النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - 6


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 9 - 22:15     

ينتقل بنا الكاتب إلى ما سماه "الفترة الممتدة من 1960 إلى 1972 "، هذه الفترة التي يعتبرها أنها يسود فيها "نظام استبدادي لا مثيل له" ويسميه "النظام الرجعي" ويحدد استراتيجيته في "ضمان استقرار عملية التراكم الرأسمالي الكومبرادوري وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام وعزل التشكيلات السياسية للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة المطالبة بالمشاركة في الحكم"، وبقراءتنا لهذا التحديد الذي صاغه الأستاذ فؤاد لم نستطع فهم القصد من "البورجوازية الصغيرة والمتوسطة" التي "ترغب في المشاركة في الحكم" وما هي تعبيراتها السياسية ؟ ذلك أن الكاتب في محاولته لتحديد التشكيلة الاجتماعية التي انبثقت منها الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ينحو منحى بورجوازي المنهج في التحديد والتعاطي مع الصراعات الطبقية، حيث يكتفي بتناول الشكلي من الصراعات دون التعمق في المضمون الطبقي لهذه الصراعات فلم يحدد لنا فئات هذه الطبقات التي يسميها "بورجوازية صغيرة ومتوسطة"، فاكتفى فقط باستعمال هذين المصطلحين دون تحديد ما يقابلهما في الواقع الموضوعي المادي في الأساس الاقتصادي وأين تتجلى قوة وضعف هذه الطبقات وفئاتها التي لم يحددها، وذلك ناتج عن عدم القدرة على ضبط التحليل المادي التاريخي الذي ينطلق من تحديد الأساس الاقتصادي الذي يعتبر مضمون الصراعات الطبقية لأي تشكيلة اجتماعية لمجتمع معين أساسا في التحليل، ويطغى على تناوله لهذه الفترة التاريخية الوصف الصحفي للأحداث التاريخية التي ميزته في علاقتها بشروط وظروف نشأة الحركة الماركسية ـ اللينينية، إنه تعربير عن ضعف المنهج التجزيئي الذي لا يستطيع الذهاب أبعد في التحليل إلى مستوى ربط الأحداث ماديا تاريخيا بعمق الصراعات الطبقية التي تحرك التاريخ ومعه باقي الأحداث التاريخية التي تطفو على السطح.

ولتحديد طبيعة "النظام الرجعي" الذي حدده الكاتب يبرز لنا أساليب سياساته المتبعة وفق استراتيجية ما سماه "زاوج النظام الرجعي بين استعمال الحديد والنار لقمع كل مقاومة لدى الجماهير وقواها المناضلة (القمع الدموي لانتفاضة مارس 65 واغتيال الشهيد المهدي بن بركة) وطبخ المحاكمات الصورية للمناضلين التقدميين (الاختطافات، الاعتقالات والمحاكمات السياسية) وإلى جانب ذلك التلويح بالانتخابات والدساتير الممنوحة والبرلمانات تم إعلان حالة الاستثناء للعودة لدساتير اكثر رجعية وانتخابات مزورة (دستور 62، 63، دستور 70)."، وفي قراءتنا لما سماه الكاتب "استراتيجية النظام الرجعي" نرى أنه لم يخرج عن نطاق الكشف الفوقي لمضمون طبيعة النظام الطبقية مكتفيا بإبراز بعض الأحداث التي يعتبرها مركز انطلاق مشروع الحركة الماركسية ـ اللينينية وأساسا "انتفاضة 23 مارس 1965" دون أن يبرز مضمون الصراعات الطبقية التي نتجت عنها هذه الانتفاضة الشعبية بمدينة عمالية بامتياز في تلك الفترة ذات الجذور الطبقية، في علاقتها بالمقاومة المسلحة في فترة مرحلة الاستعمار القديم باعتبار أن القوة الأساسية فيها هي الطبقة العاملة، في علاقتها بالجذور التاريخية لحركة الفلاحين في مقاومتهم للاستعمار القديم في مراحله الأولى والأخير مع بروز جيش التحرير بالشمال ونهايته المأساوية بالجنوب، في علاقة حركة التحرر الوطني بهذه المدينة العمالية، في علاقتها بالبوادي معقل المقاومة المسلحة، في العلاقة بين العمال بالمدينة العمالية والفلاحين بالبوادي، في علاقتها بالانتفاضة العمالية في 1952 والانتفاضة الشبيبية في 1965، في علاقتها بمجزرة العمال في 1952 ومجزرة المتظاهرين من عمال وطلبة وتلاميذ 1965، في علاقتها بين التحالف العمالي الفلاحي في مواجهة تحالف الكومبرادور والملاكين العقارين الكبار وبقايا الإقطاع، في علاقتها بما يسميه "البورجوازية الصغيرة والمتوسطة" أي الطبقة الوسطى التي تشكلت بالمدينة العمالية في خضم هذه الصراعات الطبقية، من تجار صغار ومتوسطين وحرفيين وموظفين في الإدارات العمومية وعلى رأسهم الأساتذة ...

واكتفى الكاتب في تحديد طبيعة "النظام الرجعي" في إبراز شكل سياساته القمعية في قوله : "وطبخ المحاكمات الصورية للمناضلين التقدميين (الاختطافات، الاعتقالات والمحاكمات السياسية)" التي لا تعدو أن تكون إلا شكلا لمضمون طبقي أعمق بكثير مما يتصوره الكاتب حيث اعتبرها "طبخ" بينما هي مخطط طبقي باعتبار أجهزة القضاء من أدوات القمع الطبقية، وفيما سماه الكاتب "التلويح بالانتخابات والدساتير الممنوحة والبرلمانات تم إعلان حالة الاستثناء للعودة لدساتير اكثر رجعية وانتخابات مزورة (دستور 62، 63، دستور 70)."، فالنظام الكومبرادوري لم يكتف ب"التلويح" بسياساته بل مارسها وفرضها بقوة الحديد والنار التي تكلم عنها الكاتب باحتشام تام دون القدرة على تشريح هذه السياسات ومنطلقاتها الطبقية كامتدادات للسياسات اللبرالية الاستعمارية التبعية للإمبريالية، التي تستهدف بناء دولة تبعية ذلت جذور بورجوازية كومبرادورية مضمونا وشكل ذات تعبيرات ليبرالية تطفو على السطح عبر بناء مؤسسات سياسية شكلية تخدم المشروع الطبقي للرأسمالية في بلاد المغرب.

وينتقل بنا الكاتب إلى تحديد ما أسماه "القاعدة الاجتماعية للنظام" بنفس الأسلوب المنهجي الفوقي الذي يعطي الأولوية للتحديد الوصفي دون الغوص في عمق البناء الطبقي في قوله :"خلال هاته الحقبة قام النظام الكمبرادوري بتحويل البادية المغربية إلى مناطق محاصرة معزولة عن النضال السياسي وذلك لتغطية عملية النهب والبلترة التي يتعرض لها الفلاحون لضمان الاستقرار لعملية التراكم الرأسمالي الكمبرادوري والعمل على توسيع قاعدته الاجتماعية من خلال دعم كبار الملاكين العقاريين الرأسماليين."، وهل قام النظام الكومبرادوري فقط بمحاصرة البوادي وعزلها عن النضال السياسي ؟ أم أنه جردها من أدواتها الدفاعية العسكرية في مجازر دموية في الشمال والجنوب والأطلس وسيطرته على مصادر ثرواتها الطبيعية ؟

ذلك ما لم يستطع الكاتب الغوص فيه مكتفيا بوصف فوقي لشكل التعبير الطبقي لطبيعة النظام الدموي خلال فترة الستينات من القرن 20 التي لعب فيها اليسار الثوري دورا هاما في زعزعة أركان النظام الكومبرادوري بحمل السلاح لمواجهته، وهنا نذكر الكاتب باستثنائه غير المبرر لسنة 1973 من هذه الفترة التي يحللها لتحديد طبيعة النظام والصراعات الطبقية التي واكبت ذلك وبالتالي تحديد التشكيلة الاجتماعية التي انبثقت منها الحركة الماركسية ـ اللينينية، لم يبرر لنا الكاتب هذا الاستثناء التعسفي لسنة شكلت امتدادا لحركة المعارضة المسلحة لليسار الثوري الذي سمته المنظمة البلانكية وهو امتداد للعلاقة بين الإنقلابين في 1971 و 1972 والحركة اليسارية الثورية، حيث حركة 03 مارس 1973 ما هي إلا تعبير عن ما تبقى من الحركة اليسارية الثورية المسلحة المرتبطة بقائدها عمر دهكون في علاقتها بالحركة المسلحة لشيخ العرب في أوائل الستينات.

لا يمكن إذن منهجيا أن نفصل سنة 1973 عن الفترة التي حددها الكتاب للدراسة والتحليل فهذه السنة مرتبطة عضويا بالحركة اليسارية الثورية المسلحة ضد النظام الكومبرادوري، فلماذا إذن فصلها الكاتب تعسفا ؟ ذلك ناتج عن ارتباطه بالمنهج التجزيئي الذي لا يرى في الأحداث التاريخية إلا ما يمكن أن يخدم الارتباط الأيديولوجي والسياسي للكاتب، ذلك ما يعبر عن الذاتوية في التعاطي مع دراسة وتحليل الأحداث التاريخية مما يجعل المنهج الذي اتخذه الكاتب ناقصا في أدواته التحليلية ومضامينه الدراسية العاجزة عن الذهاب بعيدا إلى مستوى عال من التحليل العلمي المادي للوصول إلى التحليل المادي التاريخي الذي تتطلبه الدراسة التي وضعها الكاتب بين أيدينا.

يكتفي الكاتب إذن بالوصف في الوقت الذي يجب عليه تعميق التحليل المادي التاريخي لفترة تاريخية مهمة في التاريخ الحديث لبلاد المغرب التي تم طبعها بحركة ثورية يسارية ماركسية ـ لينينية قلبت جميع حسابات النظام الكومبرادوري، في الوقت الذي يجب فيه تناول هذه الفترة التاريخية بالدرس والتحليل ماديا تاريخيا من أجل فهم التناقضات التي واكبت الحركة الماركسية ـ اللينينية طيلة خمسة عقود من التناقضات والأزمات تتطلب النقد والنقد الذاتي، يكتفي الكاتب وهو من بين المساهمين في هذه الحركة بالابتعاد عن التحليل النقدي المادي التاريخي مكتفيا بالسرد البسيط لأحداث تاريخية ظلت تتردد في كتابات البورجوازيين الصغار طيلة خمسة عقود من أزمة الذات للحركة السياسية المغربية، ويمكن أن نلمس هذا المستوى من التحليل في قول الكاتب :"وقد ساهمت هذه النضالات خاصة منذ 65 في انفضاح الخط الإصلاحي للأحزاب البورجوازية مما ساهم إلى جانب عوامل أخرى (هزيمة 67 ونتائجها انطلاق الثورة الفلسطينية، الثورة الثقافية الصينية، مايو 68 بفرنسا...) في تعبيد الطريق نحو نشوء الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية في 1970، كما ساهمت هذه النضالات في تفجير التناقضات الطبقية للنظام الكمبرادوري (محاولتي الانقلاب 1971، 1972)."، هنا يتوقف الكاتب عند حد 1972 الذي يريد أن يربطه بالنقد والنقد الذاتي للمنظمة الماركسية ـ اللينينية "إلى الأمام" تعسفا في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحديد التشكيلة الاجتماعية والصراعات الطبقية التي أفرزت نشأة الحركة.

فيما تبقى من تحليله للفترة التي حددها ركز الكاتب على بعض المعطيات التاريخية التي أبرزها على شكل فلاشات متناثرة لا يجمع بينها أي رابط في تعبير تام عن تقاليد المنهج التجزيئي ذي البعد المثالي الذاتي والسوليبسيسم.

الحسين الزروالي