لماذا تعنى الانتخابات الإيطاليّة أخبارا سيّئة بالنسبة إلى العالم و ما العمل إزاء ذلك


شادي الشماوي
2019 / 3 / 26 - 23:23     

لماذا تعنى الانتخابات الإيطاليّة أخبارا سيّئة بالنسبة إلى العالم و ما العمل إزاء ذلك
جريدة " الثورة " ، 12 مارس 2018
http://revcom.us/a/534/awtwns-why-the-italian-elections-mean-bad-news-for-the-world-en.html
" أخبار عالم نربحه " ، 9 مارس 2018

ملاحظة ناشر جريدة " الثورة " : قام أحد أعلى القادة الإستراتيجيّين السابقين لدونالد ترامب ، ستيف بانون ، بجولة في أوروبا ، مروّجا الفاشيّة و تفوّق البيض و مقدّما الدعم للمجموعات الفاشيّة . و قد خطب في تجمّع لحزب الجبهة الوطنيّة الفاشيّة بفرنسا قائلا : " دعوهم يصفونكم بالعنصريّين ، دعوهم يصفونكم بمعاداة الأجانب. دعوهم يصفونكم بالمتعصّبين . و إحملوا ذلك معلّقة شرف ". و تمثّل نتائج الانتخابات الحديثة في إيطاليا التي يتطرّق إليها هذا المقال من " أخبار عالم نربحه " قفزة كبرى في صعود الفاشيّة في أوروبا .
-------------------------------------------------------
تعدّ نتائج الانتخابات البرلمانيّة الإيطاليّة إنذارا بالخطر مثلما هي غريبة بمعنى أنّ الحزبين اللّذين حقّقا أفضل النتائج مقتسمين الأصوات بينهما ، هما الرابطة الفاشيّة و حركة النجوم الخمسة " التحرّريّة " [ ليبرتارين] و هما ظاهريّا متعارضان بينما هما متّحدان ضد الهجرة . وهذا منذر بالخطر لأنّه تبيّن كيف يمكن أن يحطّ مزاج عنيف و عنصري و فاشيّ بظلاله على بلد غربي ، مؤثّرا حتّى على عديد سكّانه بصفة مفاجأة .
توجّه ستيف بانون ، المستشار السابق لترامب و قائد إيديولوجي أمريكي تفوّقي / أبيض / ذكوري ، إلى إيطاليا ليتابع الانتخابات و يحتفل بالنتائج . " لقد مضى الشعب الإيطالي بعيدا ، في فترة زمنيّة أوجز من ما قام به البريطانيّون من أجل البريكسيت [ خروج بريطانيا الإتحاد الأوروبي ] و ما قام به الأمريكيّون من أجل ترامب " ، هذا ما صرّح به لجريدة " النيويورك تايمز " مضيفا " إيطاليا هي القائدة ".
إنهيار الأحزاب الحاكمة التقليديّة و صعود الفاشيّين :
سجّلت النتائج إنهيار الحزبين الأساسيّين اللّذين هيمنا على البلاد منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية . فالحزب الديمقراطي الحاكم الذى تمتدّ جذوره إلى أيّام كان العمّال يصوّتون إلى الحزب الشيوعي اللاثوري تماما و قد فقد هذا الأخير أكثر من نصف أصواته السابقة و صارت رتبته الثالثة ، و عن بعد نسبة للمرتبتين الأولى و الثانية . و أضحت الأشياء حتّى أسوأ بالنسبة ل " فرزا إيطاليا " التي كان يقوده الشهير مالك وسائل الإعلام و الوزير الأوّل السابق سلفيو برلوسكونى ، الملقّب بترامب الأصلي . و قد أمل موظّفو الإتّحاد الأوروبي و أملت القوى الأوروبيّة الأخرى أنّه إن لم يكسب الحزب الديمقراطي الذى يحبّذونه ، فإنّ برلوسكوني سيحكم إلى جانب الحزب الديمقراطي في ما يشبه النموذج الألماني " تحالف كبير وسط يسار / وسط يمين ".
و بهدف كسب هذه الانتخابات دخل برلوسكوني في تحالف مع الرابطة . و مع ذلك ، عوض أن يستفيد من هذا التحالف ، إنتصرت الرابطة و كُنس حزبه تماما . و الحزب الثالث في قرابته من هذه المجموعة كان " إخوان إيطاليا " و يعلن " الإخوان " أنّهم ورثة بنديتو موسيليني و نظامه ( 1922-1945 ) و قد كان الأوّل في العالم في نعت نفسه بالفاشيّ . و كان موسيليني أهمّ حليف لهتلر في أوروبا إبّان الحرب العالميّة الثانية .
و من المؤشّرات المعبّرة جدّا ببساطة عن كيف يقود مدى تحوّل السياسة السائدة في البلدان الإمبرياليّة نحو اليمين إلى ما تسمّيه وسائل الإعلام الغربيّة بإصطفاف " وسط – يمين " .
و هذا الإحترام المكتسب مجدّدا – في أعين الطبقات الحاكمة الغربيّة و خبرائها - من طرف القوّات الفاشيّة ، حتّى بينما تعبّر عن مقتها ، عامل أساسي في إنتصار الرابطة . سابقا ، كانت هذه الرابطة تسمّى رابطة الشمال وهي ليست جديدة على المشهد السياسي الإيطالي . و قاعدتها ضمن المرفّهين في مناطق إيطاليا الثريّة ، و دافع وجودها الأصلي كان معارضة إستخدام الأداءات على المال لتطوير جنوب إيطاليا الذى كان لوقت طويل مصدر اليد العاملة لصناعات الشمال المدرّة للربح الكبير . و كان قادتها سيّئى الصيت يسمون إيطاليى الجنوب بالكسل و الوسخ و الروائح الكريهة . و لكن هذه النعوت تسحب الآن على أشخاص آخرين . وتقريبا بين ليلة و ضحاها تخلّت الرابطة عن فكرها الجهويّ و سحبت معارضتها للاتحاد الأوروبي و تبنّت شعارا جديدا ، " الإيطاليّون أوّلا " مصرّحة بأنّ كافة الإيطاليّين يجب أن يتّحدوا لترحيل كافة المهاجرين الجدد، كنقطة بداية . و الآن هي الحزب الأكبر في البرلمان و قائدها ، ماتيو سلفيني ، يطالب رئيس البلاد الصوريّ بتعيينه لتشكيل الحكومة القادمة .
و ما كسب أي حزب الأغلبيّة البرلمانيّة لذا أيّة حكومة مستقبليّة ستشكّل على أساس تحالف . فيمكن أن تلتحق الرابطة بالحزب الديمقراطي الذى ساعد على تعبيد الطريق أمام الرابطة بتجريم الجهود الإنسانيّة لإنقاذ المهاجرين من الغرق و إستخدام البحريّة و أمراء الحرب الليبيّين للحيلولة دون إنطلاق قوارب المهاجرين من شمال أفريقيا بالقوّة العسكريّة . و أدّى ذلك إلى سجن الآلاف من الأفارقة في معسكرات في مستعمرة إيطاليا سابقا . و لعب الحزب الديمقراطي دورا هاما في نشر المشاعر المناوئة للمهاجرين في الأوساط الشعبيّة و إصباغ الشرعيّة على المواقع الفاشيّة .
و قد ينشأ تحالف بين الرابطة و حركة النجوم الخمسة . و في الواقع ، يرى قادة المعلّقين السياسيّين في إيطاليا و خارجها ذلك " حلاّ " معقولا للأزمة السياسيّة الإيطاليّة و يقول الكثير من الناس أشياء عن النجوم الخمسة أكثر ممّا يرغب أنصاره ذاتهم في الإقرار به .
و يشدّد النجوم الخمسة على أنّ حركته ليست حزبا . و موقفه تجاه الأحزاب السياسيّة و الإحترام التقليدي مكثّف في شعاره الرسميّ : " إذهب إلى الجحيم " . و تترجم صورته الخاصة في شعاره الحامل لحرف " ف " بالفرنسيّة أو الأنجليزيّة ، شبيه ب" ف " [ خمسة ، بالحروف الرومانيّة – المترجم ] ، القناع المشكّل منذ شريط 2005 " من أجل ففداتا " و تاليا تبنّته المجموعات المناهضة للأنظمة القائمة مثل حركة إحتلال الشوارع / أوكوباي في الولايات المتّحدة و أنجلترا . و يقف ذلك الحرف معوضا " إذهب " وهو كذلك الرقم الروماني خمسة و يحيل على أهمّ شواغل حركة " النجوم الخمسة " : إعادة تأميم نظام المياه العمومي ، و النقل المستدام ، و التنمية المستدامة و البيئة و الأنترنت للجميع . و تنادى قوانينه التأسيسيّة الجميع إلى " الديمقراطيّة المباشرة " ( كلّ القرارات تتّخذ بإستفتاء على الأنترنت ) ، و إجراءات تحديد صارم لمنع ظهور القادة بإستمرار و نهاية للسياسيّين " المحترفين " بمطالبة الموظّفين المنتخبين بإعادة جزء كبير من أجرهم .
و مع ذلك ، بعد عشرة سنوات فقط من تأسيسها غدت النجوم الخمسة اليوم حزبا سياسيّا قائده الجديد عمره 31 سنة ، لويدجى دى مايو ، المعروف بمظهره النظيف و البدلة و ربطة العنق على عكس الفظاعة المتعمّدة لممثّله الكوميدي المشارك في التأسيس ، بابى غرييو . دى مايو هو الآخر يطالب بأن يُعيّن لتشكيل حكومة ما سيعنى بالتأكيد تحالفا مع حزب أو آخر من الأحزاب التي حدّد نفسه على أنّه مناهض لها .
و ليس هذا ما كان يتصوّره الكثير من أنصار النجوم الخمسة الذين هم عامة أقلّ تديّنا ، و أقلّ فكرا تقليديّا و نوعا ما أصغر سنّا من أولئك في الأحزاب الأخرى . فهو يضمّ طلبة و حرفيّون و تجّار صغار و متوسّطين يشعرون بأنّ النظام السياسي و ما يضاهيه من الفساد الهائل و المستشرى ، يسحقهم . و في البداية ، حاول أن يتّخذ موقفا أقلّ وضوحا من الهجرة ، مركّزا هجماته على " تجارة الهجرة " ، و التجاوزات ( الحقيقيّة جدّا )للمنظّمات المجرمة التي تتغذّى على مراكز اللجوء السياسي الرسميّة و مطلب أن تعتني البلدان الأوروبيّة الأخرى بقسطها من المهاجرين بدلا من حبسهم في إيطاليا . إلاّ أنّه حتّى و إن كان برنامج النجوم الخمسة يعارض الخطاب المناهض للمهاجرين لدى الأحزاب الأخرى ، فإنّ موقفه الخاص بعد يساوى نوعا من التأويل التحرّري ل " إيطاليا أوّلا " في خطّ منسجم مع موقفهم ضد بقاء إيطاليا ضمن الإتحاد الأوروبي ( في البرلمان الأوروبي إلتحق بمجموعة مع قائد " البريكسيت " ، نيجال فاراج ). لكلّ من الرابطة و النجوم الخمسة ، النزعة القوميّة الكامنة التي كانت عاملا محرّكا في معارضتهم للاتحاد الأوروبي باتت حتّى معانقة أكثر لتحوّل موضوع الهجرة إلى موضوع أكثر مركزيّة عبر أوروبا .
تصاعد المشاعر المعادية للمهاجرين :
تعدّ المشاعر المعادية للمهاجرين على النطاق المعروف اليوم جديدة نسبيّا على إيطاليا . فقبل بضعة سنوات ، حينما شرعت في البداية القوارب الصغيرة تتّجه نحو سيسيليا ، كانت السواحل الإيطاليّة الأقرب إلى شمال أفريقيا و الحكومات الإيطاليّة و الأوروبيّة الأخرى تترك عمدا آلاف الناس يغرقون و كان الصيّادون و غيرهم يتحمّلون مسؤوليّة إنقاذ من سيكونون مهاجرين . و كان يتمّ نقل المهاجرين إلى المؤسّسات المحلّية في لمبدوزا وهي جزيرة صغيرة قريبة من تونس ، حيث تجرى العناية بنظافة عديد الناس و ينقدون بمرارة الحكومة لعدم تقديمها المساعدة التي يستحقّها الواردون الجدد. و اليوم ، ليس من الواضح إن كان مثل هؤلاء الناس قد غيّروا آراءهم أم أنّه جرفتهم مشاعر نامية معادية للمهاجرين تقف وراءها الدولة و جميع الأحزاب السياسيّة و قامت بكلّ ما في وسعها لنشرها .
و لا تفسّر موجة المهاجرين في السنوات الأخيرة لماذا أمسى عدد من الإيطاليّين يعتبرون الهجرة مركز كلّ شيء يحبطهم و يذلّهم في مجتمعهم ، " أزمة " يجب معالجتها بواسطة إجراءات أكثر صرامة ( و لاإنسانيّة ) – لماذا أضحت حصان طروارة بالنسبة للفاشيّين .
و بالتأكيد أنّ لهذا صلة بفكرة أنّ الناس المولودين في إيطاليا – و بصفة متصاعدة ، ليس كافة الذين ولدوا هناك لكن فقط الذين ولدوا من " إيطاليين أصليين " – يتمتّعون بلقب ، إعتبارا لكون الولادة في بلد إمبريالي يجلب الثروة من كافة أنحاء العالم ، للعيش عيشا أفضل و إعتبار أنفسهم أفضل من الناس من البلدان المهيمن عليها و التي يدميها النظام الإمبريالي العالمي . و يحاجج بعض الناس أنّ المشاكل الإقتصاديّة ، لا سيما نسب البطالة المرتفعة ، هي المسؤولة عن هستيريا معاداة الهجرة ، لكن المهن التي يعثر عليها المهاجرون بالأساس ترفع من صادرات البلاد التي يكثر بصددها الكلام فهم يشتغلون في حقول العنب و الفلاحة عامة و في مصانع صغرى و متوسّطة للتقنية العالية في الشمال مصنّعين منتوجات خاصة و سلع رفاه أخرى و مقدّمين الرعاية الخاصة و خدمات إجتماعيّة أخرى تساعد على الحفاظ على الهيكلة الأسريّة التقليديّة – وهي مواطن شغل يشعر العديد من الإيطاليين أنّهم ليسوا مجبورين على القبول بها .
و عانقت حركة النجوم الخمسة والكثير ممّن يعدّون أنفسهم " يساريّين " أساسا هذا الشعور بالإستحقاق . و يمضى هذا اليد في اليد مع النظرة الإصلاحيّة القائلة بأنّه بدلا من البحث عن تغيير راديكالي للمجتمع ، يجب السعي إلى جعل المجتمع القائم يسير بشكل أفضل و ذلك بتعويض مسيّريه الفاسدين . و بالرغم من الحديث عن " النظام " ، تدحرجت معارضة هذه الحركة بصفة خطيرة نحو الإقتراب من الخطاب الفاشيّ ، و إكتفت بهدف تغيير الهياكل السياسيّة وليس العلاقات الإقتصاديّة الإستغلاليّة و العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة الكامنة . و إنتهت إلى مشاطرة الفاشيّين الهدف الجوهريّ لإيطاليا إمبرياليّة " أفضل " ( للإيطاليين ) ضمن سلسلة الغذاء الإمبرياليّة العالميّة ، عوضا عن القضاء على النظام الرأسمالي الإحتكاري الذى يشكّل حياة الجميع و يدفع البلدان إلى التناحر ، التناحر بين البلدان التي تتغذّى و البلدان التي يتمّ الغذاء على حسابها ، و التناحر بين البلدان الإمبرياليّة المتنافسة .
و مع إحتداد موضوع الهجرة أكثر فأكثر ، أوضحت حركة النجوم الخمسة موقفها . و في إنسجام مع الحكومة نفسها ، ندّد قائدها بالمنظّمات غير الحكوميّة لقيامها بعمليّات البحث و الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسّط ، معتبرة أنّ ذلك يساوى توفير " سيّارات أجرة " لجلب المهاجرين . و اليوم موقفها من العسير تمييزه عن " إيطاليا أوّلا " للفاشيين صراحة . سواء إنتهت حركة النجوم الخمسة إلى الإلتحاق بالتحالف مع الفاشيّين أو مع تحالف منافس ، أو نوعا من المزج بين الإثنين ، صارت ترسا في عجلة سيرورة سياسيّة معقّدة تدفع صعود الفاشيّة في إيطاليا اليوم .
و قبل بضعة أشهر ، في مدينة ماسيراتا ، وسط إيطاليا ، خرج شاب كان مرشّحا محلّيا للرابطة من سيّارته و تجلبب بعلم إيطاليا و قدّم تحيّة موسيليني الفاشيّة ثمّ طفق يطلق النار على ستّة من المارة ظنّهم أفارقة ( ولحسن الحظّ لم يتوفّى أيّا منهم). و قال إنّه يثأر للقتل الوحشي لإمرأة إيطاليّة على يد مجرمين نيجيريّين ، لكن لا أحد يطلق النارعشوائيّا كردّة فعل على جرائم المافيا الإيطاليّة . و أعرب كلّ تيّار سياسيّ عن موقفه . فصرّحت رئاسة الرابطة بأنّها ضد العنف غير أنّ الأفارقة جلبوا العنف إلى إيطاليا !!! و نادت مجموعات فاشيّة صغيرة الإيطاليين للوحدة حول مطلق النار . و توصّل آلاف الناس إلى المشاركة في مسيرة مناهضة للفاشيّة – و وجد أكثر من ذلك ، عبر البلاد . لكن مع إلتحاق حركة النجوم الخمسة بصفة متصاعدة بكورال شجب " خروج الهجرة عن السيطرة " ، و تسجيل غياب مسانديهم بشكل ملاحظ عن الإحتجاجات المناهضة للفاشيّة في هذا الوقت الحرج . و النداء الفاشيّ بترحيل نصف مليون أو أكثر من الناس حالا – مع كلّ قوّة الدولة الخبيثة التي يتطلّبه ذلك – يتمّ إصباغ الشرعيّة عليه و الآن تقدّم كمطلب " شعبي " .
صعود الفاشيّة فى أوروبا :
و يفكّر عدد كبير جدّا من الأوروبيّين أنّ الفاشيّة إنهارت و ليس بوسعها وضع يدها على بلدانهم ، بالضبط مثلما فكّر معظم الناس بصدد إيطاليا . و في الواقع ، إلى الآن ، فكّر العديد من الناس أنّها ليس بوسعها بلوغ السلطة في البلدان الغربيّة لأوروبا الأفقر ، ليس في غرب أوروبا و بالتأكيد ليس في منطقة اليورو ، منطقة ثالث أكبر إقتصاد.
لكن هناك شيء أعمق نتعلّمه من المثال الإيطالي . في فرنسا ، مثلا ، حركة فرنسا المتمرّدة التي يترأسها جون لوك ملنشون تنتهج السبيل عينه الذى سلكته حركة النجوم الخمسة ، متحوّلة من الضبابيّة عمدا حول موضوع المهاجرين إلى تبنّى ذات المنطق التسووى : أنّ الهجرة الكبرى مشكل حيويّ و لئن لم تتّخذ الإجراءات لإيقافها سينتصر الفاشيّون فلا يتركون خيارا " عمليّا " غير تبنّى موقف معادى للهجرة . و راهنا ، تتحرّك حكومة ماكرون " الوسطيّة " نحو تكريس سياسات في منتهى الوحشيّة ضد المهاجرين - ليس قبل الانتخابات القادمة بل أيضا بعد انتخابات يَدين فيها ماكرون إنتصاره إلى أناس صوّتوا له لإلحاق الهزيمة بمرشّح الجبهة الوطنيّة الفاشيّة . و بدلا من توحيد الناس ضد هذا ، ظلّ ملنشون صامتا صمتا مريبا . و الآن بالذات عمليّا لا وجود لأحد من " اليسار " الفرنسي المنظّم يلتحق بمسيحيّن و إنسانيين و منظّمات غير حكوميّة للقتال في سبيل فكرة أنّ للبشر الحقوق نفسها . يمكن لما يجرى أن يجرّ الجبهة الوطنيّة إلى خلافات داخليّة في الوقت الحاضر ، لكن الطريق يعبّد لها إيديولوجيّا .
و في المملكة المتّحدة [ بريطانيا ] أيضا ، يعتبر حتّى عديد الناس أنفسهم ثوريّين و لم يستطيعوا أن يقطعوا مع تفكير " بلدى أوّلا " ( أو في صيغته " اليساريّة " ، " شعبى أوّلا " ) المتجسّد في البريكسيت و المنغرس في حزب العمل . فإبّان حملة إستفتاء البريكسيت ، أذعن قائد حزب العمل ، جيريمى كربين ، لصرخة " مراقبة حدودنا ". بذلك هل كان حزب العمل يستهدف المسؤوليّة الإجراميّة للإمبرياليّة البريطانيّة في دفع الملايين إلى مغادرة ديارهم بفعل مشاركتها المجرمة في الحروب التي تقودها الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط و أفغانستان ؟ طبعا ، لا . و الحجّة المفتاح لحزب العمل بدلا من ذلك كانت أنّ المهاجرين يقدّمون مساهمة واضحة في الاقتصاد البريطاني – بكلمات أخرى ، إنّهم مفيدون" لنا نحن البريطانيّين " . بضوء وامض من القوميّة تضيّق من نظرتهم ل " بلدى " ، فإنّ عددا كبيرا جدّا من الناس التقدّميّين سمحوا لأنفسهم بالإنزلاق نحو دعم مواقف ما كانوا ليتوقّعوا أبدا أنّهم سيتتبنّونها .
مهما كانت المظاهر المتباينة لصعود الفاشيّة في أوروبا ، فهو يأتي نتيجة التطوّرات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة داخل المجتمعات التي تدفعها بدورها و يُحدّدها ما يحدث في النظام الإمبريالي العالمي ككلّ . هذا ما يقف وراء الضرورات التي تواجهها كلّ طبقة إمبرياليّة حاكمة ، بما فيها تلك بإيطاليا ، في الوقت الذى تتصدّع فيه توافقات الحكم الديمقراطي الليبرالي التقليدي التي أقيمت منذ الحرب العالميّة الثانية ، في ظلّ ضغط التحرّكات التكتونيّة في النظام الإمبريالي العالمي ، مع إحتدام التنافس بين الإمبرياليّين – لذا فإنّ إيطاليا على سبيل المثال تجد الآن أنّه من الممكن و الضروريّ أن ترفع من نسق تدخّلها العدوانيّ في شمال أفريقيا إلى جانب نظام أمراء الحرب فى ليبيا . و تعكس هذه التحوّلات العالميّة كذلك التغيّر في تراتيب إقتصاد إيطاليا و مجتمعها ، ما يفضى إلى إعادة تأكيد عنيفة لجوهر القيم التي إنبنت عليها وحدة المجتمع .
عندما قال الفاشي الأمريكي ، بانون ، " مضى الشعب الإيطالي أبعد " فقد ترك إلى أين بلا جواب . لا يرغب هؤلاء الفاشيّين في السلطة للحصول على الثروة الشخصيّة بل يسعون إلى إعادة هيكلة و إستخدام الدولة لإنجاز تغييرات في منتهى العنف في أقرب وقت ممكن ، في وضع سائد يشهد تصدّعا على نطاق واسع في وجه القوى الموضوعيّة التى تؤرّق عالم اليوم . و باسم " إيطاليا أوّلا "، ينوون سفك دماء أي إنسان يعارض الجرائم التي يعدّون لها .
و يقتضى إيقاف الفاشيّة وحدة تكون واسعة بقدر ما يتطلّبه الوضع الفظيع ، و في الوقت نفسه ، توضّح الأحداث نفسها أنّه ينبغي أن توجد نواة من الناس الذين يفهمون كيف أوجد النظام الإمبريالي هذا الوضع و بالتالى رؤية مقاتلة الفاشيّة كجزء من التعاطى مع المشاكل من جذورها ، عبر الثورة ، و من ثمّة ، بينما يتّحدون على نطاق واسع ، يمكن أن يناضلوا ضد الأوهام و التفكير الخاطئ الذين ساعدوا على صعود الفاشيّة و يمكن أن يخرّبوا النضال ضدّه . و لا بدّ أن يضطلع بعض الناس بهذه المسؤوليّة .
------------------------------------------------------
الحكومة الإيطاليّة الجديدة الفاشيّة تفتح النار ضد المهاجرين
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
" أخبار عالم نربحه " ، 11 جوان 2018
أوّل طلقة مدفعيّة أطلقتها الحكومة الإيطاليّة الجديدة كانت الأمر بغلق موانى البلاد أمام بواخر المنظّمات غير الحكوميّة الحاملة ل 629 شخصا وقع إنقاذهم في عرض البحر الأبيض المتوسّط ، و منهم مائة طفل . و بجلاء بيّن هذا ما يعنيه فعلا شعار " الإيطاليّون أوّلا ".
هذا هو أوّل و ليس بالتأكيد آخر نتاج للإنتخابات البرلمانيّة في مارس الماضي و ما تبعها من أشهر ثلاثة من المفاوضات. ما فكّر فيه الكثيرون ( أو ما أملوه ) لم يكن قط ليحدث و قد حدث : حركة النجوم الخمسة ، إلتحق حزب شاب يسمّى نفسه "متطلّعا إلى المستقبل " كان ينادى بتعويض كافة الأحزاب السياسيّة ب " الديمقراطيّة المباشرة " بسفّاحى الفاشيّة الجديدة ذات الخطّ القديم لحزب الرابطة على أساس برنامج مشترك لتشكيل تحالف حكومي . و ما يجعل هذا التحالف مجلبة للعار ليس أنّ حركة النجوم الخمسة ، المتركّزة إلى درجة كبيرة في صفوف أفقر الناس جنوب إيطاليا ، دخلت في شراكة مع ما كان يسمّى سابقا رابطة الشمال ، حزب مؤسّس على فكرة أنّ سكّان جنوب البلاد أقلّ من أن يكونوا إيطاليّين . و إنبنت وحدة القوّتين على موقف إبادة جماعيّة كامنة معتبرتين أنّ من ليسوا إيطاليّين أقلّ من أن يكونوا بشرا .
و أخفقت أوّل محاولة للتحالف قصد تشكيل حكومة حينما رفع ، في حركة غير مسبوقة ، رئيس البلاد عادة الصوريّ الذى لم يقع إنتخابة بالتصويت المباشر ، الفيتو في وجه حكومة شارك فيها وجه معادى للاتحاد الأوروبي في موقع وزاري مفتاح. و نجحت المحاولة الثانية لمّا كرّر الحزبان إلتزامهما بعضويّة إيطاليا في الإتحاد الأوروبي و منطقة عملة اليورو. و أصبح رئيس الرابطة ماتيو سلفيني و قائد حركة النجوم الخمسة لودجى دى مايو نائبين وزاريين لما يفترض أنّه وزير أوّل محايد. إلاّ أنّه بالرغم من أنّ حركة النجوم الخمسة حازت المرتبة الأولى بفارق كبير نسبة للرابطة في الانتخابات فقد أضحت الرابطة و سياساتها في الصدارة .
و أمسى سلفيني وزيرا للداخليّة ، مسؤولا عن جهاز قمع الدولة ، و مثّل إلى درجة كبيرة الصوت الحكومي الأعلى . و في خطاباته التدشينيّة المعادية للمهاجرين معاداة وحشيّة وسّع الهدف ليشمل الروما (" الغجر " ) و ممارسة الإسلام . و جعلت وزيرة الأسرة الجديدة ، الأصوليّة المسيحيّة المعارضة بشراسة للطلاق و الإجهاض ، في تصريحاتها هدفها المباشر وضع نهاية لزواج المثليّين . و هذا ضروريّ ، قالت ، للحيلولة دون " إضمحلال " " شعبنا ". و واقع أنّ هذا سيبعث الفزع في صفوف أنصار حركة النجوم الخمسة الأكثر علمانيّة لم يكن على ما يبدو مهمّا . و أمسى دى مايو رئيس حركة النجوم الخمسة وزير العمل و التطوّر الاقتصادي . و وافقت الرابطة على تأجيل إقتراحها فرض أداءات على " الشقق " بهدف تقديم إمتيازات لقاعدتها الإجتماعيّة الأكثر رفاها ، بينما قامت حركة النجوم الخمسة بالشيء نفسه تجاه سياستها الممضاة ، كضمان دخل لكافة المواطنين الإيطاليّين و التقاعد المبكّر و الإجراءات التي يقال إنّها ستقلّص من عذاب البطالة . و إنتهت القوّتان إلى التوحّد حول أولويّة هي ترحيل ، في أقرب وقت ممكن ، نصف مليون إنسان ، إفتراضيّا كلّ من يوجد بإيطاليا و قد عبر البحر الأبيض المتوسّط في السنوات الأخيرة .
و كانت النتيجة برنامجا حكوميّا و حكومة قبلت بها القوّات الطبقيّة القويّة الحاكمة من وراء الستار و الأحزاب الإيطاليّة التقليديّة . و كذلك فعلت عديد القوى الشبيهة في الخارج بما فيها صندوق النقد الدولى و قد كان شغله الشاغل خلال المفاوضات تهديد إستقرار النظام المالى العالمي مصّاص الدماء . و لحسن حظّها وقع تجنّب هذا التهديد عندما ساند الحزبان المتنازعان السابقان التصريحات السابقة بخصوص الميزانيّات المتوازنة واليورو .
لكن تهديد إستقرار أوروبا لم يتمّ تفاديه. فبينما لا تزال ذات القوى الطبقيّة هي المسؤولة الأساسيّة أبدا ، فإنّ الحكومة الإيطاليّة الجديدة لا تمثّل تغييرا دراماتيكيّا . في إيطاليا ، كما هو الحال في البلد خلف البلد بأوروبا ، تداعى الثقة في " نظام " الأحزاب التي تداولت على الحكم بعد الحرب العالميّة الثانية ، " وسط - اليمين " و " وسط - اليسار" و الكره الناجم عن ذلك على نطاق واسع تلقّفته " الشعبويّة " حيث " إرادة الشعب " – أو على الأقلّ بعبارات منتقاة بإنتباه للمشاعر الأكثر تخلّفا و رجعيّة في صفوف فئات شعبيّة - و إستغلّته لتبرير الهجمات على الحقوق الديمقراطيّة القائمة . و ترافق هذا مع شوفينيّة قوميّة صارخة مصبوغة بدعاوى " إنسانويّة " و التشديد من العنف العنصري و المعاداة السافرة للنساء .
و هذه " الشعبويّة " ب " شعبي أوّلا " لا يمكن أن تعني إلاّ " بلادي أوّلا " – موحّدة المستغِلّين الحاكمين و المستغَلّين و المضطهَدين معا . و لم يعد الشعب محدّدا على أنّه جميع سكان التراب ، و ميزة الدول القوميّة الغربيّة التي ظهرت مع الثورات ضد الإقطاعيّة ، و إنّما بات يحدّد وفق نظرة روحانيّة ل " شعب " متّحد حول " دمه " ( مستثنين حتّى أطفال المهاجرين ). و قد ترجم هذا في الإيديولوجيا النازيّة على أنّه " الألمان الحقيقيّون " مقابل " غير الألمان " كاليهود و الغجر و الجندر غير المطابقين للسائد ، و المعاقين و ما إلى ذلك ، و يجب القضاء على هؤلاء جميعا قضاءا مبرما . و الآن مرّة أخرى ، نشاهد السياسات المرتكزة على الدعوات إلى الغيظ المحدّد أسطوريّا ل " شعب " ( " فولك " كلمة محبّذة لدى النازيّين ، ليس كبشر بصورة عامة بل كمجموعة أثنيّة خاصة ، يجب " الدفاع " عنها في مقابل أي شخص آخر ) ، المفترض أنّه مُنع من موقعه " الحقّ" في أعلى سلسلة الغذاء الإمبريالي العالمي . و بطبيعة الحال ، مثال قيادة اليوم هو شعار و برنامج تفوّق البيض " جعل أمريكا عظيمة من جديد ". لم تمض جميع الحركات الشعبويّة على هذا الطريق تماما بيد أنّه إلى هذا يؤدّى هذا النهج .
و قد أضافت حركة النجوم الخمسة فكرتها الخاصة المحدّدة لهذا المزيج أي نقل السياسة من الشوارع إلى الأنترنت ، تستقطر إرادة الناس عبر الإستفتاءات المنظّمة بصورة متواترة على الأنترنت . و الزعم الكامن وراء ذلك هو أنّ ما هو عادل و صحيح هو ما تعبّر عنه أغلبيّة الناس في أي مكان أو زمان معيّن . و قد وقع كشف إفلاس هذه الفلسفة من الطريقة التي أدارت بها حركة النجوم الخمسة النقاش حول الهجرة في صفوفها الخاصة غداة تشكيل التحالف الحكومي الجديد. فحوالى 94 بالمائة من الناس الذين إختاروا التصويت على موقعها على الأنترنت ( ليس لها أعضاء رسميّين )عبّروا عن رأي لقّنه إيّاهم المجتمع و وسائل الإعلام و حتّى سلطات الحركة ذاتها . و على هذا النحو قدّموا مباركتهم للمرضى بالقتل الفاشي و مكّنوهم من الضوء الأخضر .
و قال الإيديولوجي الفاشي الأمريكي ، ستيف بانون ، في حوار صحفي مع السى أن أن أجراه في المدّة الأخيرة في أرض رقصته الجديدة بروما ، ، إنّ حكومة إيطاليا الجديدة تثبت إمكانيّة و ضرورة التحالفات بين القوى الشبيهة بترامب و جزء ممّا يطلق عليه إسم " اليسار " في عديد البلدان . ومتحدّثا من الولايات المتّحدة ، دعا إلى وحدة بين " الترامبيّين " و بعض أنصار المرشّح للرئاسة " الشعبويّ" برنى ساندارس على أساس ما أسماه " الاقتصاد القومي " ، وهو مصطلح إستخدم لوصف جوانب من حركة النجوم الخمسة في إيطاليا . و أيضا يمكن أن ينسحب على قوى قوميّة مشابهة " يساريّة " و " إشتراكيّة " في بلدان أخرى كالحركة التي يقودها جون لوك ملنشون في فرنسا و حتّى جريمي كوربيتس و حزب العمل في المملكة المتّحدة [ بريطانيا ] .
و ما الذى يوضع في المقدّمة ، " شعبى" و " بلدى " ، أم مصالح شعوب العالم ، مصالح الإنسانيّة ؟
ما لا ينوى أيّ حزب من الأحزاب الكبرى الإيطاليّة ، الفاشيّة و السائدة ، الإقرار به هو الحقيقة وراء ما كان يدفع ملايين المهاجرين إلى خارج أوطانهم و ديارهم في المصاف الأوّل : أنّ الظروف الباعثة على اليأس في أوطانهم مرتبطة وثيق الإرتباط بالإنقسامات القديمة لأجيال بين البلدان المضطهِدة في الغرب و البلدان المضطهَدة في أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينيّة . أو كما يضع ذلك شعار شعبي في الاحتجاجات المناصرة للمهاجرين ، " إنّهم هنا لأنّنا هناك ".

يبيّن ما يجرى في إيطاليا حقيقة و قوّة هذا الخطّ الفاصل و ضرورة خوض نضال سياسي و إيديولوجي ضد تخلّف وعي الجماهير بهذه المسألة بينما نرفع بحيويّة و بصفة إستعجاليّة من معارضة التحرّكات و الأنظمة الفاشيّة و عملائهم عن وعي أو عن غير وعي .
-------------------------------------------------------------------------