الثورة بالغرب الإفريقي من خلال تجربة الشهيد إبراهيم صيكا - 2


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 28 - 09:56     

قبل وفاة الديكتاتور فرانكو وهو على فراش الموت عقدت الإمبرياليتين الأمريكية والفرنسية صفقة مع النظام الملكي الدموي بالمغرب حول تصفية قضية الصحراء الغربية، تتويجا لدوره الكبير في القضاء على التمرد بالغرب الإفريقي من حرب الرمال إلى حرب الزاييرـ الكونكو، وامتداداته عبر صفقات تصفية القضية الفلسطينية من حرب أكتوبر في 73 إلى مؤامرة كامب ديفيد في 77، الصحراء الغربية تعتبرها الأمم المتحدة من المستعمرات المستعصية بغرب إفريقيا بعد انتصارات حركة التحرر الوطنية بإفريقيا بدعم من مصر، ليبيا والجزائر، في الوقت الذي كان فيه الشباب الصحراوي الثوري يتابع هذه الأحداث مع الجهات العليا بالجزائر وليبيا، الدولتان الداعمتان للتمرد على النظام الملكي الدموي بالمغرب : الانقلابان العسكريان في 71 و 72 والتمرد بجبال الأطلس في 73، وما تلا ذلك من محاكمات وإعدامات وقمع الفلاحين، فقرر حمل السلاح والدخول في حرب وطنية ثورية ضد النظام الديكتاتوري بإسبانيا من أجل الاستقلال في 1974.

الشباب الصحراوي المتمرد ينظم عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسباني، هذا الأخير تضع جمرة الصحراء الوهاجة في أيدي النظام الملكي الدموي بالمغرب، أرض الصحراء الغربية في وضعية الاستعمار، جبهة البوليزاريو تعلن نفسها حركة تحررية، تحظى بالدعم الجزائري الليبي، المغرب وموريتانيا تقتسمان الجمرة الوهاجة : الساقية الحمراء ووادي الذهب.

في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة في مصار الثورة في الغرب الإفريقي تم توهيم الشعب المغربي باسترجاع "صحراء"ه بعد تنظيم "المسيرة الخضراء" في نونبر نونبر 1975، إنه أفيون الشعوب، شكل من أشكال تنويم الشعب المغربي، بمشاركة الأحزاب الاصلاحية في هذه المؤامرة في الوقت الذي يتم فيه استعمال قضية الصحراء الغربية فزاعة لقمع كل من يطالب بحقة في العيش الكريم، الخروج من حالة الاستثناء المباشر والدخول فيه بشكل غير مباشر باسم الإجماع الوطني على الوحدة الترابية في ظل دولة بوليسية، يتم قمع الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وفتح جبهة دموية أقوى : حرب الحكومات على الشعوب بالصحراء الغربية ضد الثورة بالغرب الإفريقي.

كان الطلبة الصحراويون في بداية السبعينات من القرن 20 سباقون إلى الوعي بأهمية قضية الصحراء الغربية، ناقشوها في حلقياتهم الخاصة مع الطلبة الماركسيين اللينينيين المغاربة في السرية، وبعد طردهم من طرف وزير الداخلية اتجهوا إلى خارج المغرب بالجزائر وليبيا، كان النظام الملكي الدموي بالمغرب آنذاك منشغل بالقمع الأسود، في ظل سيادة الاعتقال والاختطاف، مداهمة بيوت السياسيين والطلبة الماركسيين اللينينين ليلا، اعتقالهم واقتيادهم إلى مخافر التعذيب، غادر الطلبة الصحراويون الرباط، استقروا بالجزائر، وجدوا هناك آذانا صاغية، وضعوا مشروع حركتهم، ضد الاستعمار الإسباني، أشعروا السلاح في وجه المحتل، كانت ليبيا أرضا خصبة لدعم حركات التحرر الوطنية بإفريقيا، استفادوا من دعمها المالي والعسكري.

ما زال النظام الدموي بالمغرب على حاله : الانشغال بسفك دماء المناضلين، بعد تفكيك الجناح العسكري الاتحادي (مجموعة شيخ العرب)، سفك دماء الشبيبة المنتفضة في 23 مارس 1965 (اغتيال المهدي بن بركة)، اعتقالات وإعدامات الضباط الشباب المتمردين في انقلابات 71 و 72، اعتقالات وإعدامات المتمردين بمنظمة 3 مارس (عمر دهكون ومجموعته)، مرحلة جديدة تبدأ : تصفية قيادات المنظمات الماركسية اللينيينة : إلى الأمام، 23 مارس ولنخدم الشعب، سفك دماء شهداء الحركة الماركسية اللينينية (زروال، سعيد، رحال) الشعب المغربي أصبح مكبلا، الوطن سجن كبير.

الحرب القذرة تندلع بالصحراء الغربية، الاستعمار الإسباني يسل نفسه كشعرة من عجين ويشرع في بناء الدولة الديمقراطية البرجوازية في ظل ملكية جديدة بدعم من الامبريالية الأمريكية والأوروبية، ينوب عنها النظام الملكي الدموي في سفك دماء الإخوة الأعداء بمشاركة موريتانيا التي تم إقحامها في صراع خارج عن طاقتها كدولة فقيرة ومتخلفة في أرض صحراوية شاسعة، تسل نفسها كشعرة من عجين من هذا الصراع الدموي، فهمت مبكرا أن هذه اللعبة السياسية الاستعمارية لعبة خاسرة، ينوب عنها النظام الملكي الدموي في الحرب، حرب الحكومات على الشعوب تمتد بالغرب الإفريقي في الصحراء الغربية، تشتد أوزارها، تكتوي بها العائلات الفقيرة المغربية.

ولد الشهيد إبراهيم صيكا في ظروف تتسم بالقمع الشرس في أقصى تجلياته في فترة ثانية من قمع الانتفاضات الشبيبية المغربية 1984، لم يعرف وهو طفل، أن سجون النظام الملكي الدموي مليئة، بالشيوعيين، بالماركسيين، بالماركسيين اللينينيين، باليساريين، بالطلبة والتلاميذ المغاربة والصحراويين، بضباط الجيش المتمردين، مروا بدرب مولاي الشريف، بالكاب 1، 2، بأكدز، بقلعة مكونة، في كل مخافر الشرطة السياسية السرية والعلنية، ثمن باهض من أجل الحرية والديمقراطية يؤديه الشعب المغربي.

كل الشعب المغربي في خندق واحد، الوطن سجن كبير، هكذا هو النظام الملكي الدموي في سنوات القمع الأسود، سنوات 1960ـ 1970ـ 1980، ثلاثة عقود من التحكم القمعي في مصير شعب.

في الريف، في الجنوب، في الجنوب الشرقي، في مراكش الحمراء، في الصحراء الغربية ، في كل مكان في هذا الوطن، انتفاضات شعب يتم مواجهتها بالرصاص، سنة 1984 سنة انتفاضات عارمة، للطلبة، للتلاميذ، للشباب الثائر، في هذه الشروط ولد الشهيد إبراهيم ضيكا.

لم يعرف الشهيد وهو طفل أن التلاميذ الصحراويين، آباؤهم انخرطوا في صفوف الجيش الملكي الدموي في حرب الصحراء الغربية من أجل وقف الثورة بالغرب الإفريقي، تم الزج بهم في السجون، فقط بسبب تبادل الرسائل، بين طانطان ورزازات، بين زاكورة وطانطان، بثانوية ورزازات تم اعتقال تلاميذ صحراويين في 1976، تم الزج بهم بسجن أكدز، في شروط لاإنسانية، تم نقلهم إلى سجن قلعة، سجون حافلة بشباب صحراوي، شباب يهوى الحرية، آباءهم يموتون في حرب قذرة وهم يسكنون مع عائلاتهم في أكواخ من طين بمدينة ورزازات، انتشر حدث الاعتقال بين التلاميذ كالنار في الهشيم، انتشر الرعب في صفوفهم، أشباحهم تحوم بمطعم داخلية الثانوية، إذاعة ليبيا والجبهة تنقل الخبر.

بلغت حرب الصحراء الغربية أشدها، تصل الاشتباكات قرية تاكونيت، قرية طاطا، تم تهدد سجن أكدز، يتم تنقيل التلاميذ الصحراويين المعتقلين من أكدز إلى قلعة مكونة .

كانت معارك الواركزيز أشد بطشا، صوت المراج الفرنسية لم ينقطع في سماء الجنوب والجنوب الشرقي، يختلط بصوت الF5 الأمريكية، سرعتهما تسبق سرعة الصوت، عند سماع أصواتها، نخرج لرؤيتها، فقط صوتها هو الذي يؤكد مرورها هناك في السماء، لا يمكن مشاهدتها، تفرغ حمولتها على رؤوس المشتبكين، الإخوة الأعداء.

الجنود الذي نجوا من نيران الحرب القذرة، الذين لم يستطيعوا تحمل قوة ضغط العنف، أصوات الطائرات، أصوات قنابل النابالم، جن جنونهم، تم تسريحهم، بدون معاش، أو بمعاش زهيد، انطلقوا إلى بلداتهم مجنونين، يتصكعون بأزقتها في هولسة تذكرهم بأطوار الحرب القدرة بالصحراء الغربية.

كم جندي رجع إلى بلدته، بجبال الأطلس المتوسط والصغير، رجع فاقدا وعيه، شبح نيران النابلم يطارده، يهرول في أزقة بلدته الفقيرة، يتخيل الاشتباكات، شبح الحرب القذرة بالصحراء الغربية، الجنود جلهم شباب، انخرطوا في صفوف الجيش، دفعهم الفقر، علاهم ينقذون فقراء عائلاتهم الفقيرة، لم يعلموا أن الحرب القذرة بالصحراء الغربية ستنكس كل آمالهم، تقذف بهم نحو المجهول، من نجا منها، سقط في هوس الجنون.

في هذه الشروط ولد الشهيد، ابن مقاتل محترف، من حملة السلاح الباعمرانيين، شارك في هذه الحرب القدرة، كان صلبا، مقاتل تمرس بجبال أيت باعمران، ضد العدو المستعمر الإسباني، تم توشيحه بقلادة المقاومة وجيش التحرير، شارك في "المسيرة الخضراء"، معتقدا أنه في طريق تحرير الصحراء من المستعمر الإسباني، لم يخطر بباله أن حربا قذرة تنتظره، باعمراني يهوى حمل السلاح، انخرط في صفوف الجيش، في حرب الحكومات ضد الشعوب، حرب بين الحكومات ضد الشعوب، تمولها الحكومات ضد الشعوب، من أمريكا إلى الحجاز ومن شمال إفريقيا إلى روسيا، حرب ضد ـ ثورية، ضد الثورة بالغرب الإفريقي، من الصحراء الغربية إلى الزاييرـ الكونكو.

النظام الملكي الدموي في غفلة عن حركة الشباب الصحراوي المتمرد، كل همه هو إسكات الأصوات الحرة، خدمة للمخابرات الإمبريالية والفرنسية، كانت مشاركته في "حرب أكتوبر" 1973 صورية، من أجل ذر الرماد في عيون الشعب المغربي، توهم العرب أنهم انتصروا، حكامهم في خدمة المشروع الصهيوني بأرض فلسطين، بدءا بمشروع كامب ديفيد : مشروع احتلال كامل أراضي فلسطين بعد القضاء على المقاومة المسلحة، الاعتراف بهذا الاحتلال، عزل مصر عن القضية الفلسطينية، عزلها عن سوريا، إحراق أرض لبنان الحرة بنيران الحرب الأهلية، تدمير العراق وإيران في حرب ضد ـ ثورية : حرب الحكومات على الشعوب.