حرية الاجتماع في العالم الثالث


إبراهيم أبوحماد المحامي
2019 / 10 / 18 - 03:29     

حيث إن الغاية من العمل الحزبي هي التداول السلمي للسلطة، فإن دول العالم الثالث تثقل كاهل هذه الحرية وتقيدها بالذرائع الأمنية والنظام العام، وبما يعكس أزمة التداول السلمي للسلطة، والتمثيل السياسي عبر صناديق الاقتراع، لذلك تعتبر قوى المجتمع المدني محددة المركز، وبشكل مسبق لتكون في صف المعارضة، والتي ينظر إليها بعدم الشرعية وأنها تهدد النظام العام، إذ إن فكرة النظام العام هي محض سياسية تهدف إلى السهر على حماية الحاكم، لا حماية المبدأ الديمقراطي، لأنها تستعير من النظام الماركسي السيطرة على الحرية السياسية؛ مما يجعل من أنظمة العالم الثالث منقسمة بين النظام الشمولي والسلطوي، وبين حكم الطاغية والمستبد، فالحزب وحق الاجتماع والمسيرة هو تهديد للحاكم وأي تهديد له يعتبر تهديد للدولة والنظام العام على غرار مقولة لويس الرابع عشر “أنا الدولة والدولة أنا”.

وتجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية الديكورية التزينية في دول العالم الثالث ترتكز على نظام الحزب الواحد، أو الدين، أو القبيلة، وذلك بهدف ضمان الاستقرار السياسي كحل بديل للتداول السلمي للسلطة، وبالنتيجة نزع الثقة من الأطر التحديثية المتمثلة بالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني باعتبارها عاجزة عن قيادة المشروع الوطني، وتأسيس عقد اجتماعي جديد قادر على إحداث نقاش عام حول إشكاليات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وإن الرقابة السابقة على تأسيس الحزب وحق الاجتماع والتظاهر، بواسطة وزارة الداخلية يضفي طابعًا أمنيًّا، وقيد على حق الاجتماع وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب، إذ إن هذا الحق مطلق غير مقيد، وبالتالي يجعل من الأحزاب السياسية عبارة عن ملف يدار بشكل أمني وليس حرية وحق يجب تطويره وتحديثه بما يتلاءم مع الغايات والأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمصلحة العامة.

إن الحزب يعالج قضايا الوطن سياسة واقتصادًا والمرأة والشباب ويبني رؤى وإستراتيجيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويتم تنظيمه عبر لجان، ووفق أنظمة داخلية تحدد اسمه ومساره ومقره والعضوية واللجان والغايات وكيفية إدارة اجتماعاته والهيكل التنظيمي للحزب، وقدرته على التشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب، والاندماج والدمج والمساواة والمحاكم التي تفصل بشأنه، لذلك فإن دستور الحزب يعتبر انعكاسًا لمدى ديمقراطية هذا الحزب وتنظيمه، بحيث يحق له المشاركة بالجامعات والمؤسسات دون حظر أو منع، إذ إن سياسات المنع تتسم بعدم المشروعية.

وعلاوة على ذلك تعمل هذه الأحزاب على تكوين القيادات المهنية والإدارية، وتأهيل محاورها لتولي المناصب القيادية العليا وذلك عبر برامج تدريبية لهم للاشتراك في المسابقات الوطنية لإشغال المناصب الوظيفية، ولذلك يصبح الحزب عبارة عن نظام قادر على توزيع المنافع العامة على أفراد المجتمع.

وكذلك فإن العالم يتجه إلى تدويل العمل الحزبي بحيث يصبح على أساس معايير مقبولة دوليًّا.

وبالنهاية فإن الاعتماد على الأطر التقليدية من العشيرة والطائفة والدين سيعمل على تراكم فشل التنمية، مما يوجب تحديث هذه الأطر، مع مراعاة الأطر التقليدية بالمجتمع، وعدم وضع قيود على الأحزاب، لذرائع أمنية وإلغاء الرقابة المسبقة وتطوير الأحزاب لأنظمتها بما يتلاءم مع المعايير الدولية.