الإستقالات وبناء الحركة الشعبية ومسألة السلام


سعد محمد عبدالله
2019 / 9 / 24 - 21:07     


أولا. نعترف بأن الحركة الشعبية قد شهدت في الفترة الماضية مشكلات سياسية وتنظيمية مختلفة لن نخوض بدقة في جملة تفاصيلها لكنها في نهاية الأمر أدت لإستقالات عدد من رفاقنا الذين إختاروا الخروج من صف التنظيم متعللين باسباب تنظيمية مختلفة الشكل ومتشابهة المضمون، فاشكاليات التنظيم كان الأصلح حسمها داخليا دون نقلها للإعلام لتكون محل تراشق لفظي بين الرفاق ومصدر شماتة لمن يكنون العداء سرا وجهرا للحركة الشعبية، لكن حسنا لا بد من تعامل واقعي وموضوعي مع خيارات الرفاق وهم يحزمون أمتعتهم اليوم ويغادرون، والمنطق هو توضيح حقيقة أن بعض المغادريين مؤخرا قد بنوا أسباب إستقالتهم بعدم إستجابة قيادة الحركة الشعبية لمطالب تنظيمات مطلبية يقودنها هم، وقد رد عليهم السياسي الإنتهازي د. محمد جلال هاشم ووصفهم بالإنتهازيين في تعليق منشور علي عدد من وسائل الإعلام، فلا منطق يسند ويبرر أن تطالب الحركة الشعبية بتبني أجندة تنظيم سياسي او مطلبي وما شابه ذلك لمجرد انك تقود التنظيم المعني وإن كان حليف لأن ذلك لا يتم إلا بنقاشات وقرارات من أعضاء المجلس القيادي، فان سلمنا جدلا أن ذاك الجسم غض النظر عن وزنه وتصنيفه وتأثيره علي الأرض (قوي - ضعيف) كما حاول أن يحلل جلال هاشم فهو في الأخر يدخل في قوائم التنظيمات المتحالفة مع الحركة الشعبية وبالتالي هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يفرض الحلفاء أجندتهم علي بعضهم البعض، وأيضا لا يمكن التموقع القيادي داخل الحركة الشعبية حسب حجم تموضع الأعضاء قبليا ومناطقيا ولونيا وهلمجرات سياسات الإستقواء الجهوي وفرض الرأي، فرؤية السودان الجديد التي طرحها الرفيق القائد جون قرنق ترمي لبناء تنظيم متنوع يشكل دولة السودان ويوفر فرص متساوية للجميع، هذا جانب، والجانب الأخر تكمن الإشكالية في تعليل الإستقالة بتسويق فهم خاطئ يضرب صميم السودان الجديد حين يتحول النقد لسياسات التنظيم إلي نقض للمشروع الفكري ومحاولة تشكيل تنظيم داخل تنظيم كما علق أحد الرفاق، هنا تكمن الإشكالية الحقيقية التي تحتاج للمزيد من التوضيح من قبل قيادة الحركة الشعبية كي لا تباع بضاعة سياسية منتهية الصلاحية في سوق الإعلام وتستخدم ماركة الحركة الشعبية لترويج النقد التضليلي علي مشروع السودان الجديد وتكون عواقب الصمت وخيمة علي المشتري، لذلك لا بد من رد جاد يوضح الحقائق للرأي العام، وبالطبع سيكون ذلك مفتاح لصندوق سري لا يعرف المتشدقين بخطب الإستقالات ما بداخله، فالشماتة لن تمنع الحركة الشعبية من الإستقرار والإستمرار في طريقها نحو تحقيق أهدافها، والتجارب منذ إنشقاق مجموعة الناصر وصولا لفرقة تابيتا بطرس وحتى إنقسام الحلو تبرهن أن الحركة الشعبية فكرة مكتملة وأكبر من الإختزال المناطقي والقبلي وأعلى من الطموح الشخصي الإنتهازي فهذه حركة ذات مبادئ صلبة ورؤية ثاقبة.

ثانيا. هنالك إستقالات إقتبس مقديمها بعض ما جاء في خطابات إستقالات الحلو ومجموعته والتي إستنكرها رفاقنا في حينها لعلمهم بعدم وجودها كحقائق واقعية داخل الحركة الشعبية وبعضها إتهامات مكررة، ومع ذلك فقد طرح موضوع تجديد رؤية الحركة الشعبية وإعادة هيكلتها كيما تواكب التطورات الجارية في السودان بمشاركة الجميع، فالمجلس القيادي ومنذ تشكيله بعد الإنقسام المشهود سعى لتجديد الرؤية والتنظيم رغم كل الظروف المحيطة بالحركة الشعبية والبيئة السياسية السودانية التي لم تكن تصلح للسياسة في عهد النظام البائد، ولكن مع تصاعد وتيرة الحراك الثوري والسياسي الذي أفرز واقع جديد إضافة لتفاقم حدة الخلافات الداخلية أخطئ بعض القادة تقدير الوضع السياسي والتنظيمي وجعلوا نائب رئيس الحركة الشعبية الرفيق ياسر عرمان يتحمل ما صنعوه هم بتخبطهم ولكن إثارة (الغبار) لإخفاء ملامح الحقيقة المجردة غير ممكن في سجل تاريخ حركة إعتادة الوضوح بتمليك الجماهير رؤيتها ومواقفها عبر قنوات الإتصال المعروفة، وهذا يؤكده خروج البعض عن خط الحركة الشعبية ممن قدموا إستقالاتهم بعد كتابتهم منشورات لا تتسق مع روئ ومواقف التنظيم تجاه المعادلات السياسية في السودان ومشكلات التنظيم الداخلية، ويجب فحص الخطابين بالمقارنة، ولم يكن ما قيل في إستقالات الرفاق إلا تكرارا لما سبقها من مبررات قالها غيرهم ذات يوم مع إختلاف شكلي في تركيبة الجمل لكن القصد منها هو تشويه الحركة الشعبية وإيهام القراء بأن (الجمرة حلاوة) وانهم يملكون حقا ما في هجومهم هذا، وبذلك أبعدوا الحقيقة عن الساحة وعن أعين عدد من رفاقنا الملتزمين بخط الحركة الشعبية سياسيا وفكريا، وماج الناس جميعا في دائرة سؤال (ما الحقيقة) والإجابة غائبة حتى الآن، وأعتقد أن عدم الرد قد يعطي فرصة للتأويل والتدويل لكنه لا يعني البتة إنعدام الحقيقة او القبول بتغبيش صفحات الحركة الشعبية كما لا يجوز أن يتخذه الخصوم المناوئين معيارا للتحجج في المجادلة السياسية بينهم والحركة الشعبية ونقد مبادئ رؤيتها الأساسية وتدوير مواقفها الثابة تجاه قضايا آنية سياسية كانت أم تنظيمية لتعطي صورة عكسية للواقع الموضوعي لأن نقد الأنداد بعضهم بعضا حين يشرعن الخبث فيه كسلاح يفقد صفات الصدق والشفافية ويدخل في إطار الإستدلال برواية أوحادية المصدر وقد تكون صحيحة او خاطئة نسبة لكون الشخص الراوي جزء من نزاع قائم مع الآخرين.

ثالثا. الرفاق الذين قدموا إستقالاتهم من الحركة الشعبية كانوا عناصر ذات مكانة وتأثير خاصة بعد إنقسام تنظيم الحركة الشعبية لنصفين، وقد نشأة علاقات جيدة ومتينة بينهم ورفاقهم الذين عملوا معهم في التنظيم خلال السنوات الماضية، لذلك يجب الحفاظ علي تلك العلاقات الطيبة وإن عكر طمي الخلاف صفو البحر السياسي والتنظيمي، تلك العلاقات تعطينا أمل في عودتهم للحركة الشعبية متى ما إنجلى سبب خروجهم، ولكن ذلك الأمر (رهن علي خيط رفيع قد يتأكل بسبب الشد والجذب والتراشق الإعلامي) وواجب الرفاق جميعا تحليل خطابات إستقالات رفاقهم وإبداء أراء صريحة لا تخدش رباط الماضي أملا في مستقبل يعيد ربط أحزمة التنظيم بعد فتقها، وهنا لا بد أن نذكر بدعواتنا المتكررة لرفاقنا في حركة عبدالعزيز الحلو ومن معه لإجراء حوار صريح يعيد توحيد الحركة الشعبية علي أسس جديدة، وقد بادر فخامة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميار ديت طارحا عدة حلول رفضتها حركة الحلو جملة وتفصيلا، وذات الدعوة يجب أن تقدم للرفاق الذين إستقالوا من الحركة الشعبية مؤخرا، لأن وحدة الصفوف طوعا من الخيارات الإستراتيجية التي تقوي بنيان الحركة الشعبية، ومن وجهت نظري فأن مسألة إعادة بناء التنظيم تحتاج أولا لإرادة الرفاق وتحمل المسؤلية وعقلنت خطوات بناء الحركة الشعبية علي مستوى مكاتب الخارج والمدن والقرى وهذا يتطلب تهيئة المناخ بنقاش جاد وموضوعي يراعي كافة تعقيدات الواقع داخل السودان والحركة الشعبية، ثانيا يجب إدراك أن الخلافات التنظيمية والسياسية تحسم وفقا لقوانيين ولوائح معينة نص عليها وفصلها الدستور وإرتضت بها مكونات ذلك التنظيم، ويجب أيضا ضمان وتأكيد إستقلالية قرارات المجلس القيادي للحركة الشعبية وحرية جميع الأعضاء مع التقيد بالخط السياسي والدستور، فرغم حرية الإختيار بين بقاء وذهاب العضو فان حل كافة المشكلات داخليا أفضل للجميع بيد الخروج الذي سجله أخر المغادرين كشف حقيقة محاولات فرض أجندة وضرب التنظيم بتنظيم آخر ومهاجمة مشروع السودان الجديد والإفتراء علي الرفاق وهذا الحديث لا يخدم الحركة الشعبية بينما يفتح ثقرة للشمات الذين سيطلقون صافرة شتم وشماتة ويضربون كل العصافير بحجر واحد وهو ما سيضعف التنظيم مقابل أصفار يجنيها هؤلاء، لذلك حتم واجب التنظيم علينا إختيار الوقوف عند الحق والتكلم عن إستقالات الرفاق وما وراء ذلك من أضرار رغم انها حريات متاحة لا ينكرها أحد.

رابعا. رغم تلك الصراعات السياسية والتنظيمية التي مرت بها الحركة الشعبية علي طول وعرض التاريخ إلا انها ما تزال ممسكة بقضاياها دون أن تتهاوى وسط رياح لا إتجاه محدد لها، وكل تجربة دخلتها الحركة الشعبية خرجت منها بتماسك الرفاق المخلصين لقيمها ومبادئها وسارت في طريقها الثوري التحرري نحو السودان الجديد الذي كافح من أجله القائد جون قرنق ورفاقه والمجتمعات المهمشة في كل المدن والقرى، والحركة الشعبية لم تسقط حين إشتد قهر النظام الإنقاذي الطاغي والباغي الذي إستخدم كل قدراته السياسية والعسكرية ضدها وأخيرا سقط هو بأمر الجماهير التي هتفت (الشعب يريد بناء سودان جديد) وكانت الحركة الشعبية باقية بقاء الأرض التي تنتمي إليها وتنموا وتتمدد في الأرياف والمدن، وكتلك الغابات الأبنوسية التي تمثل مصدات للرياح ستكون الحركة الشعبية مصد للإستبداد والفساد ومفاهيم المركز العنصري الإقصائي التي تستشري وتسيطر علي عقليات السودان القديم في سودان الثورة والتغيير، ونشير بالترحيب بما أنجزته الحركة الشعبية مع حلفائها في الجبهة الثورية ضمن عملية تمتين التحالف والبحث عن حل شامل لقضايا الحرب وبناء دولة سلام وديمقراطية ومواطنة بلا تمييز، ففي أديس أبابا وجوبا والقاهرة كان وجود الحركة الشعبية أساسي ومحوري لا يخفى علي كل متابع وهو عمل جدير بالإشادة، ولهذا الوجود دلائل كثيرة تعكس في مقدمتها القوة التي تتمتع بها الحركة الشعبية علي الأرض عبر طرحها السياسي وخطابها الفكري في المنابر العامة، وتعتبر حنكة القيادة السياسية والعسكرية من أهم أجزاء معادلة التطور في الحركة الشعبية وبالطبع هذا لا يلغي أدوار العضوية والجماهير في المدن والأرياف وخارج البلاد بل هي عملية تكاملية مستمرة كل عنصر فيها يعزز فاعلية الأخر في إنسجام وتناغم، فالكفاح من أجل دولة السودان الجديد منذ تأسيس الحركة الشعبية إتخذ أشكال ووسائل مختلفة ويستطيع المرء أن يساهم من موقعه في تطوير الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد، وهذا جزء من أسباب عودة حراك الحركة الشعبية بعد فصل جنوب السودان بسياسات إنقاذية كان النظام يتصور انه سينقض بها بضربة واحدة علي الحركة لكنه خاب وسقط، وكذلك المنشقين يرون انهم سيقللون من الوزن عند تنحيهم عن الميزان بفهم (الكم والكيف) وهو تقيم محدود قابل للغيير والتبدل عند توفر ظروف مختلفة، وفي كل الأحوال لن يتوقف قطار الحركة الشعبية عن السير نحو محطة سودان السلام والديمقراطية وتجديد الرؤية وإعادة بناء التنظيم في كل السودان، وأخيرا لا بد من تحية عاطرة عابرة للحدود لقيادة الحركة الشعبية ورئيسها القائد مالك عقار ونائبه القائد ياسر عرمان والأمين العام خميس جلاب ورئيس هيئة أركان الجيش الشعبي أحمد العمدة وكافة أعضاء الحركة الشعبية والمجلس القيادي، ولنعمل كرفاق من أجل بناء سودان جديد ديمقراطي موحد.

سعد محمد عبدالله
24 سبتمبر - 2019م