شيوعيون في الفيسبوك


عبدالرزاق دحنون
2019 / 5 / 9 - 13:59     

شراذم شيوعية توزَّعَت منصات التواصل الاجتماعي وراحت تنفثُ سُمَّا ناقعاً في وجوه بعضها بعضاً. وكلمة شراذم هُنا ليست شتيمة على أية حال، هي جمع شرذمة. والشرذمة في المعجمات القليل من الناسِ، والقِطْعَةُ من السَّفَرْجَلَةِ، وفي التنزيل العزيز: "إنَ هؤلاء لَشِرذِمَةٌ قَلِيِلُون" وتشرذم النّاس تفرَّقوا بشكل فوضويّ، تشرذمت الأُمَّة فصارت ضعيفة مستباحة. وتشرذمت الأحزاب الشيوعية فصارت مزقاً، ويقال: ثوبٌ شَرَاذِمُ، وثِيابٌ شَراذِمُ: ممزَّقة خَلَقة.
هذه الشراذم تخوَّن بعضها بعضاً وتتهم الواحدة الأخرى بالعمالة والانحراف عن الماركسية -كما نفعل من خلال مقالنا في الحوار المتمدن- والشطط يصل بهذه الشراذم في بعض الأحيان إلى العراك العقائدي الفاضح. فأنت لن تكون شيوعياً حقيقياً، بل ستكون شيوعياً مُفلساً بكل تأكيد، إن انتقدت تصرفات ستالين التي أدت في النهاية لموت الملايين من أفراد الشعب في الجمهوريات السوفييتية جوعاً وبرداً، ظلماً وعدواناً، والويل لك إن لم تعترف بأن ستالين يقف في صفٍّ واحدٍ مع ماركس وأنجلز ولينين، ويمكن أن تُطرد من "جنة الشيوعية" لهذا الذنب العظيم.
تقول مُدافعاً عن رأيك: يا رفاق أنا أُقر وأعترف بأن ستالين كان ابن يومه، وكان يعرف من أين تؤكل الكتف، وكان عظيماً في تلك الأيام، ولكنني قرأتُ وشاهدتُ في الأفلام الوثائقية أنه كان بلطجياً في شبابه فكيف يمكننا وضعه في صفِّ الفلاسفة الأخيار؟ لا شك كان زعيماً فولاذياً قاسياً ولكن... لا خيار أمامك لأن لينين أمر ستالين أن يكون بلطجياً لصالح الحزب وستالين نفَّذ الأمر فكان قائداً بلطجياً. وفيما بعد أرسل بلطجياً اسمه رامون ميركادير ليقتل بالفأس أو البلطة أو الساطور ليون تروتسكي في المكسيك حيث كان يُقيم منفياً من الاتحاد السوفييتي. كان تروتسكي خائناً وعميلاً من وجهة نظرك، فهل تقتله هذه القتلة، سلوكٌ مَشين، والرجل تجاوز الستين من عمره وهو من رفاق لينين المخلصين؟ هذه بلطجة في عرف هذه الأيام، وبطولة في عرف تلك الأيام.
واستمر ستالين في البلطجة-ومارسها حتى على زوجته "ناديا" قبل أن يقتلها، ويُنكل باهلها-قيل انتحرت- وهذه البلطجة من صفاته الحميدة على كل حال و التي انتصر من خلالها على البلطجي الآخر أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية- وقد مارس البلطجة الحزبية على لينين نفسه قبل وفاته-يا رفيق ما هذا الكلام الفارغ؟ إما أن تكون شيوعياً حقيقياً أو أن تكون شيوعياً مغشوشاً، مُزيفاً، مفلساً -والظاهر أنا كذلك-على حدِّ تعبير رفيقنا العزيز فؤاد النمري-أسعد الله اوقاته- اختر لنفسك ما تريد، واعتبر هذه بلطجة شيوعية.
لاحظتُ أن الشراذم الشيوعية في الفيسبوك تتنوَّع وتتبدَّى بأشكال وألوان غاية في التنافر والغرابة. شرذمة هُناك تتبع الخط الرسمي للأحزاب الشيوعية العربية وأُخرى تُغرِّد خارج السرب، ومنها من يُحلِّق بعيداً جداً، ومنها من ينتظم خارج التصنيف الماركسي-اللينيني. فهناك شراذم بأسماء مختلفة: ماركسية، لينينية، ستالينية، بكداشية، تروتسكية، جيفارية، كاستروية، ماوية، أُممية، عمالية، ثورية، يسارية، ثوروية، نضالية، كفاحية، أمامية، جبهوية، شعبية، شعبوية، حمراوية-نسبة للراية الحمراء-والتصنيفات كثيرة. تسأل ما علّة هذه التشرذم هل له أصل في "العقيدة الشيوعية" أم هو بدعة، أم اختلاف في المراجع والأئمة والمذاهب أم اختلاف في مشارب الناس الذين يحملون هذه العقيدة وكل إناء بما فيه ينضح؟ ام أننا في آخر زمان الشيوعية؟ أم أن الأمر برمته يتعلق بالتوزع الجغرافي للبشر على الكرة الأرضية؟
في حياتنا اليوميَّة هل يمكن أن نجد قدوة، أم أن "الجمهورية الشيوعية" أو "الفكرة الشيوعية" أو "الحلم الشيوعي" أو "الدين الشيوعي" أو "الماركسية" أو "الأيديولوجية الماركسية-اللينينية" أو "العصبة الشيوعية" أو "الساحة الشيوعية" أو "اليوتوبيا الشيوعية" مشاعاً -غير مملوكة- فقط ضع "سكَّة فدانك" احرث وافلح أرضها وستحصل على قطعتك الخاصة، ثمَّ ازرع ما تشاء، وخاصة مع وجود هذا الفضاء الافتراضي "الإمبريالي" العابر للقارات؟
تقول لهم يا رفاق سأضرب لكم مثلاً، والضرب هُنا بمعنى عِبْرة وعظة، مش بلطجة، وأسأل فقط ولا أُجيب: هل يُعقل شرعاً، ومهما كان الشخص عظيماً، أن يكون أميناً عاماً للحزب الشيوعي حتى وفاته، ومن ثمَّ تُصبح هذه الحكاية "سُنَّة" متبعة، عرفاً شائعاً في الأحزاب الشيوعية، بموجب الديمقراطية المركزية. ماو تسي تونغ في الصين، كيم إيل سونغ وعائلته في كوريا الشمالية الابن كيم جون إيل ومن ثمَّ الحفيد الحالي كيم جون أون-في كوريا الجنوبية 12 رئيساً مُنتخباً من عام 1948حتى اليوم- فيدل كاسترو في كوبا "بطَّل، ترك، قبل موته بقليل" وسلَّم الراية لأخيه راؤول كاسترو، والقائمة تطول ومنها عموم أُمناء الأحزاب الشيوعية العالمية -دعك من زعماء الجمهوريات الاشتراكية في أوروبا الشرقية- ما القصَّة، ما هذه الحكاية الكابوسية، ما سبب ذلك، أين العلَّة، ما الفائدة التي ستجنيها الجماهير العريضة من بقاء الحاكم في الحكم -في دولة تبني الشيوعية- حتى وفاته. ظاهرة غريبة أليس كذلك؟
هل يمكننا الحديث عن الشيوعية دُونَ تجلياتها في الأحزاب الشيوعية وقادتها؟ ما الحجة القوية والمنطق السليم والفائدة المخفيَّة مثلاً في أن يكون السيد "خالد بكداش" أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوري من عام 1937 حتى وفاته عام 1995 -غاية الطول-مع احترامنا وتقديرنا لجهوده النبيلة، ولكنه كان تلميذاً نجيباً لستالين و كان يُمارس البلطجة الحزبية على رفاقه، وقد شهدتُ بعضاً من فصول هذه البلطجة في حينها -رحمه الله- ومن ثمَّ تسلَّمتْ راية الأمانة العامة للحزب زوجته السيدة "وصال فرحة بكداش" وبعد وفاتها تستلَّم الراية ابنهما السيد "عمَّار بكداش"-وهذه بلطجة حقيقية أن يتسلم الراية أفراد الأسرة بالتتابع كابر عن كابر- وقد مارس هو الآخر البلطجة على أعضاء حزبه فانفضوا من حوله. وهو اليوم الأمين العام للحزب الشيوعي السوري-والذي بلغ عدد ركابه عدد ركاب باص نقل داخلي- حَكَمَتْ هذه العائلة الحزب الشيوعي السوري أكثر من ثمانين عاماً ولم تسأم. "دق ع الخشب يا رفيق" لإيش زعلان؟ عجبك أهلاً وسهلاً، ما عجبك دع الحزب لأهله واختر حزباً آخر -الأحزاب اليسارية على قفا مين يشيل- معكم حق أنا لإيش زعلان ومعصِّب. بس ماني معصِّب. لأ معصِّب، يظهر ذلك في وجهك. على كل حال القصة تافهة لا تستحق الزعل يا رفيق.
ملحوظة حول كلمة بلطجة:
في المعجمات بلطجَ الشَّخصُ اعتدى على الآخرين قهرًا وبدون وجه حقّ مرتكباً أعمالاً منافية للقانون والعرف-كلمة بلطجة مش شتيمة- وقد كثرت أعمال البلطجة في الآونة الأخيرة من قِبل الرؤساء وزعماء الدول والأحزاب السياسية في مشرق الشمس ومغربها.