حول الحرب من منظور الماركسية اللينينية - الأطروحة الأولى - 2


امال الحسين
2019 / 9 / 27 - 11:11     

يأتي تناول لينين لمسألة الحرب ضمن نضاله الأيديولوجي ضد الانتهازية التي تسعى إلى تجريم كل الحروب بالخلط بين الحروب الإمبريالية باعتبارها وسيلة أساسية لنشر الاستعمار، عبر اضطهاد القوى الرأسمالية الكبرى لشعوب البلدات التي مازالت لم تتخلص من رواسب العصور القديمة، وحروب هذه الشعوب ضد الاستعمار هي كذلك حروب وطنية ثورية للتخلص من الأنظمة الردعية التي تفرض عليها القوانين القديمة/الإقطاعية التي تحولها إلى عبيد في خدمة الاستعمار، واستنتج لينين أن الحروب والاستعمار سمتان أساسيتان تلازمان الإمبريالية في ظل تطور الرأسمالية اللامتكافئ.

وناضل لينين ضد الحرب الإمبريالية الأولى من أجل إخراج روسيا من هذه الحرب الاستعمارية وتحرير الشعوب التي استعمرتها روسيا القيصرية عبر قيادة الثورة الاشتراكية في بلد واحد، من أجل بناء نقيض يغير موازين القوى لصالح الشعوب المضطهدة قادر على إيقاف دمار الحروب الإمبريالية وزحف الاستعمار بالبلدان المضطهدة، ولم يسلم الوطن الاشتراكي من هجوم تحالف الإمبريالية والانتهازية ضد البناء الاشتراكي في بلد واحد فنشبت الحرب الأهلية بروسيا التي علمت لينين الكثير حول الحرب والحرب الدفاع من أجل الدفاع عن الوطن الاشتراكي.

وأكد لينين أن كل من يعرف بالصراع الطبقي لا يمكنه "أن يقبل الحروب الأهلية" إذ لا يمكن هدر القوى الثورية في حرب داخلية في "مجتمع منقسم إلى طبقات" وهذه الحروب استمرار وامتداد للتدهور الطبيعي في المجتمعات الطبقية، إنها من مخلفات الحروب الإمبريالية واستمرارية لها وهي تغذيها من أجل القضاء على مقاومة الشعوب المضطهدة لمنع تطورها نحو التقدم والرفاهية، وهي كذلك "لا يمكن تفاديها" عندما تحتد شروط الصراعات الطبقية وتسعي الشعوب إلى التحرر من الأنظمة الرجعية التي تقيد بلدانها وتضع خيراتها في يد الاستعمار، ذلك ما أكده تاريخ "الحروب الكبرى"، ومن ينسى وجود الحروب الأهلية إنما يكون غارقا في "الانتهازية المتطرفة ونبد الحروب الاجتماعية"، فالحرب الأهلية واردة في كل الثورات الاجتماعية التي تحولها الإمبريالية في غالب الأحيان إلى أداة لتدمير القوى الثورية.

واستنتج لينين أن "انتصار الاشتراكية في بلد واحد لا يستبعد، فورا، كل الحروب عامة" بما فيها الحرب الامبريالية على الوطن الاشتراكي التي تستهدف تدمير القوى الاشتراكية الناشئة، ونشوب الحروب يفرضها "تطور الرأسمالية اللامتكافئ" الذي يسود في جميع الدول وبداخل دولة واحدة بعينها، كما أن نظام "إنتاج السوق"، الذي يفرض التجارة والتنافس التجاري بين الدول الرأسمالية من أجل السيطرة على السوق التجارية العالمية، يفرض الحروب، لهذا فنظام إنتاج السوق الذي يميز الرأسمالية إنما هو كذلك أداة للسيطرة على الشعوب المضطهدة، ولا يمكن أن يسود هذا النظام دون اندلاع الحروب.

وهكذا فإن انتصار الاشتراكية في بلد واحد ممكن لكون انتصارها في جميع البلدان لا يمكن أن يحدث دفعة واحدة، وقاد لينين الثورة الاشتراكية في بلد واحد من أجل إيقاف الحروب الإمبريالية على الشعوب المضطهدة، وتعلم الكثير حول البناء الاشتراكي في بلد واحد عبر قيادته للحرب الأهلية ضد الانتهازية المدعومة من طرف الإمبريالية، وانتصر فيها عبر التحالف الحربي بين العمال والفلاحين، ومن أجل استمرار البناء الاشتراكي قاد التحالف الاقتصادي بين العمال والفلاحين من أجل القضاء على نظام إنتاج السوق، الذي يتطلب سيادة الشركات الخاصة والبنوك، عبر بناء نظام "التبادل السلعي" بين العمال والفلاحين عبر التعاون بين المدن والبوادي من أجل القضاء على المجاعة.

لهذا تنتصر الاشتراكية في بلد واحد أو في مجموعة من البلدان بينما تبقى البلدان الأخرى وقتا طويلا "بلدانا برجوازية أو ما قبل ـ برجوازية" مما يفرض اندلاع الحروب الإمبريالية تقودها البرجوازية لسحق البروليتاريا المسيطرة على السلطة في هذا البلد، مما يحتم وجود الحروب التي تقودها البروليتاريا وهي شرعية و"ستكون حربا من أجل الاشتراكية" وهي حروب دفاعية كما سماها إنجلس في رسالة له إلى كاوتسكي في 12 شتنبر 1882، من منطلق "دفاع البروليتاريا ضد برجوازية البلدان الأخرى" وهكذا قاد لينين الحرب الدفاعية ضد البرجوازية دفاعا عن الوطن الاشتراكي.

ولا يمكن القضاء نهائيا على الحروب إلا لما تتحقق الاشتراكية في جميع البلدان بعد انتصار البروليتاريا على البرجوازية في "العالم أجمع" آنذاك "تكون الحرب مستحيلة"، مما يفرض الإقرار بضرورة "كسر مقاومة البرجوازية" من طرف البروليتاريا، هذه العملية التي لا يمكن السكوت عنها ب"حجب ما هو مهم جدا"، وهي عملية صعبة جدا، مما يتطلب جمع القوى الثورية بالتحالف الحربي بين العمال والفلاحين "أثناء المرور إلى الاشتراكية"، وهناك من يحلم من "الكهنة الاشتراكيين" والانتهازيين الذين يظلون وقتا طويلا يحلون ب"الاشتراكية السلمية"، وهم متميزون عن الاشتراكيين ـ الديمقراطيين الثوريين، بكونهم يرفضون أن "يحلموا بالنضال الطبقي الصلب والحروب الطبقية الضرورية" من أجل المستقبل الاشتراكي.