إلى الإضراب ! – بيان للمجموعة الشيوعيّة الثوريّة ، كولمبيا


شادي الشماوي
2019 / 12 / 5 - 11:44     

جريدة " الثورة " عدد 624 ، 2 ديسمبر 2019
https://revcom.us/a/624/revolutionary-communist-group-of-colombia-to-strike-en.html

ملاحظة الناشر : في ما يلى منشور أصدرته حديثا المجموعة الشيوعيّة الثوريّة ، كولمبيا . و " الإضراب " المشار إليه في العنوان يحيل على افضراب العام في 21 نوفمبر حينما غمر آلاف الناس عبر البلاد الشوارع في حركة إحتجاجيّة على الحكومة الكولمبيّة المدعومة من قبل الولايات المتّحدة . و قد تواصلت الإحتجاجات مذّاك لتهزّ البلاد هزّا ، و قد نادى الكثيرون بإزاحة الرئيس و نظامه اليميني . و كانت المجموعة الشيوعيّة الثوريّة مشاركة في هذه النضالات و بينما كانت تتحدّث عن الأزمة المباشرة في كولمبيا و تدعم النهوض الشعبي، كانت تتقدّم بالحاجة إلى ثورة صريحة ضد النظام برمّته.
-----------------
الآن بالذات ، أمامنا رهان كبير و هام و إستعجالي . و لا يحدث هذا في كولمبيا فحسب بآلاف القتلى على يد القوّات المسلّحة ( " الإيجابيّات الزائفة "-1) ، و إغتيال نشطاء الحركات الإجتماعيّة و إفلات القتلة من العقاب والإصلاحات الإقتصاديّة الضارة بمصالح الشعب ، و تحويل المدن إلى أحياء قصديريّة ، و نموّ التشغيل بصفة غير رسميّة و البطالة ؛ و لكن لأيضا عبر العالم : الحروب غير الأدلة و الفقر و اللامساواة المستشرية و إضطهاد النساء و إخضاعهنّ و الأزمات البيئيّة المهدّدة لحياة الكوكب ، دون أن يقوم الذين يسيّرون العالم بأي شيء لوضع حدّ لهذا ...
و يردّ الناس الفعل ن لا سيما منهم الجيل الجديد . فمنذ بداية العقد ، وُجدت إنفجارات و إحتجاجات و تمرّدات كبرى : الإنتفاضة في مصر سنة 2011 و حركة إحتلال الشوارع في الولايات المتّحدة و حركة المستائين بإسبانيا (2) ، الناجمة عن الأزمة الإقتصاديّة 2008-2011 ، المؤكّدة على " إنّنا لسنا دمى بيد السياسيّين و أصحاب البنوك " ؛ أو" الديمقراطية الحقيقيّة الآن " ! و" لسنا سلعة بيد السياسيّن و أصحاب البنوك " و قد شملت هذه الحركات عشرات البلدان . و من هناك إلى إنتفاضات 2013 في البرازيل و تركيا و كوريا الجنوبيّة ، إلى الإنتفاضات الراهنة في هونغ كونغ و كاتالونيا و القاهرة (مصر ) و باريس (فرنسا ) و موسكو (روسيا ) و بيروت (لبنان ) و الجزائر و بغداد ( العراق ) و جاكرتا ( أندونيسيا ) ن من خلال حركات عالميّة نامية من مثل تمرّد الإضمحلال و الجُمعات من أجل المستقبل ، المميّزة أساسا بالشباب المنشغل بالأزمة البيئيّة، و بمساهمات هامة ، كالدفاع الصارم عن العلم من قبل بعض القادة و منهم غريتا ثنبارغ.
في كولمبيا، إنطلق العقد بالإضرابات الفلاحيّة (3)( التي إحتقرتها الطبقات الحاكمة إلى درجة إدّعاء عدم وجودها ) و حركة طلبة المانى (4) ، التي ألهمتها في مظاهر متنوّعة منها مسيرات كنفدراليّة الطلبة الشيليّين ، لكن سحقتها الماكارثيّة و القمع المفضوح بالرغم من ردود الفعل الغبيّة ل " الإحتضان " و ما شابه من " التعايش مع ذات القوى القمعيّة التي تمثّل العامود الفقريّ للنظام الإستغلالي و الإضطهادي . و يتماشى كلّ هذا مع النزعة العالميّة نحو اليمين ( و نحو الفاشيّة حتّى ) التي فاقمت الإستقطاب المتنامى في المجتمع الكولمبي .
في جميع أنحاء العالم ، تنهض الشعوب و تبحث عن حلول و فلسفات ( داخل النظام عينه ) . و قد إكتسبت برامج و رؤى سياسيّة متباينة تأثيرا و أنصارا : " حركات دون قيادة " و " الديمقراطية الحقيقيّة " و " ضد التراتبيّة " و " ضد الدولة " و " الأفقيّة " و " الديمقراطيّة الإقتصاديّة " و ما ماثل ذلك ، مبيّنة أساسا نقصا في أمل بلوغ حياة أفضل راديكاليّا للجميع في هذا العالم ، و في نهاية المطاف ، تصبغ هذه الحركات الشرعيّة على النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يسحق الناس و يحطّم الأرواح ، بتقديم " حلول " هي واقعيّا طرق مسدودة ، تاركة الشعوب غارقة في مستنقع الانتخابات و اللوبيّات و المنظّمات غير الحكوميّة و ما شابه .
هنا ، هناك و في ايّ مكان ، الإحتجاج عقب الإحتجاج ، بصرف النظر عن مدى راديكاليّة هذه الإحتجاجات شكليّا ، فإنّها إنتهت إلى الدفاع عن " رفاه الدولة " أو " الرأسماليّة بوجه إنساني " ، و بإستنتاجات من صنف " الضغط هو الطريقة الوحيدة التي ينصتون إليها " ، إنّها ترى المشكل الاقتصادي الاجتماعي في مجال التوزيع و لا تمضى إلى جذور الحقيقة . و هنا و هناك و في أي مكان ، إنتهى اليأس إلى تبرير الإستخفاف بتحقيق التغييرات الراديكاليّة الحقيقيّة ، التي صارت تنعت بالطوباويّة ، ما توّج الحركة من أجل الحركة .
و هكذا ، إضراب 21 نوفمبر ، بعديا عن أن يكون " مؤامرة لمنتدى ساو باولو ألهمها كاسترو – تشافيز " (5) ، هو جزء من الإنفجار العالمي للغضب ذلك أنّ الثروة لا تزال مراكمة بيد أقلّية و هناك غضب صلب الطبقة الوسطى نظرا لإرتفاع تكاليف الحياة ، و هناك قطاع كبير من العمّال الذين يشتغلون بصفة غير رسميّة و غير ثابتة و يبقون في الظلّ. و لهذا الإنفجار صلة أكبر بالظروف الماديّة للوجود . و ثمّة تصدّعات حقيقيّة فى المجتمع : الإضطهاد البطرياركي و تحطيم البيئة و أزمة الهجرة و العنصريّة و كره الأجانب ، و الحروب من أجل الإمبراطوريّة ... وهي مشاكل لا يمكن معالجتها في إطار هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي الذى ينتجها .
النظام الرأسمالي " نمط / أسلوب إنتاج " . و هذا يعنى طريقة لتنظيم المجتمع لإنتاج و توزيع ضرورات الحياة . حول العالم ، يشتغل بلايين الناس جماعيّا لإنتاج حاجياتهم . و مع ذلك ، وسائل إنتاج الثروة مملوكة ملكيّة خاصة و تتحكّم فيها أقلّية طبقة حاكمة ، الرأسماليّون الإمبرياليّون . و يستغلّ هؤلاء الرأسماليّون بلايين الناس على الكوكب الذين لا يملكون مثل هذه الوسائل و يجب عليهم أن يقدّموا قوّة عملهم مقابل أجر ، أو أن يجدوا طريقة أخرى للبقاء على قيد الحياة . لقد أرسى الرأسماليّون إطار المجتمع بأسره بما في ذلك مئات ملايين الناس " من الطبقة الوسطى " الذين قد يملكون مشاريعا صغرى أو يعملون كمحترفين و أساتذة إلخ . و يتنافس هؤلاء الرأسماليّين مع بعضهم البعض في صراع لا رحمة فيه للتوسّع أو الغرق من اجل البقاء في القمّة . و على أساس مثل هذه الملكيّة و التحكّم في الثروة ، تهيمن الطبقة الرأسماليّة – الإمبرياليّة على السياسة و الثقافة و الأفكار و بناء آلة قمع ة و قوّة عسكريّة للحفاظ على هيمنتها . و تستخدم القوّة ، على حدّ قولها ، ضد الذلا يقبلون بهذا الإطار. و يتصارعون حول كيفيّة الحكم . الرأسماليّة هي السبب المحوري للأشكال الوحشيّة للإضطهاد التي يواجهها الشعب اليوم . [ انظروا العدد 460 من جريدة " الثورة " ]
لكن أمام معالجة الأمر ظهرت عوائق حقيقيّة حتّى من لدن عديد الذين كانوا ( في الماضى ) ثوريّين و الذين صاروا يتبنّون الآن مقاربات إقتصادويّة أو يشكون من مشاكل أبستيمولوجية كالتبسيطيّة و الحتميّة و الثقة في التقدّم الخطّي و عدم رؤية إمكانيّة تراجع عجلة التاريخ إلى الوراء ، أو الذين قبلوا بالأحكام المزوّرة بخصوص التجربتين الإشتراكيّتين للقرن العشرين، تجربة الإتّحاد السوفياتي ( 1917-1956) و الصين (1949-1976) إلخ ... أو بالأفكار المسبّقة بين الأجيال ( و ليست دائما بلا أسس حقيقيّة ) لا سيما لدى الحركات البيئيّة الشبابيّة التي توبّخ الأجيال السابقة ( دون إختلافات طبقيّة ) ، عوضا عن توبيخ الرأسماليّين – الإمبرياليّين الذين كانوا يمسكون بزمام السلطة ...
أجل ، الآن بالذات هناك كثير من الرهاناتالهامة و الإستعجاليّة . أجل ، ينهض الناس و يبحثون عن ،و يزنون ، الحلول و الفلسفات . لكن غالبيّتهم قد وقع تدجينهم بأنّ الحلّ الوحيد الذى ينبغي إستبعاده بلا جدال هو الثورة الشيوعيّة . و كان هذا ، في جزء منه ، نتاج التشويهات و الإفتراءات بلا خجل المهيكلة في هجوم إيديولوجي حقيقي عقب إنهيار الإتحاد السوفياتي ( و قد صار غير إشتراكي منذ 1956 ) ، قبل ثلاثين سنة .
و مع ذلك ، على وجه التحديد ، وحدها الثورة الشيوعيّة قادرة على التعاطى بشكل خاص مع مشاكل المجتمع و العالم التي تتسبّب في الكثير من العذابات ،و يمكن أن تحقّق أعلى الطموحات التي دفعت الناس على الإحتجاج . و فكرة الحركة " بلا قيادة " التي يمكن أن تخلق نوعا ما تغييرا جوهريّا فقد بيّنت أنّها وهم و عائق خطيرين بقدر ما هما ضارين . و قد شاهدنا ثمن تداعيات غياب قيادة و نظرة و برنامج شيوعيّين حقيقيّين . أجل ، ، الفكرة " القديمة " التي طوّرها في البداية ماركس باتت اليوم ، بفضل الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان للنظريّة و الممارسة السابقتين و وضعها على أساس علمي أرسخ ، باتت شيوعيّة جديدة . أجل ، ما نحتاجه هو ثورة حقيقيّة و لا شيء أقلّ من ذلك !
و تتطلّب ثورة حقيقيّة مشاركة ملايين الناس ، بطريقة منظّمة ، في نضال مصمّم و واعى لتفكيك جهاز الدولة هذا و هذا النظام ،و لتعويضه بجهاز دولة و نظام مختلفين تماما ،و بطريقة مغايرة كلّيا لتنظيم المجتمع ، بأهداف و طرق حياة الناس مغايرة تماما . و إذا لم تنجز ثورة ، سنظلّ نحتجّ ضد التجاوزات ذاتها ، جيلا بعد جيل .
سواء تعلّق الأمر بجذور المشاكل أم بحلولها ، علينا أن نبحث عن الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح فكر نقديّ و فضوليّة علميّة و التعلّم بإستمرار بشأن العالم و التمكّن بصورة افضل من المساهمة في تغييره وفق المصالح الجوهريّة للإنسانيّة ، لأنّه مثلما أشار إلى ذلك بوب أفاكيان عن حقّ :
" لئن كانت لديكم فرصة رؤية العالم كما هو حقّا ، تكون أمامكم طرق مختلفة بعمق تسلكونها في حياتكم ز بوسعكم ببساطة أن تدخلوا في سلوك قانون الغاب ، و على الأرجح سيقع إبتلاعكم بينما تحاولون المضيّ قدما . و بوسعكم وضع أنوفكم في الحوض و أن تحاولوا التنشّق قدر المستطاع فيما تزاحمون بيأس للحصول على قسط أكبر من الآخرين . أو بوسعكم أن تسعوا إلى فعل شيء قد يغيّر كامل توجّه المجتمع و كامل الطريقة التي يسير بها العالم . و حين تضعون هذه الأشياء جنبا إلى جنب ، ما الشيء الذى له مغزى ، أيّ شيء يساهم حقّا في شيء يستحقّ العناء ؟ ستكون حياتكم متمحورة حول شيء – أو تكون متمحورة حول لا شيء . و لا وجود لشيء أعظم يمكنكم تكريس حياتكم له من وضع نهاية لكافة الأنظمة و العلاقات الإضطهاديّة و الإستغلاليّة و كافة العذاب غير الضروري و الدمار المصاحب لها . لقد تعلّمت هذا بعمق أكبر فأكبر من كافة الإلتواءات و المنعرجات و حتّى الإنتكاسات الكبرى ، و كذلك المكاسب الكبرى ، للثورة الشيوعيّة على حدّ الآن ، وهي حقّا لا تزال تخطو خطواتها التاريخيّة الأولى . "
لنسقط الإستغلال و الإضطهاد !لنسقط البطرياركيّة و الحرب ضد النساء !
لنسقط تحطيم البيئة ! لنسقط الحرب ضد الشعب !
مجموعة الشيوعيّين الثوريّين ، كولمبيا ، 21 نوفمبر 2019
-----------------------------
1- " الإيجابيّات الزائفة " تعبير يحيل على المدنيّين الذين قُتلوا على يد أعضاء من الجيش تنكّرت في ثياب قوّات مناهضة للحكومة أو وضعت أسلحة بأيدى المقتولين ثمّ إدّعت أنّهم من مقاتلى و مقاتلات حرب العصابات أو القوات شبه العسكريّة التي قُتلت في المعارك.
2- المستاؤون حركة جماهيريّة ظهرت في إسبانيا في صيف 2011 ، و من ضمن شعاراتها " بلا منزل ن بلا عمل ، بلا مستقبل ، بلا خوف "؛ " لا يمكن لأحلامنا أن تتماشى مع صناديق إقتراعكم " ، " خطأ في النظام – رسالة من الثورة الإسبانيّة ". أنظروا
" From A World to Win News Service: Two weeks in May with Spain’s ‘Indignados. ".
3- كانت تلك إحتجاجات فلاّحين أساسا حول مسألة ملكيّة الأرض . و قد عرضت هذه الإحتجاجات الموضوع أمام عيون المجتمع .
4- حركة مانى سنة 2011 سلسلة من الإحتجاجات بقيادة طلبة و بعض الأساتذة و موظّفى الجامعة و العمّال و النقابات عبر كولمبيا ضد إصلاح مقترح من طرف الحكومة يرفع في تكاليف التعليم .
5- منتدى ساو باولو ندوة للأحزاب و المجموعات اليسايّة من أمريكا اللاتينيّة و الكراييب ، أسّسها سنة 1990 حزب العمّال البرازيلي و ضمّت نظام كاسترو في كوبا و نظام تشافيز في فنزويلا .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------