صعود السلفية الاسلامية الثمار المرة للسياسة الامبريالية


المناضل-ة
2006 / 5 / 6 - 09:54     

كان لفوز اسلاميي حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في 26 يناير وقع مفاجأة وانفعال في الصحافة وبين حكام الغرب، وكذا في اسرائيل. لكنها ليست مفاجأة، ما دامت نتيجة مباشرة للسياسة التي ينهجها، منذ سنوات، حكام اسرائيل ازاء الفلسطينيين.


لا يقتصر الفوز السلفي الاسلامي على فلسطين، لانه ينضاف الى فوز مرشحي حركة الاخوان المسلمين بالانتخابات النتشريعية بمصر في الخريف الماضي، والى وقائع اخرى تبرز تقدم الاتجاهات السلفية بمختلف بلدان الشرقين الادنى والاوسط. كما يمثل، بقدر ما، اتساع مظاهرات الاحتجاج ضد نشر رسوم ساخرة حول النبي محمد بجريدة دانماركية تعبيرا عن ذلك.

ليست الاسباب التي تفسر هذا التطور قليلة بالنظر الى استمرار الصراع الاسرائيلي العربي، والتدخل الامريكي بالعراق، والفوضى المترتبة عنه، ومصاعب مختلف أنظمة المنطقة. وتدفع غطرسة سياسة القوى الإمبريالية، المطبوعة بنهب الموارد الاقتصادية للشرق الاوسط، واحتقار شعوبه، الى تاجيج التوترات السياسية والاجتماعية وتعزيز المعارضات. لكن يلزم تفسير سبب نجاح الحركات الرجعية، والاسلامية أساسا، دون غيرها، في تجسيد تلك المعارضات. على النقيض من ذلك ، كانت حركات قومية مستوحية لايديولوجيات تقدمية، وحتى حركات تنتسب صراحة الى الماركسية، هي من عبر، طيلة كامل الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وحتى منتصف سنوات 70، عن المعارضة المتنامية لشعوب الشرقين الادنى والاوسط للسيطرة الامبريالية وممثليها المحليين. وجلي ان حقبة جديدة قد بدأت مذاك من زاوية النظر هذه. وقد شهدنا، على الصعيد العالمي، منذ 30 سنة، في بلدان وسياقات سياسية واجتماعية متباينة، توطدا لافكار وحركات من الاشد رجعية.

تزامن ذلك، بالشرقين الادنى والاوسط، مع فشل ظاهر اكثر فاكثر للحركات والانظمة القومية التي نشأت في المرحلة السابقة مستوحية التجربيتن الناصرية والبعثية، ومع الثورة الايرانية عام 1979 المفضية الى نظام اسلامي رجعي. لكن تجب اضافة أن اغلب الحركات السلفية الاسلامية التي نشهد اليوم فوزها قد لقيت في البداية تشجيع الامبريالية ذاتها. غالبا ما كان وكلاء بريطانيا، والولايات المتحدة الامريكية، وحتى اسرائيل، من قدم العون لتلك الحركات، معتبرين انها وسيلة لمحاربة الحركات الشيوعية او القومية التي كانت خطرا يهدد المصالح الامبريالية. وتمثل حركة حماس بهذا الصدد نموذجا من وجهة النظر هذه.

مع تنامي الحركات السلفية الاسلامية، وما قد تطرح من مشاكل لاستقرار سيطرتها بالمنطقة، لا تقوم الامبريالية، ومعها اسرائيلئ، بغير جني الثمار المرة لما بذرت. وللاسف قد تكون هذه الثمار اشد مرارة للشعوب ذاتها.

فلسطين: مأزق فتح

ان فازت حماس باغلبية مطلقة، حاصلة على 67 مقعدا من 132 بالمجلس التشريعي الفلسطيني، فليس الامر مع ذلك اكتساحا انتخابيا. لم يحصل هذا الحزب السلفي سوى على 45% من مجموع الاصوات، و قد تضخم فوزه بالمقاعد بفعل تشتت 55% الباقية بين مختلف الاحزاب العلمانية.

كما لا يبدو هذا الفوز نتيجة لتيار ديني اكتسح المجتمع الفلسطيني، الاكثر علمانية وتحديثا من كثير من المجتمعات العربية. وتدل تقصيات مختلفة ان الناخبين الذين كسبتهم حماس لم يصبحوا مع ذلك انصار دولة اسلامية تطبق الشريعة، كما يتفادي قادة حماس انفسهم لحد الآن أي اعلان بهذا الصدد.

لكن يبدو فقد الاعتبار الذي اصاب الحزب الحاكم لحد الآن، حركة فتح، غير قابل للجدال. لم تنجح حركة فتح، بقيادة عرفات حتى وفاته في نوفمبر 2004، و محمود عباس بعده، في تسجيل أي نتيجة ايجابية تبرر سعيها للاتفاقات مع اسرائيل لبلوغ دولة فلسطينية. لكن كوادرها، الماسكة باهم المناصب على كل مستويات جنين الدولة الذي تمثله السلطة الفلسطينية، تعرضت اكثر فاكثر لتهمة الفساد، وظهرت اكثر انشغالا بامتيازاتها مما هي بخدمة السكان. والامر اشد صدما في وضع العوز الذي يعيشه قسم من هؤلاء.

وبوجه فتح كانت حركة حماس تستفيد من سمعة نزاهة وتفاني اعضائها. فقد توفي العديد من اعضائها في العمليات الاستشهادية في اسرائيل، في معركة يعتبرها اغلب الفلسطينيين ردا عادلا على تعديات الجيش الاسرائيلي في الاراضي المحتلة. كانت حماس، المتصلة مباشرة بالسكان في الاحياء، والحاضرة غالبا عبر منظمات الاعانة، والصحة، بواسطة مناضلين يقاسمون السكان مصيرهم، تستفيد ايضا من هالة حزب الشهداء هذه.

يبدو اذن ان تحول اصوات الناخبين لصالح حماس هو اولا شجب لفتح، و لفساد كوادرها، و لعدم اكتراثها بمشاكل السكان الانية، ولسياستها التي يظهر انها تؤدي الى مأزق. قبل قادة فتح، وبمقدمتهم ياسر عرفات، تقديم التنازلات التي طلبتها اسرائيل، ووقعوا اتفاقيات أوسلو عام 1993 , واترضوا تطبيقها. ومع ذلك واصلت اسرائيل الاستيطان بالاراضي المحتلة،وخنق المجتمع الفلسطيني اقتصاديا.

طالبت حكومة شارون، وكذا حكومات حزب العمل من قبله، المسؤولين الفلسطينيين بتصعيد قمع منظمات تواصل، مثل حماس، النضال المسلح ضد اسرائيل، دون ان تقدم مقابل ذلك أي تنازل ذي اهمية للسلطة الفلسطينية. مثل ذلك حشرا لهذه الاخيرة في مازق وافقادها الاعتبار بنظر السكان، قبل ان يعلن حكام اسرائيل في النهاية ان عرفات غير اهل ان يكون مخاطبا. لكن بعد وفاة هذا الاخير، في نوفمبر 2004، وحلول محممود عباس، احد اكثر القادة الفلسطينيين استعدادا لاتفاق مع اسرائيل وتقديم تنازلات لها، لم يتغير جوهر سياسة حكومة شارون ازاء السلطة الفلسطينية.

على هذا النحو كان انسحاب الجيش السرائيلي ، صيف 2005، تصرفا من جانب واحد، بلا أي تفاوض مع المسؤولين الفلسطينيين من شانه ان يشكل التزاما فيما بعد. كان قادة اسرائيل يسعون بالانسحاب من غزة الى تخليص جيشهم من وضع بات لا يطاق بقصد التمكن من وسائل مواصلة مشاريعهم بالضفة الغربية وبالقدس الشرقية باطمئنان. ويستمر الاستيطان بهاتين المنطقتين، ما عدا انسحابابت رمزية من مستوطنات معزولة. وفي الان ذاته يتواصل بناء الجدار الفاصل بارتفاع 8 امتار تسعى اسرائيل الى تنحية الفلسطينيين خلفه، والذي يقتطع في المدى الآني مزيدا من اراضيهم ويخلق اوضاعا لا تطاق على نحو متزايد.

ان القادة والمسؤولين الاسرائيليين الذين يتاسفون لفوز حماس، او يتظاهرون بذلك، يتحملون اذن في الواقع مسؤولية كبيره في ذلك الفوز. هم اولا من نزع أي صدقية عن قادة السلطة الفلسطينية وعن سياستهم. ولا بد من اضافة كون المسؤولين الاسرائيليين شجعوا، حتى فترة غير بعيدة، بروز حماس في فلسطين.

أيام كانت اسرائيل تشجع نمو حماس

إن حركة حماس الفلسطينية ذاتها متحدرة من الفرع الفلسطيني لمنظمة الاخوان المسلمين التي اسسها بمصر عام 1928 حسن البنا، وتكلف صهره سعيد رمضان، والد طارق رمضان، بارسائها في الاردن والقدس. وحظي الاخوان المسلمون بمصر منذ البداية بدعم المصالح السرية الانجليزية. كانت هذه تعتبر فطنة تشجيع هذه القوة الدينية المحافظة، وترى فيها ثقلا موازنا للاحزاب القومية التي كانت آنذاك تشهد ت ازدهارا بهذا البلد الذي ظل شبه مستعمرة بريطانية. كما كان الاخوان المسلمون يستفيدون ايضا من دعم اشد القوى رجعية، مثل الملكية المصرية – قبل ان يطيحها " الضباط الاحرار" في 1952- او الملكية الهاشية بالاردن. وكان التيار القومي الذي افضى، مع ياسر عرفات، الى تاسيس فتح في بداية سنوات 1960، متحدرا هو ذاته من قطيعة مع الاخوان المسلمين. ومذاك لم يكف هؤلاء عن محاربته.

ومنذ 1967، مع احتلال غزة، والضفة الغربية، والجولان، وسيناء، بدأ حكام اسرائيل يشجعون منهجيا التيار الاسلامي بالاراضي المحتلة. وكان عداء الاسلاميين للاحزاب القومية العلمانية، المتجمعة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وبمقدمتها فتح ياسر عرفات، تخلق مساحة مشتركة بينها وبين المحتل الاسرائيلي، المنشغل ايضا بمحاربة نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية المتنامي. وفي الآن ذاته استفادت مذبحة "ايلول الاسود" في 1970 بالاردن، والتي اقترفها الملك حسين بالاردن ضد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينيةن من دعم الاخوان المسلمين.

هكذا كانت سلطات الاحتلال تنظر بعين الرضى الى الدعم المالي الذي تمنحه الانظمة العربية الاشد رجعية، مثل الملكية السعودية، للسلاميين الفلسطينيين. وبفضل هذه المساعدة تضاعف عدد المساجد بغزة ثلاث مرات من 1967 الى 1987، منتقلا من 200 الى 600. وقد قبل الوزير الاول الاسرائيلي مناحيم بيغين عام 1978 انشاء جمعية اسلامية –المجمع الاسلامي- تقدم نفسها كمنظمة انسانية، اسسها الشيخ احمد ياسين. وفي السنة اللاحقة تمكن المجمع الاسلامي من انشاء شبكة جمعيات اعمال الاحسان، مستفيدا من الاموال القادمة من مختلف البلدان العربية، لكن ايضا من اسرائيل. وبفضل تدبير جيد، متفاد للفساد، تمكن التيار الاسلامي ان ينشأ المساجد، لا بل حتى المصحات، وحضانات اطفال، ومؤسسات تعليم. كانت طبعا تضطلع بوظيفة لا غنى عنها ازاء السكان. لكنها تتيح في الآن ذاته انغراسا اجتماعيا للاسلاميين.

ودوما بفضل عون الاسرائيليين، المستعدين دوما لدعمهم بوجه وطنيي منظمة التحرير الفلسطينية، اصبحت الجامعة الاسلامية بغزة- المؤسسة الجامعية الوحيدة بالمدينة، مسنبتا للمناضلين الاسلاميين الشباب. اخيرا بعد فترة الحمل المديدة هذه تحت حماية المحتل، تحول الاخوان المسلمون الفلسطينيون عام 1987 الى حزب سياسي ، حركة المقاومة الاسلامية، حماس، بقيادة الشيح ياسين.

اندلعت الانتفاضة الاولى نفس السنة، نهاية 1987، انطلاقا من تمرد عفوي للشباب الفلسطيني بغزة. واصل الاسرائيليون خلال فترة اضافية اعتبار الاسلاميين اداة تحكم ممكنة بالجماهير الفلسطينية ووزنا مضادا للوطنيين. لكن المنافسة احتدت خلال هذه الانتفاضة الاولى مع وطنيي منظمة التحرير الفلسطينية، وشهدنا اتخاذ سلفيي حماس مواقف ذات طابع جذري متزايد، بينما كان قادة منظمة التحرير يبدون انفتاحا متزايدا على المساومة. و سجن الشيخ ياسين سنة 1989 من قبل السلطات الاسرائيلية مما ادى الى تسريع تجذر حماس. وعندما قبل قادة منظمة التحرير اتفاقات اوسلو عام 1993، رفضتها حماس. وبعد اشهر في فبراير 1994 لما قتل متطرف اسرائيلي تسعة وعشرين فلسطينيا في مدينة الخليل ، نظمت حماس عملية بالسيارة المفخخة في افولا في ابريل 1994.

قتلت العملية 9 اسرائيليين. وكان القصد حسب حماس "الانتقام لشهداء الخليل". لم يكن ذلك غير اولى جملة عمليات استشهادية تستهدف الاسرائيليين، والتي كان يلجأ اليها تنظيم آخر، الجهاد الاسلامي، المدعوم على ما يبدو من ايران دون ان يكون له ما لحماس من انغراس في فلسطين.

كانت حماس تسعى، بلجوئها الى هذا النوع من العمليات حيث يضحي شباب فلسطينيون بحياتهم بضرب اعمى للسكان الاسرائيليين، الى تاكيد الطابع الكفاحي والمعارض للمساومات مع اسرائيل التي وقعها عرفات ورجال منظمة التحرير الفلسطينية. بات هذا المنافس لمنظمة التحرير، والذي ساهم الحكام الاسرائيليون في تعزيزه، قد انقلب ضدهم.

وجرى الرد على عمليات حماس بالقمع وبضربات الجيش الاسرائيلي الانتقائية ضد قادتها، وفي الاخير اغتيال الشيخ ياسين في 24 مارس 2004 خلال قصف جوي اسرائيلي. لكن لم يكن هذا سوى ليعزز صورة حزب من المكافحين والشهداء التي كسبتها حماس بنظر السكان الفلسطينيين، بينما تسرع استفزازات اسرائيل، وغياب أي تنازل ملموس للقادة الفلسطينيين افقاد الاعتبار لسيلسة عرفات، وبعده خلفه محمود عباس.

لم تكن اذن انتخابات 26 يناير الاخير سوى تاكيدا لتطور سابق. لكن كان ممكنا الحد آنيا من مضاعفات فوز حماس الانتخابي على تطور الصراع العربي-الاسرائيلي ذاته، وذلك لان هذا التطور لا يتوقف الا بشكل قليل على سياسة القادة الفلسطينيين. اتاح فوز حماس فقط للاسرائيليين التذرع بكون الامر يتعلق بمنظمة "ارهابية" لرفض كل نقاش مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. لكن ذلك ما كانت تقوم به من قبل بذريعة وبدونها سواء مع عرفات او مع محمود عباس.

كل شيء متوقف، من وجهة النظر هذه، على موقف حكام اسرائيل. ومن المرجح ان يبدي قادة حماس من جهتهم، رغم بعض المزايدات اللفظية، استعدادا لموقف براغماتي ازاء المحتل الاسرائيلي قد يفضي الى اتفاقات معه. وقادة اسرائيل اول من يدري ذلك، بفعل ماض طويل من العلاقات مع التيار السلفي الفلسطيني ابان خلاله هذا الاخير امدا طويلا استعداده للتعاون، قبل أن يتجذر. كما ان انتهازية القادة الاسلاميين قد تدفعهم الى السير في طريق معاكس. لكن ذلك يستلزم وجود طريق، أي ان يسعى قادة اسرائيل الىاتفاق مع القادة الفلسطينيين.

على العكس، يبدو لحد الان ان حكام اسرائيل يتجهون، بموافقة الولايات المتحدة، الى وقف المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، او حتى رفض تسليمها مبالغ الرسوم المتاتية من البضائع الموجهة للسوق الفلسطينية. ويتمثل الهدف في وضع الحكومة الفلسطينية بسرعة في ضيق شديد بقطع مواردها المالية.

يتضح ان التجربة لم تعلم القادة الامريكيين ولا الاسرائيليين شيئا. اذ ليس صعبا تبين ان كل هجماتهم، وهذا الانكار لحقوق الفلسطينيين الذي يبلغ الان مستوى امكان تجويع هذا الشعب لانه صوت " على نحو سيئ" ، لن تدفعه سوى الى مزيد من التضامن مع قادته، وفي هذه الحالة مع حكومته الجديدة. لكن في الحالة الحاضر يستعمل الحكام الاسرائيليون والامريكيون فوز حماس لتبرير سياستهم الخاصة مرة اخرى.

نجاح الاخوان المسلمين المصريين

لكن فوز الاسلاميين لا يقتصر على الانتخابات الفلسطينية. فقبل شهرين حقق مرشحو الاخوان المسلمين تقدما ملحوظا في الانتخابات التشريعية المصرية رغم كل الحواجز التي وضعها بوجههم الحزب الحاكم. ولهذا النجاح قواسم مشتركة مع فوز حماس رغم كون السياق الفلسطيني بالغ التميز.

في مصر ايضا تمكن حزب الاخوان المسلمين، بوجه سلطة فاقدة الاعتبار، مستندة على ساسة فاسدين، من تطوير شبكة من المناضلين قريبين من السكان، حاضرين في الاحياء، ومقدمين خدمات عديدة لهؤلاء. يشرف الاخوان المسلون على مصحات ومراكز علاج، وجمعيات خيرية وتربوية، ويوزعون الاعانات على الاسر المعوزة. وتمكنت شبكتهم من بناء ذاتها حول المساجد والمراكز الدينية. وقد امن ذلك بفضل تدفق الاموال، كما في فلسطين، من الملكيات الثرية بالخليج، لكن ايضا من قسم "اسلامي" من البرجوازية المصرية. لكن بدت هذه الشبكة بانظار السكان محمولة قبل كل شيء من طرف مناضلين اسلاميين يحركهم تفانيهم وايمانهم وليس المصلحة الشخصية، ومهتمين في كل الاحوال بحاجات السكان، بخلاف الساسة الحاكمين.

وقد استعملت مختلف التيارات الاسلامية، بدرجات متباينة، نفس الوصفات في بلدان اخرى عديدة. وحتى خارج البلدان العربية، استند نجاح حزب اردوغان بتركيا، المسمى "اسلاميا معتدل"ا، على سياسة انغراس اجتماعي مماثلة، تمكن الاسلاميون بفضلها من تقديم صورة حزب قريب من السكان ومنتبه لمصالحهم. وحتى في ايران كان انتخاب احمد نجاد مؤخرا رئيسا للجمهورية، والذي فاجا مراقبين كثيرين، يفسر الى حد كبير بهكذا انغراس اجتماعي.

قضية الرسوم الساخرة من النبي محمد

في هذا السياق اذن تندرج القضية المسماة " الرسوم الساخرة من النبي محمد" وما استتبعت من موجة مظاهرات ببلدان الشرق الاوسط والشرق الادنىـ والعالم الاسلامي بوجه عام.

كانت الرسوم، المنشورة في نهاية سبتمبر 2005 في جريدة يومية دانماركية يمينية الانتشار، Jyllands-Posten ، جوابا على مبادرة من الجريدة ترمي، حسب هيأة تحريرها، الى "اختبار درجة الرقابة الذاتية في اوساط الرسامين الدنماركيين"، وكان عدد من هؤلاء قد ُدعي من طرف الجريدة الى "اعطاء صيغته بواسطة الرسوم" عن النبي محمد، بعد ان كانت هياة التحرير قد نشرت سابقا، مرات عديدة، "تحقيقيات" تتعلق بخيبات كاتب دنماركي معاصر في محاولاته توضيح سيرة للنبي محمد بالصور.

طبعا، وايا كانت الاحالات التي تمت لاحقا الى الحرية المقدسة للصحافة، وحقها في انتقاد الدين، لم يكن لمبادرة الجريدة الدنماركية الا علاقة ضئيلة بهكذا معركة. فكما هو شأن صحف اخرى رجعية، كانت مبادرتها تندرج في محاولة لابتذال مناخ كره للاجانب يوضحه ويحافظ عليه وجود 24 نائب لحزب الشعب الدانماركي بالبرلمان. فحزب اقصى اليمين هذا، الذي حصل على 13 % من الاصوات في انتخابات فبراير التشريعية، يساند حكومة Anders Rasmussen الحالية الليبرالية-المحافظة.

بعد نشر الرسوم، تلقت هياة تحرير الجريدة احتجاجات،صدر اغلبها عن مسلمي الدانمارك، وكذا تهديدات. وبعد ايداع شكاية، جرى اعتقال الذين قاموا بالتهديدات. وبعد 3 اسابيع طلب 11 من سفراء البلدان الاسلامية مقابلة الوزير الاول الدنماركي لمطالبته بالتدخل ضد الجريدة التي نشرت الرسوم. رفض الوزير الاول مقابلة السفراء مجيبا ان القضية من اختصاص القضاء.

وفي بداية نوفمبر وديسمبر 2005 بدأت القضية تُعرف ببلدان الشرق الاوسط ، قبل ان تُطلق بها شبكات اسلامية مقاطعة المنتجات الدنماركية. وتلاها بعد ايام تنظيم مظاهرات كبيرة الى هذا الحد أو ذاك. لا شك ان مدة بضعة اشهر هذا، كان الاجل الذي لا غنى عنه، ليس فقط لُتعرف القضية، بل لتقيس المنظمات الاسلامية بمختلف البلدان ما يمكن أن تستفيد منها. جلي ان استعمال مواضيع دينية لاستثارة، او محاولة استثارة، تبلور غضب شعبي امر مألوف لدي المنظمات الاسلامية. وهو يتيح ،بالنظر الى ذلك،اللعب على خلط بين الشعور بالاستهداف باضطهاد واحتقار من جانب البلدان الغربية و حكامها، والذي تحسه عن حق شعوب بلدان العالم الثالث ذات الاغلبية المسلمة، والفكرة الخاطئة التي مفادها ان الامر يتعلق بشكل رئيس باحتقار دينها واعرافها. يتيح الاحتجاج ضد "إهانة الدين" في الآن ذاته استغلال هذا الشعور بالاضطهادوالاحتقار، المستند على واقع اجتماعي، وحرفه الى مجال آخر. ليس لدى هذا الاحتجاج من اجل احترام الدين سوى حظوظ قليلة للانتقال نحو مطالب اجتماعية ملموسة. فبدل ان يهدد بتجاوز منظميه، تراه يعزز سلطتهم، هم المؤهلون، بصفتهم قادة دينيين، لقيادته والتحكم به واتخاد القرار بشأن ما يصح وما لا يصح.

يصعب في ظل تكاثر المظاهرات من بلد الى آخر، وما يرافقها من مزايدات، توضيح ما نتج عن مبادرات سلطات دينية، ومنظمات اسلامية استكملت المهمة، وحتى ما صدر عن مصالح حكومية ارتأت انه من الفطنة النفخ في النار. جرى،خلال الحملة الانتخابية في الخريف الاخير بمصر، نسخ فيلم قرص DVD صادر عن مسيحيين اقباط ، من شانه ابراز ميلهم الى " إهانة " الدين الاسلامي، ونشره في الاحياء الفقيرة بالاسكندرية، دون امكان معرفة ما ان كانت المبادرة من الاخوان المسلمين او من بوليس ساع الى الاستفزاز. يبقى ان الاخوان المسلمين تبنوا الاحتجاج لصالحهم، وادى نشر القرص الى مواجهات دامية بين المسلمين والمسيحيين الاقباط.

دور مختلف الانظمة

على كل حال، اتخذت المظاهرات التي سببتها " الرسوم الساخرة من النبي محمد" حجما بات جليا ان الانظمة تساهلت معها او دعمتها بشكل صريح، وحتى اثارتها عن بعد.

تظاهر الاف المحتجين في دمشق حاملين صور الرئيس بشار الاسد، ثم احرقوا بنايات فارغة ُتركت دون حماية بوليسية: تمثيليات الدنمارك، والنرويج، وتشيلي، والسويد. وان غياب ردود فعل البوليس، ببلد مثل سوريا، يعني ضوءا اخضر من السلطات الى المظاهرات. كما يبدو كمحاولة من بشار الاسد لإبطال معارضة الاخوان المسلمين بتجاوزها على ساحتها الخاصة. وهو اخيرا من جانب النظام السوري طريقة للرد على ضغوط مختلف القوى الامبريالية الغربية التي تتهمه بالتورط في اغتيال الوزير الاول اللبناني الاسبق رفيق الحريري. ويبرهن ان النظام السوري قادر على الرد على تلك الضغوط بضغوط مضادة مثل استعمال" قضية الرسوم الساخرة" لتشجيع مظاهرات معادية للغرب.

ومن الارجح الا يكون نفوذ نظام دمشق غائبا عن التظاهرات التي نظمتها ببيروت "حركة الدفاع عن النبي"، حيث قام زهاء 200 شخص بنهب واحراق قنصلية الدنمارك، داخل حي الاشرفية المسيحي ذاته. بينما يندد حكام الغرب بالنفوذ السوري بلبنان تلك بجلاء فرصة البرهنة لحكام لبنان، لا سيما المسيحيين، انهم قد يحتاجون من جديد حماية النظام السوري، كما حدث ابان الحرب الاهلية من 1975 الى 1990، لما تدخل نظام دمشق للحفاظ على التوازن بين الطوائف لصالح الطائفة المسيحية.

على هذا الصعيد تتطابق سياسة النظام السوري مع سياسة النظام الايراني. فبوجه الضغوط الغربية الرامية الى اجباره على التخلي عن مشروعه الصناعي بتخصيب اليورانيوم، قفز الرئيس الايراني احمد نجاد على الفرصة التي قدمتها " قضية الرسوم الساخرة" للبروز على راس الاحتجاجات ضد " إهانة الدين". استهدفت المظاهرات على نحو مناسب ليس فقط سفارة الدانمارك، بل ايضا تلك الخاصة بالنمسا، البلد الذي استضاف اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة النووية المخصصة لادانة سياسة طهران. وقد اقترح احمد نجاد، غير البخيل بالديماغوجية الكريهة، الرد على الرسوم الساخرة من النبي محمد بتنظيم مبارة رسوم ساخرة من ابادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية التي سيق لاجمد نجاد او وصفها بـ "الخرافة".

هكذا نرى ان قضية الرسوم الساخرة كانت بالبلدان الاوربية فرصة لدعاوة مشبوهة ذات ظلال كارهة للاجانب، وان ديماغوجية مشبوهة هي التي دفعت البلدان الاسلامية الى تنظيم مظاهرات "مناهضة للرسوم الساخرة" استجابة لدعوات منظمات اسلامية او تلاعبات حكومية. وقد ظلت تلك المظاهرات، في معظم الحالات، محدودة جدا عدديا، رغم انه لا شك في دعم واسع يتعدى بضعة الاف من المتظاهرين. ولكنها بعيدة عن اعطاء صورة عن سكان مسلمين يشعرون بمجملهم بالاهانة لدرجة النزول الى الشارع للاحتجاج.

لكنها اكتست بليبيا، بين 17 و19 فبراير طابعا تفجريا تجاوز الاحتجاج الاصلي. فبعد بدء المظاهرات ضد قنصلية ايطاليا ببنغازي احتجاجا على استفزازات بليدة قام بها كاديروني وزير عصبة الشمال البليدة بالتلفزيون الايطالي، واصطدامها برصاص الشرطة الليبية، وبعد ان خلفت احدى عشر قتيلا، تحولت الى نهب للقنصلية الايطالية والى احتجاج ضد النظام الليبي ذاته. وجلي ان استفزاز الوزير الايطالي، الذي استعرض بالتلفزيون اقمصة تحمل الرسوم الساخرة من النبي، وحضور معارضة اسلامية هامة ببنغازي، ووجود استياء اجتماعي عميق موجه جزئيا ضد النظام، واخيرا اطلاق الشرطة الليبية الرصاص على حشد أعزل، خلقت مجتمعة مزيجا متفجرا افضى هذه المرة الى الانفجار.

أحزاب برجوازية رجعية

بوجه فقد الانظمة القائمة أي اعتبار، وفساد الاحزاب والساسة المنشغلين، قبل كل شيء، بمسارهم واغتنائهم الشخصيين، والازمة الاجتماعية المؤدية الى افقار للجماهير بوجه الثروات الفاحشة لاقلية، قد تبدو التيارات الاسلامية مكونة من اناس نزهاء، ومنتبهين لحاجات السكان ومدافعين عن مصالحهم. لكن هذه الاحزاب تمتنع بحرص عن الدفاع عن ابسط مطلب طبقي، او برنامج مطابق بقسط ضئيل لتطلعات افقر الشرائح.

لا غرابة في الامر لأن هذه الاحزاب ليست، من وجهة النظر الاجتماعية، غير احزاب برجوازية. فهي تدافع، من الناحية السياسية، عن برنامج رجعي على صعيد الاخلاق، وسطوة الدين، والاسرة و حقوق النساء. و تناصر على الصعيد الاقتصادي الليبرالية التي تطلق عنان اغتناء الرأسماليين. وبعيدا عن صورة الارهابيين الملتحين التي تروجها الصحافة الغربية، بالاقل تلك المراهنة صراحة على كره الاجانب، غالبا ما يكون قادة تلك الحركات ساسة مستعدين للقيام بدور تسيير السلطة والمجتمع. وهم ابعد ما يكونون عن المس بسيطرة الشركات الراسمالية الكبرى والامبريالية.

كما ان الامر ابعد من حماسة وورع دينيين يدفعان فجأة قسما من السكان نحو احزاب مستندة على تعاليم دينية. ان فقد الساسة القائمين لاي اعتبار، وتفاني المناضلين الاسلاميين من جهة، والمساعدات المالية التي تتلقاها وتوزعها الاحزاب الدينية من جهة اخرى، هي التي تتيح تعزز الاسلاميين ونجاحهم بمختلف تنويعاتهم.

لكن سياسة الامبريالية، التي ليست سياسة اسرائيل محليا في نهاية المطاف غير احدى اوجهها، هي التي تدفع اولا واساسا جماهير البلدان العربية والاسلامية الى جانب الساسة الاسلاميين. إذ ينضاف الى العواقب الاجتماعية الكارثية للسيطرة الامبريالية، وبمقدمتها شركاتها البترولية، العنف والاحتقار الباديين في العمليات العسكرية للولايات المتحدة بالعراق ولاسرائيل في فلسطين على حد سواء. وفي الان ذاته وصلت الحركات القومية التي ظهرت في سنوات 1950 الى المازق تباعا. وقد عجزت على زعزعة السيطرة الامبريالية بالشرقين الاوسط والادنى وحتى عن اقامة أنظمة غير دكتاتورية على سكانها وقادرة الى حد ما على تحسين شروط حياتها.

إن الانهاك السياسي لهذه الانظمة هو ما تستفيد منه التيارات الاسلامية، التي شب اغلبها برعاية الامبريالية مثل الاخوان المسلين المصريين، او حتى باسرائل مثل حماس. لكن هذا يصح ايضا بصدد تنظيم القاعدة لاسامة بن لادن وقدماء محاربيه الاسلاميين بافغانستان، الذين دفعتت بهم وكالة الاستخبارات الامريكية عندما كان القصد محاربة الاتحاد السوفياتي في هذا البلد. يمكنها الان، بعد ان كانت مجرد صنائع الامبريالية، ان تحصل على تاثير لدى الجماهير بتعاطي خطابات عنيفة ضد الولايات المتحدة واسرائيل ومختلف القوى الغربية .

الخطاب الديني بديلا عن مطالب حقيقية

لكن هذا التجذر على مستوى الخطاب، او على مستوى الاساليب مع اللجوء بوجه خاص الى الهجمات والى اقتحام المظاهرات للسفارات، لا يطابقه تجذر على الصعيد الاجتماعي. على العكس تتيح المعركة على الصعيد الديني تفادي أي مطلب ملموس يعبر، ولو من بعيد، عن الحاجات الفعلية للجماهير، التي لا يعدها الساسة الاسلاميون بشيء وليس لديهم من ملموس يقدمونه لها. و بصفتهم احزابا برجوازية رجعية لا يريدون التعرض باذى لامتيازات الطبقات المالكة المحلية. ولا شك انهم قد يسعون الى الطعن، ولو جزئيا، في امتيازات الشركات الغربية، او الاسرائلية طبعا. لكن ذلك يستدعي توفرها على الوسائل، وسيكون ذلك في هذه الحالة لفائدتها الخاصة ولفائدة المالكين المحليين الذين يمثلون مصالحهعم.

في الواقع ليس لدى المنظمات الاسلامية ما تقدم للجماهير التي تتبعها، علاوة على الاعمال الخيرية التي قد تمولها المملكة السعودية وايران وجهات اخرى داعمة لها غاياتها، غير خطابات دينية. ومع هذه تبقى النقطة الوحيدة التي قد تفي فيها تلك الحركات بوعودها متمثلة فيما تسميه عودة الى التقاليد واحترام الدين. وفعلا يمثل فرض الحجاب على النساء واحترام اخلاق اسلامية متشددة يحددها بعض الائمة، ورفض اللباس على الطريقة الغربية، وحملات ضد افلام التلفزيون ذات اللقطات فائقة الجرأة، مواضيع لا تكلف غاليا ولا تخاطر باي وجه بالمس بمصالح الطبقات المالكة المحلية ولا حتى الامبريالية عمليا.

لكن الجماهير الشعبية ذاتها هي المخاطرة باداء الثمن بتراجع عميق لشروطها الاجتماعية والسياسية. ويقدم النظام الايراني مثالا عن ذلك. اخلى اسقاط ديكتاتورية الشاه، ذلك النظام التابع للامبريالية والممقوت، المكان لنظام الجمهورية الاسلامية. استجاب هذا الاخير لمطامح جزء من بورجزازية ايران في التصرف باستقلال اكبر. لكنه هو الاخر نظام دكتاتوري لا يقل شراسة عن نظام الشاه، ويمارس قمعا عنيفا ضد النقابات، والمنظمات العمالية وبوجه خاص المنظمات الشيوعية، ويعارض كل سعي الى تنظيم الجماهير الشعبية تنظيما مستقلا. ويضيف الى ذلك نظاما اخلاقيا يفرض ظلاميته على المجتمع برمته، مع قواعد حياة وسلوك تعود الى عصر بائد، لا سيما التراجع الرهيب لوضع النساء الذي ترمز اليه اجبارية التشادور.

لا شك ان المنظمت الاسلامية قد تختار، اينما ُوجدت بالمعارضة، تكتيك الظهور بمظهر حركات ديمقراطية كباقي الاتجاهات. تلك حال الاخوان المسلمين بمصر الذين يسعون، بالاحتجاج ضد ما يتعرضون له من اضطهاد النظام، الى الفوز بقبول المنظمات المعارضة الاخرى. لكن تلك ايضا كانت حالة الملالي الايرانيين، الذين كانو يقدمون انفسهم، قبل الاستيلاء على السلطة، كموحدين للمعارضة الديمقراطية لنظام الشاه. وقد شهدنا حقيقة الامر يعد استيلائهم على السلطة. ولا يحول بقاء الاخوان المسلمين المصريين بالمعارضة دون نجاحهم في فرض ديكتاتوريتهم الاجتماعية بفرض الحجاب مثلا على نساء المجتمع برمته. وهذا ايضا ما يقوم به حزب الله في المناطق التي يتحكم بها جنوب لبنان. علاوة على ان هذا الاخير بات يسعى الى فرض ديكتاتوريته هناك بعد القضاء على مناضلين شيوعيين بالاغتيال. ويعطي هذا فكرة عن طراز النظام الذي قد تقيمه احزاب من هذا القبيل ان توقف الامر عليها وحدها.

ومن جهة اخرى قد تكون للانقاسات وللمزايدات بين المنظمات الاسلامية عواقب مفاقمة. واسباب ذلك متعددة. يعود بعضها الى القوى التي تقدم الدعم لمختلف المنظمات: تقوم المملكة السعودية، وايران، وسوريا بذلك لصالح هذه المنظمة او تلك مبقية على هذا النحو على تنازعها. وينضاف هذا التنافس بدوره الى ما يفرق المجموعات الدينية السنية والشيعية وحتى الدرزية او العلوية ممهدا الطريق لحرف تفجرات استياء محتملة نحو مواجهات طائفية. و قد تدفع الجماهير الشعبية على هذا الصعيد ايضا غاليا ثمن التراجع الذي تمثله سطوة مختلف المنظمات الاسلامية.

بينما تخلق كامل سياسة الامبريالية، وسياسة اسرائيل، ببلدان عديدة من الشرقين الاوسط والادنى، شروط انفجار اجتماعي، لا يعني ذلك ان الخطاب الديني الرجعي والديماغوجية الطائفية تنجحان لامد طويل في القيام لدى الجماهير الشعبية مقام تلبية لتطلعاتها. لكن الجماهير ستضطر حتما، في سعيها لتحقيق هذه التطلعات، الى محاربة سطوة تلك المنظمات، التي قد تصبح ادوات بالغة الفعالية بيد ديكتاتورية البرجوازية ضد الجماهير. ولن تقدرعلى فعل ذلك سوى بالتزود باحزاب قادرة على الدفاع حتى النهاية عن تطلعات ومطالب الجماهير العمالية والشعبية.

وبينما يزداد الطابع غير المحتمل للاضطهاد الاقتصادي والسياسي، وحتى العسكري، للنظام الامبريالي، سيستلزم ذلك بعث، بوجه الديماغوجيين الاسلاميين والطائفيين، احزاب من طراز آخر: احزاب مدافعة عن برنامج مطالب وتغييرات اجتماعية حقيقية، احزاب مدافعة عن منظور طبقي، شيوعي، ثوري وأممي .

23 فبراير 2006

عن مجلة النضال الطبقي

العدد 95 * مارس 2006

تعريب المناضل-ة