حزب شيوعي لا يمينية ذيلية ... من تراث الشهيد الخالد محمد حسين ابو العيس / ج1


خالد حسين سلطان
2019 / 11 / 7 - 14:09     

كتب الشهيد الخالد محمد حسين ابو العيس عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي عدد من المقالات السياسية، في جريدة اتحاد الشعب بداية عام 1960 ، حول دور وموقف داود الصائغ في محاولته لشق الحزب والسيطرة عليه وازاحة قيادته بالتعاون مع الزعيم عبد الكريم قاسم، ومن خلال صحيفة ( المبدأ ) التي صرح له بإصدارها ، بالإضافة الى تحليل لمواقف وسياسة الحزب، ثم صدرت تلك المقالات على شكل كراس وبنفس العنوان ( حزب شيوعي ... لا يمينية ذيلية ) وقدم لها عضو المكتب السياسي بهاء الدين نوري .
حفاظا على جزء من تراث الشهيد ابو العيس ولأهمية ما ورد فيها سياسيا وتاريخا، اعيد نشر تلك المقالات مع المقدمة، ولعلها تساهم في تنوير البعض ( رغم الفارق الزمني والسياسي ) عن مدى انحرافهم نحو اقصى اليمين ضاربين تراث الحزب وتاريخه النضالي الثر عرض الحائط، ليكونوا اولاد واحفاد امناء لصاحب جريدة ( المبدأ )، الذين انتحلوا في غفلة من الزمن اسم الحزب الشيوعي، ليصل بهم الحال الى اصدار توجيه حزبي لرفاق الحزب وانصاره بعدم المشاركة في انتفاضة ومظاهرات الاول من اكتوبر / تشرين الثاني 2019 وبحجج واهية، في وقت كان فيه النبض الوطني والثوري للشباب الثائر في قمته، ثم تراجعت عن ذلك بعد ان اكتشفت مدى الاندفاع الجماهيري مع تلك الانتفاضة، بالإضافة الى مشاركة شباب الحزب الواعي ( اكثر من قيادته ) وبحس وطني وثوري عفوي تاركين توجيه الحزب جانبا، مما يشير الى مدى تخبط تلك القيادة في واقعها اليميني البائس. وكذلك ليطلع جيل الشباب الواعد على سبل النضال المبدئي ويقارن بمواقف قادته اليمينية الذليلة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
بقلم : بهاء الدين نوري
ان التعمق في دراسة المفاهيم والتيارات الانتهازية التي تظهر في الحركة العمالية يتطلب دراسة الصراع الطبقي، دراسة التناقضات ــ الثانوية أو الرئيسية ــ بين مختلف الطبقات والمراتب الاجتماعية وبالأخص بين الطبقة العاملة وبين الطبقة البرجوازية بمختلف فئاتها. فالحركة العمالية في كل الأقطار المبتلاة بالسيطرة الاستعمارية هي، من حيث محتواها، وأهدافها، حركة طبقية ووطنية في آن واحد، حركة موجهة ضد الاستعمار من أجل الاستقلال الوطني ( والكفاح الوطني هو كفاح طبقي في الجوهر ) وموجه ايضا من أجل تحقيق المطالب الخاصة بالطبقة العاملة. وعندما يكون الاستعمار هو العدو الرئيسي، كما كان ولا زال بالنسبة لبلادنا، فان الحركة العمالية توجه بالدرجة الرئيسية ضد الاستعمار على الا تهمل المطالب الطبقية الرامية الى تحسين شروط حياة الطبقة العاملة في نطاق المجتمع الرأسمالي .
وينبغي ان تحتفظ الحركة العمالية باستقلالها وبميزاتها الخاصة لكي تكون حركة طبقية ثورية قادرة على انجاز مهامها القريبة والبعيدة. وماذا يعني الاحتفاظ باستقلالها ؟ يعني ان عليها، اولا، ان تسترشد بنظريتها العلمية الماركسية اللينينية، وثانيا، ان يكون لها تنظيمها السياسي الطليعي الذي لا يخضع للنفوذ البرجوازي وان تعرض شعاراتها وحلولها الخاصة للقضايا السياسية والاجتماعية التي تضع لها البرجوازية شعارات وحلولا خاطئة وان تجمع بين تحالفها مع البرجوازية الوطنية وبين انتقادها لها .
ان البرجوازية الوطنية تخوض الكفاح ــ يشتد أو يخفت تبعا للظروف ــ ضد الاستعمار من أجل ازاحة مزاحمها الرئيسي في السوق وتجد في العمال والفلاحين حلفاء لها في كفاحها التقدمي هذا ولكنها تخوض الكفاح في نفس الوقت ضد الحركة العمالية من أجل اتجاهها وافقاد استقلالها وخنق كل صوت يطالب بالحد من الاستغلال الرأسمالي .
أما مراتب البرجوازية الصغيرة فهي تتعرض للاستغلال الاقتصادي والاضطهاد السياسي من قبل الاستعمار والرجعية وكذلك من قبل البرجوازية الوطنية من جهة وتمت الى البرجوازية بصلات اقتصادية وفكرية من جهة اخرى مما يكسبها صفة ثورية متذبذبة. وتصعد ثوريتها احيانا الى حد التطرف بينما تهبط احيانا اخرى الى حد التخاذل والاستسلام .
فالأفكار والتيارات الغريبة في الحركة العمالية تعود من حيث اصلها الطبقي الى ايدولوجية البرجوازية وتمثل نفوذ العدو الطبقي في صفوف هذه الحركة. اما من حيث النتائج السياسية فان هذه الافكار والتيارات تلحق اضرارا فادحة بمصالح العمال والفلاحين وكل الشعب وتخدم مصالح الاستعمار والرجعية .
على ضوء هذه الحقائق وبهدى النظرية العلمية المرشدة عالج الرفيق محمد حسين ابو العيس التيار الانتهازي الجديد من حيث زمنه والقديم من حيث طابعه واهدافه المتمثل بجريدة المبدأ وصاحبها. وقد شخصه بوصفه تيارا يمينيا ذيليا يحاول حرف الحركة العمالية بإفقادها استقلالها واخضاعها للنفوذ البرجوازي وبين ان ادعاء هذه العناصر الانتهازية بالتمسك بالماركسية ــ اللينينية لا يعدو كونه كلاما فارغا يقصد منه التستر على اهدافها .
ان هذه العناصر الانتهازية لم تأت بجديد من الشعارات والمفاهيم. فصاحب ( المبدأ ) الذي انشق ورفع اليوم ــ ولم يكن أول من رفع ــ شعار، تنحية قيادة الحزب، هو نفسه الذي كان قد انشق وتكتل ضد الحزب ورفع شعار (( تنحية قيادته )) منذ سبعة عشر عاما، لقد جرب العمل الانشقاقي المعادي للحزب سابقا اذ عمل على رأس كتلة هزيلة سماها ( رابطة الشيوعيين ) وأصدر نشرة باسم (( العمل )) في سنوات 943 ــ 947. ثم صفيت كتلته رغم ارادته وظل نفسه بعيدا عن الحزب طوال أربعة عشر عاما. ولو كان ممن يعتبرون بتجارب التاريخ لفكر في فشل نشاطه الانشقاقي السابق وفي اسباب ذلك ولما كرر ثانية نفس التجربة الفاشلة .
ان الانتهازيين يناقضون دوما اقوالهم بأعمالهم. ولكن هذا التناقض لم يكن يوما ما واضحا كوضوحه اليوم لدى هذه الزمرة. فهم يدعون الى (( حزب شيوعي واحد )) ويخطؤون فكرة (( حزبين شيوعيين )) في العراق ولكنهم مع ذلك قدموا طلبا رسميا ثانيا بتأسيس (( حزب شيوعي )) بعد ان قدمت هيئتنا المؤسسة طلبها بإجازة حزبنا وفي الوقت الذي يعرفون جيدا بان الشيوعيين العراقيين جميعا ملتفون حول هيئتنا المؤسسة ومتكاتفون تنظيميا وايديولوجيا بشكل رائع يثير الاعجاب والاعتزاز لدى كل المخلصين .
من الواضح ان تقديم أو تنحية أي شخص في الهيئات الحزبية لأي حزب سياسي ليس من اختصاص أناس مطرودين من ذلك الحزب ولا من شأن اناس لا تربطهم أية صلة تنظيمية أو فكرية به بل من اختصاص هيئآته المسؤولة وحدها وبالشكل الذي يحدده نظامه ومبادئه. ويتمسك الشيوعيون اكثر من غيرهم بقواعد التنظيم الاساسية وبتقاليد الضبط والنظام .
ومن جملة هذه القواعد والتقاليد وفي مقدمتها هي الحفاظ على وحدة الحزب وتجنب كل ما شأنه اضعاف روح الضبط والاخلال بوحدته. ومن الواضح بان هذه العناصر الانتهازية حملت راية شق الحزب وتحاول بكل الوسائل اللامبدئية تحطيم وحدته .
ومن جملتها ان يمارس الشيوعيون النقد والنقد الذاتي بدافع الاخلاص لحزبهم وان يعرضوا ما لديهم من مقترحات وانتقادات على مراجعهم الحزبية والا يلجأوا الى الطرق اللاتنظيمية ولا يبشروا بآرائهم المخالفة لآراء الحزب. ومن المعروف ان هذه العناصر الانتهازية لم تمارس النقد بل مارست الشتم والتشهير والتلفيق ضد الحزب وضد قادته ولم تتورع حتى في اتهام بعضهم بالصلات مع دوائر الاستخبارات الاستعمارية والتهديد بنشر (( الوثائق )) المزعومة ودعوة السلطة الى مكافحة الحزب الشيوعي ولم تقدم ذلك بتقارير حزبية وبالطرق التنظيمية بل نشرته على صفحات جريدة علنية .
يقول الرفيق ليو شاوشي : (( ما زال ثمة بعض الرفاق ( لا يمكن في الواقع ان نطلق عليهم اسم رفاق ) من الذين يعتمدون صراحة على بعض القوى خارج الحزب ويستخدمونها في توجيه الصراع الداخلي وفي تهديد الحزب وارهابه. فثمة على سبيل المثال من يثير نضالا ضد الحزب والتنظيمات العليا معتمدا على علاقاته ببعض اطراف معينة من الجبهة المتحدة. انهم يسيرون بذلك في اتجاه مستقل عن الحزب ويعلنون ذلك الاستقلال بل ويستخدمون المجلات والصحف وسائر المؤتمرات خارج الحزب وحتى تلك التي تخص البرجوازية والعدو لينتقدوا الحزب وليثيروا صراعا ضد التنظيمات العليا للحزب وضد بعض الرفاق بالذات .
ان هؤلاء الاشخاص يقودون صراعا ضد الحزب من زاوية غير حزبية. لذلك بالرغم من انهم شيوعيون بالاسم فانهم قد انفصلوا تماما عن وجهة نظر الحزب وتحولوا الى أعداء ألداء له . ))
ومن جملتها خضوع الهيئات السفلى للهيئات العليا. ومن الواضح ان صاحب ( المبدأ ) كان فردا واحدا وفي الأسفل فلماذا لم يخضع للهيئات العليا المسؤولة ؟ قد يبرر تمرده بحجة ان قيادة حزبنا (( غير مشروعة )) لأنها لم تأت عن طريق الانتخاب في المؤتمر ( رغم ان الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية هي التي انتخبت المكتب السياسي والسكرتير ). ولو أخذنا بقاعدة عدم الخضوع لقيادات الاحزاب غير المنتخبة والتمرد عليها بذريعة عدم مشروعيتها لما بقيت هنالك قيادات للأحزاب الشيوعية السرية ولما بقى فيها ولا نظام ولما بقيت تلك الاحزاب نفسها .
ومن جملتها خضوع الأقلية للأكثرية. ومن المعروف لدى الجميع ان صاحب ( المبدأ ) أقل من الأقلية إذ هو فرد واحد ( واحاط به نفر لا يتجاوزون أصابع اليد من اللاحزبيين الموتورين ) ومع ذلك لم يخضع للحزب بكامل هيئاته بل لم يخضع حتى لأكثرية (( هيئته المؤسسة )) ذاتها ! فقبل ايام انسحب ثمانية من أصل ثلاثة عشر شخصا ألفوا (( هيئته المؤسسة )) الاولى ولم ينسحب هو تضامنا وخضوعا! وقبل يومين انسحب ثمانية من أصل اثنى عشر شخصا من (( هيئته المؤسسة )) الثانية وسحبوا الطلب فرفض الخضوع لهم مرة أخرى !
وفضلا عن كل ذلك فان تاريخ العراق لم يشهد زمرة انتهازية تعرضت لسخط الجماهير الشعبية وادانتها اياها وللضربات المتلاحقة السريعة والافلاس الكلي كما تعرضت هذه الزمرة اليمينية مما يدل على تنامي الوعي الطبقي واليقظة السياسية لدى رفاقنا ولدى الجماهير الشعبية ازاء أحابيل الانتهازيين وتهويشاتهم من جهة وعلى صواب السياسة التي يسير عليها حزبنا من جهة أخرى .
اذن فلماذا يصر صاحب (( المبدأ )) على سلوكه الانحرافي ؟ ولمصلحة من يعمل ضد الحزب الشيوعي.
ان الكراسة التي يضعها الرفيق محمد حسين ابو العيس بين يديك ايها القارئ توضح لك الأجوبة .
بهاء الدين نوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حزب شيوعي ... لا يمينية ذيلية
بقلم : محمد حسين ابو العيس
(( حزب شيوعي )) (( نعم . هذا ما نريد اذن ما الذي يريدون ؟ هذا السؤال طرحه الرفيق الخالد حسين محمد الشبيبي في مقدمة كراس الرفيق فهد (( حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية )) الذي فند فيه المفاهيم الغريبة عن الماركسية ــ اللينينية والتي كانت تحملها الكتل الانتهازية القائمة آنذاك ( سنة 1944 ) وبينها (( رابطة الشيوعيين العراقيين )) .
وعلى الرغم من تغير ظروف الحركة الثورية في العراق. وعلى الرغم من الانتصارات التي أحرزها شعبنا وحزبنا خلال هذه المدة الطويلة، فيما زال السؤال المذكور يحتفظ بقوته بالنسبة للحركة الانتهازية الجديدة وبالنسبة لكل حركة مشابهة تظهر في المستقبل فجذور الانتهازية وطبيعتها واحدة من حيث كونها أداة النفوذ المعادي للطبقة العاملة، وان اختلفت من حيث شعاراتها ومفاهيمها والظروف التي تظهر فيها .
وما زالت الحركة الجديدة التي قام بها الانتهازيون موضع تساؤل الناس فليس في العراق من يستطيع تجاهل حزبنا الشيوعي ونضاله المجيد. كما ان الزمرة الانتهازية لم تتخذ اسما آخر لحزبها المفتعل ولم تشأ أن تبعث اسم كتلة قائد الحركة الجديد (( رابطة الشيوعيين )) التي صفيت منذ سنة 1947، وانما عمدت الى انتحال اسم (( الحزب الشيوعي )) وهي تدرك ما تفعل وتقصد ما تريد. وهذا كله يستدعي السؤال بالطبع ماذا يريد هؤلاء الانتهازيون ؟
وأما تساؤلات الناس واشمئزازهم يحاول الانتهازيون ( في جريدتهم ) ان يظهروا عملهم التخريبي بمظهر عمل روتيني اعتيادي ينتهي باندماجهم بالحزب الشيوعي أو اندماج الحزب بكتلتهم الانتهازية ! ( كذا ) تبعا لاجازة أي منهما أو كليهما وليس بناء على الاسس الماركسية ــ اللينينية التي يدعون بأنها (( هدفهم الوحيد )). ولا شك أن محاولاتهم هذه لا تستطيع اخفاء جذور واهداف حركتهم الانتهازية والعوامل المحركة لها من قريب أو بعيد ...... يتبع