أسئلة حول تنظيم الحزب الثوري (7)

نهويل مورينو
2019 / 12 / 9 - 09:03     


مقدمة

في 16 تموز 1984 تحدث الرفيق نهويل مورينو -بدعوة من قبل الشبيبة الإشتراكية_ حول تنظيم (بناء) الحزب الثوري. هذا المقال هو النسخة المكتوبة لمحاضرته منقحة من قبل المحاضر نفسه. وقد تم نشرها أولا في بوينس آيرس ضمن مذكرات التضامن. (قارئ التثقيف السياسي رقم 1- 1984).
من أجل استعادة فضائنا السياسي


إنعاش الحالة الثورية قدم لنا مزايا كبرى. قبل كل شيء، الجماهير يمكنها صنع التجربة على وجه السرعة مع أحزابها التقليدية. تلك الأحزاب تظهر يوميا كأعداء الطبقة العاملة. هذه العملية يمكن بطريقة أو بأخرى أن تكبح، نظرا لأن هناك تراجع سياسي هائل في طبقتنا العاملة. هذا موجود عرضيا رغم كل شيء، وعاجلا أو آجلا سيصبح مزمنا.



ميزة أخرى إضافية أسهمت في انحلال البرجوازية الأرجنتينية وممثليها هي غباءهم الكبير. نادرا ما يمكننا الإستفادة من حكومة تحفر قبرها بيدها كل دقيقة، أو تقوم بنشر مسرحيات لا تقنع حتى طفلا، كتلك التي صنعها جرينسبن[i] حول الدين الخارجي عندما نجح في أن يكون أكثر من أضحوكة.



ليس من المعتاد وجود “معارضة” في أزمة كتلك، وبفجاجة البيرونية. الحقيقة الوحيدة أنه بإمكان هيرمينيو ايغليسياس[ii] الصراع لقيادة الحزب العدلي[iii].



حزبنا متموضع جيدا في هذا الإطار. كانت لدينا ضربة في الحملة الإنتخابية عندما استهدفنا الدين الخارجي كقضية مركزية. في هذه الأيام، التي أعاد فيها الواقع طرح المسألة نقديا، قمنا بقفزة هائلة. ذات المتعاطفين الذين امتنعوا عن التشكيك بألفونسين ومضوا بنا إلى كل التصورات المستقبلية عادوا مجددا اليوم ليقولوا: “كنتم محقين”. أولئك الذين لم يتفقوا سابقا معنا يتفقون الآن. على الأقل إذا لم يتفقوا على عدم تسديد الدين الخارجي، فقد اعترفوا بأننا كنا على حق عندما نوهنا بكونها قضية نقدية.



راهنا نحن مسلحون بهذا الرأسمال السياسي وبشعارات جديدة لهذه المرحلة من قبيل: أجور أفضل، إضراب عام، قيادة جديدة لحركة الطبقة العاملة. والتنديد الدائم بألفونسين كعدو للعمال وعميل لصندوق النقد الدولي. إننا في ظرف يتيح القيام بهجمة سياسية عنيفة. يمكننا بسرعة استعادة المساحة السياسية التي كانت لدينا من قبل، بل واحتلال مساحة أوسع. علينا امتلاك الشوارع مجددا بتحريض منظم لهذه الشعارات والإستفادة بعمق من كل واقع جديد_ كالإستفتاء على قناة بيغل[iv] الآن_ بسياسة صلبة ومهمة في غاية الأهمية.


هذا لا ينكر واقع أن الجماهير لم تنتقل إلى اليسار باتجاهنا. العملية الأساسية التي لا يمكن للحزب خسارتها تحت عقوبة رجعية أو تقهقر العملية الثورية نفسها هو بناء القيادة السياسية والنقابية الجديدة لحراك الطبقة العاملة. هذا البناء يعني مفوضيات جديدة في الشركات على المستوى النقابي، كما تعني تعزيز الحزب على المستوى السياسي.



بقية “اليسار” في وضع غير موات




صيرورة الطليعة السياسية تعبر عن نفسها في نمو اليسار بأسره. الحزب الشيوعي[v] أبدى ذلك وكذلك الحزب العنيد[vi]، وإلى حد ما اليسار البيروني القديم كما رأينا في مقالاته خلال التظاهرة الأخيرة ضد صندوق النقد الدولي. الكلاسيكية القديمة من جهتها لا تقدم في هذه الأثناء ذات الديناميكيات حيث تمت هزيمتها بضراوة بفشل الإجتماع القومي للعمال من جمهورية الأرجنتين[vii] ومجموعات أخرى. ولكن الكلاسيكية يمكنها الإندماج بهذه الديناميكيات كتيار سياسي إذا استطاعت استدامتها.



من جهة تعززت هذه المنظمات كأحزاب سياسية. مسألة أخرى مختلفة تماما هي القول إنها تعززت كجزء من القيادة الجديدة لحراك الطبقة العاملة، التي نُصر على أنها بلغت النضال الأكثر أهمية مما قد تم خوضه.



هناك سببان لصعوبة خوض هذه المعركة على يد تلك المنظمات. في الاتحادات لا يوجد من هذه التيارات ما تجذر بعمق في الطبقة العاملة ليتابع النضالات التي يخوضها ضد الرعاة والبيروقراطية، كما فعل الحزب الشيوعي بين عمال المعادن، ليتبعه ميغويل.



السبب الثاني، وهو حاسم، ينبع من الطبيعة السياسية. إن هذه التيارات لا تواجه الألفونسينية أو النظام الرأسمالي الإقتصادي الإجتماعي. بل على العكس، جميعها تمضي جنبا إلى جنب مع الحكومة. هذه الحقيقة وضعت تلك التيّارات في مواجهة الصيرورة الموضوعيّة لحركة الجماهير وطلائعها، والتي تعارض، على نحو متزايد، الحكومة، والنظام، والنظام الرأسمالي شبه الكولونيالي. بالنسبة لكثير من الرفاق، فإن طبيعة المطالب المتعلّقة بالأجور في النضال الراهن تخفي محتواها الأعمق المناهض للإمبرياليّة، لأنّها تضرب النظام في مقتل: فائض القيمة.. أرباح البرجوازيّة والإمبرياليّة التي ليس لها مخرج آخر في هذا النظام. إنّنا ندّعي أن هذا هو تحديدا جوهر الصراع الراهن للطبقة العاملة. لهذا فإن التيّارات السياسيّة “اليساريّة” تنفصل يوما بيوم عن هذا الصراع، وعن القيادة الجديدة التي بدأت تبرز.



حتّى إذا ما نمت هذه التيّارات كأحزاب سياسيّة، فإنّها لا تعبّر عن التنامي اليومي للنزاع على القيادة السياسيّة لطليعة الطبقة العاملة الجديدة. قد يكون لديهم مفوّضين في المصانع وربّما يحصلون أيضا على المزيد من المبتعثين. ولكنّهم ليسوا مهووسين مثلنا لكسب هذه المفوّضيّات. هذا ليس محور نشاطهم السياسي.



في هذا الإطار، فإن الحزب الشيوعي، إلى حدّ بعيد، هو عدوّنا الأكثر خطورة. لديهم وسائل مماثلة لأساليبنا، حيث أنّهم يذهبون إلى المصانع، ويبنون فيها المجموعات، ويكتسبون نشطاء جدد. ولكن، كما قلنا من قبل، فإن مواقفهم السياسيّة تعزلهم وتضعهم في مواجهة الصيرورة الموضوعيّة للقيادة الجديدة. ومن الضرورة إضافة أن مثل هذه القيادة السياسيّة كنادرا وفافا[viii]، التي وصلت في خيانتها إلى درجة الدعم المباشر لفديلا[ix]، وصوّتت لصالح اغليسياس، تحضّر بالتأكيد لكارثة سياسيّة أخرى مماثلة على المدى القصير.



يسار بيرونيستا القديم هو جزء من الأزمة الشاملة للبيرونيستية. لا يوجد ما يمكنهم فعله مقارنة بالإقحام الاستثنائي الذي وصل إلى المونتونيروس[x] (منظمة بيرونيستا لحرب العصابات)، وشبيبة العمال البيرونيستية[xi]، في المرحلة السابقة، من 1969 إلى 1975. قطاعات من الانترانسيغينسيا (العناد) والموفيلايزيشن (التجييش) البيرونيستية[xii] مضت إلى الإنتخابات متحلّلة تماما إلى جانب أسوأ البيروقراطيّين. وهناك من ناحية أخرى أولئك الذين أصبحوا عملاء للحكومة والذين أبرموا الاتفاقيّات وباتوا آخر المتطرّفين. وفي النهاية، فإن آخرين أتاحوا لنا فرصة لتطور العمل كما فعلوا، ونحن نقوم بتطور هذا العمل في عدّة مواقع. على أيّة حال، هذه مرحلة من عمليّة القطع مع البيرونيسيّة باتّجاه اليسار، وليس تعزيز ما كان يوما “حزب الشبيبة المجيد”.



الكلاسيكيّة القديمة لبيشينيني[xiii] التي انتهت أيضا إلى العمالة للحكومة، تنفصل يوميّا عن تطلّعات الطبقة العاملة. من المحتمل أن يكون لهم بعض التأثير بين المنتفعين من العمال ذوي الياقات البيضاء. ولكن من غير المرجّح أن يتعمّقوا في غالبيّة الطبقة العاملة، المستهدفة بالإستغلال العنيف والفقر المتفاقم.



وختاما، يوجد لنا منافسون في النضال لكسب طليعة الطبقة العاملة الجديدة سياسيّا، ولكن لا يوجد بينهم منافس قادر على هزيمتنا، حتى لو لم نقلّل من أهميّة العدو الرهيب المتمثل بالستالينيّة. الأمر يعتمد علينا لاعتراض سبيل أن تبرز تلك الأحزاب أو التيّارات مجدّدا سدّا بين طليعة الطبقة العاملة والثورة الإشتراكيّة.





[i] وزير الإقتصاد في إدارة راؤول ألفونسين.

[ii] قائد جناح يميني متطرف للبيرونيسية ينحدر من البيروقراطية الاتحادية، كان عمدة مدينة افيلا نيدا الهامّة (غران بيونوس آيريس).

[iii] الحزب العدلي، ويعرف أيضا بحزب بيرونيستا

[iv] كان هناك نزاع قديم على المناطق بين الأرجنتين وتشيلي، فيما يتعلق بقناة بيغيل، الواقعة في الجنوب الأقصى للقارة. في مناسبات عدة فتح هذا النزاع الباب أمام احتمالية الحرب بين البلدين. في 1985 وصلت حكومة ألفونسين إلى اتفاق للإحتفاء بدراسة مع حكومة تشيلي، وقد دعيت بالاستفتاء، ليعلن الأرجنتيون إذا كانوا مع أو ضد الاتفاقية.

[v] الحزب الشيوعي الأرجنتيني.

[vi] الحزب العنيد، تجمع يساري إصلاحي بقيادة أوسكار أليندي، الحاكم السابق لمحافظة بيونوس آيريس، عبر الاتحاد العنيد الراديكالي المدني.

[vii] اجتماع وطني للعمال من جمهورية الأرجنتين. كان محاولة فاشلة لبناء تيار اتحادي جديد يجمع القطاع الذي يقوده ألبيرتو بيتشيني، القائد السابق لعمال المعادن في مدينة فيلا كونستيتسيون، والقطاعات الراديكالية.

[viii] أعضاء القيادة العليا للحزب الشيوعي

[ix] جورج رافاييل فيديلا، رئيس المجلس العسكري الذي قام بالإنقلاب عام 1976

[x] منظمة بيرونيستا لحرب العصابات.

[xi] شبيبة العمال البيرونيستية، اتجاه نقابي للمونتونيروس.

[xii] تيارات داخلية للبيرونيسية.

[xiii] تيار نقابي مناهض للبيروقراطية قبل انقلاب العام 1976. قاد اتحاد عمال المعادن لفيلا كونستيتيوسيون.

ترجمة: تامر خورما
تحرير: فيكتوريوس بيان شمس