النقد العلمي المادي لمنظور الديالكتيك عند ماو تسي تونغ 2


الأماميون الثوريون
2019 / 11 / 6 - 04:36     

كما رأينا في مقدمة الأستاذ سلامة كيلة لكتاب ماو "في التناقض"، في تأكيده حول ما يسمى "التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي"، من وجهة نظر ماو، التي سماها الأستاذ "إنها إضافات مهمة" في الديالكتيك الماركسي، في حين لا يمكن إضافة صفة لقانون "التناقض"، الذي يعتبر أحد القوانين الأساسية في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، إلى جانب القانونيين الأساسيين : النفي ونفي النفي والكم والكيف، التي تحكم الصراع بين الضددين، المتناقضين. هذه القوانين الأساسية في الديالكتيك، التي حددها ماركس، وأزال عنها صفة المثالية، وما يحكم الحركة من تناقض في ظل وحدة الأضداد، عبر الصراع بينها، من أجل نفي بعضهما لبعض، عبر التراكم الكمي، الذي يعطي التراكم الكيفي، مما يحدث القفزة النوعية، والتحول في الصراع من مستوى معين، إلى مستوى عال من الصراع، في ظل تناقض جديد، في مستوى متقدم لأحد الضددين، وهكذا، في ظل "التطور بوصفه نقصانًا وزيادة، بوصفه تكرارًا، والتطور بوصفه وحدة الاضداد"، كما استخلصه لينين.

وفي ما سماه ماو، في هذا الكتاب "نظرتان إلى العالم"، جاء فيه ما يلي :"النظرتان إلى العالم، وعمومية التناقض، وخاصية التناقض، والتناقض الرئيسي والطرف الرئيسي في التناقض، والوحدة والصراع بين طرفي التناقض، ومركز التعادي في التناقض."، يتم فيه التلاعب بالكلمات، في تناقض صارخ، لا يبث بصلة بالديالكتيك الماركسي.

ونرى في هذا الجزء عبارتين متناقضتين : "التناقض الرئيسي" و"الطرف الرئيسي في التناقض"، وانسجاما فيما جاء في مقدمة الأستاذ سلامة كيلة، الذي يتماها مع مضمون هذا الكتاب، يؤكد الكتاب ذلك، خاصة في إضافة صفة "الرئيسي" إلى قانون "التناقض"، وهذا ما يسميه أنصار ماو، أو "الماويون" كما يحلوا لهم تسمية أنفسهم بذلك اللقب، في شكل من التباهي والتماهي، للتميز عن باقي تيارات الحركة الماركسية ـ اللينينية، التي ينعتونها بالتقليدية، نكاية فيهم، باعتبارهم، كما يظنون، أن فكرهم لم يرق إلى مستوى عال، من المعرفة الماركسية والماركسية اللينينية، التي أحدث فيها ماو ثورة علمية، وفعلا هي ثورة، لكن في اتجاه الخلف، في اتجاه قلب الديالكتيك الماركسي، بل والافتراء على لينين، بتحريف أقواله، وتفسيرها تفسيرا فجا، نتناوله فيما بعد.

أما قول ماو ب"التناقض الرئيسي" و"الطرف الرئيسي في التناقض"، الذي يعتبره دربا من تطوير الديالكتيك، إذا كانت هذه الترجمة صحيحة ؟ واللعب بالكلمات وقلبها، في جمل غير منسجمة، والقول بأن ذلك، من صلب عملية الديالكتيك الماركسي، وقد تطرقنا إلى ذلك في نقد مقدمة الأستاذ سلامة كيلة.

وكما جاء في تقديم ماو لهذا الكتاب، الذي أقر فيه أن "التناقض" هو قانون، وليس صفة، أي أنه يحكم جميع الأشياء، في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، في "صراع الأضداد" كما حدد لينين ذلك، ويحكمه التناقض، وهنا أكد ماو يؤكد هذه الخلاصة، إلى هنا، ليس هناك تناقض بين لينين وماو.

ولكن أضاف ماو فيما سماه "الطرف الرئيسي في التناقض"، هنا يحدث تشويش على عملية "التناقض" و"الصراع بين الضددين"، التي أقرها لينين في كتابه "حول الديالكتيك"، ولتركيز هذا التشويش عمل ماو على إضافة "الصراع بين طرفي التناقض" أي "بين الضددين"، ذلك ما ينسجم مع خلاصة لينين في الصراع في ظل "الوحدة"، ولتعميق هذا التشويش أضافة ماو ما سماه "مركز التعادي في التناقض"، هنا يتم التلاعب بالكلمات، وقلبها، من أجل القول بأن هناك اجتهاد في الديالكتيك الماركسي ؟ حسب أصدقائنا "الماويين"، في نزعتهم نحو الكسالكتيك الميتافيزيقي.

لقد حاول هنا، تفسير خلاصات لينين في "حول الديالكتيك"، لكن هذا التفسير يشوبه خلط، بين "التناقض" كقانون أساسي في الديالكتيك الماركسي لدى لينين، و"التناقض" كمجال لعملية الديالكتيك لدى ماو، حيث القول ب"التناقض الرئيسي"، ليس هو القول ب"الطرف الرئيسي في التناقض"، وفي الصراع يوجد دائما طرفان متناقضان، ويوجد قانون "التناقض" الذي يحكم العلاقة بينهما في الصراع في ظل الوحدة، سواء أكانا طرفين أساسيين في الصراع، أو طرفين ثانويين في الصراع، أو الصراع بين الطرف الرئيسي والطرف الثانوي، أو الصراع في مجال رئيسي، أو مجال ثانوي، ويبقى قانون التناقض هو الذي يحكم هذه الحركة المعتنة، في مجال من المجالات، السياسية، الاقتصادية، العسكرية، الثقافية، المعرفية، من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى، ومن البسيط إلى المعقد... وهكذا واليك.

وأضاف ماو كلمة "التعادي"، نسبة إلى العدو، والصراع ضد العدو، أي الصراع بين الضددين، مما عمق التشويش، والقول ب"مركز التعادي"، لا يعدو أن يكون تفسيرا لتمركز الصراع، في نقطة معينة، أو مكان معين، أو حالة معينة، أو زمان معين ...إلخ، وهنا لا وجود لاجتهاد، إنما هو، تنزيل للديالكتيك من المستوى العالي، إلى مستوى تبسيطي، في حركة معينة، أو معركة معينة، أو عمل معينة، أو عملية عسكرية معينة، محددة في مكان معين، أو زمان معين، يرى فيه طرف في الصراع وليس "طرف التناقض"، أهمية مركز الصراع فيه، أو جعل هذه النقطة مركز التناقض، وليس "التناقض" المركزي، أو الرئيسي، إلى هنا لا يوجد شيء يمكن أن نسميه مستوى عال في المعرفية الماركسية، فبالأحرى تطويرها عاليا، إنما يوجد هنا، دخول في التفاصيل المملة، في أشكال عملية الديالكتيك، من البسيط إلى المعقد، من المسائل اليومية لدي الإنسان البسيط، إلى المسائل اليومية لدى المناضل الثوري، المحترف الثوري كما سماه لينين، من التكتيك غلى الاستراتيجي، وتحويل التكتيك إلى الاستراتيجية، لما يكون مركز الصراع هو عملية التكتيك، في العلاقة بين العام والخاص، كما أوضحه لينين، في كتابه "حول الديالكتيك".

أما الهدف، الذي وضع من أجله هذا الكتاب، كما جاء في تقديم الناشر، في قوله :"تصحيح التفكير المتسم بالجمود العقائدي الذي كان رائجا في الحزب بشكل خطير"، فإنه لم يتحقق إلى حد الآن، سواء في مقدمة الأستاذ سلامة كيلة، أو في مقدمة ماو والفقرة الأولى من كتابه، بقدر ما عمق هذا الجمود العقائدي، والانعزالية في الحركة العمالية كما سماه لينين.

إن التشويش، الذي يحمله مضمون هذا الكتاب، قد عمق التناقضات في الحركة الماركسية ـ اللينينية، وزاد في تعميقها، الجمود العقائدي، لدى أصحابنا "الماويين"، الذين يومنون بشكل أعمى، إلى درجة القدسية، بأقوال ماو، التي يضعونها فوق النقد، مما يجعلهم ينحون منحى، التجريبيين، والوضعيين، الذي يبقوا حبيسي المذهب التجريبي، المثالي الذاتي، ويدعون أنهم يطورون الماركسية.

والأخطر في مضمون هذا الكتاب، هو، اختزال خلاصات لينين الديالكتيكية، بل وبطرها، وتفسيرها تفسيرا خاطئا، كما جاء في قول ماو "إن وجهتي النَّظر الأساسيّتين (أو الممكنتين؟ أو المُشاهدتين تاريخياً؟) عن التطوُّر (الارتقاء) هما: التطوُّر كنقصان وازدياد، كتكرار؛ والتطوُّر كوحدة الضدَّين (انقسام الواحد إلى ضدَّين متعارضين تربط بينهما علاقة متبادلة)."، التي سماها أنها قول لينين في "حول الديالكتيك"، وفي هذا القول تشويه لمنظور لينين حول الديالكتيك الماركسي، عبر قول ماو بأن لينين يقصد هنا "النظرة إلى العالم" من وجهة نظر "المادية" و"الميتفيزيقية"، بل وتحريف أقوال لينين، وتأويلها وتنسيبها إليه ؟؟ عبر اختزال خلاصة لينين، التي استخرج منها ماو مقولته السابقة وأنسبها إلى لينين، لتفسير ما سماه "نظرتان إلى العالم"، في تحريف صارخ لخلاصة لينين، التي تحدث فيها حول "حركة العالم"، من وجهة الديالكتيك الماركسي عند لينين، في تطويره للمعرفة الماركسية، إلى مستوى عال، في نقده للمذهب التجريبي، عبر صياغة نظرته إلى حركة العالم، أو نظرة الديالكتيك الماركسي إلى : المادة والحركة، و"المادة باعتبارها مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي" كما سماها لينين.

وخلاصة لينين في "حول الديالكتيك"، في نظره إلى الحركة والمادة، يتناقض تماما مع تأويل ماو لأقواله، بل وتحريف هذا النص الوارد في كتابة "حول الديالكتيك" فيما يلي :"ولأجل إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث حركتها الذاتية، من حيث تطورها العفوي، من حيث واقعها الحي، ينبغي ادراكها من حيث هي وحدة من الاضداد. إن التطور هو "نضال" الاضداد. ان مفهومي (أو المفهومين الممكنين؟ أو المفهومين اللذين يعطيهما التاريخ؟) التطور الأساسيين هما : التطور بوصفه نقصانًا وزيادة، بوصفه تكرارًا، والتطور بوصفه وحدة الاضداد (ازدواج ما هو واحد، الى ضدين ينفي احدهما الآخر، وعلاقات بين الضدين(."، هذا النص، الذي يوضح في لينين التناقض في حركة العالم، يختزله ماو، في كون لينين يقصد به النظرة المادية والنظرية المثالية للعالم، في اختزال تعسفي لأهم خلاصاتها حول الديالكتيك الماركسي، بل وتحريفها عن اتجاهها العلمي المادي.

لا ندري، في النص المنسوب إلى ماو، في كتاب "في التناقض"، هل هو فعلا ماو، هو الذي قام بهذا التحريف ؟ أم الناشر ؟ أم المترجم ؟ سؤال مطروح أمام أصحابنا "الماويين" !

إن دراستنا لهذا الكتاب، تقودنا إلى اكتشاف، مدى التناقض الصارخ، بين خلاصات ماو وخلاصات لينين، والتناقض الصارخ، الذي يوجد في أقوال ماو التبسيطية، التي يسميها أصحابنا "الماويين"، مستوى عال من الديالكتيك الماركسي، يقودنا إلى التوصل، أن ماو لم يقم إلا بتحريف الديالكتيك الماركسي عند لينين، من الديالكتيك المادي إلى الديالكتيك الميتافيزيقي.