية.. إنها تجربة رائدة في التحدي ونكران الذات، لقد حطمت أسوار السجن وجدران الزنزانة بصمودها الخلاق. فمن قلب السجن مخترقة ترسانته الإسمنتية خلدت الشهيدة رؤيتها حول الواقع المغربي المر وحول النموذج المنشود البعيد كل البعد عن مبادرات "المصالحة" والخنوع . فرغم الظروف القاسية تشبثت سعيدة بالكتابة وخاصة الكتابة الشعرية، كآلية من آليات المقاومة، لتعلن عن أفكارها الثورية وتوثق ممارستها النضالية كاستمرارية لسعيدة، المناضلة الثورية، ولدرب نضالها الشائك. فمهما حاول النظام وبعض الأبواق المأجورة إخفاء جرائمه إلا أنه لن يفلح في التعتيم عن بطولات بنات وأبناء شعبنا وطمس تجربة رائدة من هذا المستوى الذي كان للمرأة المغربية الموقع المتقدم فيه وطنيا ودوليا. وليس استمرار التضحية تلو الأخرى ومواجهة الأجهزة القمعية بصدر عار إلا تعبيرا عن الوفاء للشهيدة سعيدة وباقي شهيدات وشهداء شعبنا المكافح.
تصادف ذكرى استشهاد سعيدة، وكل سنة، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فأي حقوق إنسان هذه تفارقنا في "عرسها" العالمي الشهيدة، وهي وراء القضبان الحديدية في أبشع الجرائم وأفظعها؟!!
فباسم حقوق الإنسان والديمقراطية و...، تداس كرامة الإنسان (نساء ورجالا، شيوخا وشبابا) وتصادر حقوقه. وفي أجواء الاحتفال بحقوق الإنسان يشرد ويعتقل ويغتال المناضل والكادح... وفي اليوم/العرس العالمي، لازالت السجون مكتظة بالمعتقلين السياسيين في ظل أوضاع مأساوية وفي غياب أبسط حقوق الإنسان..
في "زمن" حقوق الإنسان تتعمق المعاناة الاقتصادية والاجتماعية ويستمر الحرمان ويسود الصمت والتواطؤ الرهيبين..
المجد والخلود للشهيدة سعيدة وكافة الشهيدات والشهداء، في ذكرى استشهادها الثانية والأربعين (42)..