ملاحظات نقديّة ل- كتاب الإقتصاد السياسي - للإتحاد السوفياتي - ماو تسى تونغ – 1960 النصّ 3 من الكتاب 32 : ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين - القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي - و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي -)


شادي الشماوي
2019 / 4 / 23 - 11:35     

ملاحظات نقديّة ل" كتاب الإقتصاد السياسي " للإتحاد السوفياتي - ماو تسى تونغ – 1960

النصّ 3 من الكتاب 32 : ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية
( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي ")
( ملاحظة : الكتاب برمّته ، نسخة بى دى أف ، متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن و على الرابط التالى : )https://www.4shared.com/office/EM4qmq1Kfi/__-_____.html

الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 32 / ديسمبر 2018
مقدمة الكتاب 32 :
و نحن نتابع الكتابات و السجالات ، عربيّا ، بصدد الإشتراكية بما هي المرحلة الدنيا من الشيوعيّة كما حدّدها بداية ماركس ثمّ طوّر فهمها لينين و ماو تسى تونغ ، رصدنا إستهانة بيّنة و جليّة بمساهمات ماو تسى تونغ في هذا المضمار ، و كذلك رصدنا أنّ حتّى ثلّة من الماويّين ، حسب توصيفهم لأنفسهم ، لا يتعاطون مع المسألة تعاطيا جدّيا علميّا من موقع ما أضافه ماو تسى تونغ لعلم الشيوعية ، لا بل هناك من يخلط بين هذه الإضافات و ما ورد قبلها في كتب سوفياتيّة لم يتفاعلوا معها كما ينبغي أي بإستخدام الفكر النقدي و المنهج المادي الجدلي لفرز الدرّ من الأجرّ ، لفرز الغثّ من السمين بمعنى فرز ما هو صحيح و ما هو خاطئ أو أثبت الواقع خطأه و تمّ تجاوزه أو يشوبه نقص في الوضوح أو ينطوى على نقائص إلخ .
و أيضا لا بدّ من التعريج على جهل ماويين أو تجاهل بعضهم ، لإنحراف قومي أو ديمقراطي برجوازي ليس هنا مجال الخوض فيه ، بمضامين مؤلّفات ماو تسى تونغ التي لم ترد في المجلّدات الأربعة من مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة و هذا عيب لعمرى رهيب وجب تخطّيه في أقرب وقت ممكن .
هذا و تطعن كافة الفرق الخوجيّة و الخروتشوفيّة في الماوية ، و على وجه الضبط بالنسبة لموضوع الحال ، في بناء الإشتراكية في الصين الماويّة . فينكرها من ينكره كلّيا ، جملة و تفصيلا ؛ أوجزئيّا ، أو يتردّد في إعلان ذلك من يتردّد ، منكرين بذلك بمثاليّة فجّة حقائق الواقع الملموس و معتمدين كالببّغاء سياسة ترديد ترّهات خروتشوفيّة و خوجيّة عن التجربة الإشتراكية الصينية زمن ماو تسى تونغ . و لا يعتمد هؤلاء المشوّهين للماويّة التحليل الملموس للواقع الملموس كما علّمنا لينين العظيم و لا يناقشون حتّى المعطيات الإقتصاديّة و السياسيّة و الإجتماعيّة و الثقافيّة الواردة في عديد الكتب و بعدّة لغات عن الإشتراكية الصينية عهدذاك و إنّما يقفزون قفزا بهلوانيّا بمنهجيّة مثاليّة ميتافيزيقيّة معادية لعلم الشيوعية و يتعالون عن الواقع متفادين الخوض في المجال الذى يتطلّب معرفة تعوزهم ، معرفة عميقة للإقتصاد السياسي و فهما علميّا للإشتراكية من منظور شيوعي ثوري . بجرّة قلم تجرّأ من تجرّأ على محو تاريخ الصين الإشتراكية الماوية و خلد إلى النوم الهنيء براحة بال الإنتهازيين .
و الأدهى أنّ البعض ، للمراوغة الدغمائيّة أو التحريفيّة و الدغمائيّة التحريفية الخوجيّة ، يعمد إلى إستخدام ستالين و مواقفه ضد تطويرات ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي للإشتراكية سالكين سياسة النعامة التي تردم رأسها في التراب عندما تشعر بالخطر الداهم ، تجاه النقد البنّاء الذى صاغه ماوتسى تونغ و من موقع رفاقي و شيوعي ثوري للتجربة الإشتراكية السوفياتية في ظلّ قيادة ستالين ؛ و في الوقت نفسه ، يديرون ظهرهم لما خطّه ستالين عينه أو ما خطّه رفاق له تحت قيادته عن الإشتراكية في الصين الماويّة . و على سبيل الذكر لا الحصر ، ألفينا منهم من يلجأ إلى الركون إلى كتاب الاقتصاد السياسي السوفياتي بمختلف طبعاته ( و أحيانا لا يذكرون حتّى تاريخ الطبعة على خطورة الأمر ذلك أنّ بعض المضامين تغيّرت من طبعة إلى أخرى و عدّل خروتشوف فقرات كاملة مدخلا مفاهيمه التحريفيّة على مضامين الكتاب في طبعات صدرت بعد وفاة ستالين )، فيما يتجاهلون تمام التجاهل عمدا عامدين ما جاء فيه من حديث و معطيات ملموسة و حتّى إحصائيّة عن الإشتراكيّة في الصين الماويّة !
و من هنا ، يتنزّل هذا الكتاب الجديد ، الكتاب 32 ، في إطار مزيد كنس التراب المهال على جزء من التراث الماوي الشيوعي الثوري و مواصلة الصراع بلا هوادة ضد الدغمائيّة و التحريفيّة كمعركة لازمة لدحر التحريفيّة المهيمنة على الحركة الشيوعية العربيّة و العالميّة و المساهمة في زرع بذور الشيوعية الثوريّة التي تمثّل السلاح البتّار لمن يرنون النضال حقّا و من مواقع متقدّمة في سبيل تغيير العالم و القيام بالثورة و هدفها الأسمى إنشاء مجتمع شيوعي عالمي .
و هكذا يأتي هذا الكتاب لسدّ ثغرة معرفيّة في فهم التجربة الإشتراكية الماوية مقارنة بالتجربة السوفياتيّة و ذلك في سياق نضال الإنسانيّة في سبيل عالم آخر ممكن و مرغوب فيه ، عالم شيوعي ، و في سياق الصراعات صلب الحركة الشيوعية العالمية و تطوير علم الشيوعية . و بطبيعة الحال ، لا يوفّر كتابنا هذا لا تلخيصا لهذه التجربة و لا تقييما لها و إنّما يوفّر فحسب جملة من مواقف نقديّة ستمثّل أسسا في بناء صرح الإشتراكية في الصين الماويّة حيث كانت نقطة الإنطلاق تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة ، في أتون صراع عالمي ضد الهجوم التحريفي الخروتشوفي على ستالين و تجربة دكتاتورية البروليتاريا في الإتحاد السوفياتي ، للإستفادة من ما هو صحيح و صائب في تلك التجربة و البناء على أساسه و نقد الأخطاء و الهنات و طرح سبل تجاوزها وكلّ هذا من منظور ليس مغايرا فقط لمنظور التحريفية السوفياتية بل مناهضا له ذلك أنّ قصد ماو تسى تونغ ما كان البتّة النيل من ستالين و لا حتّى وهو ينقد كتابه " القضايا الاقتصادية للإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي " بل كان يمارس النقد و النقد الذاتي كمبدأ من مبادئ علم الشيوعية و من يجرّم النقد و النقد الذاتي الرفاقي و من منظور شيوعي ثوري خدمة لتطوير النظريّة و الممارسة الشيوعية الثوريّة هو المعادي للينين و ستالين ذاته اللذان أكّدا على ضرورة تكريس هذا المبدأ و جعله " خبزا يوميّا ".
و التقييم المعلوم الآن و المعلن و الصريح منذ عقود الآن و الذى إستمات الحزب الشيوعي الصيني في الدفاع عنه عالميّا في وجه التحريفيّة المعاصرة بكافة تلويناتها السوفياتية منها و الفرنسية و الإيطالية و الأمريكية و اليوغسلافية إلخ هو أنّ ستالين ماركسي عظيم قام بأخطاء أحيانا جدّية ؛ و شهيرة هي الصيغة التقريبيّة الملخّصة شعبيّا لما توصّل إليه الماويّون الصينيّون من دراسة عن كثب لتجربة دكتاتورية البروليتاريا في الإتّحاد السوفياتي ، صيغة 7 إلى 3 أي 7 صواب و 3 أخطاء . و تقف شاهدا على ذلك الوثيقة التاريخيّة العظيمة التى صاغها الحزب الشيوعي الصيني تحت إشراف مباشر من ماو تسى تونغ ألا وهي " حول مسألة ستالين " و فيها ما فيها من دحض للتهم التحريفية ضد ستالين و دفاع مبدئي و مستميت عنه كقائد بروليتاري و إن تمّ نقد أخطاء لديه غدت بيّنة و مع ذلك لا تنقص من شأنه كماركسي عظيم .
و أكيد أنّ ترجمتنا لنصوص ماو تسى تونغ إلى العربية وهي نصوص تكاد تكون مجهولة سابقا ، تمدّ الباحثين عن الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة بمزيد من المعطيات التي لا غبار عليها و التي تدحض التهم الصبيانيّة الموجّهة لأحد أعظم قادة البروليتاريا العالمية . و أمّا من يفتّش عن إجراء دراسة عميقة و شاملة للتجربة الإشتراكية الصينية زمن ماو تسى تونغ ، فنقترح عليه / عليها أن يتناول/ تتناول بالبحث جملة من كتبنا وبالأخصّ منها :
- الثورة الماويّة فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس
- نضال الحزب الشيوعيّ الصينيّ ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية
- لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا
- الصراع الطبقيّ و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة
و كمدخل عام للتعمّق في هذا المحور، نقترح فصلا من فصول كتاب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " هو الفصل الخاص بتطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي الماركسي . و لتكوين فكرة دقيقة نوعا ما عن ما توصّلت إليه التجربة الإشتراكية في الصين الماوية من نظريّات و ممارسات ثوريّة و تطوير لعلم الشيوعية في هذا الباب ، نقترح عليكم الغوص في كتاب الاقتصاد السياسي الذى صاغه الماويّون في الصين أواسط السبعينات - 1974- تحت إشراف ماو تسى تونغ و المعروف بكتاب شنغاي و هو للأسف بالنسبة للبعض غير متوفّر بالعربيّة و قد أعيد نشره بالأنجليزية في تسعينات القرن الماضي( 1994 ، بانر براس ، نيويورك ) بتقديم لريموند لوتا يعدّ في حدّ ذاته إضافة قيّمة إذ خاض في التخطيط الماوي مقارنة مع التخطيط السوفياتي و في الدروس المستخلصة من ذلك وهو موضوع قلّما تطرّقت له الأقلام العربيّة و نادرا ما ناقشه حتّى من يقدّمون أنفسهم كماويين .
و عربيّا ، كجدال ضد تشويهات الماوية و التجربة الإشتراكية في الصين الماويّة ، لا مناص من الإطلاع على كتاب ناظم الماوي " لا لتشويه الماوية و روحها الشيوعية الثوريّة : كلّ الحقيقة للجماهير ! ردّ على مقال لفؤاد النمرى و آخر لعبد الله خليفة "
و لا يسعنا في ختام هذه المقدّمة إلاّ أن نشدّد على تكريس النقد و النقد الذاتي حتّى على النصوص الماويّة الواردة في هذا الكتاب و في غيرها من النصوص ، لماو أو لغيره ، و نتوجّه للقرّاء جميعا بالدعوة إلى الإنتباه إلى ضرورة إعمال الفكر النقدي في ما يطالعون من وثائق متوخّين البحث عن الحقيقة هدفا يساعف في تفسير العالم تفسيرا صحيحا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا. و كمثال على تطبيق المنهج المادي الجدلي و قانون التناقض أو إنشطار الواحد/ إزدواج الواحد على نصوص ماو التي ترجمنا ، نلفت عناية القرّاء إلى أنّنا لاحظنا إيراد ماو تسى تونغ لجمل تعبّر في أكثر من موقع و بأشكال مختلفة عن حتميّة بلوغ الشيوعية وهذا في تقديرنا اليوم خطأ لا ينقص من شأن ماو شيئا ، خطأ وجب تخطّيه . فقد شخّص بوب أفاكيان ، ضمن الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعية الجديدة ، أنّ الحتميّة هنة من هنات الحركة الشيوعية العالمية منذ زمن ماركس و إنجلز و أنّها تمضى ضد الفهم العلمي المادي الجدلي لحركة الواقع المادي و الصراع الطبقي في العالم . و عربيّا ، تولّى ناظم الماوي شرح المسألة و خاض جدالات حولها في عدّة مقالات له و في كتابه " ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " .
و من نافل القول أنّ مراجع الكتب و المقالات المشار إليها أعلاه ، عدا تلك التي ذكر مرجعها في حينه ، هو موقع الحوار المتمدّن و مرجع النصوص المترجمة هنا و المنشورة بالأنجليزية لمن يهمّه الأمر هو الرابط التالي :
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/date-index.htm
و النصوص التي إعتمدناها نحن في الترجمة شكّلت كتابا باللغة الفرنسيّة صدر عن دار سوى الفرنسيّة الشهيرة ، باريس 1975 و ماو على قيد الحياة حينها و قد حمل الكتاب عنوان " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية " و توضيحا للمضامين أضفنا إلى العنوان الأصلي ، بين قوسين ، " نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي ".
و مضامين هذا الكتاب ال32 أو العدد 32 من سلسلة كتب " الماويّة : نظريّة و ممارسة " هي على التوالي :
ملاحظة حول النصوص
( " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية "- منشورات سوي ، باريس 1975 ؛ صفحات 27-31 )
النص 1 : حول كتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي "
ماو تسى تونغ – نوفمبر 1958
النصّ 2 : ملاحظات حول " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي "
ماو تسى تونغ – 1959
النصّ 3 : ملاحظات نقديّة ل" كتاب الإقتصاد السياسي " للإتحاد السوفياتي (1960)
1- الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية :
2- الفترة الإنتقالية :
3- الطابع المتماثل و الطابع الخاص للثورة البروليتارية فى بلدان مختلفة :
4- مسألة " التحوّل السلمي " :
5- بعض المسائل المتّصلة بتحويل الثورة الديمقراطيّة إلى ثورة إشتراكيّة :
6- العنف و دكتاتوريّة البروليتاريا :
7- مسألة شكل دولة البروليتاريا :
8- تحويل الصناعة و التجارة الرأسمالية :
9- عن الفلاحين المتوسّطين :
10 – تحالف العمّال و الفلاّحين :
11- تغيير المثقّفين :
12- العلاقات بين التصنيع و حركة التعاونيّات فى الفلاحة :
13- عن الحرب و الثورة :
14- هل أنّ الثورة أصعب فى البلدان المتخلّفة ؟
15- هل الصناعة الثقيلة أساس التحويل الإشتراكي ؟
16- ميزات أطروحة لينين حول الإنطلاق فى الطريق الإشتراكي :
17- نسق التصنيع مشكل حاد :
18- إن طوّرنا فى آن معا المؤسسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى فلأجل تصنيع بنسق سريع :
19- هل يمكن لنظامين إشتراكيين للملكية أن يتعايشا لفترة زمنيّة طويلة ؟
20- لا يمكن للتحويل الإشتراكي للفلاحة أن يرتبط بالآلات فحسب :
21- ما يدعى " التعزيز النهائي " :
22- عن الحرب و السلم :
23- هل " الإجماع " محرّك لتطوّر المجتمع ؟
24- حقوق العمّال فى ظلّ النظام الإشتراكي :
25- هل المرور إلى الشيوعية ثورة ؟
26- " ليس من الضروري مطلقا أن تستخدم الصين شكلا حادا من صراع الطبقات " : أطروحة مدّعاة !
27- المدّة اللازمة لتحقيق بناء الإشتراكية :
28- مرّة أخرى ، عن العلاقات بين الصناعة و التحويل الإشتراكي :
29- عن التناقض بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج الإشتراكية :
30- حتميّة المرور من نظام الملكيّة التعاونيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره :
31- الملكية الخاصة :
32- التناقض هو القوّة المحرّكة للمجتمع الإشتراكي :
33- السيرورة الديالكتيكية للمعرفة :
34- النقابات و نظام المسؤوليّة الفرديّة :
35- أخذ النظريّة و المبادئ نقطة إنطلاق ليس منهجا ماركسيّا :
36- هل يمكن نشر التجارب المتقدّمة دون عناء ؟
37- عمل التخطيط :
38- أولويّة رفع إنتاج وسائل الإنتاج و التطوير المتوازي للصناعة و الفلاحة :
39- المفاهيم الخاطئة عن حتميّة التوزيع :
40- أولويّة السياسة و الحوافز المادية :
41- التوازن و عدم التوازن :
42- " الحافز المادي " المدّعى :
43- العلاقات بين الناس فى المؤسسات الإشتراكية :
44- المهام الصداميّة و المهام التى يجب إنجازها بسرعة :
45- قانون القيمة و عمل التخطيط :
46- عن أشكال الأجور :
47- مسألتان حول الأسعار :
48- التبنّى المتزامن لطرق تقليدية و أجنبيّة و التطوير المتزامن للمؤسّسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى:
49- الجرّارات أوّلا أم التعاونيّات أوّلا ؟
50- " أوّلا التوسيع و ثانيا تعزيز الطابع الجماعي " :
51- لماذا نشدّد بصفة خاصة على المصالح الماديّة ؟
52- الإنسان هو الذى يصنع الأشياء :
53- النقل و التجارة :
54- التطوير المتزامن للصناعة وللفلاحة :
55- مشكل مستوى المراكمة :
56- مشكل الدولة فى المرحلة الشيوعية :
57 – المرور إلى الشيوعية :
58- آفاق تطوّر نظام الملكيّة الجماعيّة :
59 – إلغاء الإختلافات بين المدينة و الريف :
60 – مشكل تركيز نظام إقتصاد فى البلدان الإشتراكية :
61- هل يمكن لتطوّر البلدان الإشتراكية أن يكون " مسوّى " ؟
62- المشكل الجوهري هو مشكل الأنظمة :
63- العلاقات بين النظامين الإقتصاديين العالميين :
64- عن النقد الموجّه إلى ستالين :
65- تقييم عام للكتاب :
66- حول طريقة تأليف كتاب فى الإقتصاد السياسي :
67- حول طريقة البحث المتمثّلة فى الإنطلاق من الظواهر لبلوغ جوهر الأشياء ذاته :
68- يجب على الفلسفة أن تخدم سياسة زمنها :
-----------
ملاحق النصّ الثالث
1- مشكلة تصنيع الصين :
2- حول مكانة الإنسان فى المجتمع و قدراته :
3- التعويل على الجماهير :
4- بعض المقارنة بين سيرورة التطوّر السوفياتيّة و سيرورة التطوّر الصينية :
5- سيرورة تشكيل الخطّ العام و تعزيزه :
6- التناقضات بين البلدان الإمبريالية :
7- لماذا يمكن للثورة الصناعيّة الصينيّة أن تكون أسرع ؟
8- المشكل الديمغرافي :
=====
و الملاحق إثنان أولهما ملحق من إقتراح المترجم لصفحة من الأنترنت من موقع الماركسيين بالأنجليزية فيها عرض سريع لكتابات ماو تسى تونغ و منها تلك التي وقع تجميعها بعد وفاته من قبل الماويين عبر العالم و على وجه الضبط " مشروع التوثيق الماوي " و إدماجها في مجلّدات بلغ عددها تسعة و قد ضمّنت النصوص التي عرّبنا في المجلّد الثامن من مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ؛ و ثانيهما ملحق بمضامين كتب شادي الشماوي .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ملاحظات نقديّة ل" كتاب الإقتصاد السياسي " للإتحاد السوفياتي
ماوتسى تونغ – 1960
( " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية "- منشورات سوي ، باريس 1975 ؛ صفحات 59-188 )

1- الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية :
حسب الكتاب ( ص 327-328 ) ، " حتما " ستعوّض الإشتراكية الرأسمالية ويكون هذا التعويض " ثوريّا " . فى عصر الإمبريالية " يتّخذ " الصراع بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج شكلا " فى منتهى الحدّة " . و الثورة الإشتراكية البروليتارية " ضرورة موضوعيّة " . هذه التأويلات ممتازة ؛ هذا ما يجب أن يقال . عبارة " ضرورة موضوعيّة " ممتازة ، تبعث كثيرا من السعادة . فالكلام عن الضرورة الموضوعية يعنى أن لا شيء يمكن أن تحوّله إرادة الناس . أردنا ذلك أم أبينا فإنّ ذلك واقع لا محالة .
يجب على البروليتاريا أن " تلفّ حولها كلّ العمّال للقضاء على الرأسمالية " ( ص 327 ) .
هذه الصيغة صحيحة لكن هنا يجب الحديث أيضا عن إفتكاك السلطة السياسيّة .
" لا تجد هذه الثورة نفسها أمام أشكال إقتصاد إشتراكي حاضرة " و " طراز الإقتصاد الإشتراكي ... لا يمكن أن يبرز فى أحشاء المجتمع البرجوازي المعتمد على الملكيّة الفرديّة " ( ص 328).
فى الواقع ، ليس أنّ هذا الصنف فقط " لا يمكن أن يبرز " بل لا يمكنه حتّى الوجود . فى مجتمع رأسمالي ، لا تسمح الظروف للقطاعات الإشتراكية للإقتصاد التعاوني و إقتصاد الدولة ، بالولادة . يبدو بديهي أنّه من غير الممكن الحديث عن البروز . هذا هو اختلاف الرئيسي بيننا و بين التحريفيين . يقول هؤلاء الأخيرين أن بعض المؤسسات فى المجتمع الرأسمالي كالخدمات العموميّة فى المدن ، تتمتّع بطابع إشتراكي . يؤكّدون أنّ المرور إلى الإشتراكية يمكن أن يتمّ سلميّا كمواصلة للرأسمالية . هذا تحريف خطير للماركسيّة .
2- الفترة الإنتقالية :
يقول الكتاب إنّ " الفترة الإنتقاليّة تبدأ بتركيز سلطة البروليتاريا و تنتهى بإنتهاء مهمّة الثورة الإشتراكية ألا و هي بناء الإشتراكية كمرحلة أولى من المجتمع الشيوعي ." ( ص 329 )
فى النهاية ، ما هي المراحل التى تنطوى عليها الفترة الإنتقاليّة ؟ يجب دراستها عن كثب . من الرأسماليّة إلى الإشتراكية و حسب ؟ أم من الرأسماليّة إلى الإشتراكية و أيضا من الإشتراكية إلى الشيوعية ؟
هنا يستشهد الكتاب بجملة ماركس : " بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسمالي تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي " و الصين فى الوقت الراهن تمرّ بتلك الفترة . فى كموناتنا الشعبيّة ، خلال عدد معيّن من السنوات ، يجب تحقيق المرور من نظام ملكيّة وسائل الإنتاج الأساسيّة إلى نظام ملكيّة الكمونات الشعبيّة الأساسيّة . و بعد ذلك سيجب بلوغ نظام ملكيّة الشعب بأسره ذلك أنّه حتّى عندما يكون نظام ملكيّة الكمونة الأساسيّة قد تحقّق فى كلّ الكمونات الشعبيّة ، سيظلّ الأمر متعلّقا بنظام ملكيّة جماعية لا غير .
خلال الفترة الإنتقاليّة ، ينبغى السعي إلى التحويل " الجذري لكلّ العلاقات الإجتماعية " ( ص 328) . مبدئيّا ، هذا الإقتراح صحيح . ينبغى أن تشمل هذه العلاقات علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة بما فيها العلاقات فى ميادين الإقتصاد و السياسة و الإيديولوجيا و الثقافة إلخ .
خلال الفترة الإنتقاليّة ، ينبغى العمل على" تطوير القوى المنتجة كضرورة لإنتصار الإشتراكية ".
فى الصين ، هذا يعنى على الأقلّ ، أنّه علينا إنتاج 100 أو 200 مليون طن من الفولاذ . إلى حدود هذه السنة ، لم نقم بأكثر من الإعدادات لتعبيد الطريق لتطوير قوى الإنتاج و فعلا تطوير قوى الإنتاج ليس إلاّ فى بدايته فى الصين . بعد القفزة الكبرى إلى الأمام ل1958-1959 ، ستكون سنة 1960 سنة التطوير الكبير للإنتاج .
3- الطابع المتماثل و الطابع الخاص للثورة البروليتارية فى بلدان مختلفة :
يقول الكتاب : " إنتصرت الثورة البروليتاريّة بداية فى روسيا " . و يضيف : " كلّ بلد ... يقدّم حتما أشكاله الملموسة الخاصّة و طرق بنائه للإشتراكية ".
طريقة الكلام هذه ممتازة . فى 1848 ، ظهر " بيان الحزب الشيوعي ". و بعد مائة و عشر سنوات ، ظهر " بيان الحزب الشيوعي " رقم إثنين . و يتعلّق الأمر ببيان موسكو الموقّع سنة 1957 من قبل الأحزاب الشيوعية لجميع البلدان . و قد عالج هذا البيان قضيّة الوحدة و العام و الخاص لدى الأحزاب الشيوعية .
الإعتراف بنموذجيّة ثورة أكتوبر و الإعتراف بتماثل " المظاهر الرئيسيّة و الأساسيّة " للثورة البروليتارية فى كافة البلدان يمثّل نقطة تناقض مع التحريفيين .
لماذا لم تنتصر الثورة بداية فى البلدان الغربيّة حيث مستوى الإنتاج الرأسمالي أعلى بكثير و حيث توجد بروليتاريا كثيفة العدد جدّا ؟ لماذا إنتصرت أوّلا فى بلدان شرقيّة كروسيا و الصين حيث مستوى الرأسماليّة منخفض نسبيّا و حيث عدد البروليتاريا نسبيّا قليل الكثافة ؟ هذه القضيّة تستحقّ الدراسة .
لماذا إنتصرت البروليتاريا بداية فى روسيا ؟ يقول الكتاب: لأنّ " روسيا ظهرت أيضا كنقطة إلتقاء كافة تناقضات الإمبريالية ".
على مستوى تاريخ الثورات ، تحوّل مركز الثورة من الغرب إلى الشرق . فى نهاية القرن 18 ، وُجد هذا المركز فى فرنسا . فى تلك الفترة ، كانت فرنسا مركز الحياة السياسيّة العالميّة . و فى أواسط القرن 19 ، تحوّل مركز الثورة إلى ألمانيا . و دخلت البروليتاريا الساحة السياسيّة و وُلدت الماركسية . وفى بدايات القرن العشرين تحوّل مركز الثورة نحو روسيا و وُلدت اللينينيّة كتطوير للماركسية . دون لينينيّة، لم تكن الثورة الروسيّة لتنتصر. و فى أواسط القرن العشرين، إنتقل مركز الثورة العالميّة إلى الصين . و من الطبيعي أنّه سيتحوّل فى المستقبل .
و نجم إنتصار الثورة الروسيّة كذلك عن كون الجماهير الواسعة للفلاّحين مثّلت جيشا حليفا للبروليتاريا . يقول الكتاب : " تشكّل تحالف بين البروليتاريا و الفلاحين ". ( ص 328 )
فى صفوف الفلاحين ، هناك العديد من الشرائح . فى الريف ، تعتمد البروليتاريا على فئة الفلاحين الفقراء . فى بداية الثورة، يكون الفلاّحون المتوسّطون عادة متذبذبين . يظلّون يلاحظون ما إذا كانت الثورة قوّة دفع ، ما إذا كانت تستطيع أن تقف على رجليها ، ما إذا كانت تحمل لهم منافعا . لا يلتحقون بالبروليتاريا إلاّ حين تصبح الأوضاع واضحة بما فيه الكفاية . هذه الملاحظة صالحة بالنسبة لثورة أكتوبر. وهي صالحة أيضا للإصلاح الزراعي و حركة التعاونيّات و بعث الكمونات الشعبيّة فى الصين.
على الصعيد الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي ، عبّد الإنشقاق بين البلاشفة و المناشفة الطريق لإنتصار ثورة أكتوبر . لو لم يوجد صراع بين البلاشفة و المناشفة ، لو لم يوجد صراع ضد تحريفيّة الأمميّة الثانية ، لم يكن من الممكن إنتصار ثورة أكتوبر . بفضل النضال ضد ضد كافة التحريفيين و كافة الإنتهازيين وُلدت اللينينيّة و تطوّرت . و دون اللينينيّة ، لم يكن إنتصار الثورة الروسيّة ليتحقّق .
ورد فى الكتاب : " إنتصرت الثورة البروليتارية بداية فى روسيا . و فى روسيا قبل الثورة ، بلغت الرأسماليّة مستوى من التطوّر كاف كي تنتصر الثورة البروليتارية " .
لا يتحقّق إنتصار الثورة البروليتارية حصرا فى البلدان ذات المستوى العالى جدّا من تطوّر الرأسمالية . للكتاب الحقّ فى إستخدام إستشهادات لينين . و إلى الآن ، من البلدان التى إنتصرت فيها الثورة الإشتراكية ، هناك فقط ألمانيا الشرقيّة و تشيكوسلوفاكيا اللتين لهما مستوى عالى نسبيّا من تطوّر الرأسماليّة . و فى جميع البلدان الإشتراكية الأخرى كان المستوى منخفضا جدّا. و لم تندلع الثورة فى البلدان الغربيّة ذات المستوى العالى نسبيّا من تطوّر الرأسمالية . يقول لينين تندلع الثورة بداية فى " الحلقة الأضعف من العالم الإمبريالي " . و فى فترة ثورة أكتوبر ، كانت روسيا تمثّل الحلقة الأضعف مثلها مثل الصين بعد ثورة أكتوبر . لروسيا و الصين أوجه تشابه . إذ لكليهما عدد نسبي من البروليتاريا و عدد كبير من الفلاّحين المضطهَدين الذين كانوا يعانون الويلات . كلاهما كانا بلدين شاسعين ... و بهذا المضمار ، توجد الهند فى ذات الوضع . لماذا لم تنتصر الثورة فى الهند حسب أطروحة الحلقة الأضعف كما إرتآها لينين و ستالين؟ لأنّ الهند كانت مستعمرة تابعة للإمبريالية البريطانية . فى هذا كانت مختلفة عن الصين التى كانت شبه مستعمرة تهيمن عليها عدّة بلدان إمبريالية . و لم يساهم الحزب الشيوعي الهندي بنشاط فى الثورة الديمقراطيّة – البرجوازية فى البلاد . لم يتوصّل إلى إفتكاك القيادة السياسيّة لسيرورة الثورة الديمقراطية . و بعد إستقلال الهند ، لم يتوصّل كذلك إلى المحافظة بحزم على إستقلاليّة البروليتاريا .
و أكّدت التجارب التاريخيّة فى الصين و روسيا أنّ وجود حزب سياسي ناضج يمثّل الشرط الأهمّ الأولى لإنتصار الثورة . فقد شارك الحزب البلشفي بنشاط فى الثورة الديمقراطيّة . و فى 1905 ، صاغ برنامج الثورة الديمقراطيّة و كان مختلفا عن ذلك الذى صاغته البرجوازيّة . و كان هذا البرنامج يبحث لا فقط عن وسيلة للإطاحة بالقيصر بل كذلك عن حلّ للصراع من أجل القيادة السياسيّة فى صفوف البروليتاريا التى كانت تريد الإطاحة بالحزب الديمقراطي الدستوري . وفى الصين ، زمن الثورة البرجوازيّة لسنة 1911 ، لم يكن الحزب الشيوعي الصيني موجودا . و عقب تأسيسه فى 1921 ، ساهم فورا فى الثورة الديمقراطية و وجد نفسه فى مركز الطليعة . وقد إمتدّت الفترة الذهبيّة للبرجوازية الصينية بين 1905 و 1911 وهي فترة كانت فيها الثورة الديمقراطية فى أوج حيويّتها . و بعد ثورة 1911 ، أخذ الكومنتانغ يشهد إنحدارا . و فى 1924 ، وجد نفسه فى ممرّ مغلق و لم يجد مخرجا سوى بمحاولة التعاون مع الحزب الشيوعي الصيني . حينذاك إحتلّت البروليتاريا مكانة البرجوازية و حلّ الحزب السياسي للبروليتاريا محلّ الحزب السياسي للبرجوازية متحمّلا قيادة الثورة الديمقراطيّة . عادة ما نقول إنّ الحزب الشيوعي الصيني لم يكن ناضجا فى 1927 ما يعنى بالأساس أنّ حزبنا بتحالفه مع البرجوازية لم يتوقّع أنّها تستطيع أن تخون الثورة و أنّه لم يكن مستعدّا لمواجهة مثل هذه الخيانة .
و يؤكّد الكتاب كذلك (ص 331 ) : " إن كانت البلدان ذات التطوّر الرأسمالي الضعيف حيث تهيمن أشكال إقتصاديّة ما قبل رأسماليّة تستطيع أن تعالج مشاكل الثورة الإشتراكية فبإعانة من البلدان الإشتراكية المتقدّمة " .
هذا التأويل غير كافى . يمكن للصين أن تمضي على طريق الإشتراكية رئيسيّا لأنّها بعد إنتصار الثورة الديمقراطية دحرت هيمنة الإمبريالية و هيمنة الإقطاعية و هيمنة الرأسمالية الإقطاعية . العوامل الداخليّة هي العوامل الأساسيّة . و الإعانة التى تقدّمها للصين البلدان التى إنتصرت فيها الإشتراكيّة تمثّل شرطا هاما ، هذا أكيد ، إلاّ أنّه ليس كافيا لتقرير إمكانيّة تقدّم أم عدم تقدّم الصين على الطريق الإشتراكي .إنّها لا تستطيع سوى التأثير على نسق التطوّر على الطريق الإشتراكي بعد شروعها فيه بعدُ . بفضل الإعانة نتقدّم بسرعة أكبر قليلا . و دون إعانة نتقدّم بسرعة أقلّ قليلا . لا تعنى الإعانة فى حدّ ذاتها الإعانة الإقتصاديّة للبلدان الإشتراكيّة فحسب بل أيضا الجانبان الإيجابي و السلبي من تجربتهم ، فمن نجاحاتهم كما من إخفاقاتهم يوفّران لنا مواضيعا للتفكير .
4- مسألة " التحوّل السلمي " :
جاء فى الكتاب : " هناك إمكانيّة واقعيّة ، فى هذه أو تلك من البلدان الرأسماليّة التى خرجت من نير الإستعمار ، أن تبلغ الطبقة العاملة السلطة سلميّا " . ( ص 330 )
ما هي البلدان التى يمكن أن تكون واقعيّا " هذه أو تلك من البلدان " ؟ اليوم ، البلدان الرأسماليّة الرئيسيّة فى أوروبا و بلدان أمريكا الشماليّة مسلّحة تسليحا ضخما فهل يمكن أن تسمح بإفتكاك السلطة منها " سلميّا " ؟
على الحزب الشيوعي و القوى الثوريّة لكلّ بلد أن تأخذ بأيديها إجرائين إثنين : الإنتصار بطريقة سلميّة و إفتكاك السلطة بالعنف . لا يجب تناسى الواحدة أو الأخرى . و علاوة على ذلك ، يجب أن نعرف أنّه كقانون عام لا تريد البرجوازيّة التخلّى عن السلطة : إنّ البرجوازية تبذل قصارى الجهد لتصمد فلماذا لا تستخدم العنف حين يكون وجودها مهدّدا ؟ فى خضمّ ثورة أكتوبر و الثورة الصينيّة ، جرى توقّع كلّ من الطريقة السلميّة و الطريقة العنيفة . و فى روسيا ، قبل جويلية 1917 ، كان لينين يتوقّع تحقيق إنتصار بالطريقة السلميّة . و أكّدت أحداث جويلية بجلاء أنّه من المستحيل أن تفتكّ البروليتاريا السلطة سلميّا . عندئذ غيّروا الطريقة . و عقب ثلاثة أشهر من الإعداد الذاتي للنضال المسلّح ، و بعد ذلك خوضه ، إنتصرت ثورة أكتوبر . و إثر ثورة أكتوبر و إفتكاك السلطة ، من قبل البروليتاريا ، واصل لينين إقتراحه إستخدام الطرق السلميّة للقضاء على الرأسماليّة و تحقيق التحويل الإشتراكي بواسطة " التعويضات " . لكن البرجوازيّة فى تحالف مع 14 بلدا إمبرياليّا ، قامت بإنقلاب مسلّح معادى للثورة و شنّت حربا . فلم تتعزّز ثورة أكتوبر إلاّ بعد ثلاث سنوات من الكفاح المسلّح بقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي .
5- بعض المسائل المتّصلة بتحويل الثورة الديمقراطيّة إلى ثورة إشتراكيّة :
فى الفقرة الأخيرة من الصفحة 330 يدور الكلام عن تحويل الثورة الديمقراطية إلى ثورة إشتراكية . لكن الكتاب لا يقدّم تفسيرا واضحا لكيف يجرى هذا التحويل . ثورة أكتوبر ثورة إشتراكيّة . و علاوة على ذلك ، أنجزت المهام التى لم تنهيها الثورة الديمقراطية – البرجوازية . لقد صدر قانون تأميم الأرض إثر ثورة أكتوبر بالضبط . لكنّ الثورة الديمقراطية التى كان عليها أن تحلّ المشكلة الفلاحيّة ظلّت قائمة لبعض الوقت .
فى الصين ، أنجزنا مهام الثورة الديمقراطية إبّان حرب التحرير و كان تأسيس جمهوريّة الصين الشعبية بمثابة إعلان فى الأساس عن نهاية الثورة الديمقراطيّة و بداية الإنتقال إلى الإشتراكيّة . لكن منذ تأسيس جمهوريّة الصين الشعبيّة ، قمنا بمصادرة المؤسّسات الرأسماليّة البيروقراطيّة التى كانت تمثّل 80 بالمائة من الرساميل القارّة فى الصناعة و مواصلات البلاد لتحويلها إلى ملكيّة الشعب بأسره .
خلال فترة حرب التحرير فى الصين ، وجّهنا نداءات للنضال ليس ضد الإمبريالية و الإقطاعيّة بل كذلك ضد الرأسماليّة البيروقراطيّة . و للنضال ضد الرأسمالية البيروقراطيّة طابع مزدوج : من ناحية يتنزّل النضال ضد الرأسمال الكمبرادوري فى إطار الثورة الديمقراطيّة و من ناحية أخرى يمثّل النضال ضد البرجوازيّة الكبيرة جزءا من الثورة الإشتراكية .
قسم كبير جدّا من الرأسمال البيروقراطي الصيني على ملكيّة المؤسّسات اليابانيّة و الألمانيّة و الإيطاليّة و قد إستولى عليها الكيومنتانغ بعد الإنتصار فى الحرب ضد اليابان . فى تلك الفترة ، كانت العلاقة بين الرأسمال البيروقراطي و الرأسمال الوطنى فى الصين علاقة 8 ب 2 . وعقب التحرير ، صادرنا مجمل الرأسمال البيروقراطي ، محطّمين هكذا العنصر الرئيسي للرأسماليّة الصينيّة .
و أخيرا ، من الخطإ بعد التحرير قول " كانت الثورة الصينيّة فى مرحلتها الأولى بالأساس جزءا من الثورة الديمقراطية ؛ و فقط بعد ذلك بكثير تحوّلت تدريجيّا إلى ثورة إشتراكية ".
6- العنف و دكتاتوريّة البروليتاريا:
فى الصفحة 333 ، لم يتمّ إستعمال مفهوم العنف بدقّة كافية . لقد قال ماركس و إنجلز دائما إنّ الدولة جهاز سيطرة طبقيّة ، جهاز قمع طبقة لطبقة أخرى . وفى النهاية ، لا يمكن تأكيد ما يقوله الكتاب من أنّ " دكتاتورية البروليتاريا ليست نظاما عنيفا ضد المستغِلّين و لا هي كذلك حتّى بالأساس نظاما عنيفا " .
لمّا يكون وجودها مهدّدا فإنّ الطبقات المستغِلّة تستخدم على الدوام العنف. كلّما تتراءى لها ثورة تجتهد للقضاء عليها بالعنف. بهذا الصدد يرى الكتاب : " تؤكّد التجربة التاريخيّة أنّ هؤلاء يقاومون تسليم السلطة للشعب ، يتجهون إلى العنف ضد السلطة الشعبيّة " ( ص333 )
هذا الكلام لا يكفى . الطبقات المستغِلّة لا تستخدم العنف فقط فى الصراع ضد النظام الشعبي بعد تركيز الشعب لحكم ثوري بل تستخدم العنف لقمع الشعب الثوري أوّل ما ينهض لإفتكاك السلطة .
الغاية من ثورتنا هي تطوير قوى إنتاج المجتمع . و للتوصّل إلى هذا الهدف ، يلزم أوّلا الإطاحة بالعدوّ ثمّ قمعه . كيف يمكننا النجاح فى ذلك دون عنف ثوري شعبي ؟
هنا يتحدّث الكتاب بشكل غير تام عن" الطبيعة الحقيقيّة " لدكتاتوريّة البروليتاريا وعن" المهمّة الرئيسيّة " للطبقة العاملة و للعمّال فى الثورة الإشتراكيّة . و لا يشير إلى ضرورة قمع العدوّ و إعادة تربية الأعداء الطبقيين . حسنا الآن ، يجب إعادة تربية البروليتاريين الريفيين و البيروقراطيين و المعادين للثورة و العناصر السيّئة كما يجب إعادة تربية البرجوازية و البرجوازية الصغيرة من الفئة العليا والفلاّحين المتوسّطين . و أكّدت التجارب الصينيّة أنّ إعادة التربية لم تكن بالشيء الهيّن . يبدو من المستحيل التوصّل إلى نتائج إيجابيّة دون المرور عبر صراعات متكرّرة . يلزم على الأقلّ 10 أو 20 أو 50 سنة للتحطيم النهائي لبقايا البرجوازيّة و تأثيرها . و لنأخذ مثال الريف . لا يمكن تغيير نظرة الفلاّحين للعالم تدريجيّا و بعد ذلك تغييرا تاما إلاّ حين يطبّق نظام الملكيّة الجماعيّة للكمونات الشعبيّة و بعدها تحويلها إلى ملكيّة الأمّة ؛ حين توجد مدن جديدة و تشيّد صناعات كبيرة فى كافة البلاد و حين يكون الوضع الإقتصادي قد تحوّل بشكل تام و واقعي .( لمّا يتحدث الكتاب عن " المهمّة الأساسيّة يستشهد بلينين غير أنّ تحليله غير مطابق لما يقوله لينين " ).
نغالط الجماهير متى سعينا مهما كلّفنا ذلك إلى الحديث و الكتابة طبقا لأذواق العدوّ و الإمبريالية . متى نقوم بذلك ننتهى إلى إنعاش العدوّ و مغالطة طبقتنا بالذات.
7- مسألة شكل دولة البروليتاريا :
فى الصفحة 334 كُتب فى الكتاب : " تختلف أشكال دولة البروليتاريا ".
و هذا صحيح لكن فى الأصل شكل دكتاتوريّة البروليتاريا فى بلدان الديمقراطية الشعبيّة لا يختلف كثيرا عن دكتاتورية البروليتاريا المركّزة فى روسيا عقب ثورة أكتوبر . السوفياتات فى الإتحاد السوفياتي و المجالس الشعبيّة فى الصين مجالس ممثّلة لجماهير الشعب . الإختلاف فقط فى الإسم . فى المجالس الشعبية الصينية ، هناك نوّاب يمثّلون البرجوازيّة ، يمثّلون من تخلّوا عن الكيومنتانغ و الشخصيّات الديمقراطية . جميعهم موافقون على قيادة الحزب الشيوعي . و يحاول بعضهم دون جدوى خلق إضطرابات . ظاهريّا ، هذه الوضعيّة بالكاد تشبه السائد فى السوفياتات . ومع ذلك بعد ثورة أكتوبر ، وجد نواب مناشفة فى السوفياتات كما وجدت أيضا عناصر من الحزب الإشتراكي الثوري الذى كان حزبا يمينيّا ؛ ومن التروتسكيين و البوخارينيين و الزينوفيافيين إلخ . كانوا نوّابا يمثّلون العمّال و الفلاّحين . لكن فى الواقع ، كانوا يمثّلون البرجوازيّة . فى تلك الفترة ( أي بعد ثورة أكتوبر ) إستقبلت البروليتاريا فى صفوفها عددا كبيرا من الناس الذين كانوا يعملون فى منظّمات الدولة زمن كيرنسكي . كانوا عناصرا برجوازيّة . و فى الصين ، وُجدت الحكومة الشعبيّة المركزيّة إمتدادا للحكومة الشعبيّة لشمال الصين . وكلّ الذين كانوا يشتغلون بصيغ مختلفة مع تلك الحكومة كانوا منحدرين من مناطق الإرتكاز . أمّا الغالبيّة العظمى لبقيّة الكوادر القياديّة التى كانت تمثّل الهيكل العظمي لتلك العلاقات فكانت من الحزب الشيوعي .
8- تحويل الصناعة و التجارة الرأسمالية :
فى الصفحة 335 ، عولجت سيرورة تحويل الملكيّة الخاصّة إلى نظام ملكيّة إشتراكية للدولة فى الصين معالجة خاطئة . يقوم تحليل الكتاب على سياستنا تجاه الرأسمال الوطني فحسب ، لا على سياساتنا ( الجبائية ) تجاه البيروقراطية . و فى ما يتعلّق بممتلكات الرساميل البيروقراطية ، إتّخذنا سياسة جبائيّة لأجل تحقيق نظام ملكيّة جماعيّة .
و فى الفقرة الأخيرة من الصفحة 338 ، يعتبر تحويل الرأسمالية بواسطة رأسمالية الدولة تجربة معزولة و خاصة تجربة لا دلالة عالمية لها . فى بلدان أوروبا الغربيّة و فى الولايات المتحدة ، مستوى تطوّر الرأسماليّة عالى جدّا . و تحتل زمرة من الرأسماليين الإحتكاريين موقع الهيمنة فى تلك البلدان . وفى الآن نفسه ثمّة عدد كبير من الرأسماليين المتوسّطين و من الرأسماليين الصغار . يقال إنّ فى شمال أمريكا هو فى آن معا مركزي و غير مركزي . الأكيد هو أنّ فى مثل تلك البلدان بعد إنتصار الثورة ، سيصادر الرأسمال الإحتكاري لكن ممتلكات الرأسماليين المتوسّطين و الصغار، هل يجب مصادرتها بلا إستثناء ؟ هل سيكون من اللازم تحويلها كذلك عبر رأسمالية الدولة ؟
يمكن قول أنّ فى الصين الشمال الغربي منطقة ذات مستوى تطوّر رأسمالي عالى جدّا و الشيء ذاته يصحّ على كيوجو ومركزيها شانغاي و جنوب المقاطعة . و بما أنّه يمكن تطبيق رأسمالية الدولة على تلك المقاطعات الصينيّة ، لماذا لا تكون السياسة نفسها صالحة للتطبيق فى بلدان العالم حيث تهيمن وضعيّة مشابهة لتلك الموجودة فى المقاطعات ؟
كانت السياسة السابقة التى إتّبعها اليابانيّون شمال الصين تتمثّل فى القضاء على الرأسماليين المحلّيين الكبار و تحويل مؤسّساتهم إلى مؤسّسات الدولة اليابانيّة أو إلى مؤسّسات تابعة للرأسمال الإحتكاري . أمّا بالنسبة للرأسماليين المحليين المتوسّطين و الصغار فإنّ اليابانيين قد خلقوا شركات مساهمة لمراقبتها .
فى الصين ، مرّ تحويل الرأسمال الوطني بمراحل ثلاث : أوّلا ، أصدرت الدولة أوامرا بشراء المؤسّسات الخاصة لضمان إنتاجها و عملها التحويلي ؛ و بعد ذلك ، نظّمت عمليّات شراء و بيع جماعية ( عمليّات شراء جماعية لضمان البيع ) و أخيرا ضمنت فى آن معا إدارة المؤسسات مع الملاكين ( إدارة مشتركة للمؤسّسات الفردية أو إدارة قطاع برمّته ) . و تحقّقت كلّ مرحلة من تلك المراحل بصفة تدريجيّة . و لم تؤثّر هذه الطريقة على التحويل . و فى ما يتّصل برأسماليّة الدولة ، حقّقنا عدّة تجارب جديدة منها توزيع نسبة قارة من الأرباح على الرأسماليين بعد تحويل مؤسّساتهم إلى مؤسّسات يديرونها معا مع الدولة .
9- عن الفلاحين المتوسّطين :
فى الصين ، بعد الإصلاح الزراعي، لم تعد الأرض ذات قيمة سلعيّة و لم يعد الفلاّحون يتجرّؤون على" الإشعار بوجودهم". و قدّر بعض الرفاق أنّ تلك الوضعيّة غير صحّية . فى الواقع نتيجة للصراع الطبقي ، صار الملاّكون العقّاريون و الفلاّحون الأغنياء سيّئوا الصيت . كان الفلاّحون الفقراء يشعرون بالكبرياء و كان الفلاّحون الأغنياء يشعرون بالخجل . إنّها ظاهرة ممتازة مفادها أنّ الفلاّحين الفقراء إنتصروا سياسيّا على الفلاّحين الأغنياء مؤكّدين تفوّقهم فى الريف .
و فى الصفحة 339 نقرأ فى الكتاب : " تتقبّل الجماهير الفقيرة و المتوسّطة فى الريف الأرض من الدولة ؛ فتحرّرهم الدولة من الإقطاعيين ".
و هذا يعنى أنّ الحكومة تصادر الأرض لتقدّمها إلى الفلاحين كي يتمكّن هؤلاء من إعادة تقسيمها . هنا يتعلّق الأمر بروح العطاء ؛ المرء لا يجتهد لا فى الصراع الطبقي و لا فى الحركات الجماهيريّة . فى الواقع هذا المفهوم مفهوم يميني . و تتمثّل طريقتنا الخاصّة فى إعتمادنا على الفلاّحين الفقراء ، فى تحالفنا مع الأغلبيّة الساحقة من الفلاّحين المتوسّطين ( من الفئة الدنيا ) و فى تحكّمنا فى أراضي الملاّكين فى الريف . على الحزب أن يتحمّل مسؤوليّة قيادة هذه السيرورة دون إحتكار العمل أو ترك الآخرين يقومون بعمله . يجب علينا إتّخاذ إجراءات ملموسة عديدة : زيارة الفلاّحين الفقراء ليخبرونا بما يعانون منه و تجنيد الناشطين و توحيد كافة المنحدرين من نفس الأصل الطبقي وتكوين نواة قويّة و القيام بدعوة لعقد إجتماعات يقصّ خلالها الذين يعانون معاناتهم وتنظيم القوى الطبقيّة و دفع الصراع الطبقي .
يقول الكتاب : " أصبح الفلاّحون المتوسّطون الوجه المحوري للفلاحة " .
هذه الصياغة سيّئة . لو تمّ كيل المديح للفلاّحين المتوسّطين بنعتهم بالوجوه المحوريّة ، لو رفعناهم إلى السماء و لم يعد المرء يجرأ على مهاجمتهم ، من الممكن أن يشلّ ذلك حركة الفلاحين الفقراء القدامى . و عن ذلك سينتج بالضرورة أنّ الفلاّحين المتوسّطين المترفّهين سيمسكون القيادة السياسيّة فى الريف .
لم يقم الكتاب بتحليل للفلاّحين المتوسّطين . نحن قسّمناهم إلى فلاّحين متوسّطين من الفئة العليا و فلاّحين متوسّطين من الفئة الدنيا . وكذلك قمنا بالتفرقة بين الفلاّحين المتوسّطين الجدد و القدامى بإعتبار أنّ الأوّلين أحسن من الثانين . و أكّدت تجارب حملات التصحيح المتكرّرة أنّ الفلاّحين الفقراء و الفلاحين المتوسّطين الجدد من الفئة الدنيا و الفلاحين المتوسّطين القدامى من الفئة الدنيا مثّلوا ثلاثة أصناف من الفلاّحين الذين كانت لهم مواقف سياسيّة أفضل من غيرهم . إنّهم الذين يسندون الكمونات الشعبيّة .أمّا الباقي ، قسم من الفلاحين المتوسطين من الفئة العليا و الفلاحين المتوسطين المرفّهين فيساند الكمونة الشعبيّة في حين أنّ جزءا آخر منهم يناهضها . وفق معلومات مسجّلة فى مقاطعة هوباي ، يوجد فى المقاطعة أكثر من 40 ألف فرقة إنتاج ، 50 بالمائة منها تساند كلّيا الكمونات الشعبيّة بلا تردّد ؛ و 35 بالمائة منها تساند فى الأساس مع نوع من الآراء المختلفة و التردّد فى بعض النقاط الخاصّة ، و 15 بالمائة منها يناهضها أو يسجّل تردّدا جدّيا . و السبب الرئيسي للمعارضة و التذبذب الجدّي لهذه الفرق هو أنّ قيادتها بيد الفلاّحين المتوسّطين المرفّهين و حتّى بيد العناصر السيّئة منها .
إبّان الحركة الحاليّة للتربية على النضال بين الخطّين ، من الضروري دفع النقاشات فى صفوف هذه الفرق بغية أوّلا تغيير القيادة . يبدو أنّه لا بد من القيام بتحليل للفلاّحين المتوسّطين فتوجّه تطوّر المناطق الريفيّة يرتبط شديد الإرتباط بالقيادة السياسيّة لتلك المناطق .
و جاء فى الكتاب ( ص 340 ) : " بطبيعة الحال ، للفلاّحين المتوسّطين طابع مزدوج " .
و أيضا يجب علينا إنجاز تحليل ملموس لهذه القضيّة . من جهة ، الفلاّحون الفقراء و الفلاّحون المتوسّطون من الفئة الدنيا و الفلاّحون المتوسّطون من الفئة العليا و الفلاحون المتوسّطون المترفّهون ، هم عمّال فى عمومهم . و من جهة أخرى ، لجميعهم ممتلكات خاصّة . ومع ذلك ، كأصحاب ممتلكات خاصة لهم مفاهيم متباينة عن الملكيّة الخاصّة . يمكن القول إنّ الفلاّحين الفقراء و الفلاّحين المتوسّطين من الفئة الدنيا هم نصف ملاكين لمتلكات خاصة . مفهومهم للملكيّة الخاصّة من اليسير نسبيّا تغييره . و الفلاحون المتوسّطون من الفئة العليا و الفلاحون المتوسّطون المرفّهون هم أكثر تمسّكا بمفهوم الملكيّة الخاصة . و قد قاوموا على الدوام التعاونيّات .
10 – تحالف العمّال و الفلاّحين :
فى الصفحة 340 ، تعالج الفقرة الأولى و كذلك الثانية أهمّية التحالف بين العمّال و الفلاّحين . لكن لم يقع تحديد كيف يمكن تطوير ذلك التحالف و تعزيزه . يتحدّثون عن ضرورة تحويل الفلاّحين إلى منتجين صغار بيد أنّهم لا يتحدّثون لا على سيرورة ذلك التحويل و لا عن التناقضات التى تحفّ بكلّ مرحلة من مراحل تلك السيرورة و لا عن كيفيّة حلّ تلك التناقضات و لا عن المراحل و الإستراتيجيا التى يجب رسمها خلال كامل سيرورة التحويل .
فى بلادنا ، مرّ بعدُ التحالف بين العمّال و الفلاّحين بمرحلتين . قامت الأولى على الثورة الزراعيّة و قامت الثانية على حركة التعاونيّات . دون حركة التعاونيّات ، من الأكيد أنّ الإستقطاب بين الفلاّحين كان سيمنع التحالف بين العمّال و الفلاّحين و كذلك سيمنع الحفاظ على سياسة الشراء و البيع الجماعي من قبل الدولة . على أساس حركة التعاونيّات فقط أمكن الحفاظ على سياسة الشراء و البيع الجماعي و تطبيقها . و الآن ، يترتّب على تحالفنا بين العمّال و الفلاّحين أن يتقدّم بالإعتماد على المكننة . إذا أقمنا فقط الحركات التعاونيّة و الكمونات الشعبيّة و لم ننجز المكننة فإنّ التحالف بين العمّال و الفلاّحين لن يتعزّز . و ضمن حركة التعاونيّات ، إن أنجزنا حركة تعاونيّة صغرى ، لن يمكننا كذلك توطيد التحالف بين العمّال و الفلاّحين . و أخيرا، ينبغى على حركة التعاونيّات أن تمرّ إلى الكمونات الشعبيّة . و ينبغى على ملكيّة وسائل الإنتاج الأساسيّة أن تتحوّل إلى ملكيّة لكمونات الشعبيّة الأساسيّة . و ملكيّة الكمونات الشعبيّة بدورها عليها أن تتحوّل إلى ملكيّة الدولة . عندئذ ، على أساس المزج بين التأميم و المكننة يمكننا التعزيز الفعلي للتحالف بين العمّال و الفلاّحين و القضاء تدريجيّا على الإختلافات بين العمّال و الفلاّحين .
11- تغيير المثقّفين :
فى الصفحة 341 ، يعالج الكتاب بوجه خاص تكوين المثقّفين من أصل عمّالي و فلاحي كما يعالج وسائل إدماج المثقّفين البرجوازيين فى حركة بناء الإشتراكية : لا يتحدّث عن تحويل المثقّفين . حسنا الآن ، لا يجب تحويل المثقّفين البرجوازيين فقط بل يجب كذلك تحويل المثقّفين من أصل عمّالي أو فلاحي الذين هم فى أكثر من مظهر متأثّرين بالبرجوازيّة . فى مجال الأدب و الفنّ ، ظهرت ضرورة التحويل عبر حالة شاو تانغ الذى حين أصبح كاتبا ، هاجم بقوّة الإشتراكية . عادة تبرز نظرة المثقّفين للعالم من موقفهم من المعرفة . هل هي ملك لبعض الأشخاص أم هي ملك للجميع ؟ يعتبر البعض المعرفة ملكيّة خاصة و ينتظر ثمنا أحسن لبيعها . لا يريدون بيعها طالما لم يكن السعر مرتفعا بما فيه الكفاية . إنّهم خبراء فحسب و ليسوا " حمر ". يقولون إنّ الحزب " غير كفء " و فى النهاية غير قادر على " قيادة ذوى الكفاءات " الذين يشتغلون فى حقل السينما و يقولون إنّ الحزب لا يستطيع أن يقود الرقص . ويصرّح المشتغلون فى البحث فى الطاقة الذرّية بأنّ الحزب لا يستطيع قيادة البحث العلمي فى الطاقة الذرّية . فى كلمة لا يقدر الحزب أبدا على قيادة أي شيء .
فى مجمل سيرورة الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي ، يمثّل تحويل المثقّفين مشكلة هامة جدّا . و نخطأ إن لم نؤكّد على هذه المسألة و إتّخذنا موقف الوفاق مع كلّ ما هو برجوازي .
و فى الصفحة الموالية ، يقال إنّ التناقض الأساسي فى الإقتصاد أثناء الفترة الإنتقاليّة هو تناقض بين الإشتراكية والرأسمالية. هذا صحيح . لكن هذا المقتطف يدافع فقط عن أنّه يجب دفع النضال فى كافة مجالات الحياة الإقتصادية لغاية معرفة من ينتصر على من . هذا غير كافى . أطروحتنا هي أنّه يجب القيام بثورة إشتراكية شاملة على الجبهات الثلاث : السياسية و الإقتصادية و الإيديولوجية .
يقول الكتاب إنّ فى الصين أدمجنا العناصر البرجوازية فى حركة المساهمة فى إدارة المؤسّسات و فى إدارة الدولة ( الشيء ذاته يقوله فى الصفحة 357) . لكنّنا أيضا أكّدنا أنّ مهمّتنا تتمثّل فى تحويل المثقّفين البرجوازيين و إعانتهم على تغيير عاداتهم و نظرتهم للعالم و آرائهم حول نوع معيّن من المشاكل . لا يتحدّث الكتاب عن هذا التحويل .
12- العلاقات بين التصنيع و حركة التعاونيّات فى الفلاحة :
فى الكتاب ، تعدّ الصناعة الإشتراكيّة باكورة حركة التعاونيات فى الفلاحة . هذه الأطروحة لا تعكس الوضع الخاص فى الإتحاد السوفياتي . ففى الأساس ، تحقّقت حركة التعاونيّات فى الإتحاد السوفياتي بين 1930 و 1932 . فى تلك الفترة ، رغم تجاوز عدد الجرّارات ما نملكه حاليّا ، فإنّ مساحات الأراضي المحروثة بالجرّارات كانت فى الإتّحاد السوفياتي فى 1932 ، 20، 3 بالمائة من المساحة الجمليّة للأراضى المزروعة. لا ترتبط حركة التعاونيّات تماما بالملكيّة ؛ و فى النهاية، الصناعة ليست واحدة من باكوراتها .
فى البلدان الإشتراكية لأوروبا الشرقيّة ، كانت سيرورة حركة التعاونيّات بطيئة جدّا ، بالأساس لأنّه بعد الإصلاح الزراعي لم يُطرق الحديد ما دام حاميا : لبعض الوقت ، وجد شيئ من التراخى . فى السابق ، فى بعض مناطق إرتكازنا ، حصلت الظاهرة ذاتها ؛ جزء من الفلاّحين راضى عن الإصلاح الزراعي و لم يرد المضيّ أكثر إلى الأمام . المشكل إذن لا يتعلّق بالتصنيع أو بغيابه .
13- عن الحرب و الثورة :
فى الصفحات 348- 350 ، نقرأ أنّ الديمقراطيّات الشعبيّة لأوروبا الشرقيّة " عرفت تجربة بناء إشتراكي دون حرب أهليّة و لا تدخّل خارجي " و يضيف : " فى بلدان أوروربا الوسطى و الجنوب – شرقيّة ... إنتصرت الثورة الإشتراكية بفضل جملة من التحويلات الثوريّة المتتالية فتحقّقت دون ضرورة الحرب الأهليّة ." نرى أنّه من الأفضل قول : فى تلك البلدان ، تداخلت الحرب الأهليّة مع الحرب العالمية لذلك تمثّل الحرب العالمية و الحرب الأهليّة شيئا واحدا . لقد جرى إقتلاع العناصر الرجعيّة فى تلك البلدان بواسطة المسحة الحديدية للجيش الأحمر للإتحاد السوفياتي . و قول إنّه لم توجد حرب أهليّة فى تلك البلدان يساوى النظر إلى المسألة من وجهة نظر شكليّة و تجاهل رؤية الطبيعة الحقيقيّة للحرب .
يقول الكتاب إنّ بعد الثورة ، فى بلدان أوروربا الشرقيّة ، " تحوّلت البرلمانات إلى أجهزة تمثّل تمثيلا واسعا للمصالح الشعبيّة " . و فى الواقع ، تلك البرلمانات مختلفة تماما عن البرلمانات البرجوازية السابقة . تتشابه فى الإسم فقط . و الندوة الإستشاريّة السياسيّة التى نظّمناها خلال الفترة الأولى التالية للتحرير كانت تحمل نفس إسم الندوة الإستشاريّة لحقبة الكيومنتانغ . و حين تفاوضنا مع الكيومنتانغ ، لم نكن مهتمّين بالندوة الإستشاريّة السياسيّة . و بالعكس كانت تهمّ كثيرا تشان كاي تشاك . و عقب التحرير، أخذنا تلك التسمية و عقدنا ندوة إستشارية سياسيّة للشعب الصيني لعبت دور المجلس الوطني الشعبي الإستثنائي .
يقول الكتاب إنّ فى الصين : " خلال النضال الثوري ، تكوّنت الجبهة المتّحدة الديمقراطية – الوطنية " . ( ص 357 ) لماذا تتمّ الإشارة فحسب إلى النضال الثوري و لا تتمّ الإشارة إلى الحرب الثوريّة ؟ منذ 1927 إلى حدّ الآن وقد حقّقنا الإنتصار فى كافة البلاد ، و خلال 22 سنة ، خضنا حربا أهليّة ثوريّة مستمرّة . و قبل تلك الفترة ، و منذ الثورة البرجوازية لسنة 1911، عرفت الصين 15 سنة من الحرب ، حروب ثوريّة و حروب متداخلة لأمراء الحرب المدعومين من قبل الإمبريالية . لو قمنا بإحصاء منذ 1911 إلى حرب المقاومة ضد الأمريكان و دعم كوريا ، يمكن أن نقول إنّ الصين شهدت 40 سنة من الحرب المتواصلة ، حروب ثوريّة و حروب معادية للثورة . و منذ تأسيس حزبنا ، شاركنا فى حروب ثوريّة و كنّا فى موقع قيادتها طوال 30 سنة .
ليس بوسع ثورة كبرى أن لا تمرّ بحرب أهليّة . هذا قانون . إذا نظرنا فقط إلى الجانب السلبي من الحرب و لم نظر إلى جانبها الإيجابي ، نقع فى نظرة إحاديّة الجانب لمسألة الحرب . و الحديث عن الطابع المدمّر فقط للحرب ضار للثورة الشعبيّة .

14- هل أنّ الثورة أصعب فى البلدان المتخلّفة ؟
من العسير جدّا القيام بالثورة و بناء الإشتراكية فى البلدان الغربيّة لأنّ فى تلك البلدان التأثير الضار للبرجوازية غاية فى العمق و قد تغلغل كثيرا فى كلّ المجالات . فى الصين ، توجد البرجوازية منذ أجيال ثلاثة فحسب فى حين أنّها فى بلدان مثل أنجلترا و فرنسا ، توجد منذ عشرات الأجيال . للبرجوازية فى تلك البلدان تاريخ ب 250 إلى 260 سنة و حتّى أكثر من 300 سنة و لإيديولوجيا و أسلوب العمل البرجوازيين تأثيرات كبرى و على كافة المستويات الإجتماعية . لذلك لا تتّبع الطبقة العاملة الأنجليزية الحزب الشيوعي بل حزب العمل .
قال لينين : " بقدر ما يكون البلد متخلّفا بقدر ما يكون أصعب مروره من الرأسمالية إلى الإشتراكية " . لئن نظرنا إلى هذه الأطروحة من زاوية نظرنا الآن نرى أنّها غير صحيحة . ففى الواقع ، بقدر ما يكون البلد متخلّفا إقتصاديّا بقدر ما يكون أسهل – و ليس أصعب – المرور من الرأسمالية إلى الإشتراكية . و بقدر ما يكون المرء فقيرا بقدر ما يرغب فى الثورة . فى البلدان الرأسماليّة الغربيّة مستوى التشغيل و مؤشّر الأجور أرفع و تأثير البرجوازية على العمّال أعمق . فى هذه البلدان يبدو أنّ التحويل الإشتراكي أسهل ممّا يعتقد . فدرجة مكننة تلك البلدان عالية جدّا . بعد إنتصار الثورة ، لا يشكّل التكثيف من المكننة مشاكلا كبيرة . المسألة المهمّة هي تحويل الناس . فى الشرق ، بلدان كروسيا و الصين كانت فى البداية بلدانا متأخّرة و فقيرة . لكن الآن ليس النظام الإجتماعي لهذه البلدان أكثر تقدّما بكثير من ذلك فى البلدان الغربيّة و حسب ، بل إنّ مؤشّر تطوّر قوى الإنتاج يظهر أيضا عاليا أكثر بكثير . لو فحصنا تاريخ تطوّر البلدان الرأسماليّة ، يتجلّى لنا أيضا أنّ البلدان الأقلّ تقدّما تجاوزت البلدان الأكثر تقدّما . و فى أواخر القرن 19 مثلا ، تجاوزت الولايات المتحدة أنجلترا و بدورها تجاوزت ألمانيا أنجلترا فى بدايات القرن العشرين .
15- هل الصناعة الثقيلة أساس التحويل الإشتراكي ؟
يقول الكتاب : " أمام البلدان التى تسير على طريق البناء الإشتراكي أن تطرح على نفسها مهمّة : التسريع فى تطوير صناعتها الثقيلة ( أساس للتحويل الإشتراكي للإقتصاد ) قصد القضاء فى أقرب وقت ممكن على تبعات سيطرة رأس المال هذه . " ( ص 364 )
هنا يعتبر تطوّر الصناعة الثقيلة أساسا إقتصاديّا للتحويل الإشتراكي . هذه أطروحة ناقصة . فقد أكّد تاريخ الثورات أنّه لم يكن من الضروري أن تكون لنا مسبّقا قوى إنتاج تامة التطوّر كي يمكن تحويل علاقات الإنتاج القديمة . لقد بدأت الثورة الصينية بنشر الماركسية . و بفضل ذلك النشر ، وُلد رأي عام جديد بما يسّر الثورة . أوّلا ، يجب الإطاحة بالبنية الفوقيّة عبر الثورة حتّى يمكن تحطيم علاقات الإنتاج القديمة . و بعد القضاء على علاقات الإنتاج القديمة هذه ، يمكن إيجاد علاقات إنتاج جديدة فاسحين الطريق أمام تطوّر قوى إنتاج المجتمع الجديد . و إثر ذلك يمكن دفع ثورة تكنولوجيّة كبرى لتطوير قوى انتاج المجتمع تطويرا قويّا وفى الوقت ذاته تتمّ مواصلة تحويل علاقات الإنتاج والعلاقات الإيديولوجيّة.
لا يتحدّث الكتاب إلاّ عن الباكورات الماديّة و لا يعالج إلاّ لماما البنية الفوقيّة بمعنى الدولة الطبقيّة و الفلسفة الطبقيّة و العلوم الطبقيّة . لعلم الإقتصاد هدف رئيسي هو دراسة علاقات الإنتاج . لكن يبدو من العسير التمييز بين الإقتصاد السياسي و الفهم المادي للتاريخ . يبدو من العسير أن نفسّر بوضوح المسائل المرتبطة بالأساس الإقتصادي و بعلاقات الإنتاج دون الأخذ بعين الإعتبار مشكلتين تخصّان البنية الفوقيّة .
16- ميزات أطروحة لينين حول الإنطلاق فى الطريق الإشتراكي :
فى الصفحة 375 ، يستشهد الكتاب بجملة للينين . و هذا الإستشهاد ممتاز . و يمكن إستعماله للدفاع عن سياستنا . يقول لينين : " الإختلافات المحلّية و ميزات النظام الإقتصادي و أنماط الحياة و درجة تحضّر السكّان و محاولات القيام بهذا أو ذاك من المخطّطات : كلّ هذا يجب أن ينعكس بالضرورة فى خصوصيّة الطريق الإشتراكي ".
مبدؤنا الأوّل فى السياسة يشير إلى رفع الوعي السياسي للسكّان . و قفزتنا الكبرى إلى الأمام محاولة لتحقيق هذا أو ذاك من المخطّطات .
17- نسق التصنيع مشكل حاد :
ورد فى الكتاب : " من المشاكل التى طرحت نفسها بحدّة فى الإتحاد السوفياتي مشكل نسق التصنيع " . ( ص 326 )
فى الوقت الراهن ، فى الصين ، مشكل نسق التصنيع أيضا مشكل حاد . فبقدر ما تكون الصناعة أكثر تطوّرا من البداية بقدر ما يكون حادا مشكل النسق . و هذا أكيد ليس فقط حين يقارن بلد بآخر بل كذلك حين تقارن منطقة بأخرى داخل البلد عينه . فى الصين مثلا ، فى الشمال الغربي و فى منطقة شنغاي توجد بنية تحتيّة صلبة نسبيّا . لذلك يكون إرتفاع إستثمارات الدولة هناك بطيئ نسبيّا . فى حين أنّ فى مناطق أخرى حيث البنية التحتيّة أقلّ صلابة وحيث ضرورة التطوّر تفرض نفسها بشكل إستعجالي ، يكون إرتفاع إستثمارات الدولة أسرع . طوال العشر سنوات التى تلت التحرير تمتّعت شنغاي بإستثمار جملي ب 22 مليون يوان منها أكثر من 500 مليون من الرأسماليين . و فى البداية ، كانت شنغاي تعدّ أكثر من 500 ألف عامل . و فى الوقت الراهن ، بصرف النظر عن آلاف العمّال المنقولين إلى أماكن أخرى ، هناك أكثر من مليون عامل فى المدينة أي ضعف العدد الأصلي فحسب . و يمكن الآن إذا قورنت شنغاي بالمدن الجديدة أين إرتفع كثيرا عدد الموظّفين و العمّال ، أن نشاهد بوضوح أنّ مشكل نسق التطوّر أهمّ فى المناطق التى لها أساس صناعي قليل الصلابة .
بهذا المضمار ، لا يقول الكتاب سوى إنّ الوضع السياسي يتطلّب تصنيعا نسقه سريع لكنّه لا يقول إنّ النظام الإشتراكي يجعل هذا النسق ممكنا . إنّه لا يرى إلاّ مظهرا من المشكل . لئن وجدت ضرورات دون إمكانيّات تصنيع بنسق سريع ، كيف يمكن لنا إذن تحقيق هذا التصنيع ؟
18- إن طوّرنا فى آن معا المؤسسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى فلأجل تصنيع بنسق سريع :
بالرغم من أنّ الصفحة 381 من الكتاب تؤكّد أنّ الصين تُطوّر على مستوى كبير المؤسسات المتوسّطة الحجم ، فإنّ ذلك لا يعكس بشكل سليم فكرتنا عن الإستعمال المزدوج لطرق صينيّة و أخرى أجنبيّة و عن التطوير المزدوج للمؤسّسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى . يقول الكتاب : " يتوقّع حصول تطوّر كبير للمؤسسات الصغرى و المتوسّطة و مرجع ذلك هو التخلّف التكنولوجي – الإقتصادي الهائل للبلاد و ضخامة عدد سكّانها و المشكل الحقيقي للتشغيل " .
لكن المشكل ليس لا نقص فى التطوّر التقني و لا الإكتضاض السكني و لا رفع مستوى التشغيل . إذا طوّرنا على درجة كبيرة المؤسّسات المتوسّطة والصغرى ، بعد إعتبار المؤسّسات الكبرى تمثّل القوّة الرياديّة و إذا إستعملنا فى كل الأماكن التقنيات التقليدية بعد أن إعتبرنا أنّ التقنيات الأجنبيّة تمثّل القوّة الرياديّة فذلك يعود بالأساس إلى هدف التوصّل إلى تصنيع بنسق سريع .
19- هل يمكن لنظامين إشتراكيين للملكية أن يتعايشا لزمن طويل ؟
فى الصفحة 386 ، يقول الكتاب : " لا يمكن للدولة الإشتراكية و بناء الإشتراكية فى فترة زمنيّة طويلة نسبيّا بالإستناد إلى أساسين مختلفين ، إلى قاعدة صناعة إشتراكية كبرى وقويّة الوحدة و إلى قاعدة إقتصاد سلعي فلاحي صغير متخلّف وموزّع بصفة مدهشة " .
فى الإتحاد السوفياتي ، إمتدّت طويلا فترة تعايش هذين النظامين المختلفين من الملكية . و التناقض بين نظام ملكيّة الشعب بأسره و نظام الملكيّة التعاونيّة هو فى الواقع تناقض بين العمّال و الفلاّحين . لا يعترف الكتاب بمثل هذا التناقض .
و بالإضافة إلى ذلك ، طالما إمتدّ التعايش بين نظام ملكيّة الشعب بأسره و نظام ملكيّة التعاونيّة فإنّ هذا التعايش ينسجم أقلّ فأقلّ مع ضرورات تطوير قوى الإنتاج . لن يعود قادرا على التلبية الكلّية لضرورات التطوّر المستمرّ لمستوى معيشة الفلاّحين و لمستوى الإنتاج الفلاحي و لا للنموّ المطّرد للمواد الأوّليّة الضروريّة للصناعة . لو أُريد تلبية هذه الحاجيات ، من اللازم حلّ التناقض بين النظامين من الملكيّة ، و تحويل نظام الملكيّة التعاونيّة إلى ملكيّة الشعب بأسره و رسم مخطّط شامل للإنتاج و للتوزيع فى الصناعة و فى الفلاحة إنطلاقا من أنّ نظام ملكيّة الشعب بأسره هو القاعدة الوحيدة .
لا يكفّ التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج عن التطوّر بإستمرار . و فى وقت معيّن يمكن أن تكون علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج منسجمة إلاّ أنّه فى نهاية فترة معيّنة يمكن أن يتبخّر هذا الإنسجام . و فى الصين، بعد تحقيق التعاونيّات العليا فى كلّ المناطق الخاصة و فى كلّ المقاطعات ،طرح مشكل معرفة هل أنّ التعاونيّات الصغيرة يجب أن تتوحّد لتتحوّل إلى تعاونيّات كبرى .
فى الوقت الحاضر ، فى المجتمع الإشتراكي ، التوزيع حسب العمل و الإنتاج السلعي و قانون القيمة إلخ مطابقين لمتطلّبات تطوّر قوى الإنتاج . لكن سيأتى اليوم الذى لن تظلّ فيه هذه المبادئ و هذه القوانين تناسب تطوّر قوى الإنتاج . سيأتى اليوم الذى فيه ستقضى عليها قوى الإنتاج و ستضمحلّ . كيف يمكن أن نصرّح بأنّه داخل المجتمع الإشتراكي ، لا يمكن أن يحصل تحوّل فى بعض الأصناف الإقتصاديّة ؟ كيف يمكن قول أنّ الأصناف الإقتصادية كالتوزيع حسب العمل أو نظام الملكيّة التعاونيّة لن يتغيّر أبدا ، و إنّهما خلافا للبقيّة ، لا يمثّلون جزءا من الأصناف التاريخية ؟
20 – لا يمكن للتحويل الإشتراكي للفلاحة أن يرتبط بالآلات فحسب :
فى الصفحة 392 ، يقول الكتاب : " كانت محطّات الآلات و الجرّارات رافعة قويّة لتحقيق التحويل الإشتراكي للفلاحة . "
و فى أكثر من مناسبة ، يؤكّد الكتاب على الدور الذى تلعبه الآلات فى التحويل الإشتراكي . لكن كيف يمكن أن تجري الأمور على أحسن وجه لو لم نرفع من الوعي السياسي للفلاّحين ، لو لم نحوّل إيديولوجيا الناس و لو إعتمدنا على الآلات فحسب ؟ إنّ مسألة نضال الخطّين و النضال من أجل تحويل الناس و تربيتهم بالإيديولوجيا الإشتراكية من المسائل الهامة فى الصين .
و فى الصفحة 395 ، لمّا يعالج الكتاب المهام التى يجب النهوض بها أثناء الفترة الأولى من تطبيق كامل حركة التعاونيّات ، تتمّ الإشارة بالخصوص إلى النضال ضد الفلاّحين الأغنياء المناوئين لتلك الحركة . و هذا بديهيّا صحيح . لكن فى وصفه للوضع فى القرى بعد حركة التعاونيّات لا يتكلّم الكتاب عن المشاكل التى تهمّ الفئات الإجتماعيّة المترفّهة . و لا يتكلم كذلك عن التناقضات الداخليّة كالتناقض بين الدولة و التعاونيّات ، من جهة والإنسان من جهة أخرى ؛ أو بين مراكمة رأس المال و الإستهلاك .
فى الصفحة 395 ، يقول الكتاب : " فى ظروف أوج حركة التعاونيّات الفلاحيّة ،أخذت جماهير عريضة من الفلاّحين المتوسّطين الذين تجاوزوا تذبذبهم ، تلتحق بالتعاونيّات " .
إلاّ أنّه لا يمكن الحديث بمثل هذه الصيغة القطعيّة . فجزء من الفلاّحين المتوسّطين المرفّهين متردّد فى الوقت الحاضر و سيظلّ متردّدا فى المستقبل.
21- ما يدعى " التعزيز النهائي " :
" التعزيز النهائي لنظام ملكيّة الكولخوزات " . ( ص 407 )
تعبير " التعزيز النهائي " تعبير سيّئ . لا يمكن أن يكون تعزيز أي شيء إلاّ تعزيزا نسبيّا . كيف يمكن أن يكون التعزيز نهائيّا؟ إن لم يوجد الموت منذ بداية الإنسانيّة، إن كان البشر جميعهم" معزّزين نهائيّا "، ما الذى كان سيحدث للعالم ؟ فى الكون و على كوكب الأرض ، كلّ شيء يولد فيتطوّر و يموت دون توقّف و لا يمكن تعزيزه نهائيّا . لنأخذ مثال حياة دودة القزّ . فحياتها لا تنتهى حتما بالموت فقط بل إنّها تعبر أيضا إبّان سيرورة تطوّرها المراحل الأربع التالية : بيضة فدودة فشرنقة ففراشة . و تؤدّى كلّ مرحلة من تلك المراحل إلى المرحلة التى تليها ، التعزيز غير ممكن . وحين تموت فى الأخير الفراشة ، تتحوّل المادة القديمة إلى مادة جديدة ( ولادة عدد كبير من بيضات دودة القزّ). يتعلّق الأمر بقفزة نوعيّة. فى سيرورة تطوّر البيضة – الدود- الفراشة ، ليس هناك بداهة سوى تغيّرات كمّية إذ تحدث أيضا تغيّرات نوعيّة – تغيّرات نوعيّة جزئيّة . و كذلك الإنسان ، فى السيرورة من الولادة إلى الموت ، يعرف مراحلا مختلفة هي الطفولة والمراهقة والشباب و الكهولة فالشيخوخة . ومن الولادة إلى الموت ، السيرورة سيرورة تغيرات نوعيّة و أيضا سيرورة تغيّرات نوعيّة جزئيّة مستمرّة . كيف يمكن تأكيد أنّه ليس هناك من تراكم كمّي دون تحوّل نوعي حين يكبر الطفل ويصبح الكهل شيخا ؟ فى الجسد الإنساني تنقسم الخلايا بإستمرار . تموت الخلايا القديمة وبإستمرار تولد خلايا جديدة . و بموت الإنسان يحدث تغيّر نوعي كامل . و يتحقّق هذا التغيّر النوعي مرورا بتغيّرات نوعيّة جزئيّة متواصلة ، ملازمة للتغيّرات الكمّية . و يمثّل التغيّر الكمّى و التغيّر النوعي وحدة تناقض . فى التغير الكمّى هناك تغيّرات نوعيّة جزئيّة . و لا يجب علينا قول إنّه لا توجد تغيّرات نوعيّة فى التغيّر الكمّى . و كذلك ، توجد تغيّرات كمّية فى التغيّر النوعي . لا يجب قول إنّه لا وجود لتغيّرات كميّة فى التغيّر النوعي .
حين يتعلّق الأمر بسيرورة مديدة ، قبل حدوث التغيّر النوعي الأخير ، توجد ضرورة تغيّرات كمّية مستمرّة و عديد التغيّرات النوعيّة الجزئيّة . إن لم توجد تغيّرات نوعيّة جزئيّة ولم توجد عديد التغيّرات النوعيّة فإنّ التغيّر النوعي الأخير لا يمكن أن يحدث. و على سبيل المثال ، مصنع ذو ورشات و مساحة معيّنة . داخل المصنع ، يجرى تجديد التجهيزات و الآلات الواحدة بعد الأخرى. هذا تغيّر نوعي جزئي . لا تتحوّل مساحة المصنع و لا يتحوّل شكله الخارجي . لكن يحدث تغيّر داخل المصنع . و الشيء ذاته يمكن أن يقال بشأن فرقة من الجنود . حينما يخوض أكثر من مائة إنسان معركة ، يموت منهم العشرات او يجرحون و فى الأخير يجب تعويض العشرات من الناس . و بالنضال المستمرّ و بالتعويض المتواصل ، عبر التغيّرات النوعيّة الجزئيّة ، تتطوّر هذه المجموعة و تقوى بصفة مستمرّة .
مثّل سحق تشان كاي تشاك تغيّرا نوعيّا تحقّق بالمرور بتغييرات كمّية . خلال سنوات ثلاث ونصف السنة ، مثلا ، وجب علينا تحطيم جيش تشان كاي تشاك و نظامه قطعة قطعة . هذا التغيير الكمّي كان يعنى فى حدّ ذاته تغيّرات نوعيّة جزئيّة . و إبّان فترة حرب التحرير ، عرفت الحرب عدّة مراحل و كانت كلّ مرحلة من المراحل المتتالية متباينة لها خصوصيّات مختلفة عن خصوصيّات المرحلة السابقة عليها . تحويل الإقتصاد الخاص إلى إقتصاد تعاوني هو سيرورة تحويل نوعي . و فى الصين ، تحقّقت هذه السيرورة عبر عدّة مراحل من التغيّرات النوعيّة الجزئيّة : فرق التعاون المتبادل فتعاونيّات من الصنف الأدنى فالتعاونيّات من الصنف الأعلى فالكمونات الشعبيّة .
وحاليّا ، فى الصين يضمّ الإقتصاد الإشتراكي نظامين مختلفين من الملكيّة العامة : نظام ملكيّة الشعب بأسره و نظام الملكيّة التعاونيّة . لهذا الإقتصاد الإشتراكي سيرورته الخاصّة من الولادة و التطوّر . فهل يُعقل فى المستقبل أن لا توجد سيرورة تطوّر أخرى ؟ كيف يمكننا قول أنّ النظامين إيّاهما من الملكيّة يمكن أن " يتعزّزا نهائيّا " و إلى الأبد ؟ هل يمكن داخل مجتمع إشتراكي أن يتمّ تأبيد الأصناف الإقتصاديّة كالتوزيع حسب العمل و الإنتاج السلعي و قانون القيمة إلخ ؟ هل يُعقل أن توجد ولادة و يوجد تطوّر و لا يوجد موت و لا تحوّل ؟ هل يمكن أن لا تكون تلك الأصناف أصنافا تاريخيّة كغيرها من الأصناف ؟
الإنتقال من الإشتراكية إلى الشيوعية أمر حتمي . وفى هذه السيرورة ، من الطبيعي أن تموت أشياء تنتمى إلى المرحلة الإشتراكية و حتّى فى عصر الشيوعية ، ستتطوّر الأشياء بلا إنقطاع . وقد تعرف الشيوعية مراحلا مختلفة . هل بإمكاننا أن نقول إنّه لن توجد تغيّرات حين يتحقّق المجتمع الشيوعي و إنّ كلّ شيء " سيتعزّز نهائيّا " و إنّه ستوجد فقط تغيّرات كمّية ، لا تغيّرات نوعيّة جزئيّة بلا إنقطاع ؟
يجرى تطوّر الأشياء بمراحل متتالية بصفة غير منقطعة . لكن لكلّ مرحلة " حدودها " الخاصّة . نحن ندرس كلّ يوم . نشرع فى ذلك على الساعة الرابعة و ننتهى على الساعة السابعة أو الثامنة . هذا "حدّ ". و لنأخذ مثال التحويل الإيديولوجي . يجب على التحويل الإيديولوجي الإشتراكي أن يمتدّ على فترة طويلة . لكن لكلّ حركة تحويل إيديولوجي نهاية ، " حدّ ". على جبهة النضال الإيديولوجي الإشتراكي ، هناك تغيّرات كمّية مستمرّة وتغيّرات نوعيّة جزئيّة مستمرّة . و سيأتى يوم تكون فيه التأثيرات الإيديولوجية الرأسمالية منعدمة تماما . ذلك اليوم ، سيكون التغيّر النوعي لهذا التحويل الإيديولوجي قد إنتهى و ستبدأ سيرورة تطوّر نوعي جديدة .
للبناء الإشتراكي أيضا " حدّ " . يجب القيام بتقييمات . مثلا ، جزء المنتوجات الصناعيّة فى الإنتاج ، كمّية الفولاذ المنتج ، مستوى حياة السكّان إلخ . و بطبيعة الحال ، قول إنّ للبناء الإشتراكي " حدّ " لا يعنى أنّ المرء يرفض التقدّم على الطريق الشيوعي . ومن الممكن أن يتضمّن المرور من الإشتراكية إلى الشيوعية مرحلتين : الأولى من الرأسماليّة إلى الإشتراكية أو المرحلة الإشتراكية القليلة التطوّر ، و الثانية من الإشتراكيّة إلى الشيوعية أو مرحلة من الإشتراكية القليلة التطوّر إلى الإشتراكية الأكثر تطوّرا ، إلى الشيوعية . ومن الممكن أن تتطلّب هذه المرحلة الأخيرة مدّة زمنيّة أطول . و لماّ يتمّ تجاوز هذه المرحلة ستوجد الخيرات المادية بوفرة كبيرة و ستصبح القيم الثقافية أثرى وسيكون وعي الإنسان أرفع . حينذاك سيمكن الدخول فى المرحلة الأعلى من الشيوعية .
فى الصفحة 409 يقال إنّه بعد " الإنتصار الشامل " لأشكال الإنتاج الإشتراكية سيرتفع مستوى تطوّر الإنتاج وترتفع نسبة الإنتاجيّة بسرعة و بصورة غير منقطعة . و تستخدم عبارة " غير منقطعة " فى أكثر من مناسبة . لكن الأمر لا يتعلّق إلاّ بالتغيّرات الكمّية : ليست هناك تغيّرات نوعيّة جزئيّة كبيرة .
22- عن الحرب و السلم :
فى الصفحة 408 ، يُقال إنّ فى المجتمع الرأسمالي " من الحتمي أن تندلع أزمة فائض إنتاج متسبّبة فى إرتفاع عدد العاطلين عن العمل "
ما يعنى أنّ الحرب فى مخاض . لا يمكن أن تصبح مبادئ الإقتصاد الماركسية فجأة متقادمة . هل يُعقل إلغاء الحرب نهائيّا بينما لا يزال قائما النظام الرأسمالي فى العالم ؟
أيمكن أن نقول حاليّا إنّه يبدو ممكنا الإلغاء الأبدي للحرب و إستعمال كلّ الإمكانيات الماديّة و الماليّة للعالم خدمة للإنسانيّة قاطبة ؟ فى هذا التأويل تغيب الماركسية و يغيب التحليل الطبقي و يغيب التمييز بين السيطرة البرجوازيّة و السيطرة البروليتاريّة . كيف يمكن إلغاء الحرب دون إلغاء الطبقات ؟ حدوث حرب عالميّة لا يرتهن بنا . فحتى لو وقّعنا إتفاقيّة تمنع الحرب ستبقى إمكانيّة الحرب قائمة . حين تريد الإمبريالية القيام بالحرب لا يمنعها أي إتّفاق ساري المفعول . أمّا فى ما يخصّ إذا كانت ستستعمل عند إندلاع الحرب القنابل الذرّية و الهدروجينيّة أم لا فتلك مسألة أخرى . و رغم وجود الأسلحة الكيميائية فهي لا تستخدم فى الحروب التى لا تزال تقام بالأسلحة التقليدية . و حتّى عندما لا تكون الكتلتين فى حرب ، لا ضامن لعدم إندلاع حرب ما فى العالم الرأسمالي . الحرب ممكنة بين قوّتين إمبرياليتين أو بين البرجوازية و البروليتاريا فى البلدان الإمبريالية . و بالفعل تشتعل نيران الحرب حاليا بين الإمبريالية من جهة و المستعمرات و أشباه المستعمرات من جهة ثانية . الحرب وسيلة فى الصراع الطبقي . بالحرب وحدها يمكن القضاء على الطبقات و بالقضاء على الطبقات فقط يمكن القضاء على الحرب إلى الأبد . دون حرب ثوريّة ، لا يمكن القضاء على الطبقات . لا نعتقد أنّه من الممكن القضاء على الحرب و الأسلحة دون القضاء على الطبقات . فى التاريخ البشري للمجتمعات الطبقيّة ، سعت جميع الطبقات و جميع البلدان إلى إحتلال موقع قوّة . يتعلّق الأمر بنزعة تاريخيّة حتميّة . حسنا الآن ، الجيش مظهر ملموس لقوّة طبقة . و سيوجد الجيش طالما وجد تناحر طبقي . و من الأكيد أنّنا لا نريد أن يدفعونا إلى الحرب فنحن نتطلّع إلى السلم . نبذل جهودا كبرى لنمنع الحرب النوويّة و نناضل من أجل توقيع إتّفاق عدم إعتداء بين الكتلتين . إنّنا من الأوائل الذين إقترحوا النضال للحصول على 10 أو 20 سنة من السلم . لو تجسّد هذا الإقتراح سينفع ذلك مجمل الكتلة الإشتراكيّة و بناء الإشتراكية فى الصين .
وفى الصفحة 409 ، يؤكّد الكتاب أنّ الإتّحاد السوفياتي لم يعد بعدُ محاصرا . هذا التأويل يعرّض الناس إلى خطر التخدير . أكيد أنّ الوضع تغيّر كثيرا نسبة إلى الفترة التى لم يكن يوجد بها أكثر من بلد إشتراكي فقط . شرقيّ الإتحاد السوفياتي ، هناك البلدان الإشتراكية لأوروبا الشرقيّة . و غربي الإتحاد السوفياتي ، هناك البلدان الإشتراكية كالصين و كوريا و الفيتنام . لكن الصواريخ الموجّهة عن بعد لا عيون لها . قد تبلغ الأهداف الواقعة على بعد آلاف الكيلومترات و حتى أكثر من 10 آلاف كيلومتر . و العديد من القواعد العسكريّة الأمريكيّة موزّعة حول مجمل الكتلة الإشتراكيّة . و هدف تلك القواعد هو الإتحاد السوفياتي و بقيّة البلدان الإشتراكية . فى مثل هذه الظروف ، هل يمكن تـأكيد أنّ الإتحاد السوفياتي فى الوقت الحاضر ليس محاصرا بصواريخ موجّهة عن بعدِ؟
23- هل " الإجماع " محرّك لتطوّر المجتمع ؟
فى الصفحة 413 كُتب أنّ الإشتراكية تمتاز ب " وحدة إجماعها " و ب " أنّها صلبة كالصخر " و أنّ " الإجماع يمثّل القوّة المحرّكة لتطوّر مجتمع ".
لئن إفترضنا أنّ فى المجتمع الإشتراكي لا توجد سوى الوحدة والإجماع وأنّه لا وجود لتناقضات داخليّة، لئن رفضنا الإقرار بأنّ التناقضات تمثّل القوّة المحرّكة لتطوّر المجتمع ، فإنّنا ننكر حينها شموليّة التناقض و نتخلّى عن الجدليّة . دون تناقض لا توجد حركة . بفضل الحركة يتطوّر المجتمع . و فى مرحلة الإشتراكية ، تظلّ التناقضات هي القوّة المحرّكة لتطوّر المجتمع . نعمل من أجل الوحدة ونحن مضطرّون إلى النضال من أجلها تحديدا لأنّ الإجماع غير موجود . لو كان الإجماع تاما دائما ، لماذا سيظلّ من الضروري بعدُ العمل بلا هوادة من أجل الوحدة ؟
24- حقوق العمّال فى ظلّ النظام الإشتراكي :
فى الصفحة 414 ، عندما يتطرّق الكتاب إلى مختلف الحقوق التى يتمتّع بها العمّال ، لا يشير إلى حقوقهم فى تسيير البلاد و مختلف المؤسسات و المنظّمات الثقافيّة و التعليمية . فى الواقع ، هذه هي أهمّ حقوق العمّال فى ظلّ النظام الإشتراكي . يتعلّق الأمر بالحقوق الجوهريّة التى دونها لا يوجد حقّ العمل و حقّ الحصول على تعليم و حقّ الراحة إلخ .
مشكلة الديمقراطية الإشتراكية هي قبل كلّ شيء معرفة ما إذا كان للعمّال حقّ الإنتصار على شتّى القوى المناهضة لهم و على تأثيراتها . من يسيطر على أشياء مثل الجرائد اليوميّة و المجلاّت و محطّات الإذاعة و التلفزة و السينما ؟ من بوسعه التعبير عن آرائه ؟ كلّ هذا مرتبط بمشكلة الحقوق . إن وجدت هذه الأشياء بيد أقلّية من الإنتهازيين من اليمين ، فإنّ الأغلبيّة الساحقة فى البلاد التى هي فى حاجة ماسّة إلى القفزة الكبرى إلى الأمام ستجد نفسها محرومة من حقوقها فى مثل تلك المجالات . لو وضع أناس من قبيل تشونغ تيان باي أيديهم على السينما ، كيف يمكن للشعب أن يمارس حقوقه فى هذا المجال ؟ و فى صفوف الشعب هناك عديد التوجّهات و الكتل . و أن تسيطر كتلة على كلّ المنظّمات و كلّ المؤسسات شيء له وزن خطير على مشكلة ضمان حقوق الشعب . متى وُجدت هذه المنظّمات و هذه المؤسسات بيد الماركسيين - اللينينيين، يمكن ضمان حقوق الغالبية الساحقة من الشعب . و متى وجدت بيد إنتهازيي اليمين أو اليمين بوسعهم أن يغيّروا طبيعتها و من ثمّة لن يمكن ضمان حقوق الشعب عليها.
مجمل القول ، يجب أن يكون للشعب حقّ تولّى مسؤوليّة البناء الفوقي . و فى ما يتصل بحقوق الشعب ، لا يمكننا القبول بأن تكون الدولة مسيّرة من قبل جزء من الناس فقط و بأن لا يقدر الشعب على التمتّع بحقوقه فى العمل و التعليم و الضمان الإجتماعي إلخ ، إلاّ فى ظلّ سيطرة أشخاص معيّنين .
25 – هل المرور إلى الشيوعية ثورة ؟
فى الصفحة 417 ، كُتب : " بما أنّ فى الإشتراكية لا وجود لطبقات أو شرائح طبقيّة لها مصالح تتناقض مع الشيوعية ، فإنّ المرور إلى المجتمع الشيوعي يحدث دون أيّة ثورة إجتماعية " .
من المؤكّد أنّ المرور إلى الشيوعية لا يعنى الإطاحة بطبقة من طرف طبقة أخرى . بيد أنّه لا يمكن الحديث عن أنّ ذلك ليس ثورة إجتماعيّة نظرا لكون تعويض علاقات إنتاج بعلاقات إنتاج أخرى يمثّل قفزة نوعيّة أي ثورة . فى الصين ، تحويل الإقتصاد الخاص إلى إقتصاد تعاوني وتحويل الإقتصاد التعاوني إلى إقتصاد الشعب بأسره يمثّلان ثورتين فى مجال علاقات الإنتاج . و كذلك لا يمكن القول إنّ تحويل المبدأ الإشتراكي " لكلّ حسب عمله " إلى المبدأ الشيوعي" لكلّ حسب حاجياته " لا يمثّل ثورة فى علاقات الإنتاج . أكيد أنّ مبدأ " لكلّ حسب حاجياته " سيطبّق تدريجيّا . و من الممكن أنّه لمّا يغدو التموين بالمواد ذات الضرورة الأوّلية كافيا، سنوزّعها وفق لكلّ حسب حاجياته . و سيطال هذا التوزيع بقيّة المواد كلّما تطوّرت أكثر قوى الإنتاج .
و لنضرب على ذلك مثال الكمونات الشعبيّة الصينيّة . فزمن تحويل نظام الملكيّة على مستوى المجموعة القاعديّة إلى نظام الملكيّة على مستوى الكمونة القاعديّة ألا يوجد خطر حدوث صراعات صلب قسم من السكّان ؟ هذه المسألة تستحقّ أن تدرس . و لتحقيق هذا التحويل ، من الشروط المحدّدة شرط أن تكون المداخيل المتأتّية من إقتصاد الكمونة تمثّل أكثر من نصف المداخيل الجمليّة للكمونة الشعبية . و تطبيق نظام الملكيّة على مستوى الكمونة القاعديّة مفيد بالنسبة للعناصر العاديّة للكمونة . لذلك نرى أنّ الأغلبيّة الكبرى من الناس لن تعارض هذا التحويل . لكن ، زمن التحويل ستفقد الكوادر القديمة لفرق الإنتاج قيادة مثل تلك الفرق و ستتقلّص سلطتها الإداريّة بنفس القدر . بالتالى هل سيعارضون ذلك التحويل ؟
فى سيرورة التطوّر هذه ، قد يطفو مشكل " بعض المجموعات التى قد حصلت على إمتيازات " و ذلك رغم أنّ الطبقات فى المجتمع الإشتراكي قد ألغيت . و عناصر تلك الفرق الراضية على النظام القائم لن يرغبوا فى تغييره . تطبيق مبدأ " لكلّ حسب عمله " أو " يكسب أكثر من يعمل أكثر " ، مثلا مفيد لهم . و من ثمّة قد يشعروا بعدم الراحة لمّا تفسح هذه المبادئ المجال لمبدأ لكلّ حسب حاجياته ". و حسنا الآن ، يتطلّب تركيز كلّ نظام جديد ، بالضرورة ، تحطيم النظام القديم. لا وجود للبناء دون تحطيم . و إن حطّمنا ستظهر معارضة قسم من الناس . الإنسان حيوان غريب . كلّما وجد نفسه فى وضع مميّز ، يمسى متغطرسا ... و يمثّل عدم أخذ ذلك بعين الإعتبار خطرا كبيرا .
26 - " ليس من الضروري مطلقا أن تستخدم الصين شكلا حادا من صراع الطبقات " : أطروحة مدّعاة !
ما قيل فى الصفحة 419 خاطئ .
إثر ثورة أكتوبر ، عندما رأت البرجوازية الروسية أنّ الإقتصاد الروسي قد شهد إضطرابا خطيرا ، كانت مقتنعة بأنّ البروليتاريا لم تكن فى وضع يسمح لها بتغيير تلك الوضعيّة و لم تكن تملك القوّة الكافية للبقاء فى السلطة . كانت تظنّ بالتالى أنّه حالما ستنطلق فى المعركة سيتداعى النظام البروليتاري . لذلك إندفعت فى المقاومة المسلّحة ما أجبر البروليتاريا الروسيّة على إتّخاذ إجراءات صارمة و على مصادرة ممتلكات البرجوازية . فى تلك الفترة كانت التجارب تعوز البرجوازية و تعوز البروليتاريا .
و قول إنّ الصراع الطبقي ليس حادّا فى الصين يجافى الحقيقة . كم هي حادة الثورة الصينيّة ! لقد قاتلنا بلا هوادة طوال 22 سنة . خضنا الحرب للإطاحة بالسيطرة البرجوازية للكيومنتانغ . و صادرنا الرأسمال البيروقراطي الذى يمثّل 80 بالمائة من مجمل رأسمال الإقتصاد الرأسمالي . ذلك ما وفّر لنا إمكانيّة إستعمال وسائل سلميّة لتحويل الرأسمال الوطني الذى كان يمثّل 20 بالمائة من رأس مال الإقتصاد الرأسمالي . و خلال هذا التحويل ، عرفنا صراعات متأجّجة مثل حملات " الثلاثة ضد " و " الخمسة ضد " .
فى الصفحة 420 ، الوصف الخاص بتحويل الصناعة و التجارة الرأسماليين ليس وصفا صحيحا . فبعد التحرير ، وجدت البرجوازية الوطنيّة ذاتها مرغمة على سلوك طريق التحويل الإشتراكي . كنّا قد أطحنا بتشان كاي تشاك و صادرنا الرأسمال البيروقراطي و أتممنا الإصلاح الزراعي و أنجزنا حملات " الثلاثة ضد " و " الخمسة ضد "[ إنطلقت حملة " الثلاثة ضد" منذ ديسمبر 1951 ، و توجّهت إلى كوادر الحزب و هاجمت الفساد و التبذير و البيروقراطية . و حملة " الخمسة ضد " التى تلت الحملة السابقة توجّهت ضد الرشاوى و الغشّ و التهرّب الجبائي و تحويل ممتلكات الدولة و الحصول غير القانوني على أسرار الدولة الإقتصادية – المترجم إلى الفرنسيّة ] و وضعنا موضع التطبيق حركة التعاونيّات الفلاحيّة و من البداية ، كنّا نراقب الأسواق . وقد أرغمت هذه الجملة من التغييرات البرجوازية الوطنيّة على التقدّم تدريجيّا على طريق التحويل . هذا من ناحية و من الناحية الأخرى ، حدّد البرنامج المشترك سياسة ترتئى أن تكون لكافة مكوّنات الإقتصاد مكانتها الخاصة بها ما سيسمح للرأسماليين بتحقيق أرباح . و علاوة على ذلك ، ضمن الدستور للرأسماليين حق الإنتخاب و كأسا من الأرزّ . و جميع هذه الإجراءات سمحت لهم بأن يدركوا أنّه إن قبلوا التحويل يمكن أن يحتلّوا موقعا معيّنا و أن ينهضوا بدور معيّن فى الميدانين الإقتصادي و الثقافي .
وفى المؤسسات التى هي ملك مشترك بين الدولة و الخواص ، لم يمارس الرأسماليّون أيّة سلطة إداريّة فعليّة . لم توجد إدارة مشتركة للإنتاج بين الحكومة و الرأسماليين . لذلك من الخطإ قول إنّ فى هذا الوضع : " كان إستغلال العمل من قبل الرأسماليين محدودا " . فى الواقع كان محدودا جدّا . لا يقبل الكتاب الفكرة التى صغناها و التى مفادها أنّ المؤسسات المشتركة الملكية بين الدولة و أشخاص أفراد إشتراكية ب 75 بالمائة . من الطبيعي فى الوقت الحاضر أن صارت الإشتراكية بنسبة 75 بالمائة إشتراكية بنسبة 90 بالمائة أو حتّى أكثر .
لقد إنتهى فى الأساس تحويل الصناعة و التجارة الرأسماليين ، عندنا . لكن إن توفّرت الفرصة سينفّذ الرأسماليّون هجوما كاسحا ضدّنا . فى 1957 ، أطحنا بهجوم يميني . و فى 1959 ، نظّم الرأسماليّون هجمة أخرى ضدّنا بواسطة ممثّليهم فى الحزب . أمّا فى ما يتّصل بسياساتنا تجاه الرأسماليين الوطنيين فتتمثّل فى جلبهم إلينا من أجل مراقبتهم على أفضل وجه .
و يشير الكتاب ( ص 421 ) إلى مقولة للينين يقول فيها : " رأسمالية الدولة " مواصلة للصراع الطبقي بشكل آخر ". و هذا صحيح .
27- المدّة اللازمة لتحقيق بناء الإشتراكية :
فى الصفحة 423 ، يُقال إنّ فى الصين " تحقّقت " الثورة الإشتراكية على الجبهتين السياسيّة و الإيديولوجيّة فى 1957 . هذا ليس تاويلنا . نحن نحبّذ قول إنّنا توصّلنا إلى إنتصار حيوي .
وفى الصفحة الموالية ، يقول الكتاب إنّ الصين يجب أن تتحوّل إلى بلد إشتراكي قويّ فى 10 أو 15 سنة. بهذا الصدد ، نحن تقريبا متّفقون . و هذا يعنى أنّه بعد المخطّ الخماسي الثاني و مخطّطين آخرين ، أي فى 1972 أو 1969 – إن إستطعنا ربح سنتين أو ثلاث سنوات – يجب أن نكون قد توصّلنا إلى أن نحقّق لبلادنا تعصير ليس الصناعة و الفلاحة و المجالات العلمية و الثقافيّة و حسب بل كذلك تعصير الدفاع الوطني . فى بلد مثل بلدنا بناء الإشتراكية مهمّة شاقة جدّا . لا يجب الحديث مبكّرا جدّا عن الإنتهاء منها.
28- مرّة أخرى ، عن العلاقات بين الصناعة و التحويل الإشتراكي :
فى الصفحة 423 ، يقول الكتاب : " إنّ الإنتصار فى تحويل أنظمة الملكيّة قبل تحقيق التصنيع وضع ناجم عن الظروف الخاصة بالصين " . هذا التأكيد خاطئ . تستفيد بلدان أوروبا الشرقيّة و كذلك الصين من ذات الشرطين الخاصين:" وجود كتلة إشتراكية قويّة و دعم الإتحاد السوفياتي كقوّة عالية التصنيع ". لماذا إذن لن يستطيعوا التوصّل إلى تحقيق التحويل الإشتراكي فى ميدان أنظمة الملكيّة قبل إنهاء تصنيعهم ؟ أمّا فى يخصّ مشكلة العلاقات بين التصنيع و التحويل الإشتراكي فإنّ الإتحاد السوفياتي ، فى الواقع ، حلّ أيضا مشكلة أنظمة الملكيّة قبل تحقيق التصنيع .
من وجهة نظر التاريخ العالمي ، حدثت الثورة البرجوازية وتركيز الدول البرجوازية قبل و ليس بعد الثورة الصناعيّة . و هنا أيضا جرى أوّلا تحويل البنية الفوقيّة و تركيز جهاز دولة قبل أن تنتشر الأفكار التى ستسمح بإفتكاك السلطة الفعليّة . و نجم عن ذلك تحوّلا عميقا فى علاقات الإنتاج . و لمّا أرسيت على أفضل وجه علاقات الإنتاج الجديدة فسح المجال أمام تطوّر قوى الإنتاج . أكيد أنّ الثورة فى علاقات الإنتاج حصلت حين بلغ تطوّر قوى الإنتاج مستوى معيّنا . لكن تطوّرا كبيرا لقوى الإنتاج ياتى دائما عقب تحويل علاقات الإنتاج . و لنأخذ مثال تطوّر الرأسمالية . ففى البداية لم يقع سوى تجميع للأنشطة . و بعد ذلك أنشأت المصانع و ورشات الصناعات التقليديّة . فى تلك المرحلة ، تركّزت علاقات إنتاج رأسماليّة لكن ورشات الصناعة التقليديّة لم تكن صناعة مُمَكنَنَة . و ولّدت علاقات الإنتاج الرأسماليّة ضرورات تحويل تقنيّ ، موجدة هكذا شروط إستخدام الآلات . و فى أنجلترا ، حدثت الثورة الصناعيّة ( أواخر القرن 18 بدايات القرن 19 ) إثر الثورة البرجوازية ( التى جدّت بعد القرن السابع عشر ) . و كذلك فى ألمانيا و فى فرنسا و فى الولايات المتحدة و فى اليابان لم يبدأ التطوّر الصناعي الرأسمالي الكبير إلاّ بعد تحويل البنية الفوقيّة و علاقات الإنتاج وقد إتّخذ هذا التحوّل شكلا مختلفا من بلد إلى آخر.
أوّلا خلق رأي عام و إفتكاك السلطة . ثمّ حلّ مشكلة أنظمة الملكيّة و فى النهاية بلوغ التطوّر الكبير لقوى الإنتاج : هذا هو القانون العالمي . فى هذه النقطة ، تشبه الثورة البروليتارية الثورة البرجوازية بالأساس رغم بعض الإختلافات ( علاقات الإنتاج الإشتراكية مثلا لم توجد قبل الثورة البروليتارية فى حين أنّ علاقات الإنتاج الرأسمالية طفقت تتطوّر فى رحم المجتمع الإقاعي ).
29- عن التناقض بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج الإشتراكية :
فى الصفحة 433 ، يتحدّث الكتاب عن " التفاعل " بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج لكنّه لا يتحدّث عن تناقضهما فى ظلّ النظام الإشتراكي . علاقات الإنتاج تتضمّن : نظام ملكيّة وسائل الإنتاج و العلاقات الإنسانيّة فى العمل و نظام التوزيع . و يمكن أن نقول إنّ الثورة فى نظام الملكيّة هي أمر أكيد . مثلا ، بعد المرور من نظام الملكيّة التعاونيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره حين يبلغ مجمل الإقتصاد الوطني نظام ملكيّة الشعب بأسره ، يجب أن يبقى هذا النظام الأخير ساري المفعول لفترة زمنيّة طويلة نسبيّا . لكن حتّى فى المؤسسات التى تكون على ملك الشعب بأسره ، هل يجب إقتسام السلطة بين السلط المركزيّة و السلط المحلّية ؟ من سيتولّى أمر الإدارة ؟ و إدارة أيّة مؤسسة ؟ هذه المشاكل لا زالت مشاكلا هامة . فى 1958 ، إتّخذت بعض الوحدات القاعديّة نظام إستثمار و ضمان العمل مطوّرة بصفة كبيرة بهذا الشكل روح المبادرة لديها. والسلط المركزيّة لا ينبغى أن لا تثق إلاّ فى ديناميكيّتها الخاصة . ينبغى أن تشجّع حيويّة المؤسّسات و السلط المحلّية . و منع هذه الحيويّة من التعبير عن نفسها أمر ضار بالإنتاج . نرى أن هناك حتّى فى ظلّ ملكية الشعب بأسره تناقضات فى علاقات الإنتاج يجب العمل على معالجتها . و فى مجال العلاقات بين الناس فى الإنتاج و فى نظام التوزيع ، ضرورات التحسين المستمرّ أكبر حتّى . و يبدو من العسير جدّا الحديث هنا بصفة قطعيّة . فى ما يخصّ مشكلة العلاقات بين الناس فى العمل مثلا ، هناك الكثير يمكن قوله عن موقف القياديين المساواتي و التغييرات التى يجب إدخالها على بعض الضوابط والأنظمة؛ حول " المشاركتين " و " التحالف الثلاثي " إلخ. [ المشاركتين : مشاركة الكوادر فى العمل اليدوي و مشاركة العمّال فى تسيير المؤسّسة ؛ و التحالف الثلاثي : تحالف مكوّن من الكوادر القياديّة والعمّال و التقنيّين – المترجم إلى الفرنسيّة ] فى الكمونات البدائيّة ، نظام الملكيّة العامة إمتدّ لمدّة طويلة بيد أنّ العلاقات بين الناس فى سيرورة العمل شهدت عدّة تغيّرات .
30 – حتميّة المرور من نظام الملكيّة التعاونيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره :
فى الصفحة 435 ، يتحدّث الكتاب عن الضرورة الموضوعيّة لوجود شكلين من الملكيّة العامة . و لا يتحدّث عن ضرورة موضوعيّة أخرى هي ضرورة المرور من نظام الملكيّة التعاونيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره . و حاليّا ، يُطرح هذا المشكل فى بعض أنحاء الصين بطريقة واضحة . و وفق معلومات واردة من مقاطعة تشن غان و من مقاطعة هوباي ، فإنّ بعض الكمونات الشعبيّة المتخصّصة فى فلاحة الزراعات الصناعية أضحت غنيّة جدّا الآن . فى هذه الكمونات ، يصل تراكم الرأسمال إلى 45 بالمائة و مستوى عيش الفلاّحين مرتفع جدّا . لو إمتدّت زمنيّا هذه الوضعيّة و إذا لم يقع حلّ هذا التناقض من خلال تحويل نظام الملكيّة التعاونيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره ، فإنّ مستوى عيش الفلاحين سيتجاوز مستوى عيش العمّال . و يهدّد ذلك بإلحاق الضرر بالصناعة و بالفلاحة .
فى الصفحة 438 ، يقول الكتاب : " الإختلاف بين مؤسسات الدولة والتعاونيّات ليست إختلافات جوهريّة ... إنّ نظام الملكية العام بشكليه ... مقدّس و لا يمكن الحاق الضرر به ".
الإختلاف بين نظام الملكيّة التعاونيّة و نظام ملكيّة الشعب بأسره ليس إختلافا جوهريّا إن قورن كلا النظامين بالنظام الرأسمالي. لكن إذا ما تمّت معالجة المشكلة من الزاوية الإقتصاديّة الداخليّة للإشتراكية ، يكون هذا الإختلاف جوهريّا . يؤكّد الكتاب أنّ هذين الشكلين من الملكيّة العامة " مقدّسين و لا يمكن إلحاق الضرر بهما " هذه الطريقة فى التعبير صحيحة إذا ما تمّت معالجة كلا الشكلين من الملكية العامة فى معارضة لقوى عدّوة ؛ وهي خاطئة إذا ما أريد الحديث عن سيرورتها التطوّرية الذاتيّة . لا شيء أبدي . هذا صحيح بالنسبة لتعايش كلا نظامي الملكيّة . سيروة نظام ملكيّة الشعب باسره الخاصة هي الأخرى فى تحوّل .
من الآن إلى بضعة سنوات أخرى ، بعد تحويل نظام الملكية على مستوى الكمونات الشعبيّة إلى نظام ملكيّة الشعب بأسره سيظهر فى الصين برمّتها نظاما وحيدا لملكيّة الشعب بأسره يجرّ معه تطوّرا كبيرا لقوى الإنتاج . و طوال فترة معيّنة ، سيكون بعدُ لهذا النظام طابع إشتراكي. فقط بعد وقت معيّن سيتحوّل إلى نظام وحيد لملكيّة الشعب بأسره ذى طابع شيوعي. فى نظام ملكيّة الشعب بأسره ، ستوجد أيضا سيرورة تحويل تمرّ من " لكلّ حسب عمله " إلى " لكلّ حسب حاجياته " .
31- الملكية الخاصة :
فى الصفحة 439 ، يقول الكتاب: " يصبح الجزء الآخر من الإنتاج ، إنتاج مواد الإستهلاك...ملكية خاصة للعمّال".
يجعلنا هذا التأويل نعتقد أنّ جزءا من الإنتاج الإجتماعي ، فى حالتنا هذه المواد الإستهلاكية موجّه ليصبح ملكيّة خاصة . هذا التأويل ليس صائبا . فى الواقع ، بعض المنتوجات الإستهلاكيّة ملكيّة خاصة فى حين أنّ بعضها الآخر والذى يشمل المنشآت الثقافيّة و التعليميّة و منشآت الصحّة العموميّة إلخ ملك عام . من البديهي أنّ هذه الممتلكات العامة التى تتراكم بلا توقّف تقع تحت أمر كلّ عامل من العمّال إلاّ أنّها ليست ممتلكات خاصة .
فى الصفحة 440 ، يضع الكتاب على قدم المساواة الدخل المتأتّى من العمل و الإدخار و السكن و مواد الإستهلاك المنزلي و منتوجات الإستهلاك الشخصي و التجهيزات الأخرى ذات الإستعمال العادي إلخ. هذه الطريقة فى التحليل سيّئة . لأنّ الإدخار و السكن إلخ مصدرهما مداخيل العمّال .
فى مناسبات متعدّدة ، لا يتحدّث الكتاب إلاّ عن الإستهلاك الخاص و ليس عن الإستهلاك الإجتماعي مثل النشاطات الثقافيّة و الرفاه العمومي و الصحّة العموميّة إلخ . بصدد هذه النقطة ، لم يلاحظ الكتاب أكثر من جانب واحد من المشكلة . و فى الصين ، لا تزال حال المساكن الريفيّة غير مرضية . فى الريف ، يجب أن تغيّر تدريجيّا ظروف السكن . يجب أن يتمّ بناء أحياء سكنيّة خاصة فى المدن أساسا من قبل القوى الإجتماعية المشتركة و ليس من قبل القوى الفرديّة . إذا لم يأخذ مجتمع على عاتقه المهام المشتركة للمجتمع ، أيمكن حينذاك مواصلة الحديث عن الإشتراكية ؟ يقول البعض إنّ الإشتراكية يجب أن تعير إنتباها أكبر من الرأسمالية إلى الدوافع المادية . فى الحقيقة لا معنى لهذه الأطروحة !
وفى الفقرة الموالية ، يقول الكتاب إنّ الخيرات المنتجة فى الكلخوزات تحتوى على خيرات خاصة و منتوجات ثانوية فرديّة . لكنّه لا يطرح مشكل مشركة تلك المنتوجات الثانويّة . و بالتالى سيبقى الفلاّحون فلاّحين إلى الأبد . و من الأكيد أنّ نظاما إشتراكيا معيّنا يجب أن يعزّز ذاته لفترة معيّنة . لكن هذا التعزيز يجب أن يكون له حدود ؛ لا يجب أن يكون أبديّا و إلاّ فإن الإيديولوجيّات التى تعكس هذا النظام ستتجمّد و لن تصبح أفكار الناس قابلة للتأقلم مع التغيّرات الجديدة .
وفى الصفحة الموالية يتناول الكتاب بالحديث مشكلة مزج المصلحة الفرديّة مع المصلحة العامة بهذه العبارات " يتحقّق هذا المزج عبر التركيز الصريح لمبدأ المصلحة المادية الشخصيّة عبر مجازاة العمل طبقا لكمّيته و نوعيّته " .
هنا لا يتحدّث الكتاب عن ضرورة الإقتطاع الضروري من أجل الإستهلاك الإجتماعي . و كذلك ، فإنّ المصالح الماديّة الفرديّة وضعت فى المقام الأوّل كما لو أنّها العنصر الأهمّ فى هذا المزج . يتعلّق الأمر بتفسير جزئي للمبدأ الذى يريد أن تكون المصالح الماديّة الشخصيّة ملبّات .
وفى الصفحة 441 يضيف الكتاب :" ليس للتناقضات بين ما هو إجتماعي و ما هو شخصي طابع عدائي... يقع تجاوزها تدريجيّا ".
هذه الصيغة ضبابيّة للغاية . لا يمكنها معالجة المشكل . فى بلد كالصين ، لا يمكن للتناقضات صلب الشعب أن تعالج إذا لم نقم بحملة تصحيح مرّة كلّ سنة أو مرّة كلّ سنتين .
32- التناقض هو القوّة المحرّكة للمجتمع الإشتراكي :
تُقرّ الفقرة الأولى من الصفحة 443 بوجود تناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج فى المجتمع الإشتراكي . و تتحدّث كذلك عن ضرورة معالجة هذا التناقض لكنّها لا تُقرّ بأنّه القوّة المحرّكة .
الفقرة الموالية تبدو ممتازة إلاّ أنّه فى ظلّ نظام إشتراكي ، إن أمكن لبعض مظاهر العلاقات بين الناس و بعض أشكال القيادة الإقتصاديّة أن تضرّ بتطوّر قوى الإنتاج ، يمكن كذلك لبعض المشاكل فى أنظمة الملكيّة ( مثلا ، تعايش نظامي الملكيّة ) أن تقوم بالشيء نفسه .
و ما يقال فى الفقرة الموالية ، إشكالي للغاية . فهناك كُتب أنّ فى النظام الرأسمالي التناقضات ليست تناقضات لا يمكن التوفيق بينها . أين هي التناقضات التى يمكن التوفيق بينها ؟ بعض التناقضات عدائيّة و بعضها ليست عدائيّة . لكن ليس بوسعنا أن نقول إنّ هناك تناقضات لا يمكن التوفيق بينها و تناقضات يمكن التوفيق بينها .
رغم عدم وجود حرب فى النظام الإشتراكي ، ما يوجد دائما هو الصراع ، الصراع بين شتّى الكتل صلب الشعب . و رغم عدم وجود ثورة فى النظام الإشتراكي يمكن من خلالها لطبقة أن تطيح بأخرى ، فإنّ الثورة قائمة أبدا . و المرور من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة ثورة أيضا . و كذلك توجد ثورات تقنيّة و ثورات ثقافيّة . ستمرّ الشيوعية حتما بمراحل عديدة . و أخيرا ستوجد عدّة ثورات .
هنا يعرض الكتاب طريقة معالجة التناقضات فى الوقت المناسب ، بالإعتماد على " المشاركة النشيطة " للجماهير ( ص 444) . هذه " المشاركة النشيطة " يجب أن تنطوي على صراعات معقّدة .
" فى ظلّ الإشتراكية ، لا توجد طبقة لها مصلحة فى الإبقاء على العلاقات الإقتصادية التى فات أوانها ".
هذا التأويل صحيح . لكن فى مجتمع إشتراكي تظلّ موجودة شرائح إجتماعيّة رجعيّة و مجموعات تذكّرنا ب " الجماعات ذات الإمتيازات " القديمة . و تظلّ موجودة أيضا الإختلافات بين العمّال بالفكر و العمّال بالساعد ، و بين المدينة و الريف ، و بين العمّال و الفلاّحين . و مثل هذه التناقضات و إن كانت غير عدائيّة ، ينبغى أن تعالج عبر الصراعات .
يتسبّب لنا أبناء كوادرنا فى قلق كبير . لا تجربة لهم فى الحياة و لا فى المجتمع . لكنّهم يبدون متغطرسين و يظهرون عقدة تفوّق حادة جدّا . يجب علينا تربيتهم حتّى لا يعوّلوا لا على آبائهم و لا على شهداء الثورة و إنّما على ذواتهم فقط.
فى مجتمع إشتراكي يبقى هناك أناس متطوّرون و أناس متخلّفون . هناك منهم أوفياء و مجتهدين و مفعمين حيويّة تجاه القضيّة الجماعيّة . و كذلك هناك من يضعون هدفا لهم الشهرة و الثروة و من يفكّرون فى ذواتهم و حسب و من يدعون أنفسهم يغرقون فى الكآبة . فى كلّ مرحلة من مراحل سيرورة التطوّر الإشتراكي ثمّة دائما أناس يريدون الإبقاء على علاقات الإنتاج القديمة و المؤسسات الإجتماعية المتداعية . و فى الريف ، للفلاّحين المتوسّطين المرفّهين رؤيتهم الخاصة بشأن عدد كبير من المشاكل . لا يمكنهم التأقلم مع التغييرات الجديدة . جزء منهم حتّى يعارض هذه التغييرات . و الدليل على ذلك هو وجود حوار متوال الآن مع الفلاّحين المتوسّطين المترفّهين فى المناطق الريفيّة لكوانتونغ حول رسالة التطوّر الفلاحي فى الثماني كلمات [ أعمال الري ، حرث عميق ، تحسين التربة ، المواد الكيميائية ، إنتقاء الحبوب ، الزراعة فى البيوت المكيّفة ، حماية النباتات ، تغيير الأدوات و الإدارة المناسبة – المترجم إلى الفرنسيّة ] .
تتحدّث الفقرة الأخيرة من الصفحة 453 عن الصراع صلب المجتمع الإشتراكي . وهذا العرض حيوي بما فيه الكفاية . لكن فى الفقرة الموالية كُتب : " يمثّل النقد و النقد الذاتي القوّة المحرّكة لتطوّر المجتمع الإشتراكي " . هذا التأكيد ليس مناسبا . التناقض هو القوّة المحرّكة . و النقد و النقد الذاتي وسيلة لمعالجة التناقضات .
33- السيرورة الديالكتيكية للمعرفة :
فى الصفحة 446 ، الفقرة الثانية ، كُتب أنّه بعد المشركة " سيتحوّل الشعب إلى سيّد العلاقات الإقتصادية لمجتمعه الخاص " ؛ إنّه " قادر على الفهم التام للقوانين الإقتصادية لهذا المجتمع و على إستخدامها إستخداما واعيا " .
من الضروري الإشارة إلى أنّه للتوصّل إلى هذا الوضع ، ينبغى المرور بنوع من السيرورة . و حتما فى البداية ،عدد محدود فقط من الناس سيعرف القوانين إيّاها . و بعد ذلك يعيها عدد كبير . للمرور من اللاوعي إلى الوعي ، ثمّة حاجة إلى سيرورة ممارسة و دراسة . فى البداية ، الجميع جاهلون . لم يوجد أبدا أناس قادرون على معرفة المستقبل . كلّ ما نحقّقه من معرفة يحصل عن طريق الممارسة . و من خلال سيرورة تزخر بالمشاكل و الإخفاقات ، نتقدّم تدرييّا نحو الوعي . لو أردنا معرفة القوانين الموضوعيّة لتطوّر المعرفة ، يجب أن نمرّ بالممارسة و إتّخاذ موقف ماركسي – لينيني . و كذلك ، يجب مقارنة النجاحات و الإخفاقات بالممارسة و الدراسة بلا إنقطاع . و فقط عقب عديد التجارب من الإنتصارات و الهزائم و عقب دراسات جدّية يمكن أن تصبح معارف الخاصّة للمرء متّفقة مع القوانين الموضوعية . إذا لم تكن لدى المرء سوى تجارب إنتصارات و لم تكن لديه هزائم ، من المستحيل معرفة القوانين .
ليس من اليسير" الفهم التام و الإستخدام الواعي " للقوانين الموضوعيّة . دون المرور بسيرورة محدّدة ، من المستحيل بلوغ هذه النتيجة . فى الصفحة 446 ، يستشهد الكتاب بإنجلز : " فقط مذّاك شرع الإنسان فى صنع تاريخه بوعي تام . و أخذت القضيّة الإجتماعيّة المدعومة من الشعب تفرز غالبا و فى كلّ مرّة أكثر النتائج المرجوّة " . يقول إنجلز " شرع " و " فى كلّ مرّة أكثر " . هذا أصحّ .
لا يعترف الكتاب بالتناقض بين الظاهر و الباطن . ما هو باطني يتخفّى وراء الظاهر و فقط بالذهاب أبعد من الظاهر يمكن إكتشاف الباطن . و الكتاب لا يقول إنّه لمعرفة القوانين يجب إتباع سيرورة . لا إستثناء و لا حتّى بالنسبة للعناصر الطليعيّة.
34- النقابات و نظام المسؤوليّة الفرديّة :
حين يتناول الكتاب بالحديث فى الصفحة 452 مهمّة النقابات ، لا يقول إنّ مهمّتها الأساسيّة تتمثّل فى تطوير التربية السياسية و توطيدها . لا يؤكّد إلاّ على الرفاهة .
يتحدّث الكتاب عن إدارة " الإنتاج على أساس مبدأ المسؤوليّة الفرديّة " . فى بلد رأسمالي ، تتبنّى كلّ المؤسّسات هذا النظام . مبدأ إدارة المؤسّسات الإشتراكية يجب أن يكون جوهريّا مختلفا عنه فى المؤسّسات الرأسمالية . و النظام الذى نتبنّاه و الذى حسبه يتحمّل مدير المصنع المسؤوليّة بقيادة لجنة الحزب ، يختلف بصرامة عن نظام الإدارة الساري المفعول فى المؤسّسات الرأسمالية .
35- إتّخاذ النظريّة و المبادئ نقطة إنطلاق ليس منهجا ماركسيّا :
إنطلاقا من الفصل 20 يعدّد الكتاب جملة هامة من القوانين .
لتحليل الإقتصاد الرأسمالي ، يتّخذ [ كتاب كارل ماركس ] رأس المال نقطة إنطلاق له الظواهر ليبلغ الجوهر . و بعد ذلك يفسّر الظواهر بالجوهر . لذلك أمكن له أن يؤكّد منهجيّا على النقاط الهامة .
أمّا الكتاب ، فلا يجرى أي تحليل . صياغته متداخلة . و نقطة إنطلاقه أبدا هي القوانين و النظريّات و المبادئ و المفاهيم . لقد دحضت الماركسية – اللينينية و على الدوام هذه الرؤية . لا يمكن الحصول على النظريّات و المبادئ إلاّ بعد التحليل و الدراسات . و بلا شكّ حصل الإنسان البدائي على معرفته بالتفاعل مع الظواهر ثمّ إنطلاقا منها إكتشف النظريّات و المبادئ . لكن الكتاب يقوم بالعكس . الطريقة التى يستعملها ليست طريقة تحليل بل طريقة إستنتاج . حسب المنطق الشكلي يقال : كلّ إنسان يجب أن يموت و فولان رجل ، إذن يجب أن يموت " . يتعلّق الأمر بإستنتاج مستخرج من المقدّمات التى حسبها كلّ إنسان يجب أن يموت . هذه طريقة الإستنتاج . بشأن كلّ القضايا ، يقدّم الكتاب دائما تعريفا و تاليا يستخدمه كمقدّمة كبرى لإستنتاجاته . لا يفهم مؤلّفو الكتاب أن المقدّمات يجب أن تكون نتيجة دراسة مشكل . إذا أردنا إكتشاف نظريّات و التحقّق منها ، يجب المرور بتحليل ملموس .
36- هل يمكن نشر التجارب المتقدّمة دون عناء ؟
فى الصفحة 461 ، كُتب فى الفقرة الثالثة :" يسمح الإقتصاد الوطني الإشتراكي بنشر المكاسب الجديدة والإختراعات التقنيّة و التجارب المتقدّمة فى المؤسّسات ، دون عناء " . و هذا ليس أكيدا مطلقا. ففى المجتمع الإشتراكي يتواصل وجود " آمرين " يديرون منظّمات البحث العلمي و يقمعون القوى الناشئة . و أيضا لا يمكن للمكاسب العلمية أن تنتشر دون عناء . و تأكيد العكس ينمّ عن جهل بوجود التناقضات فى المجتمع الإشتراكي . حينما يظهر شيء جديد ، يمكن أن يصطدم بعراقيل سواء لأنّ الناس لم يتعوّدوا عليه بعدُ أول أنّهم لا يفهمونه أو لأنّ هذا الشيء الجديد يضرّ بمصالح قسم من الناس . مثلا ، طرق البيوت المكيّفة أو الحراثة العميقة لا طابع طبقي لها فى حدّ ذاتها . و مع ذلك ، إصطدمت بمعارضة قسم من السكّان و بمقاومتهم . و من الأكيد أنّ الظروف التى تقف فيها الحواجر أمام التجديدات مختلفة جوهريّا فى المجتمع الإشتراكي عن تلك فى المجتمع الرأسمالي .
37- عمل التخطيط :
فى الصفحة 465 ، يستشهد الكتاب بإنجلز و يؤكّد أنّ فى النظام الإشتراكي : " يصبح من الممكن تحقيق إنتاج إجتماعي طبقا لمخطّط مسطّر مسبّقا . "
هذا صحيح . فى المجتمع الرأسمالي ، عبر الأزمات يتمّ التوصّل إلى التوازن فى الإقتصاد الوطني بينما فى المجتمع الإشتراكي يمكن التوصّل إلى التوازن عبر التخطيط . غير أنّ ذلك لا يخوّل لنا إنكار أنّه قبل تحديد الأهمّية الخاصّة لكلّ قطاع من المخطّط ، من الضروري المرور بنوع من السيرورة . بهذا الصدد ورد فى الكتاب:" العفويّة و ذهنية دعه يعمل دعه يمرّ لا تنسجمان مع نظام الملكيّة الإجتماعية لوسائل الإنتاج". و مع ذلك ، لا يجب الإعتقاد بأنّ العفويّة و تلك الذهنيّة لا يوجدان فى المجتمع الإشتراكي . ليس وعينا للقوانين وعيا مكتملا من البداية . يعلّمنا العمل الملموس أنّه خلال فترة يمكن أن تكون لنا مخطّطات يصوغها هؤلاء أو أولئك . لكن لا يمكننا التأكيد أنّ هذه المخطّطات مطابقة للقوانين أو هي مطابقة جوهريّا للقوانين . من الأكيد أنّ بعضها مطابق للقوانين أو هو جوهريّا مطابق للقوانين فى حين أنّ البعض الآخر ليس كذلك .
يمكن أن يتبنّى المرء مفهوما ميتافيزيقيّا عندما يعتقد أنّه للتوصّل إلى معرفة الأهمّية الخاصة لكل قطاع من المخطّط ، ليس من الضروري المرور بسيرورة مقارنة الإنتصارات و الهزائم و مواصلة مسيرة عسيرة . الحرّية وعي الضرورة . لكن من البديهي أنّه لا يمكن أن تفهم فى لمح البصر ، لا ينشأ فى العالم علماء منذ الولادة . و لا يمكن حتّى فى المجتمع الإشتراكي أن يتحوّل المرء إلى " عرّاف " . لماذا لم ينشر هذا الكتاب قبل الآن ؟ لأنّه عند نشره ، تعرّض إلى تحويرات متكرّرة ؟ أليس ذلك لأنّ فى الماضي لم تكن توجد معرفة كافية و لأنّه إلى الآن ليست لهم معرفة مكتملة ؟ ولنضرب مثالا من تجاربنا الخاصّة . فى البداية ، لم نكن نفهم ما هي الإشتراكية . ثمّ بالممارسة تحصّلنا تدريجيّا على معرفة ، بعض المعرفة ، لكنّها ليست كافية . إن حصلت لنا معرفة كافية ، لن يبقى لنا ما نقوم به .
و فى الصفحة 466 ، يقول الكتاب إنّ من ميزات الإشتراكية " الحفاظ بإستمرار و بوعي على النسب الخاصة بكلّ القطاعات المختلفة " . يتعلّق الأمر بمهمّة و بما يتطلّبه الواقع . إنّها مهمّة صعبة وقد قال ستالين إنّ المخطّط السوفياتي لم يكن يعكس تماما متطلّبات القوانين .
القول بأنّنا نحافظ بإستمرار على النسب يعنى الإقرار فى نفس الوقت بظهور إختلالات مستمرّة . لأنّ وحده الإضطراب فى النسب يجعل من إرساء نسب مهمة ضروريّة . فى سيرورة تطوّر الإقتصاد الإشتراكي ، تظهر بإستمرار أوضاع نموّ لامتكافئ و تطوّر غير متوازن . وهي تتطلّب إعادة إرساء تطوّر متكافئ و توازن شامل . مثلا ، يفرز تطوّر الإقتصاد نقصا عاما فى التقنيين و الكوادر فيبرز تناقض بين الحاجة إلى الكوادر و توزيعهم . و هذا يجرّنا إلى إيجاد عدد أكبر من المعاهد لتكوين كوادر أكبر عددا و لمعالجة هذا التناقض . فى كلّ مرّة يظهر إختلال أو تطوّر غير متكافئ ، يساعدنا ذلك على فهم أفضل للقوانين الموضوعيّة .
فى ميدان عمل التخطيط ، إذا رفضنا القيام بتقييم وتبنّينا سياسة دعه يعمل دعه يمرّ أو إذا أبدى المرء كثيرا من الحذر و إستبعد كلّ شجاعة ، فإنّه ينتهى إلى تحطيم التطوّر المتكافئ . طريقتا العمل إيّاهما كلاهما خاطئتان .
المخطّط إيديولوجيا . و الإيديولوجيا إنعكاس للواقع و هي تؤثّر فى الواقع . فى الماضى ، وفق مخطّطاتنا ، لم يكن يجب إيجاد صناعات جديدة على طول المنطقة الساحلية . و قبل 1957 ، لم تُقم أيّة منشأة صناعيّة فى تلك المناطق . و هكذا أضعنا 7 سنوات و لم نشرع فى البناء على نطاق واسع إلاّ منذ 1958 . و فى غضون سنتين حصل تقدّم هام . و هذا يبيّن بوضوح أنّ الأشياء مثل المخطّطات التى هي جزء من الإيديولوجيا ، لها تأثير كبير على التقدّم أو غياب تقدّم الإقتصاد و كذلك على نسق تطوّر الإقتصاد .
38- أولويّة رفع إنتاج وسائل الإنتاج و التطوير المتوازي للصناعة و الفلاحة :
فى الصفحة 466 ، يتحدّث الكتاب عن مشكل أولوية رفع إنتاج وسائل الإنتاج ؟
أولويّة رفع إنتاج وسائل الإنتاج قانون إقتصادي مشترك بين كافة المجتمعات لأجل رفع الإنتاج . و كذلك فى المجتمع الرأسمالي ، إذا لم تعطى أولويّة لرفع إنتاج وسائل الإنتاج ، لن يكون من الممكن توسيع الإنتاج . فى عهد ستالين ، نظرا إلى التشديد خاصة على تطوّر تفاضلي للصناعة الثقيلة ، لم يتم الإعتناء بالتالى بالفلاحة فى التخطيط . والمشكل نفسه طُرح منذ بضعة سنوات فى بلدان أوروبا الشرقيّة. و طريقتنا الخاصّة تتمثّل فى التطوير المتوازي شرط تطوير تفاضلي للصناعة الثقيلة و الصناعة و للفلاحة و بعض القطاعات الأخرى . وفى القطاعات المطوّرة بالتوازي توجد أيضا قطاعات أساسيّة . إن لم تتطوّر الفلاحة لن يمكن حلّ عدد كبير من المشاكل . لا زلنا منذ أربع سنوات نرتئى التطوّر المتوازي للصناعة و الفلاحة . و قد مارسنا هذه السياسة بالفعل فى 1960 . و ظهرت الأهمّية الكبرى التى أوليناها للفلاحة فى كمّية الفولاذ التى منحت لها . فى 1959، كانت هذه الكمّية تبلغ 530 ألف طن . و هذه السنة ، بإدخال أعمال الريّ ، إرتفع العدد إلى 1.3 مليون طن . هذا حقّا تطوّر متوازي للصناعة و الفلاحة .
وفق الكتاب ، من سنة 1925 إلى سنة 1958 ، إرتفع إنتاج وسائل الإنتاج فى الإتحاد السوفياتي ب 103 مرّة ، فى حين أنّ إنتاج المواد الإستهلاكيّة إرتفع ب 6. 15 مرّة . المشكل هو معرفة هل أنّ قيمة 103 إلى 15.6 مفيدة أم لا لتطوّر الصناعة . متى أريد تطوير الصناعة الثقيلة بسرعة ، من الضروري أن يكون الجميع نشطاء و يتّقدون حماسا . و للتوصّل إلى هذه النتيجة ، لا بدّ من تطوير متوازى للصناعة و الفلاحة و من تطوير متوازى كذلك للصناعة الثقيلة و الصناعة الخفيفة .
لو إستطعنا أن نطوّر بالتوازي ، بنسق سريع ، الفلاحة و الصناعة الخفيفة و الصناعة الثقيلة ، بوسعنا بالتوازي أن نطوّر بسرعة الصناعة الثقيلة و أن نحسّن على نحو مناسب ظروف عيش السكّان . لقد أكّدت التجارب السوفياتية منها و الصينية أنّ تخلّف الفلاحة و الصناعة الخفيفة يضرّ بتطوّر الصناعة الثقيلة .
39- المفاهيم الخاطئة عن حتميّة التوزيع :
فى الفصل العاشر ، يقول الكتاب : " الإستفادة من تعلّق العمّال بمصالحهم الماديّة الشخصيّة فى تطوير الإنتاج الإشتراكي شر ّ لا بدّ منه لإزدهار صناعة الدولة " . و فى الفصل الحادي عشر ، يقول الكتاب : " يجب علينا أن نطبّق بصرامة المحاسبة الإقتصادية و أن نطبّق المبدأ الإقتصادي " لكل حسب عمله " مع إدماج المصالح الماديّة الشخصيّة للعمّال و مصالح الإنتاج الإشتراكي كي يمكّن هذا المبدأ من لعب دور هام فى الصراع من أجل صنيع البلاد " . و فى الفصل 25 يسترسل الكتاب : " هدف الإنتاج الإشتراكي .. هو حثّ العمّال على الإنتباه عن كثب إلى النموّ الحيوي للإنتاج و تشجيع العمّال على العناية بثمار عملهم من ناحية مصالحهم الماديّة . فى هذا تكمن القوّة المحرّكة الجبّارة التى تفضى إلى تطوير قوى الإنتاج الإشتراكية ". ( ص 456)
الحديث بهذه الإطلاقيّة عن " تعلّق العمّال بمصالحهم المادية الشخصيّة " مخاطرة بالتشجيع على الفردية .
و فى الصفحة 452 ، يقول الكتاب أيضا إنّ مبدأ " كلّ حسب عمله " " يحثّ العمّال على الإنتباه عن كثب إلى النموّ الحيوي للإنتاج و تشجيع العمّال على العناية بثمار عملهم من ناحية مصالحهم الماديّة . فى هذا تكمن القوّة المحرّكة الجبّارة التى تفضى إلى تطوير قوى الإنتاج الإشتراكية " .
ليس بوسعنا تجنّب إثارة السؤال التالي : " بما أنّ القوانين الإقتصادية الجوهريّة للإشتراكية قد حدّدت توجّه تطوّر الإنتاج الإشتراكي ، كيف توصف المصالح المادية الشخصيّة بأنّها القوة المحرّكة الحيويّة للإنتاج ؟ " . إعتبار مسألة توزيع مواد الإستهلاك كقوّة محرّكة حيويّة يمثّل فهما خاطئا لحتميّة التوزيع . حسب ما قال ماركس فى " نقد برنامج غوتا " ، " التوزيع يجب أن يكون أوّلا توزيع وسائل الإنتاج . من يتحكّم فى وسائل الإنتاج مسألة حيويّة . فتوزيع وسائل الإنتاج يحدّد توزيع مواد الإستهلاك " . إنّ إعتبار توزيع مواد الإستهلاك القوّة المحرّكة الحيويّة ، تحريف وجهة نظر ماركس المشار إليها أعلاه و التى هي صحيحة. هذا خطأ نظري .
40 – أولويّة السياسة و الحوافز المادية :
فى الصفحة 452 ( الفقرة الثانية ) ، توضع منظّمات الحزب بعد المنظّمات الإقتصادية المحلّية . هذه المنظّمات توضع فى المرتبة الأولى و تديرها مباشرة الحكومة المركزيّة . وهكذا لا يمكن منظّمات الحزب المحلّية أن تأخذ بيدها القيادة على الصعيد المحلّى . إن لم تضطلع منظّمات الحزب بالقيادة ، يصبح من المستحيل أن نعبّأ تماما كافة القوى النشيطة المحلّية . و رغم إقرار الكتاب فى الصفحة 457 بالطابع الخلاّق لنشاطات الجماهير ، فهو يضيف : " تعتبر المساهمة النشيطة للجماهير فى النضال من أجل تحقيق مخطّطات تطوير الإقتصاد الوطني و تجاوزها ، شرطا من الشروط الأكثر أساسيّة فى التسريع من نسق البناء الإشتراكي ". و فى الصفحة 447 ، يقول الكتاب أيضا : " تمثّل روح مبادرة الكلخوزيين عاملا من العوامل الحيويّة لتطوّر الفلاحة " .
هذا التأويل الذى لا يعتبر نضال الجماهير إلاّ ك" شرط من الشروط الأساسيّة " يتعارض مع المبدأ الذى وفقه الشعب صانع التاريخ . و مهما كان ، لا يمكن أن نقول إنّ التاريخ خلقه المخطّطون و ليس الجماهير .
ويستطرد الكتاب بهذه الكلمات : " يجب أوّلا أن نستفيد من عامل الحوافز الماديّة " .
إنّه يتحدّث كما لو أنّ النشاط الإبداعي للجماهير مرتبط بالمصالح الماديّة . لا يدع الكتاب فرصة تمرّ دون الكلام عن المصالح المادية الشخصيّة كما لو أنّه يبحث عن اللجوء بإستمرار إلى مثل هذه المصالح لجلب إنتباه الناس. هذا إنعكاس لفكر قسم هام من كوادر الخدمات الإقتصاديّة و الكوادر القيادية . وهو إنعكاس أيضا لوضع لم يحض فيه العمل السياسي – الإيديولوجي بالعناية الكافية . فى هذه الظروف ، ليس هناك من مخرج سوى الإعتماد على الحوافز المادية . يُشير الجزء الأوّل من جملة " لكلّ حسب قدراته ، لكلّ حسب عمله " إلى ضرورة بذل مجهود أقصى من أجل الإنتاج . لماذا إذن يتمّ تقسيم هذه الجملة إلى جزئين والحديث بطريقة جزئيّة عن ما هو مادي ؟ متى يقع الإشهار على هذا النحو للمصالح الماديّة، تمسى الرأسمالية لا تقهر .
41- التوازن و عدم التوازن :
ما قيل فى إحدى فقرات الصفحة 432 غير صحيح . تطوّر التقنية الرأسمالية فى نفس الوقت متوازن و غير متوازن . يتمثّل المشكل فى أنّ التوازن و عدم التوازن مختلفين فى طبيعتهما عن التوازن و عدم التوازن فى التطوّر التقني فى النظام الإشتراكي . ففى هذا الأخير ، يكون للتطوّر التقني توازنه و عدم توازنه الخاصين . فى الفترة التى تلت التحرير بالضبط ، مثلا ، كان عدد الذين يعملون فى الجيولوحيا يبلغ فقط أكثر بقليل من 200 شخص . و بالتالى كان هناك عدم توازن كبير بين التنقيب الجيولوجيّ و ضرورات تطوير الإقتصاد الوطني . و بعد بضعة سنوات من العمل الكثيف ، تحوّل عدم التوازن إلى توازن ، لكن ظهر عدم توازن جديد فى تطوّر التقنية . وفى الوقت الحاضر ، لا يزال العمل اليدوي فى منتهى الأهمّية فى الصين وهو فى عدم توازن مع تطوّر الإنتاج و نموّ الإنتاجيّة . لذلك من مطلق الضرورة هو إطلاق ثورة تقنيّة كبرى و حلّ المشكل الذى يتسبّب فيه عدم التوازن هذا . و فى كلّ مرّة يظهر ميدان جديد من التقنية ، نشعر بوجه خاص بعدم التوازن فى التطوّر التقني . فمثلا لنا حاليّا نيّة تطوير التقنيات المتقدّمة جدّا. و فى الوقت الحاضر ، نشعر بأنّ الكثير من الأشياء لا تتماشى و الحاجيات . و الفقرة المعنيّة ترفض أن تقرّ بكلّ من وجود نوع من التوازن فى الرأسمالية و وجود نوع من عدم التوازن فى الإشتراكية .
إنّ التطوّر التقني مثله مثل التطوّر الإقتصادي يحدث فى شكل موجات . و الكتاب لم يتطرّق إلى نموّ الإنتاج الإشتراكي فى شكل أمواج . و قول إنّ الإقتصاد الإشتراكي يجرى دون أمواج مهما كانت صغيرة ، ضرب من الخيال . لا يجرى التطوّر أبدا خطّيا ، إنّه يجرى فى شكل أمواج أو لوالب . قبل الدراسة كنّا نقوم بشيء آخر . و بعد الدراسة طوال بضعة ساعات ، نركن إلى الراحة . ليس بإمكاننا مواصلة الدراسة ليل نهار . اليوم ندرس أكثر بقليل و فى الغد أقلّ بقليل . و علاوة على ذلك ، أثناء يوم دراستنا ، أحيانا لنا نقاشات أكثر و أحيانا لنا نقاشات أقلّ . و كلّ هذا يتطوّر فى شكل أمواج ، مع إرتفاع و إنخفاض . و التوازن يجب النظر إليه بالمقارنة مع عدم التوازن . فدون عدم توازن لا يوجد توازن . إنّ تطوّر الأشياء يجرى دوما بعدم توازن . لذلك هناك ضرورة للتوازن . والتناقض بين التوازن و عدم التوازن يوجد فى كلّ الميادين و فى كلّ حلقة من كلّ قطاع من القطاعات . إنّه يظهر بلا توقّف و يحلّ بلا توقّف . إن وُجد مخطّط لهذه السنة ، يجب أن يوجد مخطّط للسنة التالية . إن وُجد مخطّط سنوي ، يجب أن يوج أيضا مخطّط ثلاثي ، و عندما يوجد مخطّط ثلاثي ، يجب أن يوجد مخطّط شهري . السنة متكوّنة من 12 شهرا . و كلّ شهر يعرف تناقضات بين التوازن و عدم التوازن ينبغى معالجتها. إن كنّا عادة فى حاجة إلى إعادة مراجعة المخطّطات فلأنّ ظروفا جديدة من عدم التوازن تظهر .
لم يستعمل الكتاب تماما الديالكتيك . لم يدرس مختلف المشاكل بالإعتماد على الديالكتيك . يفرد فصلا طويلا لقوانين التطوّر المخطّط و المتكافئ للإقتصاد الوطني إلاّ أنه لا يشير إلى التناقض بين التوازن و عدم التوازن .
فى المجتمع الإشتراكي يمكن تطوير الإقتصاد الوطني بطريقة مخطّطة و متكافئة . و يسمح لنا ذلك بتعديل عدم التوازن دون القضاء عليه . " عدم التوازن من طبيعة الأشياء " . بفضل إلغاء نظام الملكية الخاصة ، من الممكن تنظيم الإقتصاد تنظيما مخطّطا . وعلى سبيل المثال ، يمكن السيطرة على القوانين الموضوعية لعدم التوازن و إستخدامها بوعي لإيجاد عدد هام من التوازنات النسبيّة و المؤقّتة .
لئن تقدّمت قوى الإنتاج بسرعة فائقة ، فإنّ ذلك يخلق وضعا لن تعود فيه علاقات الإنتاج متناسبة مع قوى الإنتاج من جهة و لا مع البنية الفوقيّة لعلاقات الإنتاج من جهة أخرى . حينئذ يغدو من الضروري تغيير علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة لغاية إعادة التوازن . تتأقلم البنية الفوقيّة مع علاقات الإنتاج وتتأقلم علاقات الإنتاج مع قوى الإنتاج . يمكن أن نقول حالئذ إنّ التوازن المحقّق هكذا نسبي . نظرا لأنّ تطوّر قوى الإنتاج لن يتوقّف قط . وبالتالى ، هناك دائما عدم توازن . و عدم التوازن و التوازن مظهرا التناقض . و عدم التوازن هو المظهر المطلق و التوازن هو المظهر النسبي . و إن لم يكن الأمر كذلك فهذا يعنى أنّ قوى الإنتاج و البنية الفوقيّة سيظلاّن جامدان و لن يتطوّرا . التوازن نسبي فى حين أن عدم التوازن مطلق . هذا قانون كوني . كيف يمكن لنا أن نقول أنّ هذا القانون لا ينسحب على المجتمع الإشتراكي ؟ يتعيّن التأكيد على أنّه ينسحب على هذا المجتمع . التناقضات و الصراعات أشياء مطلقة . و الوحدة و التماثل و التضامن عابرة و بالتالى نسبيّة . و من هنا التوازن فى عمل التخطيط هو بدوره مؤقّت و عابر و مشروط و بالتالى نسبي . لا يمكننا إفتراض وجود توازن غير مشروط و أبدي . إن التوازن بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج من ناحية و بين علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة من ناحية أخرى ، مبدأ يجب أخذه بعين الإعتبار عند دراسة المشاكل الإقتصاديّة للإشتراكية .
الهدف الأساسي للإقتصاد السياسي هو دراسة علاقات الإنتاج . لكن إذا أردنا تحليل علاقات الإنتاج تحليلا واضحا ، علينا أن ندرس دراسة شاملة قوى الإنتاج من جهة و التأثيرات الإيجابيّة و السلبيّة للبنية الفوقيّة على علاقات الإنتاج من الجهة الأخرى . و يتحدّث الكتاب عن الدولة دون أن يدرسها . و هذه نقيصة من نقائص هذا الكتاب . و بطبيعة الحال ، فى بحوث الإقتصاد السياسي ، لا يجب إيلاء أهمّية أكبر من اللازم لا إلى قوى الإنتاج ولا إلى البنية الفوقيّة. إن توسّعنا كثيرا فى البحث بشأن قوى الإنتاج، نصل إلى علوم التقنية أو إلى العلوم الطبيعيّة . و إن توسّعنا كثيرا فى البنية الفوقيّة ، نصل إلى نظريّة الدولة و نظريّة الصراع الطبقي . من المكوّنات الثلاثة للماركسية الإشتراكية العلمية و هدفها هو البحث فى نظريّة الصراع الطبقي و نظريّة الدولة و نظريّة الثورة و نظريّة الحزب و الإستراتيجيا و التكتيك إلخ .
فى العالم لا وجود لأشياء لا يمكننا تحليلها. لكن لأجل تحليل كلّ شيء، يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنّ :
1- الظروف مختلفة ؛ 2- الخصوصيّات ليست هي نفسها . الكثير من الأصناف و القوانين الأساسيّة ، مثلا وحدة الأضداد ، قابلة للتطبيق فى كلّ مكان . وإذا ما نظرنا و درسنا المشاكل من هذه الزاوية ، يمكن أن يتشكّل لدينا فهم للعالم و منهج شاملين و محدّدين .

42 - " الحافز المادي " المدّعى :

فى الصفحة 486 ، يشير الكتاب إلى أنّه خلال الفترة الإشتراكية ، لم يصبح بعدُ العمل ضرورة حياتيّة أوّلية لكافة عناصر المجتمع ؛ لذلك يكتسى تقديم الحافز المادي للعمل أهمّية بالغة . و فى تلك الفقرة ، تعبير " كافة عناصر المجتمع " عام جدّا . فلينين أيضا كان عنصرا من عناصر المجتمع . فهل يمكن أن نقول إنّ عمله لم يصبح ضرورة حياتيّة أوّليّة فى حياته ؟

وفى الصفحة 486 كذلك ، يؤكّد الكتاب أنّه فى المجتمع الإشتراكي يوجد نوعان من الناس : جماهير عريضة من العمّال يؤدّون بشرف واجباتهم تجاه المجتمع وعدد معيّن من العمّال الذين لا يؤدّون عملهم بشرف . هذا التحليل صائب جدّا . لكن إذا أردنا تحويل الذين لا يؤدّون عملهم بشرف ، ليس بوسعنا القيام بذلك بالإعتماد فقط على الحوافز الماديّة ؛ يجب أيضا نقدهم و تربيتهم لغاية رفع مستوى الوعي .

و فى الفقرة الموالية ، كُتب إنّ العمّال الأكثر تفانيا و الأكثر نشاطا فى ظروف مماثلة ينتجون أكثر . من البديهي أن يكون المرء متفانيا و ناشطا أو لا يكون كذلك مرتهن بوعي سياسي لا بمستواه الثقافي و التقني . للبعض مستوى ثقافي و تقني مرتفع ، لكنّهم ليسوا متفانين و لا هم ناشطين . و لآخرين مستوى ثقافي و تقني متدنّى نسبيّا إلاّ أنّهم متفانين جدّا و ناشطين غاية النشاط . ويعزى هذا إلى كون للأوائل مستوى وعي سياسي متدنّى فى حين أنّ للآخرين مستوى وعي سياسي مرتفع .

ورد فى الكتاب أنّ الحافز المادي الذى يجب أن يحثّ على العمل " يشجّع على رفع الإنتاج " (ص 486) و يمثّل " حافز من الحوافز الحيويّة لتطوير الإنتاج " . ( ص484 ) لكن من غير الضروري تغيير الحوافز الماديّة كلّ سنة . ليس من الأكيد أنّ الناس فى حاجة إلى الحوافز المادية كلّ يوم و كلّ شهر و كلّ سنة . فى الأوقات العسيرة ، نضطرّ حتّى إلى العمل الجيّد بأقلّ حوافز ماديّة . إنّ الكتاب يعالج مشكل الحوافز المادية معالجة جزئيّة و مطلقة . فلا يولى مكانة هامة لرفع مستوى الوعي و لا يستطيع تفسير لماذا ليس العمل الذى يبذله كافة الأجراء من الصنف نفسه . فمثلا من ضمن عمّال الصنف الخامس ، يعمل البعض بشكل جيّد و يعمل آخرون بشكل سيّء بينما يعمل آخرون أيضا بشكل جيّد نسبيّا . و الحال انّ الحافز المادي نفسه ، لماذا هذا الإختلاف . لا يؤدّى منطق السوفيات إلى فهم ذلك .

و بالرغم من الإعتراف بأنّ الحافز المادي مبدأ هام ، فإنّه لا يمكن مطلقا أن يكون الوحيد . ينبغى أن يوجد حافز آخر : حافز الروح فى الميدان السياسي – الإيديولوجي . وعلاوة على ذلك ، لا يمكن معالجة الحافز المادي فقط بمعنى المصالح الشخصيّة . يجب أن يعالج أيضا بمعنى المصالح الجماعيّة ، و أولويّة المصالح الجماعيّة نسبة للمصالح الشخصيّة و أولويّة المصالح البعيدة المدى على المصالح العرضيّة و أولويّة المصالح العامة على المصالح الخاصّة .

فى قسم " الحافز المادي خدمة للعمل و المنافسة الإشتراكية " ، بعض المقاطع جيّدة الكتابة . و ما ينقصها هو عدم الحديث عن السياسة .

لدينا مبدآن جوهريّان : 1- عدم تشغيل الناس حدّ الموت ، 2- عدم تشغيلهم إلى حدّ وهن أجسادهم بالعكس ، يجب أن يكتسبوا قوّة شيئا فشيئا . حينما يقع تطبيق المبدأين ، بالكاد تظلّ للبقيّة أهميّة . علينا أن نعمل على نحو يجعل الشعب يحصل على وعي معيّن . لا يشدّد الكتاب أبدا على أهمّية المستقبل أو الأجيال القادمة . لا يؤكّد إلاّ على المصالح الماديّة الشخصيّة . و عادة يغيّر بضربة واحدة مبدأ المصالح الماديّة إلى مبدأ المصالح الماديّة الشخصيّة . و يفوح من هذا نوع من التشويه المتعمّد للوقائع .

لا يدرك السوفيات أنّه حينما يحلّ مشكل مصالح الشعب بأسره ، يحلّ فى الوقت نفسه مشكل المصالح الفرديّة . و المصالح الفرديّة التى يقدّمونها هي فى الواقع مصالح عرجاء . ليست هذه النزعة سوى إقتصادويّة مرحلة الصراع بين البروليتاريا و البرجوازيّة الذى يظهر أثناء البناء الإشتراكي . خلال فترة الثورة البرجوازية ، قد ضحّى الكثير من البرجوازيين الثوريّين بحياتهم بشجاعة . و هم كذلك لم يقوموا بذلك من أجل مصالحهم الآنيّة الخاصة بل من أجل مصلحة طبقتهم ومن أجل الأجيال المستقبليّة لتلك الطبقة .

حين كنّا فى مناطق إرتكازنا ، وضعنا قيد التنفيذ نظام التوزيع المجاني . و قد شعر الناس بأنّهم أفضل حالا . لم يكونوا يتخاصمون بسبب الأجر . و بعد التحرير ، قننّا الأجر و أحدثنا نظام درجات . حينذاك كثرت المشاكل . فكان عدد الذين كانوا يتخاصمون بسبب الدرجة كبيرا ما أجبرنا هكذا على القيام بعمل توعوي كبير .

لقد خاض حزبنا حربا لا هوادة فيها لأكثر من عشرين سنة . و قد تبنّى لفترة طويلة نظام التوزيع المجاني . و من الأكيد أنّ فى تلك الفترة ، فى مناطق إرتكازنا ، لم يكن هذا النظام مطبّقا على المجتمع بأكمله . لكن خلال الحرب الأهليّة ، كان عدد المنضوين تحت هذا النظام ، على أقصى تقدير ، يمثّلون مئات الآلاف و على أدنى تقدير ، يمثّلون ، عشرات الآلاف . و قد مرّ عدد هؤلاء الناس ، طوال حرب التحرير ، من مليون إلى عدّة ملايين . فى البداية ، بعد التحرير ، كان هؤلاء الناس فى ظلّ نظام التوزيع المجاني يعيشون عموما متساوين ، و كانوا يعملون بإجتهاد ويقاتلون بحماس . لم يكونوا يعوّلون على حوافز ماديّة بل على الحافز الثوري . و فى الفترة الأخيرة من الحرب الأهليّة الثانية منينا بهزائم إلاّ أنّه قبل ذلك و بعده ، حقّقنا إنتصارات . و لم تعز هذه الهزائم و هذه الإنتصارات إلى وجود أو غياب الحوافز الماديّة بل إلى الطابع الخاطئ أو الصحيح للخطّ السياسي و الخطّ العسكري . و كانت لهذه التجارب التاريخية دلالة كبيرة بالنسبة إلينا عندما أردنا معالجة مشكلة البناء الإشتراكي .

فى الفصل 26 ، كتب : " إنّ عمّال المؤسّسات الإشتراكية الواعون بثمار عملهم من ناحية مصالحهم الماديّة هم القوّة المحرّكة الدافعة لتطوّر الإنتاج الإشتراكي " .( ص 482 )

و فى الفصل 27 ، كُتب أنّ أجور العمّال المختصّين مرتفعة نسبيّا ما يشجّعهم و يجعلهم يتقدّمون نحو مستوى ثقافي و تقني أرفع بما يقضى تدريجيّا على الإختلاف الجوهري بين العمّال بالفكر و العمّال بالساعد . ( ص 501 و 503)

و فى المقطع ذاته ، يقال إنّ الأجور الأرفع للعمّال المختصّين تحثّ العمّال غير المختصّين على تحسين مهاراتهم بإستمرار للإنضمام إلى صفوف العمّال المختصّين . و هذا يعنى أنّه إن إجتهدنا لتحسين مستوانا الثقافي و التقني ، فذلك بغاية كسب المزيد من النقود . حسنا الآن ، فى المجتمع الإشتراكي ، إن ذهب أحدهم إلى المدرسة لتعلّم التقنية و الحصول على ثقافة فذلك فى المصاف الأوّل بغاية بناء الإشتراكية ، بغاية المساهمة فى التصنيع و خدمة الشعب و المصالح الجماعيّة و ليس بغاية الحصول على أجر أكبر .

و فى الفصل 28 ، نقرأ : " يمثّل مبدأ " لكلّ حسب عمله " القوّة الأكبر لدفع تطوير الإنتاج ." ( ص 526)
وفى الفقرة الأخيرة من الصفحة عينها ، يشرح الكتاب أنّه فى النظام الإشتراكي ، ترتفع الأجور بإستمرار . و تتضمّن الطبعة الثالثة غير المنقّحة من الكتاب ذات التأكيد : " فى هذا يكمن التفوّق الجوهري للإشتراكية نسبة إلى الراسمالية " .

إنّ قول إنّ الإشتراكية أفضل من الرأسمالية جوهريّا لأنّ فى الإشتراكية ترتفع الأجور بإستمرار ليس صحيحا البتّة . الأجر هو توزيع مواد الإستهلاك . إن لم يوجد توزيع لوسائل الإنتاج ، لا يوجد توزيع للإنتاج و لمواد الإستهلاك . التوزيع الثاني يحدّده التوزيع الأوّل .

43 – العلاقات بين الناس فى المؤسسات الإشتراكية :

فى الصفحة 500 من الكتاب ، نقرأ : " فى النظام الإشتراكي ، هيبة الكوادر القيادية فى الإقتصاد تقدّر بدرجة علاقاتهم بالجماهير و بالثقة التى يضعها فيهم الشعب " .

هذه جملة ممتازة . لكن لبلوغ هذه الغاية من الضروري بذل الجهد . و حسب تجاربنا ، إن لم يتحرّر الكوادر من نظرة الإزدراء تجاه العمّال و لم يندمجوا معهم فإنّ العمّال لن يعتبروا عامة المصنع ملكا لهم و إنّما ملكا للكوادر . الموقف المتغطرس للكوادر هو المسؤول عن عدم إلتزام العمّال إراديّا بالإنضباط فى العمل . لا يجب الإعتقاد أنّه فى النظام الإشتراكي ليس ضروريّا بذل أي جهد و أنّ التعاون الخلاّق بين العمّال و الكوادر القياديّة للمؤسسات يتركّز لوحده ، كشيء بديهي .

إن كان العمّال بالساعد و الكوادر القيادية أعضاء فى تعانية وحدة إنتاجيّة " لماذا على المؤسّسات الإشتراكيّة أن تتبنّى نظام المدير الواحد و ليس نظام مدير تحت إشراف إدارة جماعيّة " يعنى مدير مصنع يتحمّل مسؤوليّة تحت إشراف لجنة الحزب؟

عندما لا يكون العمل السياسي كافيا ، لا يبقى سوى الدفاع عن الحوافز الماديّة . لذلك يضيف الكتاب أيضا : " يمثّل التطبيق التام لمبدأ جعل العمّال واعين بثمار عملهم من وجهة نظر مصالحهم الماديّة الخاصة ... خطوة إلى الأمام فى البحث عن مصدر رئيسي لرفع الإنتاج الإشتراكي " .

44- المهام الصداميّة و المهام التى يجب إنجازها بسرعة :

فى الصفحة 505 ، يقول الكتاب : " يجب إلغاء ظاهرة الإنجاز السريع للمهام ؛ يجب إنجاز الإنتاج بطريقة متوازنة و حسب مخطّط مسبّق " . و فى الطبعة غير المنقّحة من الكتاب تصبح هذه الجملة : " يجب النضال ضد ظاهرة المهام الصداميّة و إنجاز العمل حسب مخطّط مسبّق ".

هذا الدحض النهائي للمهام الصداميّة و للمهام التى يجب إنجازها بسرعة دحض قطعيّ أكثر من اللازم .
لا يجب أن ندحض تماما فكرة المهام الصداميّة . يمثّل إنجاز أو عدم إنجاز مهام صداميّة وحدة أضداد . فى الطبيعة ، هناك نسمات عليلة و أمطار خفيفة و هناك أيضا رياح عاتية و أعاصير عنيفة . و إنجاز مهام صداميّة أو عدم إنجازها يشبه قمّة الموج و جوفه . و الشيء نفسه بالنسبة للثورة التقنيّة. فى ميدان الإنتاج ، توجد عادة أوضاع تتطلّب تحقيق مهام صداميّة . و فى ميدان الإنتاج الفلاحي ، يجب علينا التحرّك بسرعة لمتابعة الفصول . و فى الأوبرا ، ثمّة ضرورة لصعود نبرات الصوت . و دحض فكرة المهام الصداميّة هو فى الواقع بمثابة إنكار صعود نبرات الصوت . يريد الإتحاد السوفياتي اللحاق بالولايات المتّحدة . أمّا نحن فإنّنا نريد بلوغ مستوى الإتحاد السوفياتي فى وقت أقصر ممّا إستغرقه هو لبلوغه . و كلّ هذا إنجاز لمهام صداميّة .

على كلّ المتأخّرين اللحاق بالمتقدّمين ، هذه هي المنافسة الإشتراكية . و لبلوغ ذلك ثمّة حاجة إلى مهام صداميّة . بين الأفراد و المجموعات و المؤسسات و الدول ، المنافسة ضروريّة . و لأجل اللحاق بالمتقدّمين ، يجب إنجاز مهام صداميّة . و إستعمال طرق إداريّة إجباريّة لتحقيق البناء الإشتراكي أو القيام بالثورة ، مثلا الإصلاح الزراعي أو حركة التعاونيّات التى تعتمد على التوجيهات الإداريّة ، ستفضى إلى تقليص فى الإنتاج . لئن بلغنا هذا المستوى ، فمردّ ذلك أنّنا لم نقم بتعبئة الجماهير و ليس أنّنا حقّقنا مهاما صداميّة .

45 - قانون القيمة و عمل التخطيط :

فى الصفحة 521 ، ما يقال فى الفقرة المطبوعة بحروف صغيرة صحيح . فى هذا المقطع نقد و نقاش .
من الجيّد أن نعتبر قانون القيمة كأداة لعمل التخطيط . لكن لا ينبغى أن نجعل منه الأساس الرئيسي للتخطيط . عندنا ، لم ترتكز القفزة الكبرى إلى الأمام على متطلّبات قانون القيمة و إنّما على القانون الجوهري للإشتراكية و الحاجيات المتزايدة لإنتاجنا . لو عالجنا المشكل فقط من زاوية قانون القيمة ، نستنتج حتما " أنّه وجدت خسائر أكثر من المكاسب " فى قفزتنا الكبرى إلى الأمام و ندعم بالضرورة أنّ صناعة الفولاذ على نطاق واسع لم تكن عملا مربحا و أنّ الفولاذ المنتج بالطرق المحلّية كان من نوع سيّء ، و أنّ منح الدولة كانت مرتفعة جدّا و أنّ الفعاليّة الإقتصادية ليست جيّدة إلخ . لو تبنّينا نظرة جزئيّة و على المدى القريب ، يبدو أنّ صناعة الفولاذ على نطاق واسع قد عرفت خسائرا . لكن إن نظرنا إلى المشكل فى مجمله و على المدى البعيد ، كان لهذه الحملة المشجّعة على صناعة الفولاذ فضل كبير ذلك أنّها فسحت المجال للبناء الإقتصادي برمّته فى بلادنا . إنّ تركيز عديد مجمّعات صناعة الفولاذ الجديدة و عديد المراكز الصناعية الجديدة فى كامل البلاد قد سمحت لنا بالتسريع فى نسق تصنيعنا .

خلال شتاء 1959 ، شارك 75 مليون إنسان فى كامل البلاد فى الأعمال الخاصة بالمياه . كانت حملتان كبيرتان كافيتان لمعالجة مشكل أشغال المياه ، بالأساس، فى الصين . و من الأكيد أنّه ما نظرنا إلى المشكل على إمتداد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات ، فإن سعر كمّية معيّنة من الحبوب المنتجة يكون مرتفعا جدّا بالنظر إلى العمل المبذول . لكن على المدى الطويل ، سيبقى تطوّر مستوى إنتاج الحبوب مضمونا بنسق أسرع و سيستقرّ الإنتاج الفلاحي حتّى أكثر . عندها سيصبح ثمن كلفة كمّية معيّنة من الإنتاج أقلّ إرتفاعا و ستكون حاجيات السكّان إلى الحبوب قابلة للتلبية أكثر .

لئن طوّرنا أكثر الفلاحة و الصناعة الخفيفة و راكمنا المزيد من رأس المال لأجل الصناعة الثقيلة ، سيستفيد الشعب على المدى البعيد. و لئن كان الفلاّحون و الشعب بأسره يعلمون أين ذهب المال الذى كسبته أو خسرته الدولة ، سيكونون مع و ليس ضد قراراتها . و الدليل على ذلك هو أنّ الفلاّحين أنفسهم قد وضعوا بعدُ شعار مساندة الصناعة . لقد قال لينين و ستالين : " خلال فترة بناء الإشتراكية ، يجب أن يدفع الفلاّحون ضريبة للدولة " . و فى الصين ، الغالبيّة العظمى من الفلاّحين يدفعون بنشاط هذه الضريبة . فقط 15 بالمائة من الفلاّحين المتوسّطين المترفّهين غير راضين . إنّهم ضد القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية .

خلاصة القول ، بالنسبة إلينا ، المخطّط أوّلا و الأسعار ثانيا . بالتأكيد ، من واجبنا الإنتباه إلى مشكل الأسعار . منذ بضعة سنوات ، قد رفعنا فى سعر شراء الخنزير . فكان لهذا الإجراء إنعكاسات إيجابيّة على تربيته . لكن تربية الخنزير على النطاق الكبير ، مثلما تمارس فى كلّ مكان عندنا ، ترتبط أساسا بالتخطيط .

فى الصفحة 521 ، يتحدّث الكتاب عن مشكل الأسعار فى أسواق الكلخوزات . فى الإتحاد السوفياتي ، هناك حرّية أكثر من اللازم فى هذه الأسواق . لا يكفى أن تعدّل الدولة من الأسعار المعمول بها فى هذه الأسواق بإجراءات إقتصاديّة ؛ يجب أيضا قيادتها و التحكّم فيها . فى الصين ، حدّدت الدولة نطاق تغيّر الأسعار فى أسواق تعاونيّات الفترة الأولى . لم نسمح بأن تصبح الحرّيات الصغيرة حرّيات كبيرة .

و فى الصفحة 522 ، يقول الكتاب : " فى الإقتصاد الإشتراكي ، نظرا لأنّنا أدركنا معنى قانون القيمة ، فإنّ تطبيقه فى ميدان الإنتاج لا يخلق أوضاعا فوضاويّة مثل تلك التى تعرفها المجتمعات الرأسمالية . و كذلك لا تفرز ظاهرة تبذير قوى عمل المجتمع " .

إنّ هذا التأويل يبالغ فى تأثير قانون القيمة . يعود عدم وجود أزمة فى المجتمع الإشتراكي رئيسيّا ليس إلى كوننا أدركنا معنى قانون القيمة وإنّما من جهة إلى أنّ لهذا المجتمع نظام ملكيّة إشتراكية، وقانون جوهري للإشتراكية و إنتاج و توزيع مخطّطين على نطاق البلاد بأسرها و أنّه من الجهة الأخرى ، لا يوجد فى هذا المجتمع تنافس حرّ و أوضاع فوضويّة إلخ . أمّا بالنسبة إلى الأزمات الإقتصاديّة للرأسمالية ، فإنّها هي الأخرى محدّدة ، طبعا ، بنظام الملكيّة الرأسمالية .

46 – عن أشكال الأجور :

فى الصفحة 530 ، يتحدّث الكتاب عن أشكال الأجور . و يرتئى الأجر بالقطعة كشكل رئيسي و الأجر حسب الوقت كشكل ثانوي . فى الصين ، الأجر حسب الوقت هو الشكل الرئيسي للأجر بينما الأجر بالقطعة شكل ثانوي . و التشديد الإحادي الجانب على الأجر بالقطعة يمكن أن يخلق تناقضات بين العمّال الذين ليست لديهم ذات الأقدميّة فى المؤسّسة و العمل . و التشجيع على روح " الصراع من أجل عدد أكبر من القطع " لدى قسم من العمّال لا يعنى التفكير فى القضيّة الجماعيّة و إنّما التفكير قبل كّل شيء فى الدخل الشخصي . و وفق بعض المصادر ، يكون الأجر بالقطعة جدّ ضار لتعصير التقنية و تبنّى المكننة .

و يقرّ الكتاب بأنّه إن وجدت أتمتة للإنتاج ، يكون من المناسب عدم تطبيق نظام الأجر بالقطعة . من جهة ، يشدّد على ضرورة تطوير واسع للأتمتة . و من الجهة الأخرى ، يدافع عن تبنّى معمّم للأجر بالقطعة . هناك تضارب في الأفكار .

فى الصين نطبّق نظام الأجر حسب الوقت مصحوبا بنظام مكافآت . و المنح التى تقدّم فى نهاية السنة منذ سنتين لمكافأة القفزة إلى الأمام فى العمل تتنزّل فى هذا الإطار . و بإستثناء العاملين فى إدارات الدولة و فى التعليم ، فإنّ الموظفين و العمّال يتحصّلون عموما على مكافآت نهاية السنة . أمّا بالنسبة لأهمّية القيمة الماليّة لكلّ فرد فيحدّدها موظّفو و عمّال كلّ مؤسّسة .

47- مسألتان حول الأسعار :

هناك مسألتان تستحقّان الدراسة . مسألة تخصّ سعر مواد الإستهلاك . يقول الكتاب : " تكرّس الإشتراكيّة دائما سياسة تخفيض أسعار مواد الإستهلاك الشعبية " .

أمّا نحن فنتبنّى طريقة إستقرار الأسعار . عامة فى الصين ، لا ترتفع الأسعار ؛ و لا تنخفض أيضا . و بالرغم من الإنخفاض النسبيّ في مستوى الأجور فى بلادنا ، فإنّ تشغيل كافة اليد العاملة مضمون و الأسعار و السكن منخفضين و ظروف حياة الموظّفين و العمّال ليست سيّئة. هل من الأفضل أن يقع تخفيض مستمرّ أم إستقرار فى الأسعار ؟ هذه مسألة تستحقّ الدراسة.

و يتعلّق المشكل الآخر بمنتوجات الصناعة الثقيلة و منتوجات الصناعة الخفيفة . فى الإتحاد السوفياتي، أسعار منتوجات الصناعة الثقيلة منخفضة نسبيّا بينما أسعار الصناعة الخفيفة مرتفعة نسبيّا. فى الصين، العكس . لماذا ؟ ما هو فى الواقع النظام الأفضل ؟ هذه المسألة تستحقّ الدراسة .

48 – التبنّى المتزامن لطرق تقليدية و أجنبيّة و التطوير المتزامن للمؤسّسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى:

فى الصفحة 547 ، نقرأ فى الكتاب أنّه أثناء البناء الإقتصادي ، ينبغى تجنّب تشتيت الرساميل . إذا قمنا بصورة متزامنة ببناء الكثير من الوحدات الكبرى و لم نتمكّن من إنجازها فى الوقت المطلوب ، بالطبع يجب معارضة هذا الوضع . لكن لو عارضنا بناء المؤسّسات المتوسّطة و الصغرى ، نقترف حينها خطأ. لقد أنشأت المراكز الصناعية الصينية بالأساس بفضل تطوّر كبير للمؤسسات المتوسّطة و الصغرى سنة 1958 . و وفق للمخطّطات الأوليّة ، فى السنوات الثمانى القادمة ، الصناعات المعدنية يجب أن تنجز بناء المراكز التالية : 29 مركزا كبير الحجم و مئات المراكز الصغيرة الحجم . و بعدُ المؤسسات المتوسّطة و الصغيرة الحجم تلعب دورا كبيرا فى تطوير الصناعات المعدنية. و لنضرب مثالا سنة 1959 حيث بلغ إنتاج الفولاذ سنتها أكثر من عشرين مليون طن نصفه أنتجته المؤسسات المتوسّطة و الصغرى . و ستنهض هذه المؤسسات فى المستقبل بدور كبير فى إنتاج المعادن . و سيصبح عدد هام من المؤسسات الصغرى مؤسسات متوسّطة الحجم بينما ستغدو عديد المؤسسات المتوسطة مؤسسات كبرى . و ستصبح المؤسسات المتأخّرة مؤسسات متقدّمة والمؤسسات التى تستخدم طرقا تقليديّة ستمسى مؤسسات تستخدم طرقا أجنبيّة . يتعلّق الأمر هنا بقانون تطوّر موضوعي .

ينبغى أن نتبنّى التقنية المتقدّمة . لكن لا نستطيع مع ذلك أن نرفض الإقرار بأنّه طوال فترة معيّنة ، سيكون من الحتمي أن تكون لدينا تقنية أقلّ تطوّرا . منذ وجود التاريخ ، فى الحروب الثوريّة ، ينتصر دائما الذين لديهم أسلحة من نوع أدنى على الذين يمتلكون أسلحة من نوع أرقى . و فى الصين ، فى فترات الحرب الأهليّة ، و حرب المقاومة ضد اليابان و حرب التحرير ، لم تكن السلطة بأيدينا فى كامل البلاد و لم نكن نمتلك ذخيرة عصريّة . و تعنى إرادة الحصول مطلقا على الأسلحة الأكثر عصريّة قبل الإنطلاق فى الحرب ، أن ينزع المرء سلاحه بنفسه .

إذا أردنا تحقيق المكننة الكلّية مثلما يرتئيها الكتاب ( ص 420 ) ، لن نتوصّل إلى ذلك على ما يبدو خلال العقد الثاني . لعلّنا نتوصّل إلى ذلك فى العقد الثالث . من الآن و لبعض الوقت ، إعتبارا للنقص فى الآلات ، علينا أن نشجّع نصف المكننة و تحسين الأدوات . على وجه العموم ، فى الوقت الحاضر ، نرتئى الأتمتة . و من الأكيد أنّه علينا أن نناقش مشكل المكننة لكن دون مبالغة . الحديث عن المكننة و الأتمتة أكثر من اللازم يجعل من الناس يحتقرون نصف المكننة و الإنتاج بالطرق التقليدية . لقد وجد مثل هذا الإنحراف فى الماضي . عندما لا ننظر إلاّ إلى مظهر واحد من المشكل ، لنبحث سوى عن تقنيات جديدة وآلات جديدة ومؤسسات كبيرة الحجم و أنواع الأرقى ؛ سنحتقر الطرق التقليديّة و المؤسسات المتوسّطة و الصغيرة الحجم . فقط بعد تبنّى مبدأ التطوير المتزامن للمؤسسات الكبرى و المتوسّطة و الصغرى ، تمّ الإنتصار على هذا الإنحراف .

و فى الميدان الفلاحي ، لا نرتئى ، فى الوقت الحاضر ، الإستعمال المعمّم للأسمدة الكيميائيّة . و الأسباب هي :

1- لن نكون قادرين على إنتاج الكثير من الأسمدة الكيميائيّة قبل سنوات معيّنة . أكيد أنّنا ننتج كمّية من هذه الأسمدة الكيميائيّة لكن إستعمالها مخصّص للنباتات الصناعيّة .

2- إذا إرتأينا الإستعمال المعمّم للأسمدة الكيميائيّة ، لن ننظر إلاّ إلى هذه الأسمدة و لن يعير أي أحد الإنتباه إلى تربية الخنازير . و من الأكيد أنّه علينا أن نحصل على مواد غير عضويّة . لكن إن إستخدمناها لوحدها ، دون أن نمزجها مع الأسمدة العضويّة ، سنتسبّب فى تصلّب الأرض .

و يؤكّد الكتاب أنّ التقنيات الجديدة يجب إدخالها فى كافة القطاعات . لكن من الصعب تحقيق ذلك . و لبلوغ هذه النتيجة ، يجب دائما المرور بسيرورة تطوّر تدريجي .

و كذلك ، إلى جانب إدخال بعض أنواع الآلات الجديدة ، تبقى الكثير من الآلات القديمة . و جاء فى الكتاب أنّه يجب بناء مؤسسات جديدة و تجديد تجهيزات المصانع الموجودة مع الإستفادة إلى أقصى حدّ و بشكل عقلاني من الآلات و التجهيزات الموجودة ( ص 427) . هذه الصيغة صحيحة . و ستظلّ دائما صحيحة .

أمّا بالنسبة للمؤسسات ذات الحجم الكبير التى تلجأ إلى الطرق الأجنبيّة ، علينا كذلك أن ننشأها بالتعويل على قوانا الذاتية فحسب. فى 1958 ، أطلقنا شعار: " لنحطّم المعتقدات العمياء ولنقم بالأشياء بأنفسنا !". لقد أكّدت الوقائع انّه بوسعنا القيام بالأشياء بأنفسنا . فى الماضي ، كانت البلدان الرأسماليّة المتخلّفة تتبنّى التقنيات الحديثة و تلتحق بالبلدان الرأسمالية المتقدّمة فى ميدان الإنتاج . و الإتحاد السوفياتي هو الآخر قد تبنّى التقنية المتقدّمة للإلتحاق بالبلدان الرأسمالية . و من الأكيد أنّ الصين ستقوم و ستتمكّن من القيام بالشيء ذاته .

49- الجرّارات أوّلا أم التعاونيّات أوّلا ؟

فى الصفحة 563 ، يقال : " غداة المشركة الشاملة فى 1928 ، على الأراضي المخصّصة لزراعات الربيع ، 99 بالمائة من الحراثة قد تمّت بواسطة المحاريث الخشبيّة والمحاريث التى تجرّها الأحصنة ".
و يدحض هذا المعطى وجهة نظر عبّر عنها عديد المرّات الكتاب ، و وفقها " يجب الحصول على الجرّارات قبل المرور إلى التعاونيّات " . و مع ذلك ، فى نفس الصفحة ، للكتاب الحق فى قول : " تفتح علاقات الإنتاج الإشتراكية مجالات واسعة لتطوّر قوى الإنتاج و التقدّم التقني الفلاحي " .

ليس ممكنا تطوّر كبير لقوى الإنتاج إذا لم يوجد قبلا تغيير لعلاقات الإنتاج . يتعلّق الأمر هنا بقانون عالمي . فى بعض بلدان أوروربا الشرقيّة ، تتقدّم التعاونيّات الفلاحيّة ببطئ شديد . وهي لم تكتمل ، في الوقت الحاضر . و السبب الرئيسي ليس أنّ هذه البلدان تنقصها الجرّارات ( نسبيّا ، تملك جرّارات أكثر منّا ) ، و إنّما هو أنّ الإصلاح الزراعي يجرى فى هذه البلدان من الأعلى إلى الأسفل بروح العطاء . و توجد حدود لمصادرة الأراضي ( أحيانا ، لا يصادر إلاّ الجزء الذى يتجاوز المائة هكتار ) و يجرى ذلك بتوجيهات إداريّة . و بعد مأسسة الإصلاح الزراعي ، لم تقم هذه البلدان بطرق الحديد وهو حامي ؛ و هكذا توقّف الإصلاح طوال ليس أقلّ من خمس أو ستّ سنوات . عندنا حصل العكس بالضبط . لقد طبّقنا الخطّ الجماهيري و إستنهضنا الفلاّحين الفقراء و الفلاحين المتوسّطين الأدنى من أجل تطوير الصراع الطبقي و صادرنا جميع الأراضي الفائضة على الملاّكين العقّاريين و تبنّينا مبدأ القسمة العادلة للأراضي لكلّ فرد من السكّان ( و كانت هذه ثورة كبرى فى الريف ) . و بعد الإصلاح الزراعي ، بسرعة أطلقنا حركة واسعة للتعاون المتبادل موجّهين هكذا تدريجيّا وبصفة متواصلة الفلاّحين فى إتّجاه الإشتراكية . لقد أنشأنا حزبا قويّا و جيشا عتيدا . و عندما توجّه جيشنا إلى الجنوب ، حمل معه مجموعات كاملة من الكوادر للعمل فى كلّ المحافظات و المناطق و الجهات. ومنذ وصولهم إلى المكان الذى توجّهوا إليه ، كانت هذه الفرق تتوغّل عميقا فى القرى و تزور الفقراء للإستقصاء عن عذاباتهم و تجمّع كلّ الذين لهم أصل طبقي واحد و تنظّم العناصر النشيطة من بين الفلاحين الفقراء و الفلاحين المتوسّطين من الصنف الأدنى .




50- " أوّلا التوسيع و ثانيا تعزيز الطابع الجماعي " :

فى الإتحاد السوفياتي ، إندمجت الكلخوزات فى مناسبتين . كانت أكثر من 250 ألف فى البداية ثم أضحت 93 ألف فقط بعد الإندماج الأوّل . و فى المستقبل ، ستتواصل بالتأكيد هذه النزعة نحو توسيع الكلخوزات . و يشدّد الكتاب على أنّ الحاجة إلى " تعزيز تطوّر علاقات الإنتاج الجماعية إلخ " . (568) و فى الواقع ، فى بعض المظاهر ، تشبه الطرق السوفياتيّة طرقنا . يبدو أنّهم لن يسمّوا كلخوزاتهم كمونات شعبية . و تخفى هذه الإختلافات فى اللغة و فى التسمية مشكلا جوهريّا : تطبيق أم عدم تطبيق الخطّ الجماهيري .

بداهة ، يمكن أن لا تصبح الكلخوزات السوفياتية حتّى بعد توسيعها بأهمّية كموناتنا الشعبية فى ما يتصل بالعائلات و بالسكّان . و ذلك لأنّ فى الإتّحاد السوفيات ، سكّان الريف قليلو العدد نسبة إلى الأراضي الممتدّة . لكن هل يمكن أن نؤكّد مع ذلك أنّه لم تعد هناك حاجة لتوسيع الكلخوزات ؟ عندنا فى مناطق مثل السيكيانغ والتسنغهاي ، تظلّ قائمة الحاجة إلى توسيع الكمونات الشعبية بالرغم من وجود الكثير من الأراضي و عدد سكّان قليل . بعض المقاطعات من محافظاتنا فى الجنوب ، مثلا تلك الموجودة فى شمال فوكيان ، قد نظّمت الكمونات الشعبيّة ذات الحجم الكبير رغم وجود الكثير من الأراضي و عدد قليل من السكّان .

إنّ توسيع الكمونات الشعبية مسألة مهمّة . فالتغيير النوعي يحدث و يسرّع حتما التغيّر النوعي . و المبدأ لدى كموناتنا الشعبيّة هو " أوّلا التوسيع و ثانيا تعزيز الطابع الجماعي " . أوّلا ، يجب أن تكون الكمونات الشعبيّة كبيرة ، و مستوى طابعها الجماعي سينمو حتما تاليا . ما يعنى أنّ التغيير النوعي يجرّ بالضرورة تغيّرا نوعيّا جزئيّا .

51- لماذا نشدّد بصفة خاصة على المصالح الماديّة ؟

فى الفصل المخصّص لنظام الكلخوزات ، يتحدّث الكتاب فى عديد المناسبات عن المصالح الماديّة الشخصيّة ، مثلا ، فى الصفحات 565 و 571 إلخ . أكيد أنّ هناك سبب وراء التشديد بصفة خاصة الآن على المصالح المادية . فى عهد ستالين ، حصلت مبالغة فى التشديد على المصالح الجماعيّة و لم تتمّ العناية بالمصالح الشخصيّة ؛ لقد أعيرت عناية مبالغ فيها للمصالح العامة و لم يعر أي إنتباه للمصالح الخاصة . و الآن تذهب الأمور فى الإتجاه المعاكس تماما . و من جديد تقع المبالغة فى التشديد على المصالح الخاصة و يتم تناسى المصالح الجماعية . إذا تواصل هذا التوجّه ، حتما نبلغ طريقا مناقض تماما .

لا توجد المصلحة العامة إلاّ فى إرتباط بالمصلحة الخاصة و العكس بالعكس . إنّها وحدة أضداد .لا يمكن أن توجد مصلحة عامة فحسب و لا وجود لمصلحة خاصة فحسب والعكس بالعكس . لقد كنّا على الدوام نرتئى التشجيع المتزامن للمصلحيتن. فقد قلنا منذ زمن بعيد بعدُ ، إنّه من غير الممكن أن نلغي تماما المصلحة الشخصيّة لكي لا نبقي سوى المصلحة العامة . و قلنا أيضا إنّه يجب الإعتناء بالمصلحة العامة قبل التفكير فى المصلحة الخاصة . الفرد عنصر فى المجموعة . و المصالح الشخصيّة تتحسّن تدريجيّا بتقدّم المصالح العامة .

كان و سيظلّ لكلّ شيء طابع مزدوج . وهو يتمظهر عموما بأشكال ملموسة متنوّعة و بالتالى له ميزات مختلفة . الوراثة و التحوّل مثلا ، ، يمثّلان الطابع المزدوج لوحدة الأضداد . لو وجد التحوّل دون الوراثة ستكون الكائنات الحيّة من الجيل التالى مختلفة كلّيا عن الكائنات الحيّة من الجيل السابق . بذور القمح لن تبقى بذور قمح و الكلب لن يبقى كلبا و الإنسان لن يبقى إنسانا . يمكن أن يكون للطابع المحافظ إنعكاسات إيجابيّة . إنّه يجعل الكائنات الحيّة التى تتغيّر بإستمرار قادرة على تعزيز نفسها و على الإستقرار فى شكل معيّن لفترة معيّنة . هكذا تظلّ بذور القمح المحسّنة بذور قمح . لكن إذا لم توجد سوى الوراثة و لم يوجد التحوّل ، لن يوجد عندها أي تحسين و سيصبح التغيّر مستحيلا أبدا .

52- الإنسان هو الذى يصنع الأشياء :

يقول الكتاب : " الظروف الإقتصادية و الطبيعية مجتمعة فى الكلخوزات لتحديد الزراعة حسب نوعيّة الأرض ". ( ص 577 )

حسنا الآن ، الزراعة حسب نوعيّة الأرض لا تتحدّد كلّيا بالظروف الموضوعيّة . فى الواقع ، الإنسان هو الذى يصنع الأشياء . فى محافظة هوباي ، مثلا ، هناك عدد كبير من الآبار الممكننة على طول خطّ السكك الحديديّة تيانسنغ-هنكو لكن لا يوجد إلاّ عدد قليل على طول خطّ السكك الحديديّة تيانسنغ- بوكو . و فى الحالتين ، تتجمّع الظروف الطبيعيّة و التسهيلات فى ميدان النقل متشابهة . لكن تحسين التربة مختلف فى المنطقتين . و يمكن أن تكون الأراضي قابلة تقريبا للتحسين . و يمكن أيضا أن يعود ذلك إلى أسباب تاريخيّة متباينة . لكن السبب الأهمّ لا يزال هو أنّ " الإنسان هو الذى يصنع الأشياء".

وإلى جانب ذلك ، فى ضواحي شنغاي ، نافى تربية الخنازير ممتازة فى أماكن و سيّئة فى أماكن أخرى. و فى محافظة تشونغمينغ بشنغاي ، قلنا فى البداية إنّ الظروف الطبيعيّة لم تكن مواتية لتربية الخنازير ، بسبب ، ضمن أسباب أخرى ، وجود عدّة بحيرات. و الآن بعد تجاوز سكّان المنطقة مخاوفهم من الصعوبات و إتّخاذهم موقفا إيجابيّا تجاه تربية الخنازير ، يدركون أنّ الظروف الطبيعيّة للمنطقة لا تمثّل عراقيلا أمام تربية الخنازير ، لكنّها بالعكس مواتية لها . فى الواقع ، الحراثة العميقة و الفلاحة بعناية و المكننة و التعاونيّات مرتبطة بالإنسان . و الكوارث الطبيعية و الفيضانات و الجفاف قد عانت منهم دائما منطقة تشانغبنغ ، فى بيكين . لكن إثر بناء سد مقابر المينغ ، تغيّرت الظروف . " الإنسان هو الذى يقوم بالأشياء " ، أليس كذلك ؟ رسمت محافظة هونان مخطّطات لتروّض نهر هونان ثلاث سنوات بعد فترة 1959- 1960 بتشييد العديد من القنوات الكبرى . هنا أيضا، " الإنسان هو الذى يصنع الأشياء " .

53- النقل و التجارة :

النقل و التغليف لا يرفعان من القيمة الإستعمالية للأشياء . لكنّهما يرفعان من قيمتها . العمل الذى يمثّله النقل و التغليف جزء من العمل الإجتماعي الضروري . دون النقل و التغليف ، لا تكتمل سيرورة الإنتاج و لا يمكنها بالتالى أن تتحوّل إلى سيرورة إستهلاك . و رغم القيمة الإستعمالية التى خلقت فإنّها غير قابلة للتحقّق ، إن أمكن القول . لنأخذ مثال الفخم . فبعد إستخراجه من المناجم ، إن ظلّ مجمّعا فى نفس المكان و لم يقع نقله بواسطة السكك الحديديّة أو السفن أو الشاحنات إلى المستهلكين ، فإنّ قيمته الإستعماليّة غير ممكنة التحقّق مطلقا .

فى الصفحة 585 ، جاء فى الكتاب أنّ للسوفيات نظامان تجاريّان . واحد هو نظام تجارة الدولة و تجارة التعاونيّات. و الثاني هو ما نسمّيه نظام " الأسواق غير المنظّمة " يعنى الأسواق الكلخوزيّة. فى الصين، لا يوجد سوى نظام واحد . لقد أدمجنا التجارة التعاونية ضمن تجارة الدولة . منظور إليه اليوم ، هذا النظام أيسر فى التسيير . وهو إضافة إلى ذلك أوفر إقتصادا من كافة النواحى .

و تثير الصفحة 587 مشكل المراقبة العامة للتجارة . عندنا ، ترتبط هذه المراقبة أساسا بقيادة الحزب و أولويّة السياسة و مراقبة الجماهير إلخ . و عمل العاملين بالتجارة عمل إجتماعي ضروري . دونه من غيرالممكن تحويل الإنتاج إلى إستهلاك ( ينطوى على إستهلاك وسائل الإنتاج وإستهلاك وسائل العيش).

54- التطوير المتزامن للصناعة وللفلاحة :
فى الصفحة 623 ، يتحدّث الكتاب عن قانون النموّ التفاضلي لوسائل الإنتاج . و كذلك فى الطبعة الثالثة غير المنقّحة من الكتاب ، يُشار بوجه خاص إلى أنّ " النموّ التفاضلي لوسائل الإنتاج يعنى أنّ نسق تطوّر الصناعة أسرع من نسق تطوّر الفلاحة " .

يجب تقديم أطروحة أنّ تطوّر الصناعة أسرع من تطوّر الفلاحة بصفة مناسبة أكثر . لا يجب أن نشدّد بشكل مبالغ فيه على الصناعة . و إلاّ ستظهر المشاكل حتما . لنأخذ مثال لياونينغ . الصناعات عديدة فى هذه المنطقة من الصين . وسكّان المدن يمثّلون ثلث كامل سكّان المنطقة . فى السابق ، كانت للصناعة دائما أولويّة و تمّ تناسي التطوير القوي للفلاحة فى نفس الوقت . و نجم عن ذلك فى هذه المنطقة أنّ الفلاحة غير قادرة على ضمان تزويد المدن بالحبوب و اللحوم و الخضر . يجب إذن توريد هذه المنتوجات من مناطق أخرى . و المشكل الرئيسي للمنطقة ينبع من وجود نقص فى اليد العاملة الفلاحيّة و فى الآلات الفلاحيّة اللازمة. و بسبب هذا النقص يكون الإنتاج الفلاحي محدودا و بالتالى بطيئا نسبيّا . فى الماضي ، لم نفهم أنّ فى مناطق مثل الشمال الشرقي ، على وجه التحديد ، خاصة فى مناطق مثل لياونينغ ، كان يجب تطوير الفلاحة تطويرا مناسبا و عدم التشديد فقط على الصناعة .

إنّنا نرتئى التطوير المتزامن للصناعة و الفلاحة شرط إقامة تطوير تفاضلي للصناعة الثقيلة. ولا يستبعد " التطوّر المتزامن" إمكانية تطوير الصناعة بسرعة أكبر من تطوير الفلاحة . و لا يعنى التطوير المتزامن كذلك توزيعا متساويا للموارد . نقدّر مثلا أنّه بوسعنا أن ننتج هذه السنة تقريبا 14 مليون طن من الفولاذ يستعمل عشره لتحسين التقنيات الفلاحيّة و الأعمال المائيّة و التسعة أعشار أساسا للصناعة الثقيلة و النقل و الإتصالات. هذا هو التطوير المتزامن للصناعة والفلاحة فى إطار هذه السنة . و بطبيعة الحال ، بالتصرّف على هذا النحو ، لا نعرقل التطوّر التفاضلي للصناعة الثقيلة و لا لتطوير السريع للفلاحة .

تعدّ بولونيا ثلاثين مليون ساكنا لكنّها لا تملك سوى 450 ألف خنزير . وحاليّا ، يشهد التزويد باللحوم فى البلاد حدّة شديدة. على ما يبدو إلى الآن ، لم تكتب بولونيا على جدول أعمالها مشكل تطوير الفلاحة.

وفى الصفحة 624 ، يقول الكتاب : " فى فترات معيّنة ، يتعيّن التسريع فى تطوير الفلاحة و الصناعة الخفيفة و الصناعة الغذائيّة التى عرفت تأخّرا " . هذه الصيغة جيّدة . لكنّه من الخاطئ التأكيد أنّ عدم التوازن فى التطوّر النسبي الناجم عن تأخّر الفلاحة و الصناعة ظاهرة " عدم توازن جزئي " فحسب . عدم توازن من هذا النوع ليس مشكلا جزئيّا .

وفى الصفحة 625 ، يقول الكتاب : " من الضروري توزيع الإستثمارات على نحو عقلاني لأجل الحفاظ الدائم على نسبة مائويّة فى الأهمّية النسبيّة للصناعة الثقيلة و للصناعة الخفيفة " .

فى هذا المقتطف من الكتاب ، يتمّ الحديث عن العلاقات بين الصناعة الثقيلة و الصناعة الخفيفة فقط و لا يتمّ الحديث أبدا عن العلاقات بين الصناعة و الفلاحة .

55- مشكل مستوى المراكمة :
فى بولونيا ، فى الوقت الراهن ، إكتسى هذا المشكل أهمّية كبرى . شدّد غوملكا أوّلا على الحوافز الماديّة فرفع أجور العمّال لكنّه إستهان برفع وعيهم السياسي . و نجم عن ذلك أنّ العمّال لم يبحثوا إلاّ عن ربح مزيد المال . و لم يقوموا بشكل جيّد بعملهم . فاق الإرتفاع فى الأجور نموّ الإنتاجيّة . و هكذا حصل تآكل فى رأس المال . و الآن ، بولونيا مضطرّة إلى معارضة الحوافز الماديّة و إلى التفكير فى الحوافز الإيديولوجيّة . و غوملكا هو الآخر يقول : " لا يمكن أن نشتري قلب الإنسان بالمال " .
يبدو أنّه إن شدّدنا أكثر من اللازم على الحوافز الماديّة ، ليس من العسير أن نبلغ عكس ما أردناه . إن أصدرنا الكثير من الشيكات ، تكون الفئات الإجتماعية ذات الأجور المرتفعة بديهيّا راضية. لكن عندما تطالب الجماهير الواسعة من العمّال والفلاّحين بلا جدوى الحصول على شيكاتهم ، يمكن أن تضطرّ إلى إتّخاذ موقف معاكس للحوافز الماديّة .
و وفق ما يقال فى الصفحة 631 ، فى الإتحاد السوفياتي ، يمثّل رأس المال المراكم ربع الدخل القومي . و فى الصين ، النسبة المائويّة لرأس المال المراكم فى الدخل القومي هي التالية : 27 بالمائة فى 1957 و 36 بالمائة فى 1958 و 42 بالمائة فى 1959 . يبدو أنّه من هنا فصاعدا يمكن الحفاظ على هذه النسبة المائويّة أعلى من 30 بالمائة . و المشكل الأساسي هو معرفة كيف يتمّ تطوير الإنتاج تطويرا حيويّا. إذا زاد الإنتاج ، حتّى بنسبة مراكمة مرتفعة نسبيّا ، فإنّ ظروف حياة السكّان يمكن تحسينها أكثر.
الإقتصاد بطريقة صارمة و مراكمة كمّيات كبيرة من المنتوجات وتنمية المصادر الماليّة تنمية ضخمة ، هذه مهام مستمرّة. و من الخطإ التفكير أنّه لا يجب القيام بذلك فى وضع جدّ صعب . هل من المعقول أن لا نقتصد و أن لا نراكم حين تكون الصعوبات أقلّ ؟
56- مشكل الدولة فى المرحلة الشيوعية :
فى الصفحة 639 ، ورد فى الكتاب : " فى المرحلة العليا من الشيوعية ...تصبح الدول شيئا لا حاجة إليه و يضمحلّ تدريجيّا " .
لكن إضمحلال الدولة يستدعى شرطا آخر ، شرطا عالميّا . من الخطير أن لا يكون لدينا جهاز دولة بينما يمتلك الآخرون هذا الجهاز . وفى الصفحة 640 ، يؤكّد الكتاب أنّه حتّى بعد تركيز الشيوعية ، تبقى الدولة طالما وجدت بلدان إمبريالية . هذه الأطروحة صحيحة .
و يضيف الكتاب بعد ذلك : " و مع ذلك ، طبيعة الدولة و شكلها يتحدّدان عندها بخصوصيّات النظام الشيوعي " .
ليس من السهل فهم هذه الجملة . بطبيعتها الدولة أداة لإضطهاد القوى المعادية . و حتّى إن لم توجد قوى للقمع فى الداخل، فإنّ طبيعة الدولة القمعيّة لا تتغيّر بالنسبة للقوى المعادية الخارجيّة . و حين نتكلّم عن شكل الدولة فإنّ ذلك لا يعنى شيئا آخر بخلاف الجيش والسجون و الإيقافات و الإعدامات إلخ . و طالما وُجدت الإمبريالية ، فى ماذا سيتغيّر شكل الدولة مع حلول الشيوعية ؟
57 – المرور إلى الشيوعية :
فى الصفحة 641 ، يؤكّد الكتاب : " فى المجتمع الإشتراكي ، لا توجد طبقات عدائية " لكن " تظلّ هناك بعدُ بقايا العدائية الطبقيّة " .
أكيد أنّه ما من ثورة إشتراكية ضروريّة لتحقيق المرور من الإشتراكية إلى الشيوعية . بيد أنّه حتّى فى هذه الحال ، ليس بوسعنا قول إنّ ثورة إشتراكية خلالها تطيح طبقة بطبقة أخرى ليست ضروريّة . و لا تزال تفرض نفسها ثورة إشتراكية خلالها علاقات الإنتاج الجديدة و نظام إجتماعي جديد يعوّضان علاقات الإنتاج المهترئة و النظام الإجتماعي القديم .
ويسترسل الكتاب مصرّحا : " هذا لا يعنى أن فى مسيرته نحو الشيوعية ، لا يحتاج مجتمع إلى الإنتصار على التناقضات الداخلية ".
هذه الجملة تصريح دون قناعة . فبالرغم من الإعتراف بوجود تناقضات فى بعض الأماكن من الكتاب ، فإنّ هذا الإعتراف لا يكتسى إلاّ طابعا ثانويّا. و من نقاط ضعف هذا الكتاب هو أنّه لا يشرح التناقضات. إذا أخذنا بعين الإعتبار الإقتصاد السياسي كعلم ، يجب أن ننطلق من تحليل التناقضات .
فى مجتمع شيوعي ، نظرا للمستوى المرتفع للأتمتة ، يجب أن تكون نشاطات البشر و عملهم أكثر دقّة ؛ الإنضباط فى العمل يمكن أن يكون أكثر صرامة ممّا هو عليه اليوم .
فى الوقت الحالي ، نقسّم المجتمع الشيوعي إلى مرحلتين : مرحلة دنيا و مرحلة عليا . وقد توقّع ذلك ماركس و آخرون آخذين بعين الإعتبار ظروف التطوّر الإجتماعي لذلك العصر . لكن عندما يبلغ المرحلة العليا من الشيوعية ، سيتطوّر المجتمع الشيوعي أيضا و حتما ستظهر مراحل جديدة و أهداف جديدة و مهام جديدة .
58- آفاق تطوّر نظام الملكيّة الجماعيّة :
فى الصفحة 650 ، كُتب : " شكل علاقات الإنتاج فى التعاونيّات الكلخوزيّة مطابق تماما لمستوى و حاجيات التطوّر العملي لقوى الإنتاج فى الريف " . هل هذا صحيح أم خاطئ ؟
نُشر مقال فى الإتحاد السوفياتي ، " ديسمبر الأحمر " ، يصف وضع الكلخوز بهذه الكلمات : " فى البداية ، قبل دمج العديد من الكلخوزات ، كانت الكثير من الأشياء صعبة التحقيق . و بعد الدمج ، لم تعد هذه الأشياء تمثّل مشكلا " . و يضيف أنّ الكلخوز يعدّ الآن 10 آلاف عضو و أنّ المخطّطات ترسم لبناء مركز سكن فى وسطه ل3 آلاف شخص . و تشير هذه المعلومات إلى أنّ شكل الكلحوزات حاليّا ليس تماما مطابقا لقوى الإنتاج .
وفى المقتطف نفسه ، كُتب : " علينا أن نعزّز بقوّة و نطوّر بإستمرار نظام الملكية القائم فى التعاونيّات و الكلخوزات " .
لماذا " نعزّز بقوّة " هذا النظام بما أنّه يجب أن يتطوّر و يتغيّر ؟ من الأكيد أنّه يجب تعزيز علاقات الإنتاج و النظام الإجتماعي ، لكن ليس بطريقة مغالى فيها . و إثر الحديث حديثا عاما عن آفاق نظام الملكيّة التعاونيّة ، يصبح الكتاب ضبابيّا لمّا يتطرّق إلى مشكل الإجراءات الملموسة . فى بعض النواحى ( أساسا فى ما يتّصل بالإنتاج ) ، لم يكفّ السوفياتيّون عن التقدّم . لكن على مستوى علاقات الإنتاج ، يتميّزون خاصة بمراوحة مكانهم .
و يؤكّد الكتاب أنّه يجب المرور من نظام الملكيّة الجماعيّة إلى نظام ملكيّة وحيدة للشعب بأسره . و حسب رأينا ، يجب أوّلا أن نغيّر نظام الملكيّة الجماعيّة إلى نظام الملكيّة الإشتراكية للشعب بأسره . و هذا يعنى التأميم الكامل لوسائل الإنتاج الفلاحيّة ، و تحوّل كافة الفلاّحين إلى عمّال و دفع أجور تضمنها كلّيا الدولة . فى الصين حاليّا ، متوسّط الدخل القومي لفلاّح يساوى 85 يوان سنويّا . و عندما يبلغ هذا الرقم 150 يوان سنويّا و عندما تصبح الكمونة الشعبية هي التى تدفع أجور غالبيّة الفلاّحين ، يمكننا حينها أن نطبّق نظام الملكيّة على مستوى الكمونة الشعبيّة القاعديّة كخطوة أخرى إلى الأمام و يمكننا أن نحوّل هذا الأخير إلى نظام ملكيّة على مستوى الدولة . و عندها سيمسى كلّ شيء سهلا .
59 – إلغاء الإختلافات بين المدينة و الريف :
تتحدّث الفقرة الأخيرة من الصفحة 651 عن بناء الإشتراكية فى الريف . و إقتراحاتها ممتازة .
لكن بما أنّنا نريد إلغاء الإختلافات بين المدينة و الريف ( يتعلّق الأمر حسب الكتاب ب " إختلافات جوهرية " )، لماذا إذن يقع التأكيد صراحة على أنّ الأمر لا يتعلّق إلاّ ب " تقليص الدور الذى تلعبه المدن " ؟ فى المستقبل ، على المدن أن تكون أصغر . يجب تفريق سكّان المدن الكبرى فى الريفو إنشاء عديد المدن الصغرى . ففى فرضيّة حرب نوويّة ، سيكون أكثر فائدة القيام بذلك .
60 – مشكل تركيز نظام إقتصاد فى البلدان الإشتراكية :
فى الصفحة 659 ، قال الكتاب : " بإمكان كلّ بلد أن يجمّع قوّة عمله الخاصة و مصادره الماليّة الخاصة من أجل تطوير الظروف الطبيعيّة و الإقتصاديّة الأكثر مواتاتا و كذلك القطاعات التى يملك فيها تجارب إنتاج و كوادر . و فضلا عن ذلك ، ليس مضطرّا إلى صناعة منتوجات يمكن للحاجة إليها أن تلبّى من طرف البلدان الأخرى " .
هذه الأطروحة ليست جيّدة . نحن لا نقبل بها حتّى لمّا يتعلّق الأمر بأقاليمنا . ما نرتئيه هو التطوّر الشامل . نحن لا نقول إنّ إقليما ليس فى حاجة إلى صناعة المنتوجات التى يمكن تلبية الحاجة إليها من قبل أقاليم أخرى . ما نريده هو أن يتطوّر كلّ إقليم من أقاليمنا إلى أقصى درجة إنتاج كافة المنتوجات، شرط أن لا يتمّ هذا التطوّر على حساب الوضع العام . شيء ممتاز بالنسبة إلى أوروبا أنّ البلدان الأوروبيّة بلدان مستقلّة . كلّ بلد ينتج ما يناسبه . و بالنتيجة يتطوّر الإقتصاد الأوروبي بنسق سريع نسبيّا. عندنا ، منذ حكم عائلة الشين [ القرن الثالث 221-207 قبل الميلاد ] ، غدت الصين بلدا كبيرا . و فى مجملها بقيت لفترة زمنيّة طويلة جدّا بلدا كبيرا موحّدا . و من نقاط ضعفها هي البيروقراطيّة التى أبقتها تحت مراقبة خانقة . و لم تستطع المناطق أن تتطوّر بإستقلاليّة . كان الجميع سلبيين و تقدّم الإقتصاد ببطء شديد . والآن الوضع مغاير تماما . نريد أن نحقّق توحيد البلاد قاطبة و إستقلال مناطقها. يتعلّق الأمر بتوحيد نسبي و بإستقلال نسبي .
على الأقاليم أن تطيع قرارات السلطات المركزيّة و تقبل بمراقبة هذه الأخيرة . لكن عليها أن تعالج مشاكلها بإستقلاليّة . و عند إتّخاذ قرارات هامة ، على السلطات المركزيّة أن تستشير المناطق و أن تتّخذ هذه القرارات بالتنسيق معها . و هكذا مثلا ، وقعت صياغة مقرّرات لوشان . فكانت مطابقة لحاجيات كافة البلاد و لحاجيات كلّ الأقاليم . أيمكن أن ندّعي أنّه على السلطات المركزيّة فحسب و ليس على السلطات فى الأقاليم أن تعارض الإنتهازيّة اليمينيّة ؟ ما نرتئيه هو أن يطوّر كلّ إقليم إلى أقصى حدّ منتوجاتها الخاصة مع الأخذ بعين الإعتبار المخطّط المطبّق فى البلاد بأسرها . و طالما للأقاليم مواردها الأوّليّة و مخارج و كذلك طالما أنّ بإمكانها إستغلال مواردها المحلّية و بيع منتوجاتها فى الأسواق المحلّية ، عليها أن تنتج كلّ ما تقدر على إنتاجه . فى الماضى ، كنّا نخشى أن لا تجد السلع الصناعية المنتجة فى المدن مثل شنغاي من يشتريها عقب تطوّر الصناعات المختلفة فى الأقاليم . و منظور إلى ذلك اليوم ، ما كان لتلك الخشية من أساس . و علاوة على ذلك رسمت شنغاي سياسة تطوير منتوجات ذات جودة عالية و آلات من الحجم الكبير و أدوات دقيقة و تجهيزات تحتاج صناعتها إلى التقنية الأكثر تطوّرا . نرى أنّ لسكّان شنغاي بعدُ الكثير من العمل .
لماذا لا يرتئى الكتاب أن ينتج كلّ بلد كلّ ما يستطيع إنتاجه و إنّما يقترح بالعكس أن يحجم بلد عن إنتاج منتوجات يمكن أن تلبّي الحاجة إليها بلدان أخرى ؟ السياسة الصحيحة هي أن ينتج كلّ بلد كلّ ما يقدر على إنتاجه . عليه القيام بذلك على نحو مستقلّ ، معوّلا فحسب على قواه الذاتيّة . المبدأ هو عدم الإرتهان بالآخرين . و الأشياء الوحيدة التى على بلد أن يحجم عن إنتاجها هي الأشياء التى هو غير قادر حقّا على إنتاجها . عليه بذل قصارى الجهد و بوجه خاص لتطوير إنتاجه الفلاحي . بالفعل من الخطير منتهى الخطورة أن نرتهن ببلدان أخرى أو بمناطق أخرى من أجل الغذاء .
بعض البلدان صغيرة جدّا و وضعها بالذات وضع البلدان التى وصفها الكتاب : " من غير المعقول إقتصاديّا تطوير كافة القطاعات الصناعية ؛ الأمر يتجاوز طاقاتها " .
فى هذه الحال ، طبعا ، يتعيّن عدم الإجبار على القيام بذلك . فى الصين ، فى بعض الأقاليم ذات الكثافة السكّانيّة الضئيلة على غرار التسنغهاي و الننغسيا ، من الصعب جدّا أن نطوّر راهنا كلّ القطاعات فى نفس الوقت .
61- هل يمكن لتطوّر البلدان الإشتراكية أن يكون " مسوّى " ؟
الصفحة 660 ، الفقرة الثالثة : " يجب أن يكون المستوى العام للتطوّر الإقتصادي و الثقافي لكلّ البلدان الإشتراكية تدريجيّا متساويا " .
حسنا ، هذه البلدان تختلف فى عدد السكّان و فى الموارد و فى الظروف التاريخيّة . و الثورة إضافة إلى ذلك ، تتقدّم تقريبا حسب البلدان . كي يمكن بلوغ مستوى متساوي ؟ أنجب أب 15 إبنا البعض منهم كبار و البعض الآخر صغار ، البعض منهم ضخم و الآخرون نحيفي الجسم ، و البعض تقريبا أذكياء . كيف نجعلهم متساوين ؟ ليست " المساواة فى المستوى " إلاّ نظريّة بوخارين للتوازن . إنّ التطوّر الإقتصادي للبلدان الإشتراكية ليس نفسه فى كلّ مكان . و يصحّ أيضا على المناطق المختلفة داخل بلد معطى وكذلك على المناطق داخل إقليم . و لنأخذ مثال الخدمات الصحّية فى كوانغتونغ . إنّه جيّد فى فوشان و فى الكمونة الشعبيّة لشيلو . و هناك عدم توازن بين فوشان و كانتون من جهة و بين الكمونة الشعبيّة لشيلو و شاوكوان من الجهة الأخرى . إنّه لخطأ أن نرفض عدم التوازن .
62- المشكل الجوهري هو مشكل الأنظمة :
فى الصفحة 668 ، يقول الكتاب إنّ للسلفات التى يصدرها بلد إشتراكي طابع مختلف عن السلفات التى يصدرها بلد إمبريالي . هذا التأكيد مطابق للوقائع . بلد إشتراكي أفضل دائما من بلد إمبريالي . نحن نفهم هذا المبدأ . و المشكل الجوهري هو مشكل الأنظمة . النظام الإجتماعي هو الذى يقرّر توجّه بلد . النظام الإشتراكي هو الذى يقرّر أنّ البلد الإشتراكي يعارض دائما بلدا إمبرياليّا . و كلّ مساومة لا يمكن أن تكون إلاّ مؤقّتة .
63- العلاقات بين النظامين الإقتصاديين العالميين :
فى الصفحة 658 ، يتحدّث الكتاب عن " المنافسة بين النظامين العالميين " .
فى كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي " ، قد عالج بعدُ ستالين مشكل السوقين العالميتين . بصدد هذه النقطة ، يشدّد الكتاب على المنافسة السلميّة بين النظامين العالميين مؤكّدا على أهمّية إرساء علاقات إقتصادية بين هذين النظامين الذين " يمكن أن يتطوّرا تطوّرا سلميّا " . إنّه يحوّل السوقين العالميتين الموجودتين حقّا إلى نظامين إقتصاديين داخل سوق عالميّة موحّدة . و هذا تراجع نسبة إلى وجهة نظر ستالين .
فى الواقع ، بين النظامين الإقتصاديين ، لا توجد فقط منافسة بل يوجد أيضا صراع محتدم على نطاق واسع . إنّ الكتاب يتجنّب الحديث عن هذا الصراع .
64- عن النقد الموجّه إلى ستالين :
فى الصفحة 680 ، يقال إنّ كتاب ستالين ، " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي " ، و كذلك مؤلّفاته الأخرى ، ينطوى على بضعة وجهات نظر خاطئة . وفى نفس الصفحة ، يطلق الكتاب تهمتين ضد ستالين . إنّها غير مقنعة.
التهمة الأولى الموجّهة لستالين تتعلّق بوجهة النظر التالية التى يتبنّاها : " يبدو أنّ تبادل السلع قد أصبح بعدُ معرقلا لتطوّر قوى الإنتاج . إنّ الظروف بعدُ مجمّعة للمرور تدريجيّا إلى التبادل المباشر للسلع بين الصناعة و الفلاحة ؛ هذا الإنتقال حتمي " .
فى كتابه ، يقول ستالين أيضا إنّه إن وجد نظامين للملكيّة ، سيوجد بالضرورة إنتاج سلعي . و يقول كذلك إنّه فى المؤسسات الكلخوزيّة ، بالرغم من أنّ وسائل الإنتاج ( الأرض و الآلات ) ملك للدولة ، المنتوجات ملكيّة لكلّ كلخوز لأنّه يملك العمل و البذور . تتصرّف الكلخوزات عمليّا ، فضلا عن ذلك ، فى الأرض التى أعطيت لها لتتمتّع بها على أنّها ملكيّتها الخاصة . فى هذه الظروف ، " لا تريد أن تنظر إلى منتوجاتها إلاّ على شكل سلع مقابلها تريد أن تحصل على سلع تحتاجها. اليوم لا تقبل الكلخوزات علاقات إقتصادية أخرى مع المدينة إلاّ العلاقات التى تدخل فى إطار التبادل بيعا و شراءا للسلع ."
لقد نقد ستالين وجهة النظر السائدة زمنها فى الإتحاد السوفياتي والتى كانت ترتئى إلغاء الإنتاج السلعي . و كان يرى أنّ هذا الإنتاج السلعي ضرورة تشبه الضرورة التى جعلت لينين قبل ثلاثين سنة يعلن أنّ تبادل السلع يجب أن يتمّ تطويره إلى أقصى حدّ .
حسب الكتاب ، كان يبدو أنّ ستالين يرتئى الإلغاء الفوري للسلع . هذه التهمة من الصعب جدّا التدليل عليها . أمّا فى ما يتّصل بتبادل المنتوجات ، فإنّها لا تمثّل بالنسبة لستالين إلاّ فرضيّة . فقط كتب : " يجب إدخال هذا النظام دون سرعة خاصة ، تدريجيّا مع مراكمة المنتوجات المصنوعة فى المدن ".
و التهمة الأخرى الموجّهة ضد ستالين هي أنّه كان يستهين بتبعات قانون القيمة فى ميدان الإنتاج ، لا سيما فى إنتاج وسائل الإنتاج . " فى مجتمع إشتراكي ، قانون القيمة لا يلعب دورا تعديليّا فى ميدان الإنتاج . يمارس الدور التعديليّ من طرف قوانين التطوّر المخطّط و المتناسب و كذلك المخطّطات لإقتصادية للدولة " . وجهة النظر هذه التى يتبنّاها الكتاب هي فى الواقع وجهة نظر ستالين . و بالرغم من أنّ الكتاب يعتبر وسائل الإنتاج كسلع ، فهو لا يستطيع إلاّ أن يقرّ بأنّه أوّلا ، فى إطار نظام ملكية الشعب بأسره ، بيع و شراء وسائل الإنتاج ليس لهما أي تأثير على حقّ الملكيّة و أنّ ثانيا ، الدور الذى ينهض به قانون القيمة فى ميدان الإنتاج و فى سيرورة التبادل ليس نفسه . و وجهات النظر هذه هي فى الواقع مماثلة لتلك التى يتبنّاها ستالين . و هناك إختلاف حقيقي بين ستالين و خروتشوف : كان الأوّل يعارض بيع وسائل الإنتاج مثل الجرّارات للكلخوزات بينما كان الثانى يبيعها لها .
65- تقييم عام للكتاب :
ليس بوسعنا قول إنّه لا صلة أبدا لهذا الكتاب بالماركسية – اللينينية إذ هو يتضمّن عديد وجهات النظر الماركسية – اللينينية . لكن ليس بوسعنا أيضا أن نقول إنّه مطابق تماما للماركسيّة – اللينينيّة إذ هو يتضمّن عديد وجهات النظر البعيدة عن الماركسية – اللينينية . و فى الختام ليس بوسعنا أن نرفض جوهريّا هذا الكتاب .
إنّ الكتاب يشدّد على أنّ الإقتصاد الإشتراكي إقتصاد فى خدمة الشعب بأسره و ليس فى خدمة أقلّية من المستغِلّين . و ليس من الممكن أن يدافع عن أنّ فى هذا الكتاب تحليل القوانين الإقتصادية الأساسية للإشتراكية خاطئ تماما . فهذه التحاليل تمثّل المحتوى الرئيسي للكتاب الذى يتطرّق كذلك إلى مشاكل مثل التخطيط و التطوّر المتناسب و التصنيع بنسق سريع إلخ . فى هذه المجالات ، لا يزال الكتاب يبدو ذى طبيعة إشتراكية و ماركسية . أمّا بالنسب لمعرفة إلى أي مدى يجب تطوير كلّ قطاع من قطاعات الإقتصاد بعد تبنّى مبادئ التخطيط و التطوّر المتناسب و التصنيع بنسق سريع ، فمسألة أخرى . فى نهاية المطاف لكلّ طرقه .
لكن بعض وجهات النظر الجوهريّة لهذا الكتاب خاطئة . فالكتاب لا يشدّد على أولويّة السياسة ولا على الخطّ الجماهيري . لا يتحدّث عن المشي على الرجلين . يقتصر على التأكيد على أهمّية المصلحة الشخصيّة و على الترويج لفكرة الحوافز المادية و على إبراز الفكر الفردي .
فى هذا الكتاب ، نقطة إنطلاق البحث فى الإقتصاد الإشتراكي ليست التناقض . فى الواقع ، لا يعترف السوفيات بشموليّة / عموميّة التناقض . لا يعترفون بأنّ فى المجتمع التناقضات تمثّل القوّة المحرّكة للتطوّر الإشتراكي . فى مجتمعهم ، فى الحقيقة ، لا يزال هناك صراع طبقي و صراع بين الإشتراكية و بقايا الرأسمالية . لكنّهم لا يعترفون بذلك . فى مجتمعهم ، لا تزال توجد ثلاثة أنظمة ملكيّة : ملكية الشعب بأسره و الملكية الجماعيّة و الملكية الفردية . ومن الأكيد أنّ نظام الملكية الفردية مختلف عن ذلك الذى كان موجودا قبل التعاونيّات . فى تلك الفترة ، كانت حياة الفلاّحين معتمدة كلّيا على نظام الملكيّة الفرديّة . و حاليّا ، للفلاّحين رجل فى قارب و رجل فى قارب آخر ؛ إنّهم يعوّلون أساسا على الملكية الجماعية و لكن أيضا على نظام الملكية الفردية . و حينما توجد ثلاثة أنظمة ملكيّة ، توجد بطريق الحتم تناقضات و صراعات . و مع ذلك لا يتحدّث الكتاب عن هذه التناقضات و هذه الصراعات . إنّه لا يرتئى الحركات الجماهيريّة . و لا يقرّ بضرورة المرور أوّلا من النظام الإشتراكي إلى ملكية الشعب بأسره لتصبح هذه الأخيرة النظام الوحيد لكافة المجتمع قبل الإنتقال إلى الشيوعية .
و يتبنّى الكتاب مصطلحات متداخلة الدلالات مثل " إقتراب " و " إنسجام " إلخ عوض مفاهيم مثل تحويل نظام ملكيّة إلى نظام آخر للملكيّة أو تحويل علاقات الإنتاج إلى علاقات إنتاج أخرى . من هذه الزاوية ، لهذا الكتاب عدّة نقاط ضعف وهو ينطوى على أخطاء جدّية . إنّه يبتعد جزئيّا عن الماركسية – اللينينية .
أسلوب الكتاب سيئ للغاية . يفتقر إلى قوّة الإقناع . وهو لا يجلب إنتباه القرّاء . نقطة إنطلاقه ليست التحليل الملموس للتناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و ليس التحليل الملموس للتناقض بين القاعدة الإقتصادية و البنية الفوقيّة . إنّه لا يأخذ بعين الإعتبار مثل هذه التحاليل ليقدّم المشاكل و يدرسها.
كلّ ما فى هذا الكتاب ينبع من مفاهيم و تحديدات . إنّه يكتفى بالتحديد ؛ إنّه يجهل الإستدلالات . فى حين أنّ فى الواقع ، المفاهيم يجب أن تكون نتيجة التحاليل و ليست منطلقا . يعرض الكتاب من لا شيء سلسلة من القوانين لا تنبع و لا تدلّل عليها تحاليل السيرورة الملموسة للتطوّر التاريخي . بينما لا يمكن أن تشرح القوانين نفسها بنفسها . لا يمكن شرحها شرحا واضحا إذا لم نبدأ بتحليل السيرورة الملموسة للتطوّر التاريخي .
يفتقد هذا الكتاب إلى النفس و إلى علوّ النظر فى أسلوبه . فإشكاليّته غير دقيقة و قوّة إقناعه منعدمة . إنّه لا يشدّ إنتباه القرّاء . و المنطق وحتّى المنطق الشكلي غائب فيه . على ما يبدو ، تمّت صياغة هذا الكتاب فصلا فصلا من قبل عدّة مؤلّفين . إن وُجد فيه تقاسم للعمل فالوحدة غير موجودة فيه . لم يصغ كما يجب . و إضافة إلى ذلك ، المنهجيّة المعتمدة تتمثّل فى إتّخاذ المفاهيم نقطة إنطلاق بما يعطى الإنطباع بأنّه قاموس مفردات إقتصاديّة . لقد كان مؤلّفو هذا الكتاب سلبيّين نسبيّا . ففى مناسبات عدّة ، كانت آراؤهم تتضارب فما يقولونه هنا فى تناقض مع ما يقولونه فى مكان آخر . و من الأكيد أنّ تقسيم العمل و التعاون و الكتابة الجماعيّة تمثّل طريقة من الطرق . لكن الطريقة الأفضل تظلّ هي تكليف كاتب رئيسي بالعمل يمدّ له يد العون فى ذلك بعض المساعدين . فقط الكتب المؤلّفة من مؤلّفين مثل ماركس يمكن أن تعدّ تامة و صارمة و منهجيّة و علميّة .
متى أردنا تأليف كتاب حيوي ، يجب أن يكون لدينا شيء ننقده . و رغم قول أشياء صحيحة فى هذا الكتاب ، لم يتمّ التوسّع فى نقد وجهات النظر الخاطئة . لذلك قراءته مملّة .
وفى عديد الأماكن ، نشعر بأنّ هذا الكتاب كُتب من قبل مثقّفين و ليس من قبل ثوريّين . حينما لا يعرف إقتصادي الممارسة الإقتصادية ، لا يمكن إعتباره مختصّا حقيقة . و على ما يبدو ، يعكس هذا الكتاب واقع أنّ الذين يعتنون بالمهام العمليّة ليسوا قادرين على تلخيصها ولا يملكون معرفة بالمفاهيم والقوانين؛ و أنّ الذين يعتنون بالنظرية ليست لهم تجارب عمليّة و لا يعرفون الممارسة الإقتصاديّة . دون وحدة هذين الصنفين من الناس ، لا يمكن أن توجد وحدة بين النظرية و الممارسة .
يبيّن هذا الكتاب أنّ مؤلّفيه لا يعرفون الجدليّة . حتّى لتأليف كتاب علوم إقتصاديّة ، يجب أن يكون لدينا عقل فيلسوف ؛ مساهمة الفلاسفة واجبة . دون هذه المساهمة ، من غير الممكن تأليف كتاب علم إقتصاد جيّد .
الطبعة الأولى لهذا الكتاب تعود إلى بداية 1955 [ فى الحقيقة 1954 – المترجم إلى الفرنسيّة ] لكن على ما يبدو ، الهيكلة الأساسيّة للكتاب قد تقرّرت قبل هذا التاريخ . يبدو أنّ هيكلته التى رسمها وقتها ستالين لم تكن جدّ دقيقة . [ لقد أشرف ستالين عن كثب على تأليف الكتاب الذى كان يأمل أن يخدم حسب رأيه كمرجع للشبيبة الثوريّة ليس داخل الإتحاد السوفياتي فحسب بل أيضا خارج حدوده . فى كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي " ، ذهب إلى حدود تحديد بين 500 و 600 صفحة كعدد أقصى لصفحات الكتاب . و تأثير أطروحات " القضايا ..." على الطبعتين الأولتين من الكتاب كان قويّا جدّا – المترجم إلى الفرنسيّة ] .
و فى الوقت الحاضر ، فى الإتحاد السوفياتي ، هناك أناس ليسوا موافقين على تأليف هذا الكتاب . و فى مقال عنوانه " حول الدرس العلمي للإقتصاد السياسي الإشتراكي " ، نقد ج . أ. كزلوف [ أحد أبرز الإقتصاديين السوفيات – المترجم إلى الفرنسيّة ] الأفكار الأساسيّة لهذا الكتاب مشدّدا على أخطائه المنهجيّة . وهو يدعو إلى شرح القوانين بتحليل لسيرورة الإنتاج الإجتماعي . و يقدّم أيضا مقترحات بشأن الهيكلة .
لو حكمنا إنطلاقا من النقد الذى صاغه أناس مثل كوزلوف ، يبدو ممكنا حتّى فى الإتحاد السوفياتي ، أن يصاغ كتاب آخر يمثّل المظهر النقيض للكتاب الحالي . من الجيّد أن تكون لدينا أشياء متناقضة .
من القراءة الأولى لهذا الكتاب ، يمكن أن نفهم منهجيّته و وجهات نظره . لكن قراءة كتاب تختلف عن دراسته . و الأفضل سيكون فى المستقبل ، أن ندرس بدقّة هذا الكتاب آخذين بعض القضايا و وجهات نظر كمحاور نقاش . و ينبغى علينا أيضا أن نجمّع المواد و أن نقرأ مقالات و مجلاّت تفصح عن وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظر هذا الكتاب . عندما يوجد مشكل يفرز جدالا ، يتعيّن الإلمام بكافة وجهات النظر المختلفة . و لو أردنا أن نحيط جيّدا بقضيّة ، يجب على الأقلّ فهم آراء الجانبين .
علينا أن ننقد الأفكار الخاطئة و ننبذها . و لكن علينا أيضا أن ندافع عن كلّ ما هو صحيح . علينا فى آن معا أن نكون جريئين و يقظين .
و مهما يكم من أمر ، لقد توصّل السوفيات إلى تأليف كتاب عن الإقتصاد السياسي للإشتراكية . فى المحصلة ، هذا إنجاز كبير . و مهما كانت الأفكار المريبة التى يتضمّنها هذا الكتاب ، فإنّه يمدّنا على الأقلّ بمادة للنقاش و يدفعنا إلى الإنخراط فى بحوث أعمق .
66- حول طريقة تأليف كتاب فى الإقتصاد السياسي :
يتّخذ الكتاب السوفياتي نقطة إنطلاق له نظام الملكيّة . مبدئيّا ، هذا صالح . لكن من الممكن أن يؤلّف الكتاب بشكل أفضل . عندما كان ماركس يدرس الإقتصاد الرأسمالي ، كان يحلّل أساسا هو الآخر نظام الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج . كان يتفحّص إلى أيّة درجة توزيع وسائل الإنتاج يحدّد توزيع المنتوجات . فى هذا المجتمع الرأسمالي ، يمثّل الطابع الإجتماعي للإنتاج و الطابع الخاص للتملّك تناقضا جوهريّا . إنطلاقا من السلع ، كان ماركس يكشف العلاقات الإنسانيّة المخفيّة وراء العلاقات المادية بين السلع . و بالرغم من أنّه للسلع بعدُ طابع مزدوج فى المجتمع الإشتراكي ، فإنّ هذا الأخير لم يعد مثل الطابع المزدوج للسلع الرأسمالية بفضل إرساء نظام الملكية العامة لوسائل الإنتاج و بواقع أنّ العمل لم يعد سلعة . فى هذه الظروف ، العلاقات بين الناس لم تعد مخفيّة بالعلاقات الماديّة بين السلع . إذن ، لو إتّبعنا منهج ماركس آخذين السلع نقطة إنطلاق أو دارسين الإقتصاد الإشتراكي منطلقين من الطابع المزدوج للسلع ، يمكن أن نجعل القضايا غامضة و عسيرة الفهم .
هدف الإقتصاد السياسي هو البحث فى علاقات الإنتاج . و وفق تأويل ستالين ، تشتمل هذه العلاقات على مظاهر ثلاثة : نظام الملكيّة و العلاقات بين الناس فى العمل و توزيع المنتوجات . إذا أردنا أن نكتب عن الإقتصاد السياسي ، يمكننا كذلك أن نتّخذ نقطة إنطلاق نظام الملكيّة . ندرس بداية مختلف التغيّرات فى هذا النظام : من الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج إلى الملكيّة العامة لوسائل الإنتاج ، و من الملكية الخاصة للرأسمال البيروقراطي و الملكية الخاصة الرأسمالية إلى الملكيّة الإشتراكية للشعب بأسره ، و من الملكيّة الخاصة لأراضي الملاّكين العقّاريين إلى الملكية الخاصة للفلاّحين ثمّ إلى ملكيّة جماعيّة إشتراكية . و تاليا ندرس التناقضات بين النظامين من الملكيّة العامة الإشتراكية و كذلك الإنتقال من الملكيّة الجماعية الإشتراكية إلى نظام الملكية الإشتراكية للشعب بأسره . و بعد ذلك ، نحلّل التغييرات التى تحدث داخل نظام ملكيّة الشعب بأسره مثل إرسال الكوادر إلى مستويات أدنى و إدارة المؤسسات وفق صنفها و إستقلاليّة المؤسّسات إلخ . عندنا ، ضمن المؤسّسات التابعة لنظام ملكيّة الشعب بأسره ، بعضها تتصرّف فيها مباشرة أقسام الحكومة المركزيّة ، و أخرى تتصرّف فيها المحافظات و البلديّات أو المناطق ذات الحكم الذاتي و أخرى تتصرّف فيها مناطق خاصة و أخرى جهات . أمّا بالنسبة للمؤسسات التى تديرها الكمونات الشعبيّة ، بعضها نصف ملكيّتها للشعب بأسره و النصف الآخر ملكيّة جماعيّة . و كافة المؤسسات كيفما كانت مدارة من قبل السلط المركزيّة أو من السلط المحلّية ، هي تحت إشراف موحّد و تحظى بإستقلاليّة محدّدة جيّدا .
أمّا فى ما يتّصل بمسألة العلاقات الإنسانيّة فى الإنتاج و فى العمل ، بإستثناء إستعمال عبارات من نوع " علاقات التعاون و المساعدة المتبادلة بروح رفاقيّة " ، لم يعالج قط عمق المشكل . لم يقم بتحاليل أو بدراسات فى هذا المجال . فى حين أنّه عندما نحلّ مشكل الملكية ، المشكل الأهمّ الذى يطرح نفسه هو مشكل الإدارة ، يعنى إدارة مؤسّسات يملكها الشعب بأسره . إنّ مشكل إدارة المؤسسات الجماعيّة هو أيضا مشكل علاقات الناس فى نظام ملكيّة محدّد . بصدد هذا الموضوع ، هناك الكثير نقوله . أثناء مرحلة معيّنة ، للتغييرات فى أنظمة الملكيّة ثمّة دائما حدود . لكن أثناء ذات المرحلة ، يمكن لعلاقات الناس فى الإنتاج و فى العمل أن تتغيّر بإستمرار . تجاه إدارة المؤسسات التى يملكها الشعب بأسره ، نحن من أنصار سياسة تمزج بين القيادة المركزيّة و الحركات الجماهيريّة ، تفرض قيادة الحزب ، و تمزج العمّال والتقنيّين ، و تشارك الكوادر فى العمل اليدوي، و تحوّر بإستمرار الضوابط و الأنظمة اللاعقلانيّة إلخ .
و فى ما يتّصل بتوزيع المنتوجات ، يجب إعادة صياغة الكتاب باللجوء إلى أسلوب آخر للكتابة . ينبغى التشديد على صعوبة الصراعات و رفع إعادة الإنتاج و الآفاق الشيوعية . لا ينبغى أن نؤكّد على المصالح الماديّة الشخصيّة . لا يجب تشجيع الناس على المضيّ نحو مصالحهم الشخصيّة عوض المضي نحو مصالح المجتمع . لا يجب جذب الناس إلى طريق ينتهى إلى " علاقة حبّ ، منزل ثاني ، سيّارة ، بيانو و جهاز تلفزة " . إنّ رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة . لكن إذا لم نكن نرى أبعد من رجلنا، إذا لم نفكّر فى المستقبل و فى الآفاق ، كيف يمكننا إذن بعد أن نمتلك الروح و الحماس الثوريين ؟
67- حول طريقة البحث المتمثّلة فى الإنطلاق من الظواهر لبلوغ جوهر الأشياء ذاته :
عند دراسة مشكل ، يجب أن نأخذ كنقطة إنطلاق الظواهر التى نستطيع أن نراها و نشعر بها و نكشف جوهرها المختفى وراءها بغية كشف طبيعة الأشياء الموضوعيّة و تناقضاتها .
خلال الحرب الأهليّة و حرب المقاومة ضد اليابان ، نحن أيضا قد أخذنا الظواهر كنقطة إنطلاق لدراسة مشكل الحرب . فى تلك الفترة ، الظاهرة الأعمّ و الأكثر بديهيّة كانت انّه كان لدينا أعداء كثيفو العدد و أقوياء بينما كنّا قليلي العدد و ضعفاء . و إنطلاقا من هذه الظاهرة درسنا المشاكل و عالجناها ، تفحّصنا وسيلة إنتصار قوّة صغيرة و ضعيفة على أعداء كثيفى العدد و أقوياء . لقد فهمنا أنّه بالرغم من كوننا كنّا قليلي العدد و ضعفاء ، كنّا نتمتّع بمساندة الجماهير و كنّا نستطيع إستغلال نقاط ضعف أعدائنا بالرغم من كثافة عددهم و من قوّتهم . لنأخذ مثال فترة الحرب الأهليّة . كان العدوّ يملك قوّة عديد المئات من آلاف الرجال بينما لم يكن لدينا سوى بضعة عشرات الآلاف . و على الصعيد الإستراتيجي ، كان العدوّ قويّا و كنّا ضعفاء . و كان يهاجم و كنّا فى موقع دفاعي . لكن عندما كان يريد الهجوم علينا ، كان يجب عليه أن يتقدّم بعدّة فيالق و كان كلّ فيلق ينقسم بدوره إلى عديد الوحدات التى كانت تتتالى . عادة ، عندما كانت وحدة تبلغ نقطة إرتكاز ، كانت الوحدات الأخرى لا تزال تتحرّك . و كنّا نحرّك معظم قوانا من أجل تحطيم نقطة إرتكاز هذه الفيالق و كنّا ننشر جزءا من رجالنا لإيقاف قوى العدوّ التى كانت لا تزال تتحرّك . و هكذا وجدنا أنفسنا فى وضع قوّة فى نقطة معيّنة حيث كان العدوّ قليل العدد و ضعيفا بينما كنّا كثيفي العدد و أقوياء. وفضلا عن ذلك ، كان العدوّ يوجد فى منطقة لا يعرفها جيّدا و أين لم يكن يتمتّع بمساندة الجماهير. لقد تجمّعت تماما الظروف كي نتمكّن من تحطيم جزء من العدوّ .
إنّ تحويل الإيديولوجيا إلى نظام يتمّ دائما إثر حركات واقعيّة لأنّ الإيديولوجيا إنعكاس للحركة الماديّة . تظهر القوانين فى التكرّر خلال الحركات الواقعيّة ؛ ظهورها ليس صدفة . يجب تكرار الوقائع بصفة متواترة قبل أن تظهر القوانين التى يمكن أن يعترف بها الجميع كقوانين . مثلا ، حدثت أزمة رأسمالية فى الماضى مرّة كلّ عشر سنوات . لقد تكرّرت هذه الظاهرة عدّة مرّات بما سمح لنا هكذا بالتعرّف على قوانين الأزمة الإقتصادية فى المجتمع الرأسمالي . و فى حال أخرى ، ضرورة توزيع الأرض حسب عدد السكّان وليس حسب القدرة على العمل أثناء الإصلاح الزراعي لم يقع الإعتراف بها إلاّ بعد تجارب متعدّدة. و فى الفترة الأخيرة من الحرب الأهليّة ، الرفاق الذين تبنّوا الخطّ المغامراتي " اليساري " كانوا يرتؤون توزيع الأراضي حسب قدرة العمل . لم يكونوا موافقين على سياسة التوزيع العادل حسب عدد السكّان و كانوا يقدّرون انّ هذا النمط من التوزيع لم تكن له طبيعة طبقيّة و لم يكن يأخذ بما فيه الكفاية بعين النظر الجماهير. و كان شعارهم : " لا يحصل الملاّكون العقّاريّون على أيّة أرض ؛ يحصل الفلاّحون الأغنياء على الأراضي السيّئة و البقيّة يحصلون على أراضي تتناسب مع قدرتهم على العمل . " و قد بيّنت الوقائع أنّ هذه السياسة خاطئة . بعد تجارب متكرّرة أجلينا السياسة الصحيحة لتوزيع الأرض . [ هنا يلخّص ماو نزاعه بشأن الإصلاح الزراعي مع كتلة " ال28 بلشفي " فى سوفيات كيانغسى بداية الثلاثينات . فى تلك الفترة ، وُصفت السياسة الزراعيّة لماو بأنّها يمينيّة من قبل اللجنة المركزيّة التى كانت تهيمن عليها العناصر الموالية للسوفيات و المدعومة من طرف الكومنترن – المترجم إلى الفرنسيّة ] .
تتطلّب الماركسية وحدة المنطق و التاريخ . الأفكار إنعكاس للوجود الموضوعي بينما المنطق مستخلص من التاريخ . و الكتاب بالتأكيد مليئ بالمواد لكنّها لم تُحلّل . المنطق غائب منها و بلا طائل نبحث عن القوانين. هذا أمر سيّئ . لكن عدم إمتلاك مواد ليس بدوره أمر جيّد . لأنّه فى هذه الحال ، لا نرى سوى المنطق و لا نرى التاريخ . و هذا المنطق الذى نراه ليس سوى منطق ذاتي . هنا بالذات تكمن نقطة ضعف الكتاب .
مطلقة الضرورة هي كتابة تاريخ لتطوّر الرأسمالية فى الصين . إذا لم يدرس المؤرّخون تاريخ كلّ مجتمع أو تاريخ كلّ حقبة ، لن يتمكّنوا من كتابة تاريخ عام نوعي . و إذا درسنا مجتمعا خاصا فلإكتشاف قوانين خاصة بهذا المجتمع . و إذا نجحنا فى توضيح القوانين الخاصة بمجتمع معيّن ، يمكن بيسر أن ندرك القوانين العامة لهذا المجتمع . يجب إذن أن نجد ما هو عام عبر عديد الخصوصيّات التى درسنا . دون أن نفهم جيّدا القوانين الخاصّة ، من غير الممكن فهم القوانين العالميّة . إذا أردنا أن ندرس مثلا القوانين العامة لعلم الحيوانات ، نحن مضطرّون إلى أن ندرس بشكل منفصل القوانين الخاصّة التى تتحكّم فى الفقريّات و اللافقريّات .
68- يجب على الفلسفة أن تخدم سياسة زمنها :
يجب على كلّ فلسفة أن تخدم سياسة زمنها .
وهذا يصحّ على الفلسفة البرجوازية . فى كلّ بلد ، فى كلّ وقت ، ظهر منظّرون جدد و طوّروا نظريّات جديدة لخدمة سياسة زمنهم . فى أجلترا ، وُجد ماديّون برجوازيّون مثل فرانسيس بيركون و توماس هوبز . فى فرنسا ، فى القرن الثامن عشر ، ظهر ماديّون مثل الموسوعيّين . و كان للبرجوازية الألمانية و الروسية ماديّيهما. كانوا جميعا ماديّين برجوازيين يخدمون سياسة البرجوازية لزمنهم . ليس لأنّ للبرجوازيّة الأنجليزيّة ماديّيها كان بوسع البرجوازية الفرنسيّة أن تقبل بأن لا يكون لها ماديّيها ؛ و ليس لأنّه لأجلترا و فرنسا ماديّيهم البرجوازيين كان بوسع ألمانيا و روسيا أن تقبلا بأن لا يكون لها ماديّيها البرجوازيين .
بداهة ، يجب على الفلسفة الماركسيّة للبروليتاريا أن تخدم عن قرب أكثر سياسة زمنها . و فى ما يتّصل بالصين ، أوّل شيء ينبغى القيام به هو دراسة مؤلّفات ماركس و إنجلز و لينين و ستالين . لكن الشيوعيين و المفكّرين البروليتاريين لكلّ البلدان يجب أن ينشئوا نظريّات جديدة و يكتبوا أعمالا جديدة و يشكّلوا منظّريهم الخاصّين من أجل خدمة سياسة زمنهم .
ليس من الجيّد لبلد مهما كان ، أن يعتمد على أشياء مضى زمنها . إن وُجد فقط ماركس و إنجلز و لم يوجد لينين ليكتب أعمالا مثل " خطّتا الإشتراكية - الديمقراطية فى الثورة الديمقراطية " ، كان سيكون من غير الممكن حلّ المشاكل الجديدة التى ظهرت منذ 1905 . و كذلك ، إن لم يوجد" المادية و مذهب النقد التجريبي " سنة 1907 ، كان سيكون من غير الممكن مواجهة المشاكل الجديدة التى ظهرت قبل ثورة أكتوبر و بعدها . لتلبية حاجيات تلك الحقبة ، ألّف لينين " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " و " الدولة و الثورة " إلخ . بعد موت لينين ، لمواجهة الرجعيين و الدفاع عن اللينينيّة ، كان على ستالين أن يكتب أعمالا مثل " أسس اللينينيّة " ،" مسائل اللينينيّة " إلخ . و فى نهاية الحرب الأهليّة الثانية و بداية حرب المقاومة ضد اليابان ، كتبت " فى الممارسة العمليّة " و" فى التناقض ". لم يكن بوسعى أن لا أكتب هذه الأعمال تلبية لمتطلّبات اللحظة .
و الآن دخلنا عهد الإشتراكيّة . و ظهرت سلسلة من المشاكل الجديدة . من غير الممكن عدم كتابة أعمال جديدة و عدم صياغة نظرّيات جديدة تلبية للمتطلّبات الجديدة .
-----------
ملاحق النصّ الثالث
1- مشكلة تصنيع الصين :
فى الإتحاد السوفياتي ، عقب إنهاء المخطّط الخماسي الأوّل ، كانت القيمة الجمليّة لمنتوجات الصناعة الثقيلة تمثّل 70 بالمائة من القيمة الجمليّة للإنتاج الصناعي والفلاحي . و حينها تمّ إعلان أنّ التصنيع قد تحقّق . و فى الصين ، يمكن بلوغ هذا المعيار بسرعة كبيرة . و لكن حتّى و إن بلغنا ذلك ، لن نعلن أنّ التصنيع قد تحقّق عندنا لأنّه سيكون لدينا بعدُ أكثر من 500 مليون فلاّح يشتغلون فى قطاع الفلاحة . لو أعلننا أنّ تصنيعنا قد تحقّق يوم تمثّل القيمة العامة لمنتوجاتنا الصناعيّة 70 بالمائة من القيمة الجمليّة للإنتاج ، لن يعكس هذا الإعلان الوضع الحقيقي لإقتصادنا القومي و ربّما أفرز حتّى تراخيا فى جهودنا.
خلال الإجتماع العام الأوّل للمؤتمر الثامن للحزب ، قلنا إنّنا نريد أن نرسي أساسا قويّا للتصنيع الإشتراكي فى فترة المخطّط الخماسي الثاني . و كذلك قلنا إنّنا نريد أن نحقّق فى غضون خمسة عشرة سنة أو أكثر هياكلا صناعية كاملة . فى هذين التصريحين ثمّة شيء متناقض . كيف يمكن الحديث عن إرساء قاعدة قويّة للصناعة الإشتراكية إذا لم نكن نملك هياكلا صناعية كاملة ؟ إن حكمنا إنطلاقا من الوضع الراهن ، يبدو أنّه فى ميدان إنتاج المنتوجات الصناعيّة الأساسيّة ، قد نلتحق بأنجلترا فى غضون سنوات ثلاث . و بعد سنوات خمس ، نستطيع أن نحقّق إرساء هياكل صناعيّة .
بعدُ طوال فترة طويلة ، يجب على بلد كبلدنا أن يسمّى بلد فلاحي – صناعي ، حتى و إن كنّا ننتج أكثر من مائة مليون طن من الفولاذ . إذا أردنا أن نتجاوز إنتاج أنجلترا نسبة للفرد ، يجب على إنتاجنا للفولاذ أن يكون على الأقلّ 350 مليون طن .
طريقة مهمّة أن نكون فى تنافس مع بلد آخر . علينا أن نرفع على الدوام شعار " الإلتحاق بأنجلترا " . و المرحلة الأولى تتمثّل فى الإلتحاق بها فى ميدان إنتاج أهمّ المنتوجات بالكمّية المطلقة . و المرحلة الثانية ستكون الإلتحاق بها فى الإنتاج نسبة للفرد . إنّنا متخلّفين جدّا نسبة لأنجلترا فى بناء السفن و فى صناعة السيّارات . واجبنا الأكيد هو أن نبذل الجهد لتجاوزها فى هذه القطاعات . حتّى بلد صغير مثل اليابان يملك أسطولا بحريّا لأربعة ملايين طن بينما بلد كبير مثل بلدنا لا يملك عدد سفن مماثل لنقل السلع . لا شيء يدعو إلى الفخر .
فى 1949 ، وُجد فى الصين أكثر من 90 ألف برج .و مرّ هذا العدد إلى أكثر من 490 ألف فى 1959. و فى 1957 ، كانت اليابان تملك 600 ألف برج . إنّ عدد الأبراج معيار هام لقيس مستوى تطوّر صناعة بلد .
إنّ مستوى مكننة الصين متدنّى جدّا . و يمكن أن نحكم على ذلك من مدينة شنغاي . حسب نتائج الأبحاث الأحدث ، المؤسسات العصريّة للمدينة ، و العمل الممكنن ، و العمل نصف الممكنن و العمل اليدوي يمثّل كلّ منهم الثلث .
فى الصناعة السوفياتيّة ، لا تتجاوزالإنتاجية بعدُ إنتاجيّة الصناعة الأمريكية . أمّا نحن فمتخلّفون جدّا فى هذا المضمار . أكيد أنّ لدينا سكّان عددهم كثيف لكن إنتاجيّتنا لا يمكن أن تقارن و من بعيد مع إنتاجيّة البلدان الأخرى . و بداية من 1960 و خلال ثلاثة عشرة سنة ، سيجب علينا أن نواصل العمل بكدح .


2- حول مكانة الإنسان فى المجتمع و قدراته :
فى الصفحة 488 ، يقول الكتاب إنّه فى المجتمع الإشتراكي ، لا تتحدّد مكانة الإنسان قط بعمله و بقدراته الشخصيّة . ليس هذا التأكيد بالضرورة صحيحا . إنّ البشر الأذكياء يخرجون عادة من صفوف الشباب المحتقر و المهان و من أصل إجتماعي أدنى . و هذا صحيح حتّى فى المجتمع الإشتراكي . كانت قاعدة فى المجتمع القديم أن يكون المستغَلّون أقل ثقافة لكن أكثر ذكاءا و أن يكون المستغِلّون أكثر ثقافة و أقلّ ذكاءا . فى المجتمع الإشتراكي ، يتعرّض الذين ينتمون إلى الفئة الإجتماعية التى تحصل على أجر مرتفع إلى ذات الخطر . يمتلكون معارفا و ثقافة أوسع لكن نسبة للذين ينتمون للفئة الإجتماعية التى تحصل على أجر أدنى ، هم أقلّ ذكاءا . و أطفال كوادرنا هم تحديدا أقلّ ذكاءا من أطفال غير الكوادر .
إنّ عددا كبيرا جدّا من الإكتشافات و الإختراعات قامت بها مصانع صغيرة . المصانع الكبيرة مجهّزة بمعدّات ممتازة وهي تستخدم تقنية معاصرة . وينجم عن ذلك أنّها تظهر عادة مظهر تفوّق متمسّكة بالوضع السائد و لا تبحث عن التقدّم . و روحها الإبداعية عادة أقلّ من الروح الإبداعيّة لدي المصانع الصغيرة . و فى المدّة الأخيرة ، وضع مصنع نسيج فى تشانغشو منشأة تقنيّة تسمح برفع فعاليّة آلة النسج بما يحقّق هكذا توازنا فى قدرة الإنتاج فى مجالات الغزل و النسج والطباعة. و نلاحظ أنّ هذه التقنية الجديدة لم تخترع لا فى شنغاي و لا فى تيانسين ، بل فى مدينة صغيرة مثل تشانغتشو .
نحصل على المعرفة فى الأوضاع الصعبة . إن ظلّ تشو يوان [ أحد أكبر شعراء الصين 340-278 قبل الميلاد ... – المترجم إلى الفرنسية ] موظّفا ساميا ، لم تكن أعماله لتر النور . لأنّه فَقَدَ وظيفته و" أرسل إلى درجة أقلّ للقيام بالعمل اليدوي " ، كسب علاقات وثيقة مع الحياة الإجتماعية و ألّف أعمالا أدبيّة ممتازة مثل ( نواح ) . و كذلك بعد أن مُني بالفشل فى عديد الأوضاع ، توجّه كنفيشيوس إلى الدراسة . بداية جمّع حوله مجموعة من " العاطلين عن العمل " و بذل جهدا ليبيع فى كلّ مكان قوّة عملهم . لكن لا أحد رغب بهم . لم يحصل كنفيشيوس أبدا على فرصة مكان تحت الشمس . فقط عندما وجد نفسه فى مأزق ، شرع فى تأليف الأغاني الفلكلوريّة ( كتاب الأغاني ) و وضع المواد التاريخيّة ( حوليّات الربيع و الخريف ) .
فى التاريخ ، الكثير من الأشياء الطليعيّة لم تخترعها البلدان المتقدّمة ، بل البلدان المتأخّرة نسبيّا . و ليس صدفة أنّ الماركسيّة لم تنشأ لا فى أنجلترا و لا فى فرنسا وهما بلدان أين كانت الرأسمالية حينها متطوّرة نسبيّا ، بل فى ألمانيا أين لم تبلغ سوى مستوى متوسّط .
و الإختراعات العلمية ليست بالضرورة من عمل الناس ذوى الثقافة العالية . فالعديد من أساتذة الجامعات اليوم لم يقوموا بإختراعات . و بالعكس ، قام عمّال بسطاء بإختراعات . أكيد أنّنا لا ننكر الإختلاف بين المهندسين و العمّال . لكن ثمّة فعلا مشكل هنا . فى التاريخ ، إنتصرت الشعوب ذات المستوى الثقافي المرتفع قليلا على الشعوب ذات المستوى الثقافي العالي. وخلال حربنا الأهليّة ، كان قادتنا العسكريين فى كلّ المستويات أدنى على المستوى الثقافى من ضبّاط الكيومنتانغ الذين وقع تكوينهم فى الأكاديميّات العسكرية الصينيّة أو الأجنبيّة لكنّنا هزمناهم .
الإنسان حيوان له عيب : إنّه يحتقر أمثاله من البشر . إنّ الناس الذين حقّقوا و لو شيئا قليلا يحتقرون الذين لم يحقّقوا أي شيء . و البلدان الكبرى و البلدان الغنيّة تحتقر البلدان الصغرى و البلدان الفقيرة . منذ زمن بعيد كانت البلدان الغربيّة تحتقر روسيا . و لا تزال الصين اليوم محتقَرة . و ليس دون سبب أن يحتقرنا الآخرون لأننّا لا زلنا متأخّرين . لبعد كبير جدّا ، تنتج بلادنا قليلا جدّا من الفولاذ و كذلك عددا لا يزال كبيرا من غير المتمدرسين. و مع ذلك إحتقار الآخرين لنا مفيد . إنّه يضطرّنا إلى العمل والتقدّم.
3- التعويل على الجماهير :
" الإشتراكية تزخر بالحيويّة و الإبداع ؛ إنها إبداع الجماهير ذاتها " . جملة لينين هذه ممتازة . و خطّنا الجماهيري ليس شيئا آخر. لكن هل هي مطابقة للينينيّة ؟ عقب الإستشهاد بجملة لينين ، ورد فى الكتاب: " بصفة متصاعدة ، تشارك الجماهير الواسعة العمّال مباشرة و بنشاط فى إدارة الإنتاج و فى نشاطات منظّمات الدولة و فى قيادة كافة مجالات الحياة الإجتماعية للبلاد " . ( ص 332 )
طريقة الكلام هذه ممتازة . لكن أن نقول شيئا و أن نقوم به أمران مختلفان . و هذا ليس باليسير .
فى قرار تبنّـته فى 1928 اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي السوفياتي ، نقرأ : " فقط عندما تبلغ تعبئة الحزب و جماهير العمّال و الفلاّحين مستواها الأعلى نستطيع أن نلتحق بالبلدان الرأسمالية و نتجاوزها فى ميادين التقنية و الإقتصاد ". ( 377) و هذه الجملة ممتازة بدورها . و هذا ما نحن بصدد القيام به . زمن ستالين ، لم توجد سوى الجماهير للتعويل عليها. لذلك كان الحزب و كانت جماهير العمّال و الفلاّحين مطالبة ببذل قصارى الجهد للتعبئة . وفى ما بعد ، عندما صار الإتحاد السوفياتي يمتلك شيئا، لم يعد قادته يعتمدون كما من قبل على الجماهير .
لقد قال لينين : " إن مركزيّة ديمقراطية حقّا تتطلّب توجيه الإبداع و روح المبادرة بكلّ الأشكال ، على المستوى المحلّى ، نحو الطريق المؤدّى إلى الهدف العام، و أن تكون كلّ الأشكال و كلّ الطرق قادرة على التطوّر تطوّرا تاما ودون صدام ". (ص 454)
طريقة التعبير هذه ممتازة . يمكن للجماهير أن تعبّد الطريق . إنّ السوفياتات الروسيّة قد خلقتها الجماهير. و كموناتنا الشعبيّة هي الأخرى خلقتها الجماهير .
4- بعض المقارنة بين سيرورة التطوّر السوفياتيّة و سيرورة التطوّر الصينيّة :
فى الصفحة 422 ، ذكر الكتاب لينين : " إن كانت سلطة الدولة بين أيدى الطبقة العاملة ، من الممكن بلوغ الشيوعية مرورا برأسمالية الدولة ". هذا الإستشهاد ممتاز . كان لينين يعمل بكلّ ما يملك من طاقة و بعد ثورة أكتوبر ، ملاحظا أنّ البروليتاريا تعوزها التجربة لقيادة الإقتصاد ، سعى إلى تدريبها لتحصل على القدرات اللازمة لإدارة الإقتصاد وفق طريقة رأسماليّة الدولة . فى تلك الفترة ، إقترفت البرجوازية الروسيّة خطأ فى تقييمها لقوّة البروليتاريا و لم تقبل بالشروط التى حدّدها لينين. و إنطلقت فى إضرابات قويّة و فى عمليّات تخريب . حالئذ إضطرّت البروليتاريا إلى مصادرة ممتلكات البرجوازية . لهذا لم تستطع رأسماليّة الدولة أن تتطوّر .
و أثناء فترة الحرب الأهليّة ، كانت الصعوبات التى واجهتها روسيا كبيرة جدّا حقّا . كانت الفلاحة مدمّرة و كانت مسالك التجارة مقطوعة و وسائل النقل مشلولة . و لنقص فى المواد الأوّلية ، لم يتمكّن عدد كبير من المصانع رغم تأميمها من العمل . و قد وجدوا أنفسهم حقّا فى مأزق ، لم يستطع السوفيات سوى تبنّى نظام مصادرة ما فاض من الحبوب على حاجيات الفلاّحين . فى الواقع كانت طريقة للحصول على منتوجات الفلاّحين دون مقابل . و كان تطبيق هذه الطريقة يفرغ بالضرورة مخازن الفلاّحين . لقد كانت حقّا طريقة غير مناسبة . و فقط بعد نهاية الحرب الأهليّة ، عوّض نظام الآداءات على الحبوب نظام مصادرة فائض الحبوب .
فى الصين ، إمتدّت فترة الحرب الأهليّة أكثر بكثير ممّا فى روسيا . طوال 22 سنة ، طبّقنا دائما ، فى قواعد إرتكازنا ، الطريقة التى تتمثّل فى تجميع الحبوب التابعة للسلط المركزيّة و شراء فائض الحبوب . لقد تبنّينا سياسة صحيحة تجاه الفلاّحين . و خلال الحرب ، إعتمدنا كلّيا على الفلاّحين .
لقد كرّسنا سياستنا عمليّا طوال 22 سنة فى قواعد إرتكازنا . و قد راكمنا تجارب إدارة الإقتصاد و عقدنا تحالفا مع الفلاّحين . لهذا ، بعد التحرير ، تمكّننا من الشروع فى مهمّة إعادة تركيز الإقتصاد و إنهاء المهمّة بسرعة كبيرة . ثمّ ، إرتأينا خطّ سياسيّا للمرور إلى الإشتراكية و ركّزنا جهودنا الرئيسيّة على الثورة الإشتراكية و رسمنا فى نفس الوقت و طبّقنا المخطّط الخماسي الأوّل . و أثناء هذه السيرورة من التغيير الإشتراكي ، تحالفنا مع الفلاّحين ضد الرأسماليين ، فى حين أنّ لينين ، من جهته ، صرّح فى وقت معيّن أنّه يظّل التعاطى مع الرأسماليين قائما آملا هكذا تحويل الرأسمالية إلى رأسمالية الدولة من أجل النضال ضد النزعات العفويّة للبرجوازية الصغيرة . هذه السياسات المختلفة أملتها الظروف التاريخية المختلفة .
فى الإتحاد السوفياتي ، فى فترة السياسة الإقتصادية الجديدة ، نظرا للحاجة إلى حبوب الكولاك ، تمّ تبنّى إجراءات ضغط تجاههم ، وهي إجراءات تشبه الإجراءات التى إتّخذناها تجاه البرجوازية الوطنية أثناء الفترة الأولى التى تلت التحرير . فقط عندما بلغ الإنتاج العام للحبوب فى الكلخوزات و السوفكوزات 400 مليون بودس ، تمّ الشروع فى مهاجمة الكولاك . لقد إرتأوا حينها شعارات القضاء عليهم و تحقيق المشركة الشاملة . ( كتب ستالين فى مقاله فى ديسمبر 1929 بعنوان " حول بعض المسائل المتصلة بالسياسة الزراعية فى الإتحاد السوفياتي " : " فى 1927 ، كان الكولاك ينتجون أكثر من 600 مليون بودس من الحبوب منها حوالي 13 مليون تباع فى المناطق الريفيّة . يتعلّق الأمر بقوّة جدّية للغاية لا يمكن تناسيها . و فى ذات الفترة ، ماذا كان إنتاج كلخوزاتنا و سوفخوزاتنا ؟ حوالي 80 مليون بودس منها حوالي 30 مليون بودس كانت حبوب سلع ." لهذا أكّد ستالين بشكل قاطع أنّ " فى هذه الظروف، من غير الممكن شنّ هجوم صارم ضد الكولاك " . ثمّ يتابع : " لكن ، الآن ، لدينا قاعدة ماديّة كافية لشنّ مثل هذا الهجوم ". وبالفعل فى 1929 ، تجاوز إنتاج الحبوب فى الكلخوزات 400 مليون بودس منها أكثر من 130 مليون بودس من الحبوب السلع.( المرجع ، " الأعمال الكاملة لستالين" [الطبعة الصينيّة ] المجلّد 12، ص 142 – هامش من صياغة ماو تسى تونغ ). أمّا نحن فإنّنا قد تخلّصنا عمليّا من إقتصاد الفلاّحين الأغنياء أثناء الإصلاح الزراعي .
فى الإتحاد السوفياتي ، منذ بداية المشركة " دفعت الفلاحة ثمنا مرتفعا " ( ص 397 ) . هذه الملاحظة كانت وراء أخذ العديد من الإحتياطات من قبل بلدان أوروربا الشرقيّة عندما واجهت مشكل المشركة . لم تتجرّأ فى تلك البلدان على إطلاق حركة على نطاق واسع فتطوّرت المشركة ببطئ شديد . فى الصين ، لم تخفّض هذه الحركة الإنتاج ، بل بالعكس زادته زيادة ضخمة. فى البداية ، لم يصدّق ذلك العديد من الناس . و الآن عدد الذين يصدّقون ذلك يرتفع شيئا فشيئا .
5- سيرورة تشكيل الخطّ العام و تعزيزه :
خلال هذه السنوات الأخيرة ، عشنا تجرية كبرى .
فى الفترة الأولى التالية لتحرير البلاد برمّتها ، لم نكدّس تجربة فى إدارة الإقتصاد القومي . لذا ، لجأنا فى أثناء المخطّط الخماسي الأوّل إلى تقليد الطرق السوفياتيّة رغم أنّها لم تنل رضانا . فى 1955 ، إثر تحقيقنا بالأساس للتغييرات الثلاث [ فى الفلاحة و الإدارة و المؤسسات الخاصة – المترجم إلى الفرنسيّة ] ، و عقب سلسلة من النقاشات مع أكثر من 30 كادرا فى نهاية تلك السنة و ربيع 1956، كتبنا " العلاقات العشر الكبرى " وأطلقنا شعار" الإنتاج أكثر ، أسرع ، أفضل و بشكل إقتصادي أكثر ". و قرأنا فى تلك الفترة فى خطاب ستالين الإنتخابي الذى ألقاه فى 1949 بأنّ روسيا القيصريّة كانت تنتج أكثر من 4 مليون طن من الفولاذ . إذا قمنا بالحساب منذ 1921 ، لم يرتفع الإنتاج إلاّ ب14 مليون طن خلال عشرين سنة . عندئذ تساءلنا إن كنّا ، و الصين و الإتحاد السوفياتي كلاهما بلدين إشتراكيين ، قادرين على القيام بما هو أفضل و أسرع . و لاحقا ، أثرنا مشكل الطريقتين المختلفتين فى بناء الإشتراكيّة و فى نفس الوقت ، صغنا برنامج تطوير الفلاحة فى أربعين نقطة . و إضافة إلى ذلك، لم نتّخذ أيّة إجراء آخر فى تلك الفترة .
بعد القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1956 ، ظهرت حركة " مناهضة للمغامراتيّة ". و مغتنمين الفرصة ، شنّ اليمينيّون البرجوازيون هجوما هائجا لينكروا مكاسبنا فى بناء الإشتراكية . فى جوان 1957 ، فى تقرير مقدّم أمام المجلس الشعبي القومي ، أطلق الوزير الأوّل شوآن لاي هجوما معاكسا ضد اليمينيين البرجوازيين . و فى سبتمبر من نفس السنة ، أعاد الإجتماع العام الثالث للجنة المركزية للحزب الحياة إلى شعارات مثل " لنطبّق برنامج تطوير الفلاحة فى أربعين نقطة " و " لنساند لجنة التعجيل فى التقدّم " . و فى نوفمبر بموسكو ، راجعنا إفتتاحيّة جريدة " يوميّة الشعب " حول مشكل " الإنتاج أكثر ، أسرع و أفضل و بشكل إقتصادي أكثر " . و خلال شتاء 1957 ، تطوّرت حركة جماهيريّة حينها فى كامل البلاد لإنجاز الأعمال المائية على النطاق الكبير .
وفى 1958 ، دعونا إلى إجتماعات بالتوالى فى نانينغ و تشانغتو . وأثناءها عرضنا المشاكل و نقدنا " مناهضة المغامراتيّة " و قرّرنا أنّه من هناك فصاعدا لم تعد مقبولة و صغنا الخطّ العام للبناء الإشتراكي . لو لم تعقد ندوة نانينغ ، لم يكن ليوجد الخطّ العام . و فى ماي ، قدّم فلان ، [ فى " عاش فكر ماو تسى تونغ " لسنة 1967 ، وُجد إسم ليوتشاوتشى – المرتجم إلى الفرنسيّة ] بإسم اللجنة المركزيّة تقريرا للجلسة الثانية للمؤتمر الثامن للحزب . و قد صادقت رسميّا هذه الجلسة على الخطّ العام ، لكنّ هذا الأخير لم يتعزّز بعدُ . و بعد ذلك ، تبنّينا إجراءات ملموسة ، رئيسيّا حول تقاسم السلطات بين السلطات المركزيّة و السلطات المحلّية . فى ندوة بيتايهو ، إقترحنا تغييرا كبيرا فى إنتاج الفولاذ بتنظيم حركة جماهيريّة لإنتاج الفولاذ على نطاق واسع ، هذا الفولاذ الذى وصفته الصحافة الغربيّة بأنّه فولاذ الحدائق الخلفيّة. و فى نفس الوقت ، أطلقنا حركة الكمونات الشعبيّة. و بالضبط بعدئذ ، حدث قصف كاموي . كلّ هذا قد أفرز غضب البعض و عدم رضا آخرين . و قد إرتكبت أخطاء كذلك فى العمل . كان مثلا الأكل مجانا ما خلق حدّة فى التزويد بالقمح و المواد المشتقّة منه . كانت ريح الشيوعية تهبّ ما جعل من غير الممكن هكذا التزويد بنوعيّة معيّنة من المنتوجات ذات الإستعمال السائد . كانت كمّية الفولاذ التى كان يجب إنتاجها فى 1959 قد تحدّدت ب 30 مليون طن أثناء ندوة نيتايهو . و نزل الرقم إلى 20 مليون طن فى ندوة وهوتشانغ ثم إلى 16.5 طم فى ندوة شنغاي . و فى جوان 1959 ، وقع تنزيله مرّة أخرى إلى 13 مليون طم . كلّ هذا إستغلّه أولئك الذين لم يكونوا متّفقين معنا. لكن هؤلاء الناس لم يعبّروا عن آرائهم زمن كان الخطّ " اليساري " يتعرّض للنقد من قبل اللجنة المركزيّة . و أيضا لم يعبّروا عن آرائهم خلال ندوتي تشانغتشاو و لا أثناء ندوات وهوتشانغ و بيكين و شنغاي . لقد ترقّبوا ليقوموا بذلك أن يقع القضاء على الخطّ " اليساري " و يتمّ تحديد الأهداف . إذا ما عُورض الخطّ " اليساري " يجب كذلك أن يُعارض الخطّ اليميني . حسنا و عندما صارت من الضروري معارضة الخطّ اليميني ، فى ندوة لوشان ، ظهر هؤلاء الناس من جديد ليعارضوا الخطّ " اليسارى " .
و يشير كلّ هذا بوضوح إلى أنّ السلام لا يسود على الأرض و أنّ الخطّ العام لم يتعزّز حقّا . و بعد تغييرين فى ندوة لوشان ، أضحى الخطّ العام الآن أصلب . لكن كما يقال " لا وجود أبدا لإثنان دون ثالث " ؛ نخشى أنّ علينا أن نستعدّ لتغيير ثالث فى القيادة . إن حدث هذا ، يصبح الخط العام أصلب حتّى . حسب المواد المجمّعة من قبل اللجنة الإقليمية لتشكيانغ ، حالات التوزيع بالمساواة و المصادرة دون دفع مقابل ظهرت من جديد فى بعض الكمونات الشعبية . لا يزال من الممكن أن تهبّ من جديد ريح الشيوعية بطريقة مغالى فيها .
خلال تقلّبات " مناهضة المغامراتية " سنة 1956 ، إنفجرت أحداث بولونيا و المجرّ على الساحة العالمية و بات العالم بأسره ضد السوفيات . و خلال حيثيّات 1959 ، صار العالم بأسره ضد الصين .
فى 1957 و فى ندوة لوشان ، أطلقنا لمرّتين حملات تصحيح ضد اليمينيين . و فى أثناء هذه الحملات ، نقدنا بما فيه الكفاية بعمق التأثير الإيديولوجي للبرجوازيّة و بقايا البرجوازية قصد السماح للجماهير بان تتحرّر من قبضتها . و فى نفس الوقت ، حطّمنا المعتقدات العمياء بما فيها معتقد ما يزعم أنّه " ميثاق الفولاذ " ( يمتدح هذا " الميثاق " نوع الطرق المستعملة من قبل مصنع سوفياتي كبير للفولاذ ).
فى الماضى ، لم نكن نعلم كيف ننظّم الثورة الإشتراكية . لقد فكّرنا أنّه لن توجد مشاكل بعد تحقيق التعاونيّات الفلاحيّة و الإدارة المشتركة بين الدولة و ملاّكى المؤسسات . و قد إضطرّنا الهجوم المسعور الذى شنّه اليمينيّون البرجوازيّون ضدّنا إلى الإنخراط فى ثورة إشتراكية على الجبهة السياسيّة و على الجبهة الإيديولوحية . و تواصلت هذه الثورة العنيدة للغاية بشكل ملموس فى ندوة لوشان إذ كان مطلق الضرورة أن نحطّم الخطّ الإنتهازي اليميني خلال هذه الندوة .
6- التناقضات بين البلدان الإمبريالية :
يجب أن نعتبر التناقضات بين البلدان الإمبريالية كأحداث هامة . لقد كان لينين و ستالين يعتبرانها كذلك . و كانا يصفان هذه الصراعات بخزّان الثورة . و الصين هي الأخرى قد إستفادت من هذه الصراعات عندما كانت تنظّم مناطق إرتكازها الثوريّة . فى الماضي ، وجدت فى الصين تناقضات بين مختلف كتل طبقة الملاّكين العقّاريين و الكمبرادور . و وراء هذه التناقضات كانت تختفى التناقضات بين مختلف البلدان الإمبريالية . و طالما إستفدنا من هذه التناقضات الداخليّة للإمبريالية ، لم نضطرّ إلى القتال مباشرة ، فى فترة واحدة ، إلاّ ضد جزء من قوى العدوّ و ليس ضد كافة القوى مجتمعة . و إضافة إلى ذلك ، إستطعنا عادة أن نجد الوقت لنرتاح و لنجمّع قوانا .
لقد كان العدد الكبير للتناقضات الداخلية للإمبريالية أحد الأسباب الأهمّ لتعزيز إنتصار ثورة أكتوبر . فى تلك الحقبة ، وجد تدخّل مسلّح لأربع عشر بلدا . لكن الفرق المرسلة من طرف كلّ البلدان كانت قليلة . و من جهة أخرى ، لم يكن الأربع عشر بلادا متّفقين فيما بينهم و كانت تحاك المؤامرات كلّ بأفضل ما لديه من جهد. و حصل الشيء نفسه فى حرب كوريا . لم تتحرّك الولايات المتّحدة و حلفاؤها بصفة مشتركة . و الحرب لم تتوسّع لأنّ الولايات المتحدة من ناحية ، كانت متردّدة و من الناحية الثانية ، لم تكن أنجلترا و فرنسا تريدان الحرب .
و حاليّا ، البرجوازية العالمية قلقة جدّا . و فى كلّ مرّة تحرّك فيها الريح الأعشاب ، يركبها الخوف . إنّها يقظة للغاية ، لكن لديها فوضى كبيرة .
منذ الحرب العالمية الثانية ، باتت الأزمات الإقتصادية للمجتمع الرأسمالي مختلفة عن الأزمات التى كانت تجدّ زمن ماركس . إنّها تتطوّر . فى الماضي ، كانت تجدّ عموما مرّة كلّ سبع أو ثمانى أو عشر سنوات . و منذ الحرب العالمية الثانية إلى 1959 ، فى غضون أربعة عشرة سنة ، جدّت ثلاث أزمات إقتصادية رأسمالية .
و الوضع العالمي الراهن أكثر توتّرا ممّا عرفناه بعد حرب العالمية الأولى . فى تلك الحقبة ، كانت الرأسماليّة تشهد فترة إستقرار نسبي . لقد فشلت الثورة فى كافة البلدان بإستثناء الإتحاد السوفياتي . و كانت أنجلتر و فرنسا تبديان فخرا ولم تكن البرجوازية فى كلّ البلدان تخشى بعدُ كثيرا الإتحاد السوفياتي . و ظلّ النظام الإستعماري الإمبريالي بلا مساس رغم سحب مستعمرات ألمانيا منها . وبعد الحرب العالمية الثانية ، تداعت ثلاث قوى إمبريالية . ضعفت أنجلترا و فرنسا و كانت تتداعى . و الثورة الإشتراكية قد إنتصرت فى أكثر من عشر بلدان . و كان النظام الإستعماري يتحلّل و لم يجد مذّاك النظام الرأسمالي الإستقرار النسبي الذى عرفه عقب الحرب العالمية الأولى .
7- لماذا يمكن للثورة الصناعيّة الصينيّة أن تكون أسرع ؟
فى أوساط البرجوازية ، يقرّ البعض الآن بأنّ " الصين أحد البلدان التى تعرف الثورة الصناعية الأكثر سرعة ". ( يوجد هذا التأكيد فى تقرير عن السياسة الخارجية للولايات المتّحدة نشرته الشركة الأمريكية كآنغلون ).
لقد شهدت عدّة بلدان فى العالم ثورتها الصناعية . و بالنسبة للثورة الصناعيّة فى تلك البلدان ، يبدو أنّ بإمكان الثورة الصناعيّة التى تقوم بها الصين أن تكون الأسرع .
لماذا يمكن لثورتنا الصناعية أن يكون تطوّرها الأسرع . من الأسباب الرئيسية لذلك أنّ ثورتنا الإشتراكية تقام بعمق أكبر .
إنّنا نقوم بعمق بالثورة ضد البرجوازية . إنّنا نبذل جهدنا لإلغاء كلّ تأثيراتها . إنّنا نحطّم كلّ الأساطير . و نعمل على تحرير الجماهير الشعبيّة تحريرا نهائيّا فى كلّ الميادين .
8- المشكل الديمغرافي :
إذا أردنا أن نقضي على ظاهرة الإكتظاظ السكّاني ، يطرح سكّان الريف مشكلا كبيرا . إذا أردنا معالجة هذا المشكل ، علينا أن نطوّر بقوّة الإنتاج . فى الصين ، أكثر من 500 مليون إنسان منخرطين فى الإنتاج الفلاحي . و سنة بعد سنة يعملون ، لكن ليس لديهم ما يكفى تغذيتم . إنّها الظاهرة الأكثر لاعقلانية . فى الولايات المتحدة ، لا يمثّل سكّان الريف سوى 13 بالمائة من العدد الجملي للسكّان . كمعدّل يحصل الأمريكي على 2000 تشن من الحبوب سنويّا . و نحن لم نبلغ هذا الرقم . كيف نقلّص سكّان الريف ؟ لا يجب أن يأتوا إلى المدن . علينا أن ننشأ عددا كبيرا من الصناعات فى المناطق الريفيّة بغية أن يتحوّل الفلاّحون إلى عمّال على عين المكان . وهناك مشكل جدّ هام فى ما يتّصل بالإجراءات التى ينبغى إتّخاذها. لا يجب أن يكون مستوى الحياة فى الريف أدنى من مستوى الحياة فى المدن . يجب أن يكون قريبا منه أو حتّى أعلى بقليل . و على كلّ كمونة شعبيّة أن تملك مراكزها الإقتصاديّة الخاصة و مؤسّساتها للتعليم العالى الخاصة لتكوين مثقّفيها الخاصّين . هكذا يمكن لنا أن نحلّ حقّا مشكل إكتظاظ السكّان فى المناطق الريفيّة .
===============================================