السفهاء من أدعياء الشيوعية


فؤاد النمري
2019 / 4 / 20 - 21:43     

السفهاء من أدعياء الشيوعية

لا تكاد تنقضي عشر دقائق على ظهور مقالتي على صفحة الحوار المتمدن إلا ويسارع ثمانية سفهاء من أدعياء الشيوعية بتقييم المقالة بثمانية أصفار . أنا لا أصفهم بالسفهاء إلا لأنهم يقيمون المقالة بالصفر قبل قراءتها رغم أن معظم مقالاتي ليست إلا قراءة للتاريخ حسب وقائعه وأحداثه، والتقييم بالصفر لا يعني إلا إنكار تلك الوقائع والأحداث، ولذلك هم سفهاء رغم أن عدداً منهم يحمل درجة الدكتوراه وهي الدرجة التي لا تحول دون أن يكون هذا الدكتور فقيراً في علم الإقتصاد السياسي لكنها تفترض مع ذلك ألا يكون حامل مثل هذه الدرجة العلمية الرفيعة سفيهاً .

هؤلاء الثمانية أكاد أعرفهم بالإسم وجميعهم عراقيون . منهم ثلاثة تروتسكيون والتروتسكيون لا يجوز وصفهم بأدعياء الشيوعية فمعلمهم ليون تروتسكي عمل جاسوساً لدى مكتب التحقيقات الفدرالي في أميركا ضد الشيوعيين في العام 37 قبل أن يعمل مستشاراً لدى هتلر في العام 40 وتحريضه على الحرب على الإتحاد السوفياتي، ولذلك يكره التروتسكيون الشيوعية كما كرهها أدغار هوفر مدير مكتب التحقيقات الفدرالية وأدولف هتلر .
أما الخمسة الآخرون من سفهاء أدعياء الشيوعية ففيهم علة أخرى، منهم من يعاني من الجمود العقائدي وآخرون يعانون من الإنحلال العقائدي .
السفهاء الذين يعانون من الجمود العقائدي ما زالوا يخطبون خطاب الخمسينيات عندما كانت أميركا حارس الإمبريالية الأوحد في العالم وكان الإتحاد السوفياتي يقود ثورة عالمية ضد الإمبريالية . اليوم لم يعد الإتحاد السوفياتي موجوداً ولم تعد أميركا دولة إمبريالية . سفه أدعياء الشيوعية هؤلاء يتمثل قبل كل شيء آخر بتجاهل حقيقة هي أولى الحقائق الدولية الماثلة وهي أن الولايات المتحدة الأميركية اليوم هي الدولة الأولى في العالم في استيراد البضائع ورؤوس الأموال فقد استوردت من البضائع فقط في العام 2017 ما قيمته 2.4 ترليون دولار وتأتي في الدرجة الثانية الصين بقيمة واردات 1,7 ترليون دولار . وأما رؤوس الأموال ففي الولايات المتحدة 2.4 ترليون دولارا عاملة للصين وحدها ولا أعتقد أن في بقية دول العالم مثل هذه الأموال الأجنبية عاملة فيها . من الحماقة بمكان إعتبار أي دولة تستورد أكثر مما تصدر دولة رأسمالية وقد عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة لنفس العام 2017 بمقدار 800 مليار دولاراً وهو يعجز منذ العام 90 بأكثر من 700 مليار دولاراً سنوياً، ولما كان جوهر النظام الرأسمالي هو تصدير فائض القيمة، فكيف بالولايات المتحدة الأميركية تستورد فائض القيمة من كل أطراف الدنيا وهي مع ذلك دولة رأسمالية إمبريالية !؟ السفهاء الحمقى فقط يقولون ذلك .
أنا أتحدى هؤلاء السفهاء من أدعياء الشيوعية أن يقولوا لمرة واحدة فقط .. " نعم، الولايات المتحدة الأميركية وإن كانت هي الدولة الأولى في العالم في استيراد البضائع ورؤوس الأموال إلا أنها مع ذلك دولة رأسمالية إمبريالية " . عندئذٍ فقط يتعيّن من هو السفيه الأحمق .
ويزيد سفهاء أدعياء الشيوعية في لبنان عن سفهاء العراق بأنهم يناضلون وفق تفوهاتهم ضد المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر لقيام جمهورية حماسية فتحاوية في فلسطين .
الوقائع تقول لهؤلاء السفهاء أن الإدارة الأميركية في عهد بوش الأب هي التي عقدت مؤتمر مدريد على كره من اسرائيل لحل القضية الفلسطينية وتلا ذلك إدارة كلنتون وهو رئيس الدولة الوحيد في العالم الذي زار مركز منظمة التحرير في غزة ثم إدارة بوش الإبن وهو أول رئيس أمريكي يعترف بدولتين مستقلتين على أرض فلسطين وأخيراً إدارة أوباما وقد كشف وزير خارجيته جون كيلي في خطابه الذي أذيع على العالم في يناير 2016 عن السياسة الخشنة التي مارستها إدارة أوباما على اسرائيل .
الوقائع تقول أن الإدارة الأميركية منذ العام 89 وحتى العام 2016 كانت أكثر ميلاً لناحية الفلسطينيين منها لناحية الصهاينة، ليس ذلك حسب المعايير الأميركية فقط بل وحسب معايير ما توصف زوراً بالمقاومة أيضاً وبطلاها حافظ الأسد وحسن نصرالله اللذان شنّا حرب الحدود ضد حزب العمل في العام 96 بسبب اتفاقية أوسلو تحت شعارهم السمج "العمل والليكود وجهان لعملة واحدة" ونجح الثنائي المعادي للشعب الفلسطيني في إسقاط حزب العمل لصالح الليكود . الإرهابي إيغال عامير إغتال شخص رئيس الوزراء اسحق رابين أما المقاومان حافظ الأسد وحسن نصرالله فقد استكملا إرهاب عامير واغتالا ليس حزب العمل واتفاقية أوسلو فقط بل وياسر عرفات ومنظمة التحرير والشعب الفلسطيني، هما لم يحاربا الفلسطينيين في لبنان فقط بل حارباهم في عقر دارهم أيضاً . لن ينسى التاريخ فظاعة هذه الجرائم وسفاهة الذين يغطون عليها وخاصة أدعياء الشيوعية في لبنان .

أما أولئك السفهاء من أدعياء الشيوعية الذين يعانون من الإنحلال العقائدي فقد انحرفوا إلى انتهاج إلإصلاح بدعوى التخفيف مما يعاني شعبهم من شظف العيش وسوء توزيع الثروة . يتساءل هؤلاء السفهاء كيف يكونون ماركسيين دون أن يشعروا بمظلومية الشعب !؟ لكن هل يعتبر هؤلاء السفهاء أن الماركسيين الأصلاء الثوريين لا يستشعرون بمظلومية شعوبهم !!؟
المثل الأعلى لتضامن الماركسيين الأصلاء مع شعوبهم هو اقتصار نهجهم السياسي على الثورة والإطاحة بأنظمة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وليس النهج الإصلاحي الذي يقبل مبدأياً بشروط الإستغلال القائمة بعد إصلاحها . قد يصلح الإصلاحي أقصى ما يستطيع من إصلاح في النظام القائم لكن نظام الإنتاج فيه لا يستطيع تشغيل كامل قوى الإنتاج المتوافرة في الشعب فيبقى 10% منها على الأقل بلا عمل وبلا مدخول يوفر لها الخبز على الأقل وحينها يكون الإصلاحي قد أنهى أعماله بينما الجوع وشذف العيش يفتكان بالسكان ولا يمكنه الإدعاء بعدئذٍ العودة إلى النهج الثوري الذي تنتهجه الماركسية . وهكذا فالماركسي المنحرف إلى الإصلاح بدعوى تضامنه مع الشعب لا يعود ماركسياً بل وحتى دعواه في الإصلاح تنتهي إلى الخيبة . قال ماركس بوجوب تفكيك نظام الإنتاج القائم والإصلاحيون هم أولاً وأخيراً ضد تقويض النظام وضد النهج الماركسي .
ما يؤكد سفاهة هؤلاء الإصلاحيين هو أنهم تحولوا من ماركسيين ثوريين إلى مجرد إصلاحيين عقب تفكك الإتحاد السوفياتي وبدا لهم أن الثورة الإشتراكية انتهت إلى غير رجعة ؛ بل وحتى لو هناك أدنى احتمال لرجوعها فهم لم يعودوا معنيين بها . إنهم إصلاحيون حتى النهاية اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا . إدّعاؤهم الشيوعية ليس إلا نفاقاً مفضوحاً لن ينتهي إلا إلى الخيبة .