الحزب والمنظمات الجماهيرية


الحزب الشيوعي اللبناني
2006 / 5 / 17 - 03:54     

مـحـاضـرات تثقيفية
المحاضرة الثانية
الحـزب والمنظمـات الجماهيريـة

تكشف النظرية الماركسية أن المجتمع الرأسمالي هو مجتمع مولّد دائم للأزمات، وهو كمجتمع طبقي يستمد استمراريته من الأزمات التي يولدها في تشديد الاستثمار الطبقي واضطهاد أمة لأمة ونهب خيرات الشعوب ونتاج عملها. وتتداخل ازمات المجتمع الرأسمالي وتتشابك مراحلها مع نمو الرأسمال والتوسع الرأسمالي، وتعمق الفرز الطبقي وتفــاقـم الصراعات الاجتماعية، الى جانب الصراع بين التكتلات الاحتكارية الرأسمالية على النطاق العالمي، وصولا" الى حل التناقضات الملازمة للرأسمالية عن طريق تدمير القوى المنتجة وتدمير مجتمعات بكاملها، لبدء دورات جديدة من النمو الرأسمالي تعيد انتاج الأزمات، على مستوى أكثر تدميرا" ووحشية.



يحاول المدافعون عن الرأسمالية في السنوات الأخيرة إظهار أن وحدانية سيطرتها تحل التناقضات الاجتماعية باعتبار ان هذه الوحدانية هي "نهاية التاريخ". بينما تكتشف الشعوب بسرعة ان هذه "النهاية" في ظل "العولمة" و"النظام العالمي الجديد" بقيادة "القطب الاميركي الأوحد"، هو في حقيقته انفلات للرأسمالية المتوحشة من كافة الضوابط التي استطاعت الطبقة العاملة وقوى السلام والديمقراطية والتحرر الوطني في العالم، وبكثير من التضحيات، أن تلجم بها وحشية الامبريالية و"الطغمة المالية" العالمية ونزعاتها الفاشية.



ويتأكد بالتجربة ان الوعي المقاوم والتغييري لدى الجماهير ليس معطى سلفا"، وهو يحتاج الى تجدد دائم في المواجهة مع التضليل الذي تمارسه الأجهزة الايديولوجية الخاضعة للطغمة المالية وللاحتكارات المتحكمة بمنجزات العلم والتكنولوجيا ووسائل التوجيه والتربية والاعلام والابداع الثقافي. ان بذور الوعي السياسي الديمقراطي الثوري موجودة في ثقافة الشعوب والجماهير الشعبية، كتراث باق من تجارب وخبرات ثورية سابقة تتجلى كتعلق بقيم المساواة والعدالة الاجتماعية والاخاء والحرية… لكن هذه البذور تظل كنوع من الحنين الى فردوس مفقود، في موقف انتظاري سلبي تغذيه ايديولوجية الطغمة المالية، الى أن تتفتح مع التجارب الجديدة للنضال الديمقراطي وبالتفاعل مع الطلائع التي تحمل الوعي الثوري الحديث المستند الى النظرية العلمية للصراع الطبقي والتطور الاجتماعي، وتعبيراتها الأكثر تقدما" : الشيوعية العلمية.



من هنا تنبع أهمية الشعار الأساسي الذي رفعه برنامج الحزب الشيوعي اللبناني منذ مؤتمره الثاني، الشعار اللينيني : "النضال الديمقراطي العام" (راجع : "ما العمل"؟)، كنضال حزب الطبقة العاملة الى جانب أوسع الفئات الاجتماعية المتضررة من سيطرة الطغمة المالية، في النضال الديمقراطي، دفاعا" عن حقوق كافة هذه الفئات من خلال منظماتها الجماهيرية المستقلة.



تعريف المنظمات الجماهيرية ودورها :

* المنظمات الجماهيرية هي أشكال من التنظيم الجماهير الواسع، من أجل تحقيق مطالب أو أهداف اجتماعية (منظمات الشباب، حقوق المرأة، حقوق الطفل…)، أو مهنية (نقابات)، أو فئوية محددة (معلمين، فلاحين، نوادي وروابط وجمعيات بيئية، الخ…)، أو لجان شعبية ذات أهداف مؤقتة تنتهي بتحقيقها وتلبية مطالبها مثل لجان دعم المقاومة الوطنية، الخ…



* تختلف أشكال تنظيم هذه المنظمات حسب القطاع أو الفئة الاجتماعية وطبيعة مهامها وأهدافها. وهي يمكن أن تتخذ صفة محلية أو تشمل الصعيد الوطني، بل يمكن أن تكون امتدادا" لحركات عالمية تجمعها أهداف مشتركة.



* ان الأساس الموضوعي لقيام المنظمات الجماهيرية في المجتمع الرأسمالي، وطنيا" وعلى النطاق العالمي، هو ضرورة توحيد الجماهير في مواجهة سيطرة رأس المال على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، أقتصاديا" واجتماعيا" وثقافيا"، وصولا" الى اشراك أوسع الجماهير في التغيير الديمقراطي. ويختلف دور المنظمات الجماهيرية عن دور الأحزاب السياسية بالبرنامج. بينما يقدم الحزب برنامجا" للتغيير الشامل على الصعيد الوطني يتحقق من خلال العمل للوصول الى الحكم والسلطة السياسية، يقتصر برنامج المنظمة الجماهيرية على مطالب فئوية تعمل لتحقيقها بالتحرك الديمقراطي والضغط على السلطة السياسية القائمة، لتعبر بمرحلة متقدمة عن شكل من أشكال السلطة البديلة، التي تتبنى مطالب القوى الخاضعة للاستغلال وتعبر عن مصالحها الطبقية.وبذلك تتحقق العلاقة ما بينها وبين حزب الطبقة العاملة من حيث حملها وتطويرها، في الوقت عينه، لبرنامجه.



* ان التقاء تحركات مختلف المنظمات الجماهيرية في النضال الديمقراطي العام هو أحد أهداف الأحزاب السياسية الديمقراطية، من خلال انخراط الحزبيين في المنظمات الجماهيرية، والتفاني في العمل على تنفيذ أهدافها مع الحرص على استقلالية المنظمة الجماهيرية والتزام العمل بداخلها حسب القواعد الديمقراطية، والامتناع بالتالي عن ممارسة الوصاية عليها. ان الحزبي العامل في المنظمة الديمقراطية الجماهيرية يستطيع أن يمارس دورا" قياديا" في هذه المنظمة من خلال تحوله الى قدوة في التزام الديمقراطية واكتساب الثقة في التفاني في العمل. آخذا" بعين الاعتبار ان المنظمة الجماهيرية يمكن أن تضم أكثرية غير حزبية، كما يمكن أن تضم أعضاء ينتمون الى أحزاب مختلفة تتقاطع اهدافها مع أهداف المنظمات الجماهيرية. وبالتالي يكون من الضروري العمل على صيانة وحدة المنظمة الجماهيرية من خلال الالتزام باستقلاليتها ونظامها الداخلي والعمل الديمقراطي فيها.



* يسعى ممثلو الطغمة المالية وسلطتها الى السيطرة على تحرك المنظمات الجماهيرية تحت شعار "عدم التدخل بالسياسة"، وذلك لمحاولة شل تحركها أو تحويلها الى أدوات طيعة بيد السلطة القائمة بما يتعارض مع مصالح وحاجات الفئات الاجتماعية التي يفترض بالمنظمات الجماهيرية أن تمثلها. وتحاول هذه الأوساط استبعاد اعضاء الأحزاب الديمقراطية الثورية من العمل في المنظمات الجماهيرية، باللجوء الى القمع وصولا" حتى الى تصفية المنظمات الجماهيرية نفسها.



ويتجلى التأثير الايديولوجي لمثل هذه المحاولات في محاولة ايديولوجيي الطغمة المالية نفي الصراع الطبقي في المجتمع، وحتى نفي وجود الطبقات، بالكلام على "المجتمع المدني" الذي ليس له أي هوية طبقية. لكن سرعان ما يتبين ان "المجتمع المدني،‎" في النظام الرأسمالي العالمي هو المجتمع الرأسمالي نفسه، لأن الأساس المادي للمجتمع، أي علاقات الانتاج، هي علاقات انتاج رأسمالية تقوم على استثمار الأنسان للأنسان واستغلال واضطهاد الشعوب لصالح الرأسمال.



ان استبدال شعار "النضال الديمقراطي العام" بشعار الدفاع عن "المجتمع المدني" هو محاولة رجعية، من جانب ممثلي الطغمة المالية، لاستبعاد قوى التغيير الديمقراطي الحقيقي، وممثليه الأكثر كفاحية، عن نشاط المنظمات الجماهيرية،لابقاء هذه المنظمات من جهة، والاحزاب السياسية من جهة أخرى، تحت السقف الايديولوجي والسياسي الذي تحدده قوى الرأسمالية. بل وتعمل هذه القوى على إثارة التعارض بين المنظمات الجماهيرية والأحزاب بهدف تصفية الحياة السياسية الديمقراطية بشكل عام. ومن الأهمية بالتالي، أن يعمل الحزبيون الديمقراطيون على افشال هذه التوجهات بتأكيد الطبيعة الطبقية لـ "المجتمع المدني" الذي تزايد الحديث عنه مع أفكار "العولمة" و"النظام العالمي الجديد"، إلى جانب تأكيد الطابع الديمقراطي للدفاع عن "المجتمع المدني" في مواجهة تسلط السياسات غير "المدنية"، الطائفية مثلاً.



* ان مواجهة هذه السياسات تتطلب أن يؤخذ بعين الأعتبار التفاوت في مستويات الوعي الاجتماعي والسياسي ومستوى تطور الثقافة لدى مختلف الفئات الاجتماعية المستغلة، والعمل معها في منظماتها الجماهيرية لحل القضايا المباشرة والمرحلية للفئات الشعبية المختلفة، من خلال برنامج مطلبي محدد يسهم في تحسين ظروف حياة هذه الفئات ويخفف أعباء خضوعها للاستغلال الطبقي اليومي والمستمر، كما يسهم، من خلال تراكم الخبرات في النضال الملموس، برفع مستوى وعيها وكفاحيتها وضرورة ارتباطها بالنضال الديمقراطي العام.



* ويكتسب هذا التوجه الديمقراطي في مجتمعات كلبنان، (حيث تسود الانقسامات الطائفية والعشائرية… التي يعمل النظام على تعميقها وتغذيتها) في التقليل من الأثر السلبي للانقسامات المفتعلة أو ذات الجذور الرجعية. وهنا يكتسب النضال في صفوف المنظمات الجماهيرية أهمية خاصة بالنسبة للطبقات الشعبية والفئات المهنية الخاضعة للاستثمار، سواء في المنظمات النقابية أو المنظمات الجماهيرية الاخرى التي تضم القوى العاملة من النساء والشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة وسط انتشار البطالة، من أجل توحيد هذه الفئات والارتقاء بها الى الاسهام في الصراع الطبقي على مستوى النضال الديمقراطي العام. فالطبيعة المطلبية الفئوية للمنظمة الجماهيرية لا تلغي دورها في النضال السياسي الوطني والديمقراطي. ولهذا تسعى قوى الرجعية عامة الى شل نشاط وتأثير المنظمات الجماهيرية.





أساليب عمل المنظمات الجماهيرية :

* اساليب التوجه والتعبئة والتحرك في نشاط المنظمات الجماهيرية، تتعلق بطبيعة المهام المطروحة، ومستوى القبول والاستعداد النضالي لدى الجمهور الموجهة اليه، والظرف السياسي العام.

* اساليب التعبئة الجماهيرية على اختلافها تهدف الى اشراك اكبر عدد ممكن من الطبقة أو الفئة الموجهة اليها، وبالتالي فهي تتميز بالتنوع والغنى والمرونة والانفتاح والعلنية والمنحى السلمي بشكل عام، وتفسح مجالا" كبيرا" للمبادرات المختلفة.

* ان طبيعة برنامج المنظمة الجماهيرية، وطبيعة الوسط الجماهيري الذي تتوجه اليه، وطبيعة أساليب النضال المعتمدة، تتطلب أطارا" تنظيميا" مرنا" وديمقراطيا"، ينسجم مع نوعية اعضاء المنظمة الجماهيرية، الذين يمكن أن يكونوا متعددي الميول السياسية والانتماءات الايديولوجية.

* الديمقراطية الواسعة داخل المنظمة الجماهيرية، لا تلغي مبدأ المركزية في القيادة والتوجه.

* انطلاقا" من طبيعة المنظمة الجماهيرية، وطبيعة مهامها، تبقى درجة المركزية والانضباط داخلها ادنى مما هو مفترض مبدئيا" في المنظمات السياسية وخاصة التنظيمات الشيوعية.



علاقة الحزب بالمنظمات الجماهيرية :

* يسعى الشيوعيون، من خلال المشاركة في المنظمات الجماهيرية أو من خلال قيادتها، الى أن تأخذ هذه المنظمات نهجا" سليما" مقبولا" من الجماهير، مستندا" الى رؤية موجبات العملية الثورية الاساسية الجارية، آخذين بعين الأعتبار مستوى هذه المنظمات والجماهير التي تتوجه اليها.

* من موقع المشاركة في نشاط المنظمات الجماهيرية، يسعى الشيوعيون لتقوية نفوذهم من خلال التفاني في النضال ومن خلال تقديم البرامج والمبادرات التي تنسجم مع مصالح الفئات الاجتماعية التي تتوجه اليها هذه المنظمات.

* يسعى الشيوعيون للاستفادة من دورهم داخل المنظمات الجماهيرية لتقوية حزبهم وضم العناصر الطليعية من هذه المنظمات، ولكن مع الحرص الدائم على أن يتم ذلك في خارج الاطر التنظيمية الخاصة بها.

* في الظروف الجديدة والاحتلال والمقاومة، تصبح المهمة الرئيسية للشيوعيين داخل المنظمات الجماهيرية النضال لتكييف عملها وفق متطلبات هذه الظروف والمهام التي تطرحها وتطوير برامجها بما يتوافق مع المهمات المركزية ومع تغير أشكال النضال ومع تطور مستوى العملية الثورية والوعي السياسي عامة.

* الهدف العملي اليومي في اطار هذا التوجه يبقى السعي الدائم لزيادة جماهيرية هذه المنظمات وسلوك سياسة تحالفات مرنة مع التيارات والاتجاهات المختلفة بين الجماهير.