النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - الجزء الثاني : وثيقة - الثورة في الغرب العربي في المرحلة التاريخية من تصفية الإمبرايالية - نقد الوثيقة - الحلقة الأولى


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 18 - 10:12     

نعمل على دراسة، تحليل ونقد الوثيقة في علاقتها بفكر المنظمة من خلال نظرة المناضلين الذين ساهموا في صياغتها، فمن خلال القراءة الأولية للوثيقة نلمس طغيان الأسلوب الصحفي ـ الوصفي في تناول الوضع السياسي الذي ميز تلك المرحلة ـ منذ 10 سنوات قبل إصدار الوثيقة ـ في غياب شبه تام للديالكتيك الماركسي اللينيني الذي من المفروض أن يميز كتابات الماركسيين اللينينيين.

والنص شبه بعيد عن التحليل المادي للواقع الملموس في علاقته بالصراع الطبقي المؤشر الأساسي في طريق الثورة التي يتحدث عنها النص، فنجد طغيان التضخيم من حجم الاحتجاجات الجماهيرية إلى حد وضع الجماهير فوق الحزب والطبقة، في غياب تام لوضع أسس بناء تصور سياسي لمستقبل الصراع الطبقي فيما يسمى في النص "الثورة في الغرب العربي" و"تصفية الإمبريالية"، مما يدل على التذبذب النظري لدى هؤلاء المناضلين حول مفهوم الثورة مما جعلهم يتنبؤون بقيامها من خلال بعص انتصارات الشعوب وحتى احتجاجات الجماهير العفوية بالمغرب ـ العمال، الفلاحين، الطلب والتلاميذ ـ دون القدرة على استنباط مفهوم الثورة لدى لينين الذي لم يتم ذكره إلا مرة واحدة في هذه الوثيقة بينما يتم تغييب ستالين وحضور ماو تسي تونغ بشكل فج، والإثناء على الثورة الفيتنامية بعيدا عن علاقتها بالحزب الماركسي ـ اللينيني الذي أسسه هو شي منه الذي لم يحض بالذكر قط في هذا النص.

على العموم النص حسب الترجمة بالعربية ـ غياب النص بالفرنسية ـ متواضع في دراسته، تحليله ونقده للوضع السياسي خلال 10 سنوات الماضية قبل كتابته كما تمت الإشارة إلى ذلك في الوثيقة، مما يدل على تواضع الفكر السائد لدى قيادة منظمة "إلى الأمام" آنذاك أو بالأحرى تواضع الثقافة الماركسية لديهم حتى لا نقول الماركسية اللينينية، لهذا نرى أنهم يكتفون ببعض أقوال ماو تسي تونغ دون القدرة على الوقوف عند التحليل الماركسي اللينيني للأساس الاقتصادي للثورة والإمبريالية أو يتم استبعاده إن لم نقل جهلهم به، ولتقليص المسافات بين التحليل المادي للواقع الموضوعي يتم الحديث عن "التحريفية" واختزل كل تاريخ البلشفية في "التحريفية" ووضع "الماوية" بديلا للماركسية اللينينية.

أما الشق الاقتصادي الأساسي في أي تحليل مادي للوضع السياسي ماركسيا لينينيا فهو شبه غائب حيث اكتفى النص بالتركيز على بعض المعطيات حول احتكار "البترول والغاز" باعتبارهما طاقة يتم الصراع حول السيطرة عليهما من طرف الإمبريالية الأمريكية، والاكتفاء بذكر بعض الأرقام التي لا يمكن اتخاذها مؤشرات للتحليل الاقتصادي للوضع السياسي ومستقبل "الثورة" ناهيك عن مستقبل "تصفية الإمبريالية"، كما يتم ذكر الرأسمال المالي دون القدرة على تحليل مستويات تطوره منذ أن وضعه لينين كمؤشر أساسي في السيطرة على السوق التجارية في دراسته للإمبريالية في 1916، ذلك ما جعل من النص أن يكون قريبا من التقرير الصحفي على الدراسة الماركسية اللينينية للوضع السياسي.

كما أن قراءة النص لا توحى بأن هناك بالفعل ما يدل على مؤشرات مفهوم "الثورة بالغرب العربي" في مقابل "المشرق العربي" المأزوم ولا ما يربط هاتين المنطقتين جيوـ سياسيا ولا اقتصاديا إلا بإقحام عامل البترول بالجزائر، ليبيا والصحراء الغربية، والحديث عن الثورة الفلسطينية قائدة "الثورة العربية" كطريق للخلاص في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن "الإقطاعيات والبورجوازيات العربية" أي الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية التي تساوم مع الإمبريالية الأمريكية على حساب تصفية القضية الفلسطينية، وربط ذلك في "الغرب العربي" بمؤامرة تأسيس كيان بالصحراء الغربية من طرف الإمبريالية الأمريكية بالتعاون مع النظامين التبعيين لها بالمغرب وإسبانيا على عرار الدولة الصهيونية ب"الشرق العربي" كمت جاء في الوثيقة، دون الحديث عن الثورة بالصحراء الغربية ضد الاستعمار الإسباني من طرف الثوار الصحراويين والتي التحق بها الشباب الصحراوي الثوري بالجامعات المغربية.

ويفتقد النص إلى ما يدل على تقدير حجم المفاهيم الماركسية الينينية التي تم وضعها خلال الصراع بين الاشتراكية والإمبريالية من قبيل "التحريفية" التي وضع لها لينين أسسها الطبقية، هذا المفهوم الذي جاء في النص كناية عن تحريف الحزب الشيوعي السوفييتي بعد موت ستالين، دون القدرة على وضع أسسه الطبقية بالاتحاد السوفييتي مما يدل عن عجر الفكر الماركسي اللينيني بالمغرب على الوقوف عند هذا الحزب والفصل بين مرحلين متميزتين من تاريخه، والاكتفاء بذكر صفة "التحريفية" من أجل إبراز تموقع المناضلين أيديولوجيا وسياسيا مما يدل على ضعف التحليل الذي يتجاهل حجم الضربة التي تلقتها الحركة الماركسية ـ اللينينية عالميا، والهروب إلى الأمام بعيدا عن مواجهة الواقع الموضوعي لسيطرة الفكر التحريفي لهذا الحزب عالميا والبحث عن بديل له وهو الحزب الشيوعي الصيني عزاء للماركسيين اللينينيين، بل والذهاب ببعضهم إلى وضع "الماوية" كمستوى أعلى للماركسية اللينينية كما هو الشأن بالنسبة للرفيق فؤاد الهيلالي.

هذه الأخطاء النظرية إنما تنم عن قصر النظر لدى المناضلين آنذاك ـ لا نطلب منهم أكثر مما هو ممكن إنجازه في الواقع الموضوعي ـ إنما خطأهم الكبير هو عدم تقديرهم لحجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الماركسيين اللينينيين وحجم الصراع الأيديولوجي والسياسي الناتج عن التحريفية، ذلك ما يتجلى في الاندفاع وهو في حد ذاته طبيعي لدى ثوريين غالبيتهم شباب وذوي ثقافة ماركسية لينينية متواضعة ـ حجم مهام الماركسية اللينينية المرتبطة بحجم الثورة الاشتراكية نقيض الإمبريالية ـ أمام هول التحريفية التي ضربت الماركسية اللينينية في الصميم وفي عقر دارها، ليس لكون التحريفية فقط نتاج فعل الحزب الشيوعي السوفييتي إنما كذلك هي نتيجة حرب مدعومة من طرف الإمبريالية ضد الاشتراكية، بمعنى أن حجم مقاومة تخريب كل ما بنته الماركسية اللينينية في الواقع الموضوعي لا يمكن أن يكون إلا في مستوى حجم التخريب، هكذا اعتقد المناضلون الماركسيون اللينينيون آنذاك أن الحزب الشيوعي الصيني يمكن أن يكون بديلا لانتظاراتهم الثورية ولذلك تجاهلوا موقع ستالين في الصراع ضد التحريفية بل هناك من منهم يعتبره ضمن التحريفية.

والنص يحتوي على مجموعة من المفاهيم غير الدقيقة في التحليل من قبيل "الثورة في الغرب العربي"، "تصفية الإمبريالية"، "الأحزاب البورجوازية"، "كمندوهات الفاشية"، "الثورة العربية"، "الإقطاعيات والبورجوازيات العربية"، "المغرب العربي"، "المغرب الكبير"، "الدول المغاربية"، "البلدان المغاربية".. نعمل على تناولها بالدرس والتحليل محاولين إبراز عدم علميتها في الحلقة القادمة ضمن سياقها في النص.

كما يشكل مصطلح "إسرائيل" الوارد في الوثيقة على الأقل مرتين لبسا واضحا في فكر هؤلاء المناضلين مما يعطي للنص بعدا تقريريا كباقي التقارير الصحفية.

هنا لا نريد التقليل من أهمية الوثيقة ومحاولة قيادة المنظمة آنذاك لتشخيص الوضع السياسي بقدر ما نسعى إلى فهم مستوى الفكر الثوري السائد آنذاك في أوساط المناضلين الماركسيين اللينينيين، ولا نريد المس بسمعتهم إنما نسعى إلى فهم مكامن الضعف والأخطاء التي تم ارتكابها وحجمها مقارنة بحجم مشروع الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وخاصة منظمة "إلى الأمام".

الحسين الزروالي