هل كان عروة بن الورد شيوعياً؟


عبدالرزاق دحنون
2019 / 10 / 22 - 19:35     

المأزق الذي نحن فيه، أقصد أصحاب الفكر الشيوعي، يتلخص في التناقض بين جوهر الشيوعية الحقيقي، وبين ظاهر الشيوعية، الشكل، المظهر، البرستيج، والذي يتبدى في الأحزاب الشيوعية الرسمية التي تحتكر هذا المدى الفسيح للفكر الشيوعي وتجعل منه عقيدة، شريعة، مطرقة ومنجل، لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها، شعارات، أيقونات، معبودات، مثل شجرة الزقوم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ويغيب الجوهر الحقيقي للفكر الشيوعي، ويصبح المتخيل أكثر حضوراً من الواقعي، وبذلك يتوقف قلب الشيوعية عن الخفقان، بوصفها حركة ثورية، وتتحول إلى شبح مهجن، كسول، لا يُرعب أحداً، ويمسي الشيوعي متجهم الفكر والوجه، سوداوي، كئيب، عابس، لا يضحك، يميل إلى الانطواء، والخوف من الآخر، ورفضه، ويتمترس هذا الشيوعي خلف أوهامه، ويتحجر فكره، ويفقد صفة العطاء، ويطرح الجدل من حياته، ويعيش في عزلة، فينفض الخلق من حوله، فلا يطال لا عنب الشام ولا بلح اليمن. وهذا عملياً حال الأحزاب الشيوعية في أغلب دول العالم. ما العمل؟

قلتُ سابقاً، وأعيد القول: إن التصريح الخطير الذي جاء في مقدمة كتاب المفكر العراقي هادي العلوي البغدادي (مدارات صوفية - تراث الثورة المشاعيَّة في الشرق) والذي يقول فيه: كي يكون الإنسان شيوعياً جيداً يجب أن يكون له قلب شيوعي لا مجرد فكر شيوعي. هو الأساس في الكفاح اليومي للشيوعي، وأعتقد من وجه نظري أن الهادي فهم الشيوعية على حقيقتها وطبقها على نفسه حتى آخر يوم من حياته.

الشيوعيَّة-المشاعيَّة تجنح نحو تحقيق سيرورة إنهاض تحتاجها طبقة عاملة كادحة في الحقل والمصنع وتضم على هامشها فئات واسعة من المعدمين والمهمشين والمساكين وأصحاب السبيل الذين أعيتهم لقمة العيش. هؤلاء وغيرهم في حاجة إلى باب الرفق والرحمة والحنان البشري مع حق الدفاع عن النفس في وجه جبروت الثروة وطاغوت القوة بعدما عانوا مما يزيد عن الكفاية من القهر والذُّل. وهل يمكنني القول مثلاً أن المرء يمكن أن يكون ماركسياً ولا يكون شيوعياً؟ فأنا أعتبر أن عنترة العبسي اقترب من أن يكون شيوعياً-وهو ليس ماركسياً بالتأكيد- لأنه قال:

يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي
أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ

أما رفيقي عروة بن الورد فقد كان شيوعياً حقيقياً بكل تأكيد وهو القائل:

إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنتَ امرؤ عافي إنائِكَ واحدُ
اتهزأ مني أن سمنت وأن ترى
بوجهي شحوبَ الحقِّ، والحقُّ جاهد
أُقسّمُ جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد

الشيوعية أو المشاعية على العموم ليست بدعة من بدع الغرب، وهي بالتأكيد لها شروش ضاربة في الشرق. هؤلاء وغيرهم من أصحاب خط ما تحت الفقر-الصعاليك إن شئت وهي البروليتاريا الرثة في الغرب- يحتاجون إلى شيوعيين من نسيجهم يملكون قلوباً حارَّة شجاعة تستطيع-بلا مِنَّة من أحد- الوقوف معهم في الشدائد والمحن. هل نستنطق الأمل في أن هذه الفئة من الخلق ستُعيد اكتشاف نفسها ليس فقط من خلال معاناتها، بل وأيضاً من خلال هاجس إخراجها من ورطات الذُّل والفقر وتمليكها ما تستغني به عن التعب والكد، مما لا يتم دون إعادة توزيع الثروة الاجتماعية؟

وأختم بنصِّ من كتاب "ديوان الوجد" حيث يقول الهادي الشيوعي:
ليس ذا زمنَ العقلِ بل زمنُ الجوعِ، والعصرُ عصرُ الجنونِ الذي بشرونا بهِ وقالوا هو الكلُّ والعالمُ الأكملُ، وفي زمنِ الجوعِ كلُّ حنينٍ لغيرِ السلاحِ جفاء. فكيفَ يحنُ الترابُ إلى الماءِ والنخيلُ إلى الشمسِ والقمحُ للسنبلِ بل كيفَ أحنُّ إليكَ وما بي حنينٌ إلى رايةٍ يستظلُ الجياعُ بها ليقتحموا شاهقاتِ القصورِ والقلاعَ الحصينةَ بالجندِ والمالِ فيمضي الجنودُ إلى أهلهم وتعودُ القلاعُ إلى أهلِها ويفرحُ بالعدل أهلُ السماء! سلامٌ عليكَ فإنّا احترقنا جميعًا لكي يحكمَ الموتُ أرضَ العماءِ فتنبثقُ المعصراتُ بحارًا من الوجدِ تغنى الألوفُ بها ويمطرُ توقُ الجياعِ، سلامًا وفيضَ مسرة.