عبد الناصر في التاريخ


فؤاد النمري
2019 / 3 / 24 - 18:56     

عبد الناصر في التاريخ

تواقت هجوم المهندس المستشار محمد البدري على عبدالناصر وتجريمه بسبب الإصلاح الزراعي في مداخلته في الحوار مع الدكتور محمد يوسف بكير، مع دعي الثقافة الإسلامية الدكتور يوسف زيدان يتأبّى أن يتلفظ باسم عبدالناصر بادعاء كاذب أنه كان قد سلّم الفالوجة إلى الإسرائيليين في حرب 48 وهو لم يكن قائد الوحدة العسكرية فيها، مثل هذا التواقت الغريب دفع بي لأن أكتب كلمة بحق هذا القائد التاريخي رغم أنه يحمل برقبته دم الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو ودم القائد الشيوعي المصري شهدي عطية ودماء آلاف الشيوعيين العراقيين وعلى رأسهم الأمين العام للحزب الشيوعي سلام عادل ؛ مثل هذا الحمل الثقيل والذي قد لا يعفيه من حمله اعتذاره من الأمين العام للحزب الشيوعي المصري محمود أمين العالم حين خاطبه العالم في العام 70 قائلاً .. " أنت لم تسمح للشيوعيين أيها السيد الرئيس بالوقوف إلى جانبك في مواجهة الإستعمار !!" فكان حواب ناصر قبل رحيله ببضعة أشهر .. "كنا ضباطاً أغراراً لا نفقه شيئاً في السياسة " .
رغم أنني شيوعي بلشفيك من الصعب علي أن أنسى دماء رفاق لي أغتيلوا خلسة وغدرا إلا أنني لا أستطيع قراءة التاريخ على غير ما هو . فالثورة البورجوازية التي قام بها الشعب المصري في العام 1919 وفشل في تحقيق أي من أهدافها وخاصة التحرر من الاحتلال حزب الوفد وقد ضم في صفوفه العديد من الإقطاعيين المستعدين للمصالحة مع الاستعمار فكان على مجموعة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر استكمال ثورة 1919 متجاوزين حزب الوفد .
الإصلاح الزراعي هو الأقنوم الأهم بين أقانيم الثورة البورجوازية . ما من ثورة بورجوازية قامت في العالم إلا وسارعت إلى القيام بالإصلاح الزراعي وتفتيت الملكيات الكبيرة وتوزيعها على الفلاحين الذين لا يملكون، وفي هذا تحقيق شيء من العدالة الإجتماعية . كان أولى المهام التي قامت بها حكومة لينين صبيحة الثورة الإشتراكية في أكتوبر 1917 هي الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء الذين لا يملكون ؛ وفي نهاية الإصلاح تحدث لينين في مؤتمر عام للفلاحين وقال .. " بالرغم من أن توزيع الأراضي على الفلاحين هو عمل منافٍ للإشتراكية إلا أننا مع ذلك قمنا به لأنه كان من شروط الثورة البورجوازية في فبراير شباط 1917" .

أما صيحة "الديموقراطية" التي لا تنفك الطبقة المالكة المعادية للثورة تصدع الرؤوس بصياحها فهي كما قال لينين يفتتح تأسيس الأممية الشيوعية في مارس آذار 1919.."الصراخ دفاعاً عن الديموقراطية بصورة عامة إنما هو دفاع عن إمتيازات البورجوازية في الإستغلال ..
" shouting in defense of "democracy in general" is actually defense of the bourgeoisie and their privileges as exploiters."
المعنى الوحيد للثورة هو إسقاط الطبقة الاجتماعية المالكة لأدوات الإنتاج لصالح الطبقة الاجتماعية موضع الإستغلال . إنجاز مهام الثورة لا يتم خلال سنوات قليلة . المطالبة بالديموقراطية خلال هذه السنوات يعني مباشرة إبقاء الحال كما كان عليه وتعطيل الثورة .

عبد الناصر لا يحتاج لأية شهادات تشهد له على أنه البطل الثاني بعد ستالين في مقاومة الاستعمار . الدول الإستعمارية شنت عليه حربين كبريين لتنال من شخصه وارتدت خائبة . نتائج الحرب العالمية الثانية جعلت من الإتحاد السوفياتي أقوى دولة في الأرض . تحت مظلة الإتحاد السوفياتي تفجرت قوى التحرر الوطني في العالم وحافظ عبد الناصر على أن يكون الرائد الطليعي في هذا المضمار بما في ذلك تطوير قوى الإنتاج في مصر . تحرير اليمن ودول الخليج وحتى العراق ما كان ليكون لولا النهوض الناصري
إن أنسَ فلن أنسى 9 حزيران 67 عندما فوجئنا أنا ورفيقاي في الزنزانة في سجن الزرقاء العسكري بالضابط مدير المعسكر يأمر الجندي بفتح باب الزنزانة ونهضنا واقفين نستقبل مدير المعسكر المتجهم فخاطبنا غاضبا يقول .. الملك حسين خائن والملك فيصل خائن والملك الحسن خائن والحبيب بورقيبة خائن فهل عبد الناصر خائن أيضا !!؟ وبصق علينا وشتمنا واغرورقت عيناه بالدموع وخرج . كان ذلك لخيانة الاتحاد السوفياتي لمصر في حرب 67
كان حذاء عبد الناصر أعلى شرفاً من ياقة بريجينيف عندما قال له ناصر وجهاً لوجه في فبراير شباط 1970 .. " نحن حاربنا حربكم ولم نكن على قدر المسؤولية وأنتم وقفتم تتفرجون علينا ننهزم !!"
هذا هو عبد الناصر الذي يتشرف به سجل التاريخ .