النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - 3


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 4 - 21:41     

ينتقل بنا المناضل فؤاد الهلالي إلى جزء مهم من كتاباته وهو ما سماه "التشكيلة الاجتماعية المغربية" بغية وضع السياق العام للصراع الطبقي الذي يحكم مرحلة بروز الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية محاولا تحديد طبيعة النظام الطبقي الذي يحكم البلاد، وهو يبدأ بما سماه "سيرورة الاندماج ومحاور الاستراتيجية الاستعمارية ونتائجها وآلياتها" محاولا تحديد الشروط المادية العالمية التي أنتجت النظام التبعي الرأسمالي ببلادنا وانعكاساته على التشكيلة الاجتماعية المغربية والتحولات التي طرأت عليها، وفي مقدمته يعرض ما سماه في قوله: "نعرض هنا هذه المقدمة حول التشكيلة الاجتماعية المغربية بشكل عام وحول الظرفية التي كانت تمر بها انطلاقا من 1970 إلى حدود بداية الثمانينات وذلك لوضع كل الوثائق في هذه الحلقة ضمن سياقها التاريخي الموضوعي حيث تتسارع الاستراتيجيات والسياسات ضمن صراع طبقي يحكمه التناقض الرئيسي للتشكيلة الاجتماعية في تلك المرحلة وحيث التناقضات الثانوية تتأثر وتتحدد بذلك التناقض في علاقة جدلية مستمرة" انتهى قول الكاتب، وهو يعرض هنا مجموعة من الإشكاليات الاستراتيجية والسياسية ذات العلاقة بالسياسة الإمبريالية ببلادنا في الظرفية التاريخية لعقد السبعينات من القرن 20 ذات العلاقة بكتاباته التي تحكمها العلاقة الجدلية بين تطور التشكيلة الاجتماعية المغربية بشكل عام بتناقضاتها الرئيسية والثانوية وبروز منظمة "إلى الأمام" ضمن هذا السياق التاريخي العام، فهل نجح الكاتب في بلورة تصور مادي تاريخي لهذه المرحلة التاريخية الهامة من تاريخ المغرب الحديث ؟ أم أنه سقط في أسلوب التحليل التجزيئي المعتاد لدى جل المحللين البورجوازيين للصراعات الطبقية بالمغرب ؟

ذلك ما سنحاول تناوله فيما جاء في هذه المقدمة التي حاول فيها الكاتب إبراز ملامح الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي واندماج التشكيلة الاجتماعية المغربية فيه في قوله: "عرفت التشكيلة الاجتماعية المغربة أولى مراحل اندماجها في النظام الرأسمالي العالمي ابتداء من 1850 (أي منذ المرحلة التجارية للرأسمالية العالمية) حين بدأت سيرورة اندراجها في شبكة علاقات التبادل الغير المتكافئ القائم على نزع الفائض الاقتصادي من دول العالم الثالث ونقله إلى مركز النظام الرأسمالي لدعم عملية التراكم الرأسمالي" انتهى قول الكاتب، بالنظر إلى هذا الجزء الهام من مقدمته لبلورة تصور عام حول التشكيلة الاجتماعية بالمغرب يسقط الكاتب في أطروحة التجزيئيين البورجوازيين وذلك عبر مجموعة من الأخطاء النظرية أولها يتجلى في قوله :"أولى مراحل اندماجها في النظام الرأسمالي العالمي ابتداء من 1850 (أي منذ المرحلة التجارية للرأسمالية العالمية)" انتهى قول الكاتب، هنا حدد المناضل فؤاد الهلالي مرحلة من مراحل تطور الرأسمال التي يقسمها المحللون الماركسيون إلى ثلاثة مراحل أساسية وهي: مرحلة الرأسمال التجاري، مرحلة الرأسمال الصناعي، مرحلة الرأسمال المالي. ودون الدخول هنا في التفاصيل فالكل يعلم أن مرحلة الرأسمال التجاري قد بدأت ما بين القرن 13 و 14 في إيطاليا ذات العلاقة بالتطور التجاري من الشمال إلى الجنوب عبر الطرق التجارية التي لعبت فيها دول شمال إفريقا (تونس، الجزائر، مراكش) دورا هاما، وبالرجوع إلى أولى الدراسات السوسيولوجية لدى المؤرخ بن خلدون يمكن الوقوف عند أهمية منطقة شمال أفريقيا في تطور التجارة العالمية والمحللون الماركسيون يعتمدون كتابات هذا الباحث الاجتماعي الذي بلور بداية التحليل السوسيولوجي للتاريخ، إذن اندماج المغرب في الرأسمال التجاري أو بالأحرى دوره التاريخي في تأسيس هذه المرحلة من مراحل الرأسمال لم يبتدئ في 1850 بل هو أعمق من ذلك لكون الحركة الاقتصادية والاجتماعية بشمال أفريقيا بلغت أوجها في القرن 13، ولم تعرف هذه المنطقة تراجعا إلا بعد سقوط غرناطة واكتشاف طرق تجارية بحرية عبر استعمار أمريكا في 1492 أي في نهاية القرن 15 وهذا لا يعني أن هذه المنطقة خرجت من مضمون الاندماج في الرأسمال التجاري لكونها من بين مؤسسي هذه المرحلة التاريخية من تاريخ البشرية أي بروز الرأسمال التجاري المسيطر على التجارة العالمية.

ودون الدخول في التفاصيل فإن دور صادرات المعادن والنسيج وغيرها تمثل أبرز معالم تطور التجارة العالمية والرأسمال التجاري بين دول شمال أفريقيا والعالم الغربي الأوربي إلى حد طبع ثقافات البلدان الأوربية بنوع محدد من المواد المصدرة إليها من تونس كما هو الشأن بالنسبة لمدينة "بجاية" التونسية المشهورة بتصدير الشمع الممتاز إلى أوربا إلى حد تسمية الشموع باسمها La bougie إضافة إلى تصدير أجود الصوف المسمى باردو ...

أما محاولة تحديد التشكيلة الاجتماعية المغربية من طرف الكاتب بالرجوع إلى 1850 إنما هو جهل بالتاريخ وسقوط في المنظور التجزيئي لتحليل الوقائع والأحداث التاريخية، وهذه المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب إنما هي مرحلة أوج سيطرة الرأسمال الصناعي (أي الرأسمالية التنافسية) على التجارة العالمية وتجاوز مرحلة الرأسمال التجاري ووضع ملامح الرأسمال المالي الذي تحدث عنه ماركس في كتاباته حول الاقتصاد السياسي وبلوره لينين في كتاباته حول الإمبريالية (الرأسمالية الاحتكارية) أي مرحلة سيطرة الرأسمال المالي على التجارة العالمية.

والذي غاب عن الكاتب أثناء محاولته تحديد التشكيلة الاجتماعية المغربية هو دور المغرب في مراحل سابقة من تطور الرأسمال أي الرأسمال التجاري ودوره في وضع أسس الرأسمال دون القدرة على تجاوز هذه المرحلة بعد بروز الدول الاستعمارية الأوربية وأساسا إسبانيا والبرتغال واحتلال أمريكا وتطور الصناعة أي الثورة الصناعية الأوربية التي أنتجت الرأسمال الصناعي، ولكن رغم ذلك لم تتم القطيعة بين المغرب وما يجري عالميا إلا أن العلاقات الخارجية للنظام الحاكم بقيت في حدود التبادل التجاري والتركيز على الصادرات خاصة في المدن الساحلية بعد تفكيك الدولة الموحدية ونشأة الدولة المرينية وبعدها السعدية فالعلوية التي ختمت مراحل الانحطاط لتركز في المغرب نظاما كومبرادوريا بامتياز، هذا النظام الذي بلغ مداه في مرحلة الإمبريالية حيث شرعن الاستعمار لإنقاذ حكمه من الانهيار في بداية القرن 20 مع بداية اندماجه في التبعية الرأسمالية الإمبريالية التي بلغت مداها في 1956 مع تركيز نظام كومبرادوري وضع أسس اندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالي، هذا الاندماج الذي بلغ مداه في سنوات السبعينات من القرن 20 عند القضاء على جميع مظاهر الاقتصاد الوطني وهيكلة مؤسسات النظام من برلمان وجماعات محلية وأحزاب والشروع في خوصصة المؤسسات الوطنية المالية والصناعية والفلاحية بعد الشروع فما بات يسمى التقويم الهيكلي.

كما غاب عن ذهن الكاتب أن المقصود باندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالية ليس هو مجمل العمليات الإحصائية والرقمية في المجال التجاري والصادرات إنما هي عملية معقدة يدخل فيها الأيديولوجي والسياسي وتأثيرها على الاقتصادي في اتجاه القضاء على ملامح تداعيات النظام الاشتراكي عالميا في مجمل العمليات الاقتصادية من أبسطها إلى أعقدها، وتعتبر مرحلة سنوات 1970 ـ 1980 أهم مرحلة تاريخية في الانتقال من المنظور الوطني للدولة الذي كان مسيطرا آنذاك على الساحة السياسية بفضل تداعيات الكفاح المسلح ضد المستعمر القديم والجديد (المقاومة المسلحة وجيش التحرير، المجموعات المسلحة المرتبطة باليسار الثوري)، وتكتسي هذه المرحلة التاريخية أهميتها في كونها مرحلة انتقالية على المستوى العالمي اقتصاديا وسياسيا حيث بداية تحكم الإمبريالية في مصير العالم سياسيا واقتصاديا بعد التحقق من حتمية سقوط التجارب الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي وشرق أوربا وسقوط التجربة الصينية في 1976 بعد موت ماو تسي تونغ.

لهذا فنشأة أو إعادة بناء اليسار الثوري على غرار الحركة الماركسية ـ اللينينية ما هي إلا حتمية تاريخية أنتجتها شروط انهيار الأحزاب الشيوعية عالميا بقيادة الحزب الشيوعي السوفييتي بعد التخلي عن التجارب الاشتراكية واندماج هذه الأنظمة في سيرورة النظام الإمبريالي.

مع الأسف الشديد ورغم أن الكاتب ينتمي إلى اليسار الماركسي اللينيني إلا أنه لم يستطع التجرد من مخلفات التحاليل التجزيئية ذات المنحى البورجوازي المتناقضة مع التحليل المادي التاريخي الماركسي ذلك ما يتجلى في جرده المسهب لبعض المعطيات الشكلية المجردة من مضمونها المادي والتي تعتبر نتاج السياسات الإمبريالية، بدل الغوص في الأسباب المادية التاريخية الحقيقية المشكلة للتناقضات الأساسية والثانوية في التشكيلة الاجتماعية المغربية، وندرج هنا هذا المثال الصارخ في وصف سياسة الإمبريالية الفرنسية بالمغرب في مرحلة الاستعمار القديم في قول الكاتب: "وقامت الاستراتيجية الامبريالية الفرنسية بالمغرب على خمس محاور أساسية:

1 ـ الاستيلاء على خيرة الأراضي الخصبة للبلاد وتسليمها للمعمرين على حساب جماهير الفلاحين مع الإبقاء على أراضي الإقطاعيين، الدعامة الأساسية للاستعمار.
2 ـ الاستحواذ على المناجم والمعادن ونهبها وتصدير خيراتها إلى المراكز الرأسمالية.
3 ـ الاعتماد على الوجود العسكري المباشر كدعامة لاستعمار البلاد: (جيش وقواعد عسكرية وأجهزة قمعية(.
4 ـ اعتماد سياسة تقوم على تحالف المعمرين والإقطاعيين والمخزن مع استثناء فئات من البورجوازية المغربية وعلى حساب أوسع جماهير الفلاحين.
5 ـ الاعتماد على الوظيفة الإيديولوجية للسلاطين لتمرير الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية ضدا على مصالح أوسع فئات الفلاحين بالبوادي والكادحين بالمدن" انتهى قول الكاتب.

لكن لم يبزر الكاتب دور الحرب الإمبريالية على المغرب بعد 82 عاما من استعمار الجزائر ودور مقاومة الفلاحين المسلحة المنظمة لها والتي أصبحت من بين التجارب الثورية العالمية، ثورة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب في 1912 الذي نصب نفسه ملكا في مملكته وتمت مبايعته من طرف القبائل بالجنوب وسيطر على مراكش وطرد الإقطاعي الكلاوي منها وأعلن الحرب على الإمبريالية الفرنسية واستمرت بجبال الأطلس الصغير إلى حدود 1934، وامتداداتها بالصحراء الغربية وتداعياتها اليوم هناك جون أن يكون للحركة الماركسية ـ اللينينية موطأ قدم هناك، وثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في 1919 التي بنت ولأول مرة في تاريخ شمال إفريقيا دولة وطنية ديمقراطية شعبية استمرت إلى حدود 1926، أذهلت الإمبريالية الفرنسية والإسبانية اللتان تحالفتا من أجل سحقها بتعاون مع جيش النظام الكمبرادوري الملكي، هاتين الثورتين اللتان لم تتم يوما القطيعة في تطورهما إلى حد الآن، وكانتا ملهمتين للثوار في العالم بما فيهم ماو تسي تونغ الذي يعتمده الكاتب في تحاليله الأيديولوجية دون القدرة على السير في نهجه الذي يقر بأهمية دراسة الثورة المحلية والاستفادة منها.

أما النقاط الخمس التي أشار إليها الكاتب فهي نتيجة للسياسة الإمبريالية العدوانية على الشعب المغربي وقواه الحية وعلى رأسها الفلاحون حملة السلاح المنظمون بعد الانتصار المرحلي للإمبريالية.

نكتفي بهذا النموذج الحي للتحليل الخالي من المنظور المادي التاريخي للوقائع والأحداث التاريخية في مرحلة مهمة من تاريخ بلادنا يريد الكاتب وضعها بين أيدي الشباب الثوري، هذا الأسلوب البورجوازي الصغير الذي يطبع كتابات جل المحللين التجزيئين غير المقبول في كتابات يعتبرها صاحبها أنها تتناول قضايا أيديولوجية وسياسية وتنظيمية ذات العلاقة باستراتيجية طريق الثورة بالمغرب.