الإعدام السياسي للولا و رمي الفاشيّة بظلالها على البرازيل


شادي الشماوي
2019 / 2 / 24 - 16:22     


لولا ( لويس إغناسيو دا سلفا ) ، الرئيس السابق للبرازيل الذى قال عنه ذات يوم رئيس الولايات المتّحدة السابق ، أوباما ، إنّه " أكبر السياسيّين شعبيّة على وجه الأرض " ، يقبع الآن في السجن لمدّة 12 سنة لقبوله تجديد شقّة تشرف على المحيط وُضعت على ذمّته من طرف مقاول .
و تحمل المؤسّسة الفيدراليّة أين يقبع الآن لولا سجينا لافتة تُحيى ذكرى اليوم الذى دشّنها هو نفسه كرئيس من 2003 إلى 2011 ، و شأنه شأن أيّ سجين آخر ، لن يتمتّع سوى بزيارة أسرته أيّام الخميس و مستشارين إلى جانب محاميه . كان من المنتظر عموما أن يكسب لولا الانتخابات الرئاسيّة القادمة في أكتوبر كمرشّح لحزب العمّال الذى يحدّد نفسه على أنّه حزب " ديمقراطي إشتراكي " (1) . و الآن يعتبر أنّه من المستبعد أن يُسمح له بالمشاركة فيها .
و هذه ليست المرّة الأولى التي يقع فيها سجن سياسي برازيلي بتهمة الفساد . إلاّ أنّها هذه المرّة لا تشبه سابقاتها المعتادة في البلاد في ما يتعلّق بالمناورة السياسيّة المتقلّبة ذلك أنّ لولا ليس مجرّد السياسي الأكثر شعبيّة بكثير لا سيما في صفوف الطبقات الدنيا ، لكنّه أيضا رمز لآمالها في التغيير و سجنه مرتبط بمحاولات عدوانيّة لمجموعة متباينة من القوى الفاشيّة الصاعدة لسحق هذه الآمال و تدشين عهد نظام أكثر رجعيّة بكثير .
و بوسعنا إستخلاص درسين إثنين من هذه الحادثة : أوّلا ، كان لولا و حزب العمّال الذى يمثّله النموذج الأبرز في المحاججة بشأن ما تستطيع الديمقراطيّة الإشتراكيّة بلوغه حينما تشكّل حكومة في عالم اليوم . و يبيّن مجرى الأحداث المهين لسجن لولا عقب 13 سنة من حكم حزب العمّال الذى خلاله رغم بعض النجاحات المحدودة و المؤقّتة في إعادة توزيع الدخل ، يبيّن بصورة عامة تواصل الأوضاع المهينة غير المحتملة للغالبيّة الساحقة لمضطهَدى البرازيل ، و ليس أقلّها الأحياء القصديريّة الشهيرة ، الفافيلاس ، أين تقتل الشرطة الناس و تتمتّع بحصانة منقطعة النظير . ففي 2016 ، قتل 4224 إنسان ( وفق الكتاب السنوي للأمن العام البرازيلي عدد11 ) ، ما يناهز الأربعة أضعاف عدد الذين قتلتهم الشرطة في الولايات المتّحدة ، حتّى و إن كان عدد سكّان البرازيل أقلّ بثلث من عدد سكّان الولايات المتّحدة . لقد كان جيل من الحكم الرجعيّ للديمقراطيّة الإشتراكيّة أحد الدوافع المفتاح لصعود القوى الفاشيّة التي صارت بشكل متزايد تحدّد إطار الحياة السياسيّة في البلاد .
ثانيا ، كلّ من يحدوه أمل أنّ الديمقراطيّين الإشتراكيين سيقودون القتال لوضع حدّ لصعود الفاشيّة في بلدهم الخاص يحتاج أن يفكّر مليّا في هذا الحدث . لئن كان لولا و حزب العمّال بالرغم من تواصل شعبيّته الملموسة ، قد قَبل بسجنه على هذا النحو ، هل تعتقدون حقّا أنّ الديمقراطيين الإشتراكيين في أي مكان آخر سيقومون بأفضل من ذلك ؟! لا يكمن المشكل في أي مزاج خاص لدى لولا و إنّما في طابع الديمقراطيّة الإشتراكيّة ذاتها . و سيعالج هذا المقال هتين النقطتين بعمق أكبر .
و شدّة الحكم الصادر ضدّ لولا مقارنة بتفاهة الجرم المدّعى تبرز أكثر في بلد حيث الرئيس الحالي و حزبه قد أفلتا من التتبّع العدلى و الحال أنّه توجّه لهما تهما أكثر جدّية مسنودة بأدلّة كبيرة . هذا الإعدام السياسي للولا طالبت به فئة واسعة من الطبقة الحاكمة مثلما ترجمت ذلك وسائل الإعلام التي تملكها حفنة من العائلات القائدة وهي تحت تأثير و هراوة قسم هام من الطبقات الوسطى التقليديّة . و مهما كانت الأجندات السياسيّة المتنوّعة وراء ذلك ، فإنّ هذه الخطوة تفتح الطريق أمام تقدّم فاشيّة سافرة و تستدعى ذكريات مخيفة عن طريقة حكم طغمة عسكريّة للبلاد من 1964 إلى 1985(2).


مخطّط بُلسورانو ، " ترامب الإستوائي " ، لصعود دكتاتوريّة فاشيّة و فرض " قيم تقليديّة " مسيحيّة :
بعد الحفاظ على نشاط محتشم في العقود الموالية منذ حكم الطغمة العسكريّة ، قطع الجنرالات خطوات في تدخّلهم راهنا في الشؤون العامة . و قد حذّر القائد العام لمعسكرات الجيش من تحرّك للجيش لو سُمح للولا بالبقاء حرّا و بكسب الانتخابات . و يرتبط هذا التدخّل المتزايد للجيش بصعود القوى الفاشيّة الأوسع في البلاد . و من أهمّ ممثّليهم السياسيّين جاير بُلسنارو ، وهو ضابط جيش سابق يعتبر نفسه الوريث السياسي لحكم الطغمة العسكريّة ، و قد وقع تعميده في المدّة الأخيرة في جوردن ريفر و وُلد الآن مجدّدا في تحالف مع المسيحيّين البرازيليّين . و قد وضع بنتيكوستال و أصوليّون آخرون يعتقدون في التأويل الحرفيّ للإنجيل يدهم على رُبع سكّان البرازيل الذين يعدّون 210 مليون . تبشيرهم و تأكيدهم على التحويل الشخصي جعلهم أكثر قدرة على التعبئة السياسيّة لملايين الناس في مستوى أدنى أكثر من الكنيسة المسيحيّة الرجعيّة هي الأخرى و التي كانت إلى عقود قليلة مضت تزعم السيطرة على أذهان البرازيليّين .
و بُلسورانو الذى أطلقت عليه جريدة الغوارديان إسم " ترامب الإستوائي " ، بعيد عن أن يكون السياسي البارز الوحيد من هذا النمط ، غير أنّ إبعاد لولا ، يدفعه إلى مقدّمة المتسابقين في الانتخابات القادمة . إنّه يجسّد التداخل في منتهى الخطورة للجنرالات و الوعّاض الدينيّين مع أتباع من الجماهير المنظّمة المستعدّة للحرب ضد ما تعتبره تسامحا إستشرى في البرازيل طوال العقود الماضية . و حتّى إن لم يكسب الانتخابات التي ستقع بعد ستّة أشهر من الآن ، فإنّ تقدّمه المفاجئ و غير المتوقّع ، محرزا الإحترام و الدعم الأوسع بكثير من غيره ، من السياسيّين الرجعيّين التقليديّين هذه الأيّام ، يُشير إلى إضطراب في المشهد السياسي .
و يتفاخر بلسونارو بأنّه بعد عقود من التصحّر السياسي ، قد أعاد تركيز إحترام وجهات نظر الجناح اليميني غير المعلنة لعديد السنوات لإرتباطها بحكم الطغمة العسكريّة المقيت . وهو يعلن صراحة إعجابه بالجنرال المعتبر الأكثر تعطّشا للدم من كافة أعضاء الطغمة العسكريّة التي قتلت مئات الناس ، و دفعت بالآلاف إلى المنفى و أطفأت أضواء الحياة الثقافيّة و الفكريّة التي كانت من عطاء البرازيل للعالم .
وما يدافع عنه بُلسنارو يتجاوز تعويض الديمقراطيّة البرلمانيّة بشكل حكم سياسي قائم على الإرهاب المفتوح ضد الشعب . فهو يرغب من وراء هذه " الثورة " السياسيّة كما يسمّيها في أن ينشأ فرضا راديكاليّا متساويا للقيم التقليديّة التي أضاعت بعض قوّتها منذ أيّام الطغمة العسكريّة . و قد حصل هذا ، في جزء كبير منه ، لأنّ التغييرات في الهيكلة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة للمجتمع البرازيلي التي أتت نتيجة تطوّر البلاد مذّاك كجزء من التطوّرات العالميّة ككلّ . و يمثّل بُلسورانو نهوضا نوعيّا في القيم الإيديولوجيّة التقليديّة التي أبقت على وحدة المجتمع الإستغلالي و الإضطهادي للبرازيل وهي جزء مفتاح لما يفضى على الطبقات الحاكمة في أي مكان الشرعيّة و النفوذ اللذين لا يستطيع أي شكل من الحكم أن يعمّر طويلا دونهما .
و فوق كلّ شيء ، يعنى هذا ما يسمّيه بلسونارو " قيم الأسرة " - تعزيز إضطهاد النساء و أشكال أخرى من الإضطهاد المرافق لذلك ، لا سيما ما يسمّيه الرجعيّون في كلّ مكان " إيديولوجيا الجندر " ( فكرة أنّ الأدوار الذكوريّة و الأنثويّة التقليديّة ليست كامنة في البيولوجيا ). و الكثير من خطابه موجّه للمتحوّلين جنسيّا - و قد قال شيئا صار سيّء الصيت وهو أنّه يفضّل رؤية أيّا من أبنائه ميّتا على أن يراه " يعود إلى البيت مع شخص له شوارب ". و يتّسع نطاق هذا ، مع ذلك ، ليشمل جميع النساء . ففي البرلمان ، عارض فرض عقوبات أكثر جدّية ضد الإغتصاب . و لمّا إتّهمته برلمانيّة بأنّه يشجّع على الإغتصاب ، ردّ عليها بأنّها " بشعة جدّا " حتّى " تستحقّ " أن يغتصبها هو نفسه .
و بالنسبة لأرضيّة بلسونارو، منع الإجهاض جوهريّ . و قد صار هذا الموضوع محور السياسة البرازيليّة قبل بضعة سنوات، عندما عزلت الكنيسة الكاتوليكيّة العاملين الطبّيين لقيامهم بعمليّات إجهاض لفتاة برازيليّة حاملة بتوأم عمرها تسع سنوات ، عقب إغتصابها من قبل زوج الأم ( و أمّها كذلك عوقبت لضلوعها في الإغتصاب . و زوج الأم ، فيما سُجن ، كانت جريمته تعتبر هيّنة ظاهريّا و سٌمح له بالبقاء عضوا في الكنيسة ).
و يسمح القانون السارى المفعول حاليّا في البرازيل بالإجهاض في حالات الإغتصاب و سفاح القربى و الخطر على حياة الأم . و إلى المدّة الأخيرة ، كان عديد الناس ينتظرون أن ترفع بسرعة هذه القيود فيما يعدّ الأصوليّون المسيحيّون مثل بلسونارو ، حتّى هذه الإستثناءات المحدودة تهديدا للنظام الاجتماعي القائم على إرادة الإلاه التي يجب إعادة تركيزها .
و يهاجم بلسونارو أيضا التحرّكات السياسيّة ضمن الناس المهمّشين تماما بشكل رسميّ في الأحياء القصديريّة و في الريف. و كردّ فعل على المطالب الجديدة لوضع حدّ للتمييز إعتمادا على اللون ، قال إنّ الناس في مجتمعات السود نسبة كسلهم عالية إلى درجة أنّهم " لا يقومون بأيّ شيء ، و بالكاد يهتمّون حتّى بعناء الإنجاب ". و شأنها شأن وجهات نظر بلسونارو هذه تجاه النساء ، لهذه الإنفعالات برنامج سياسي .
و مطلع هذه السنة ، أرسل الجيش ليعيد بيده " الأمن " في ساو باولو . و قامت الشرطة العسكريّة والجنود بعمليّات للتحكّم في الحيّ القصديري تلو الآخر في الجانب الجبلي المحيط بالمدينة . و في جانفى وحده ، قتلوا على الأقلّ 154 شخصا ، العديد منهم من السود . و قد إشتكى ضبّاط الجيش من أنّه ليس بوسعهم القيام بعملهم دون ضمانات الإفلات من العدالة المدنيّة في يوم ما ، مثلما حدث عقب نهاية حكم الطغمة العسكريّة . و يقترح بلسونارو أن يقنّن القتل و التعذيب على يد قوّات الأمن و هذا القتل و هذا التعذيب بعدُ منتشرين إلى أبعد الحدود ، للمضيّ من التغطية عليهما إلى جعلهما الخبز اليومي الرسميّ .
ما كان ردّ فعل لولا و حزبه ؟
أمر قاضى لولا بالإستسلام للسلطات فورا ، بالرغم من أنّ سيرورة إستئناف الحكم كانت بعيدة عن أن تكون إنتهت . و بدلا من الإستسلام للسلطات ، لجأ لولا إلى قيادات نقابات في ساو باولو أين إنطلق في مساره السياسي كمنظّم قبل تأسيس حزب العمّال الذى توصّل إلى سدّة السلطة تحت قيادته .
و مع أنّ عشرات آلاف الأنصار تجمّعوا لحماية لولا من السلطات ، وجدوا أنفسهم يلعبون دورا مغايرا هو مناشدة لولا أن لا يسلّم نفسه و في مناسبتين ، حالوا دون إنطلاق سيّارته و منعوه من المغادرة . وفى النهاية ، شقّ طريقه مشيا وسط خطوطهم و إستقلّ سيّارة أخرى ، و توجّه إلى مدينة كورتيبا أين إستعملت الشرطة الغاز المسيل للدموع و الرصاص المطّاطي لتفرقة حتّى أكثر محتجّين كانوا على قارعة الطريق و قبالة السجن . و كان 1500شخصا تقريبا يتجمّعون يوميّا في الشوارع المحيطة بالسجن لمراقبة ما يحدث . و خطّط الكثير منهم للإعتصام هناك إعتصاما مفتوحا .
لماذا قرّر لولا و حزبه هذا المسار عوض تحدّى القوى الفاشيّة و تعرية لاشرعيّتها حتّى في ظلّ حكم القوانين البرازيليّة ، و فضح أهدافها الشنيعة و إطلاق العنان لأنصارهما المستعدّين لتنظيم مقاومة جماهيريّة في الشوارع و إجبار جميع فئات الطبقة الحاكمة على أن تعيد النظر بوعي في إنعكاسات وضع سياسي متفجّر ؟
شرح لولا موقفه بأنّه أراد أن يبيّن أن لا أحد ، حتّى هو نفسه ، فوق حكم القانون ، لكن حكم القانون الذى يعتبره حزب العمّال مقدّسا لم يكن أبدا محايدا . و يعكس هذا و يؤبّد نظاما إقتصاديّا إجتماعيّا متأصّلا في الإستغلال و الإضطهاد . و بالإستسلام ، قاد لولا الجماهير بعيدا عن القيام بما تحتاج إليه بشكل إستعجالي للغاية : النهوض و إلحاق الهزيمة بالتحرّكات الفاشيّة الرامية إلى إفتكاك جهاز الدولة و إستخدامه لإحداث تغيير كارثيّ - تعويض شكل الحكم الحالي بفاشيّة غير مقنّعة ، سافرة و قائمة على الإرهاب .
و يحاجج المدافعون نقديّا و غيرهم عن لولا بأنّه برفض إعطاء القوّات المسلّحة تعلّة لتنظيم إنقلاب ، عمل على إنقاذ الديمقراطيّة الإنتخابيّة في البرازيل . و مع ذلك ، خدم سير المحاكم و البرلمان الإطاحة بمعوّضة لولا من حزب العمّال ، دلما روساف ، رئيسة البرازيل من 2011 إلى 2016 ، و الذى مُنعت من مواصلة ممارسته السلطة و الآن ، بسجن لولا ، يحبط آمال حزب العمّال في العودة من خلال سيرورة إنتخابيّة هي بالعكس توفّر أرضيّة لوجهات نظر بلسونارو و من لفّ لفّه و تسمح لهم بإدّعاء أنّهم يمثّلون إرادة الشعب . السخرية الرهيبة تتمثّل في أنّ المعارضين الرجعيّين لحزب العمّال لم يحجموا عن تحدّى الأحكام القضائيّة حين يرومون ذلك ، بينما كانوا كذلك يستعملون المحاكم والنظام الإنتخابي كجبهات قتال من أجل الأهداف الفاشيّة.
و يستخدم حزب العمّال و المدافعون عنه مصطلح إنقلاب " ناعم " لوصف تتالى الأحداث التي بدأت مع إتّهام الرئيسة روساف و قادت لولا إلى السجن . و إن كان هذا صحيحا ، لماذا لم يقاومه حزب العمّال مقاومة أكثر جدّية ؟ ليس بوسع السلطة القمعيّة للدولة أن تكون السبب الوحيد بما أنّ الطبقة الحاكمة يجب أن تأخذ بعين الإعتبار التبعات السياسيّة التي يمكن للإستعمال غير المحدّد لهذه السلطة أن يفتحها . و فضلا عن ذلك ، لماذا تحوّل موقف قطاع هام من الطبقات الحاكمة البرازيليّة إلى موقف مناهض لحزب العمّال و صار العديدون يساندون بلسنارو ، و قد إستطاع حزب العمال في الماضى أن يكسب قبولا من فئات عريضة من قوى الطبقات الحاكمة . و نقطة الإنطلاق بالنسبة لمشروع حزب العمّال هي العمل ضمن النظام الإنتخابي للديمقراطيّة البرجوازيّة ، في الواقع دكتاتوريّة البرجوازيّة ، و الطبقة الحاكمة الممثّلة لنظام رأسمالي و التي تحدّد سير ما هو ممكن لحياة الناس و حتّى المستغِلّين أنفسهم . و يتطلّب هذا من حزب العمّال أن يحصر نفسه في ما يعيّنه النظام كسياسات مقبولة حتّى حين تتّجه فئات كبيرة من الطبقة الحاكمة نحو دكتاتوريّة مفتوحة قائمة على إرهاب لا تمييز فيه ، ملغية الحقوق المركّزة ، و ناعتة بوضوح فئات من الشعب بأنّه غير مرغوب فيها و مطلقة الجنود و المتزمّتين الدينيّين ضدّهم . هذه هي الفاشيّة ، بكلّ مميّزاتها البرازيليّة إلاّ أنّها ببساطة فاشيّة .
البقاء ضمن حدود الديمقراطيّة البرجوازيّة يؤدّى إلى الإستسلام إلى الفاشيّة :
يكثّف إستسلام لولا للسلطات الدور الذى لعبه هو و حزبه من البداية بإعتبارهما مساهمين مواليين للنظام السياسي القائم في البلاد . و كان شعار أنصارهما " الانتخابات دون لولا خدعة " ينطوى على شيء من الحقيقة نظرا لكون إستبعاد المرشّح الشعبيّ الوحيد حقّا مخاطرة بالكشف لملايين الناس حقيقة غالبا ما يقع إخفاؤها : أنّ الطبقة الحاكمة تحدّد إطار و تدير سيرورة الانتخابات و تقرّر ما المسموح به . لكن ماذا عن الانتخابات التي شارك فيها لولا و حزب العمّال جالبين الجماهير إلى آلة النظام برفع الآمال التي لم تكن أبدا سوى وهم ؟
بتوجيه الغضب الشعبيّ نحو الانتخابات ، نهض حزب العمّال بدور هام في إضفاء الشرعيّة على الدولة البرازيليّة عقب عقود من حكم طغمة عسكريّة مقيتة . وقد نما عدد أنصار الحزب بضمّ قطاعات من الطبقة الوسطى المدينيّة و الجماهير في الأحياء القصديريّة حول ريو دى جنيرو و ساو بولو و مدن أخرى ، العديد منهم ، مثل لولا ، نازحون من الأراضى الخلفيّة للبلاد التي تعيش منتهى الفقر و التي كان عملها بخس الثمن في موقع القلب من " المعجزة " البرازيليّة التي إستُبعدوا من نيل ثمارها بصفة واسعة – إنفجار الثروة المنتجة من قبل شركات عملاقة للصويا ذات تأثيرات بيئيّة كارثيّة وحقول القصب السكّرى و مزارع تربية البقر المقامة عادة على أرض مسلوبة و تصنيع في مصانع يملكها الأجانب وقطاع البناء .
و كما يشرح ذلك أستاذ إقتصاد برازيلي ، عندما شارك لولا في سباق الرئاسة لأوّل مرّة في 1989 ، قطع وعدا - كان عليه الوفاء به - ألا وهو الحفاظ على " الخطوط العريضة الإقتصاديّة الأساسيّة لسابقيه : الهدف الأوّلى تحقيق فائض في الأداءات و تخفيض نسبة التضخّم المالى و تحقيق نسبة تبادل مرنة " . و مع ذلك ، وسّع لولا بشكل له دلالته المصاريف على تحويل في الأداءات نحو الفقراء نسبيّا ، و وسّع البرامج الإجتماعيّة السابقة مضاعفا من تغطيتها . و ببرنامج منحة الأسرة [ بموجبه تقدّم للعائلات نقودا مقابل الإبقاء على الأطفال في المدارس و القيام بزيارات مراقبة صحّية ] الذى إستخدم نموذجا عبر العالم ، معتبرا من قبل البنك العالمي على أنّه " ثورة هادئة " قلّصت الفقر تقليصا هاما " ( ماتياس فرننغ،" وداعا لولا ؟ " nacla.org ) . و هذه الإعتمادات الموجّهة للرفاه الاجتماعي كانت ممكنة بفضل التضخّم السريع للسوق العالميّة للمواد التي تصدّرها و تعوّل عليها البرازيل ، لا سيما النفط و البضائع الفلاحيّة .
لكن التبعيّة الإقتصاديّة للبلاد ، وعدم التبعيّة شرط مسبّق لقدرة الشعب على تحرير نفسه كجزء من تحرير كافة الإنسانيّة من براثن النظام الإمبريالي العالمي و كافة أشكال الإضطهاد ، ليست ممكنة دون التغيير الثوريّ لكلّ مظاهر الحياة في البرازيل . و بدلا من ذلك ، جعلت سياسات حزب العمّال البلاد أكثر تبعيّة للسوق العالمي و الإستثمار الدولى ما جعلها أضعف أمام الأزمة الماليّة العالميّة لسنة 2008 و ما نجم عنها من تقلّبات في أسعار السلع . و في 2013 ، واجهت حكومة حزب العمّال إحتجاجات واسعة النطاق ضد أسعار النقل العمومي المرتفعة جدّا إلى درجة أنّها أبقت الناس سجناء الأحياء القصديريّة و ضواحي أخرى ، فوجدت الحكومة نفسها تطلق قمعا شديدا .
إنّ إستسلام لولا منسجم على طول الخطّ مع ما مثّله هو و حزبه . و مهما كانت نجاحاته الظاهريّة في البداية و تهدئة الجيش و اليمين المتطرّف ، و تأكيدهم على إبقاء الصراع ضمن الحدود التي تسمح بها الطبقة الحاكمة ؛ إلى جانب خيبة الأمل في السياسات الإنتخابيّة التي ساعد عدم وفائهما بوعودهما و سياساتهما الوسطيّة و الفساد على إنتاجها ، قد ساهمت إلى حدّ كبير في صعود الفاشيّين الذين وعدوا بوضع نهاية " للسياسات العاديّة " و تعويضها بحكم يعتمد على العنف السافر .
ستكون لما يحدث في البرازيل تبعات هائلة على القارة و أبعد منها . فقد إستهدف الإنقلاب العسكري لسنة 1964 حكومة خشيت واشنطن أن تقلّص من التبعيّة الإقتصاديّة للبرازيل و تبحث عن المزيد من الإستقلال السياسي عن الولايات المتّحدة. و قد شجّعت واشنطن و موّلت المتآمرين لتنفيذ الإنقلاب و في النهاية تحسّبا لكلّ طارئ أرست بواخرا حربيّة قرب سواحل البرازيل لمساعدة القوّات المنفذّة للإنقلاب إن إحتاجت ذلك . ثمّ إستخدمت واشنطن الطغمة العسكريّة البرازيليّة لمعاضدتها في إرساء نظم عسكريّة تهيمن عليها الولايات المتّحدة ، في الأرجنتين و بوليفيا و الشيلى و الباراغواي و الأوروغواي ، و على خوض حروب فظيعة لإنقاذ هيمنة الولايات المتّحدة على أمريكا الوسطى . لكن هذا ليس مسألة تاريخ يعيد نفسه. الأحداث تدفعها التطوّرات العالميّة في النظام الإمبريالي و التفاعل الديناميكي مع خصوصيّات موقع البرازيل في هذا النظام و مميّزاته القوميّة والتاريخيّة .
الإمبرياليّة ، بدلا من أن تنشر التنوير و التقدّم مثلما إدّعى مدّاحوها مرّة ، تتسبّب اليوم في صعود أنواع متباينة من الفاشيّة بطرق شتّى ، إلى جانب أصناف جديدة من الظلاميّة الدينيّة . و الأزمات في الهياكل القديمة للحكم السياسي ، و في الأساس الإيديولوجي المبنيّة عليه المجتمعات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة ، هي العوامل الكبرى التي تعتمل في عديد البلدان . و مظهر مشترك في صعود الفاشيّة في مخلف البلدان هو التحرّك بإتّجاه معالجة التناقض بين الواقع و المظهر الزائف لحرّية الشعوب في ظلّ الديمقراطيّة البرجوازيّة بمأسسة الحكم الدكتاتوري السافر . و قد أعلن بلسنارو صراحة " أنا من أنصار إرساء دكتاتوريّة ".
و ينسحب هذا على ما يجرى في البرازيل . و أشخاص مثل لولا و حزب العمّال ، ليس في البرازيل فحسب بل أيضا في كلّ أصقاع العالم ، بعناد – و ربّما بما يتسبّب في هلاكهم – يتمسّكون بأفكار مسبّقة لا تقف أمام إمتحان الواقع ( كالإعتقاد في أنّ النظام الرأسمالي يمكن أن يصبح محتملا من قبل أوسع الجماهير الشعبيّة بإستخدام هياكله السياسيّة الخاصة ). في كلّ مكان ، الطبقات و الناس الذين تكمن مصالحهم في السير العالمي للنظام الرأسمالي ، لهذا العامل بالذات ، يبذلون وسعهم لعدم تعريض هذه المصالح للخطر و لإستقرار النظام الرأسمالي بمواجهة هؤلاء الفاشيّين .
و تقتضى مواجهة هذه التيّارات النظريّة و المنهج العلميّين الأشمل لتشخيص الديناميكيّة الحقيقيّة التي تحرّك التطوّرات و تحدّد المسار المناسب للحركة ، ليس لإلحاق الهزيمة بصعود هذه القوى الفشيّة و حسب بل أيضا للمضيّ بالإنسانيّة نحو عالم خالى من الإضطهاد و الإستغلال حيث غول مثل بلسونارو لا يمكن أن يكون أكثر من موضوع دراسة في إطار التاريخ الغابر . و قد تمّ تركيز الإطار لهذا في أعمال بوب أفاكيان . و أنظروا بالأخصّ " الفاشيّون و جمهوريّة وايمار ... و ما الذى سيعوّضها " ، " لنتخلّص من كافة الآلهة ، تحرير العقول و تغيير العالم تغييرا راديكاليّ " ، إنسايت براس 2008 ، و خاصة الصفحات 102-105 ؛ و بصفة أعمّ " الشيوعيّة الجديدة ، العلم و الإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الفعلي " ، إنسايت براس 2016 ، و هذا الكتاب متوفّر في صيغة ملفّ بى دى أف لدى بعض تجّار التجزئة . و ملفّ بى دى أف ما قبل النشر يمكن تنزيله من موقع revcom.us .
---------------
1-" الديمقراطيّة الإشتراكيّة " أو الإشتراكيّة الديمقراطيّة مصطلح يحيل على تيّار سياسيّ يرتئى شكلا من " الإشتراكيّة " عمليّا نوعا من ملكيّة الدولة لبعض المؤسّسات و إجراءات رفاه واسعة – يبلغ السلطة عبر الانتخابات البرجوازيّة .
2- في غرّة افريل 1964 ، إستولى الجيش البرزيلي – بدعم من سفارة الولايات المتحّدة و وزارتها الخارجيّة – السلطة السياسيّة من " الحكومة المنتخبة " لجوار غولارت ، وهي حكومة يساريّة كانت تحاول إنجاز إصلاحات شعبيّة . و تمّ إرساء دكتاتوريّة عسكريّة تمسّكت بالسلطة طوال عشرين سنة . و في الأثناء ، وقع إيقاف 50 ألف شخص و إقترفت مئات الجرائم ضد الذين كانوا يعتبرون شيوعيّين أو متمرّدين ؛ وتمّ التعذيب على نطاق واسع ، بما في ذلك الإغتصاب والخصي) و القمع الشامل لحرّية التعبير للجميع ، مهما كانت الفئة الإجتماعيّة أو الإقتصاديّة . و كلّ هذا دعّمته حكومة الولايات المتّحدة.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
البرازيل عقب الانتخابات : لحظة حيويّة
جريدة " الثورة " ، 5 نوفمبر 2018
https://revcom.us/a/568/awtwns-brazil-after-the-elections-en.html
" أخبار عالم نربحه " ، 2 نوفمبر 2018
مع إنتخاب جاير بُلسنارو الذى قال إنّه يفضّل أن يسمّى هتلر على أن يكون مثليّا جنسيّا ، أتى النظام الإنتخابي البرازيلي بالفاشيّة إلى سدّة الحكم . وسيكون من العسير المبالغة فى التشديد على التأثير الذى سيكون لهذا على البلاد والقارة والعالم .
في خطاب عقب الإنتصار ، حاول بلسنارو أن يظهر بمظهر توفيقيّ ، أو على الأقلّ أكثر حذرا و " رئاسيّا " و ليس مجرّد قاذف لهب هدفه الوحيد الخنق الكامل . و قد وصف نفسه ب " رئيس جميع البرازيليّين " ، و ليس فحسب رئيس الذين صوّتوا له و قطع " وعدا ، كرجل أمام الإلاه " بإحترام " الديمقراطيّة " . و قد إستخدمت هذه الكلمات لقطع الطريق أمام إحساس " ليس رئيسي " العارم بعدُ على وسائط الإتصال الإجتماعيّة و في الشوارع ، و الحيلولة دون تحوّله إلى حركة جماهيريّة لمنعه من تولّى الوظيفة في غرّة جانفى . هذه لحظة حيويّة لأنّ التجربة مع صعود الأنظمة الفاشيّة الأخرى تبيّن أنّه سيغدو حتّى أصعب إيقاف بلسنارو بعدما يجعل الأمر طبيعيّا و يشرع في تعزيز نظام جديد .
و قبل ذلك في اليوم ذاته ، تعهّد بلسنارو ب " تجاوزات الحمر للقانون سنكنسها من بلادنا . ستنجز عمليّة تنظيف لم يسبق لها مثيل أبدا في تاريخ البرازيل ". لقد عرفت البرازيل " عمليّات تنظيف " في الماضى . و بلسنارو ضابط مضلّى سابق و نقيب جيش إحتياطي راهنا أسّس كامل مسيرته السياسيّة على تماهيه مع الطغمة العسكريّة المدعومة من قبل الولايات المتّحدة التي سيّرت البرازيل من 1964 إلى 1985 . لكنّه يسعى إلى القيام بأكثر من مجرّد إعادة هذه السنوات الفظيعة حيث أُجبر جيل على الهجرة أو على الصمت الإضطراري . و قد نقد الجنرالات لقيامهم ب" التعذيب و ليس القتل "، لإعدام المئات بدلا من إعدام عشرات الآلاف . و ضمن الذين وقع قتلوهم ، ذكر بلسونارو بالإسم ثلاثة من رؤساء البلاد مذّاك.
و ب" الحمر " كان بلسنارو يقصد أعضاء حزب العمّال الذي صوّت له حوالى 47 مليون شخص ( حوالى 45 بالمائة من المقترعين )، و الحركات الإجتماعيّة و منها حركة الذين لا يملكون أرضا المكروهة من قبل الملاّكين العقّاريّين الكبار و بارونات تربية الماشية في البلاد ، و يوصف أتباع تلك الحركات ب " الإرهابيّين " و " الماركسيّين الثقافيّين " مماثلينهم ب" إيديولوجيّتهم الفاسدة " بمعنى أنّها تدافع عن حقوق المثليّين الجنسيّين و النساء الساعيات إلى التحرّر من عراقيل " قيم الأسرة " و أي شخص لا ينسجم مع نمط الحياة الأصوليّة المسيحيّة الإنجيليّة ، و كذلك نشطاء و البيئة و الذين ، مهما كان لونهم ، يفتخرون بالإرث الإفريقي للبرازيل و يطالبون بإحترامه . و ما يأمل فيه العديد من أنصاره سيكون في خطوته الأولى - ما ينشدون وهم يغادرون ملاعب كرة القدم ، هو قتل جميع المثليّين الجنسيّين . و لا ينتظر منه بعض الرجال أن يتولّى مسؤوليّة الوظيفة قبل الهجوم العنيف على الناس في الشوارع .
و باسم مقاومة الجريمة ، يعد بلسنارو بمستوى جديد من القمع المسلّح العنيف في وضع حيث تحتلّ الفرق المدرّعة بعدُ الأحياء القصديريّة و تقتل مجموعات الشرطة الأطفال بدم بارد لإبقائهم بعيدين عن مراكز التسوّق اللامعة . و قد نادا بقوانين جديدة لتوفير " دعم قانوني " لأيّ شخص يقتل مستخدما سلاح وظيفته . و وعده بالإنقلاب على تحديدات حقّهم في إمتلاك و حمل بنادق ليس ردّا على حاجة ماسة لمعدّل " المواطنين النزهاء " ، مثلما يدّعى ذلك ، و إنّما طريقة للسماح لخدم الملاّكين العقّاريّين برفع و إستخدام أيّة أسلحة يريدون قصد بثّ الرعب في صفوف الفلاّحين و كذلك تقديم تغطية رسميّة للمليشيات الخاصة التي تنشر الرعب في صفوف متساكنى الأحياء الفقيرة .
و بإختصار ، يستخدم بلسنارو واقع أنّه إنتخب ليدّعي الشرعيّة لإطلاق موجة غير مسبوقة من القمع ضد قطاعات عريضة من الشعب . و قد يتمكّن بصفة جيّدة من التحرّك حتّى بسرعة أكبر من ترامب في إطلاق عنف خبيث ضد عدّة ملايين من الناس لإرساء ظلام مديد إجتماعيّا و إيديولوجيّا .
يسعى بلسنارو إلى إحداث تغيير دراماتيكي في نظام الدولة الذى عبره حكم الرأسماليّون و الملاّكون العقّاريّون الكبار في البرازيل للبلاد طوال العقود الثلاثة الماضية ، الديمقراطيّة البرجوازيّة . وهو شكل من الحكم يبدو فيه كما لو انّ الدولة محايدة و أنّ للشعب كلمته من خلال السيرورات الإنتخابيّة و المؤسّسات البرلمانيّة وهو محميّ بما يفترضون أنّه قضاء مستقلّ و أجهزة حكم أخرى و دستور فيه حقوق مضمونة .
وقد يعنى هذا و قد لا يعنى أنّه سيتخلّى عن كافة زعم الديمقراطيّة البرجوازيّة . طوال سنوات حكم الجنرالات للبرازيل ( و لبلسنارو صور لهم معلّقة على جدران مكتبه ) ، واصل الكنغرس العمل ضمن الحدود ، بحزب معارض أليف قانوني و وجدت بعض الانتخابات . و ما يقوم به بلسنارو مرتهن في جزء منه بالمتطلّبات التي تفرزها مجريات الأحداث غير المتوقّعة . و قد أبرز حتّى فكرة إلغاء الدستور القائم و صياغة دستور جديد على يد أناس يعيّنهم هو نفسه .
الأكيد هو أنّ بلسنارو سيتابع بتصميم تطبيق برنامج فاشيّ في البلاد و قمع المعارضة قمعا عنيفا . أمّا بالنسبة إلى المحكمة العليا التي يعوّل عليها بعض أعضاء حزب العمّال و أناس آخرين لتعزيز الدستور الجاري ، للعمل على إنقاذهم ، فقد تباهى أحد أبناء بلسنارو مصرّحا بأنّ غلقها لن يستغرق أكثر من " عريف و جندي " عند عتبة مكتبها .
و الأكيد أيضا هو أنّ الجيش سينهض بدور مركزي في النظام الجديد . و إضافة إلى نفسه و الجنرال المحال حديثا على المعاش و الذى يشغل خطّة نائب الرئيس ، عيّن بلسنارو جنرالات في مواقع حكوميّة بما فيها ليس فحسب وزارة الداخليّة و إنّما أيضا وزارة التربية . و مهمّة وزير التربية على الأرجح هي " تنظيف " المعاهد و الجامعات بطرد الأساتذة و منع الكتب الدراسيّة التي لا تحظى بموافقة بلسنارو . و سيقع التشديد بصفة خاصة على سحق المعارضة إلى حدّ خلق حالة ذعر من المثليّة الجنسيّة و مساءلة الأدوار الجندريّة البطرياركيّة / الذكوريّة التي يعتبرها " تدريسا للأطفال كيف يكونوا مثليّين جنسيّين " . و حتّى قبل الانتخابات ، داهمت الشرطة عشرات الجامعات بتعلّة أنّ رايات " لا للفاشيّة " تمثّل سياسة حزبيّة غير قانونيّة في المؤسّسات العموميّة . و يتمّ تشجيع الطلبة على إستدعاء الشرطة كلّما ناقش الأساتذة حتّى ظاهريّا مواضيع سياسيّة محايدة مثل " الأخبار الزائفة ".
و بالفعل ، إضطلع الجيش بدور بارز في نجاح بلسنارو . فالعديد من الملاحظين الذين يملكون معلومات يعتقدون أنّه كان سيمنى بالهزيمة لو تسابق مرّة أخرى مع " لولا " من حزب العمّال ( رئيس البرازيل من 2003 إلى 2011 ، الذى ظلّ بعدُ شعبيّا جدّا حينما ترك المنصب . ) و قبلا ، هذه السنة ، حينما كانت المحكمة العليا تنظر في ما إذا ستأمر بسجن لولا حتّى عندما كان الحكم عليه لقبوله إستخدام شقّة وقع تجديدها و تقع قبالة المحيط لا زال لدى محكمة الإستئناف ، لكي يستبعد من المشاركة مجدّدا في الانتخابات ، هدّد قادة رفيعي المناصب بتدخّل الجيش إن أخفقت المحاكم في إيقاف لولا .
و الجديد هنا في تاريخ البرازيل ، و ما يعدّ تطوّرا رهيبا بالنسبة إلى العالم ، هو إندماج الجيش و حركة أصوليّة دينيّة فاشيّة بُنيت جماهيريّة إلى حدود .
سقوط حزب العمّال و صعود بلسنارو :
لقد ظهرت الحركة تقريبا بين عشيّة و ضحاها بفعل عوامل عدّة منها رفض واسع النطاق لحزب العمّال لفساده . و هذه الرؤية صنعها إلى حدّ بعيد سياسيّون منافسون من اليمين المتطرّف حوكموا لاحقا هم أنفسهم لإرتكابهم عمليّات فساد و تكديس الثروات . و نجم الإحباط من حزب العمّال كذلك من واقع أنّه وعد بما ظهر في البداية أنّه بلوغ تغيير حقيقيّ للغالبيّة الفقيرة و توسّع قاعدة الطبقة الوسطى زمن رئاسة لولا ، إلاّ أنّه تبيّن أنّه لا يختلف كثيرا عن الأحزاب التقليديّة . و جرت رؤية ذلك ليس كفشل و حسب بل كخيانة .
و من شغل منصب الرئاسة بعد لولا هي دلما روساف ( رئيسة من 2011 إلى 2016 ) عندما وجّه لها منافسوها تهما و منعوها من مواصلة إضطلاعها بمهامها ، وجدت حكومتها نفسها تواجه وضعا إقتصاديّا كارثيّا و أزمة ماليّة تعود في جزء كبير منها إلى نهاية الإنفجار العالمي في أسعار النفط و أسعار البضائع الفلاحيّة التي سمحت للولا بتطبيق بعض مشاريع الرفاه الاجتماعيّة . و إتّخذت روساف إجراءات (مثل الترفيع في سعر النقل العمومي ) كانت موجعة لمعظم الشعب، لا سيما الفقراء ، و لجأت بصورة مفضوحة أكثر إلى القمع . و لم يكن هذا يُعزى لتغيّر في القلب و ميولات داخل حزب العمّال ، و إنّما إلى كون السوق العالميّة التي تهيمن عليها الإمبرياليّة و الرأسمال أنزلت إلى الحضيض كذبة الحزب الجوهريّة بأنّ الدولة البرجوازيّة تقف فوق سير الاقتصاد الرأسمالي و يمكن إستعمالها لخدمة مصالح الجماهير الشعبيّة . و تعنى هذه النظرة أنّ الجيش الذى دونه ليست لأيّة دولة في آخر المطاف أيّة سلطة ، هو كذلك شيء آخر، الحامى الأخير لمصالح الطبقات الحاكمة و النظام الاقتصادي و الاجتماعي الذى يمثّلونه.
و كان النجاح الإنتخابي لحزب العمّال عاملا حاسما في إعادة التركيز الناجحة للديمقراطيّة البرجوازيّة عقب سنوات من الحكم العسكريّ بما ساعد على تواصل حكم الرأسماليّين الماليّين و الملاّكين العقّاريّين في ظلّ كلا الشكلين من الدولة . و بالقيام بذلك ، حمى حزب العمّال كذلك الجيش الذى نظّم الإنتقال إلى الديمقراطيّة البرجوازيّة . و واعيا لخطر مواجهة الجيش ، خيّر حزب العمّال البقاء بعيدا عن مسألة المحاسبة ، حتّى و إن كان عديد مؤسّسيه ، بمن فيهم الرئيسة روساف ، قد تعرّضوا إلى السجن و التعذيب في ظلّ حكم الطغمة العسكريّة . و سمح حكم حزب العمّال طوال 13 سنة للكثير من البرازيليّين و المثقّفين و غيرهم من المستغَلين و المضطهَدين الذين كانت الطغمة العسكريّة تهرسلهم و هم تحت وطأة ذكراها بالإعتقاد بأنّ الدولة ليست دكتاتوريّة طبقة .
و الفساد الذى كان وراء الإطاحة بروساف و شيطنة حزب العمّال لم يكن مجرّد إفراز نفاق خدمة للمصلحة الذاتيّة الذى يغذّيه زيف وعودها . إنّه الطريقة التي تسيّر بها الأحزاب في ظلّ الديمقراطيّة البرجوازيّة : بعقد صفقات في الكنغرس و ربط علاقات مع الرجال الأقوياء و تجميع الأصوات قدر المستطاع وتجميع المال الذى دونه لا يمكن كسب الانتخابات ، كلّ هذا بينما يقيّد نظر أنصارهم إلى الإطار البرجوازي القائم . و التعفّن أتى من لبّ حزب العمّال ، قناعته بأنّ مهما كان ما يقومون به للدخول إلى مكاتب هذا النظام مبرّر لأنّه في الحال العكسيّة سيحكم أناس أسوء.
و مذّاك ، قام حزب العمّال بإتّساق بكلّ ما يراه ضروريّا لإظهار ولائه للنظام السياسي و الاقتصادي السائد في البرازيل . و في كلّ ظرف من الظروف ، تجنّب مواجهة القوى اليمينيّة التي تعمل على تحطيمه ، بدلا من فضح طابعها الفاشي المتصاعد وتعبأة ملايين الجماهير لإيقافها . لقد أخفق في جلب إهتمام عشرات آلاف أنصار حزب العمّال الذين أحاطوا تماما بلولا غداة سجنه راجين منه رفض تسليم نفسه للسلطات و قيادتهم في معركة سياسيّة شاملة في الشوارع . لقد رفع الحزب و تاليا تراجع عن شعار " الانتخابات دون لولا خدعة " لأنّ البناء على ذلك الأساس كان يؤدّى نحو الخروج من حقل الانتخابات. و عوّض حزب العمّال لولا السجين بالوسطيّ من نوع خاص و المؤدّب المعتدل كما يصف نفسه ، السياسي فرنندو حدّاد . فانزل العلم الأحمر الذى كان دائما إشهارا زائفا و إعتمد ذات الراية البرازيليّة الرسميّة لبلسنارو ، و عليها كتبت كلمات " النظام و التقدّم " . إنّها راية تمثّل إستمرار الدولة و قواتها المسلّحة منذ أن تخلّت البرازيل عن النظام الملكي و العبوديّة السافرة ، أواخر القرن التاسع عشر .
و هناك حاجة حيويّة اليوم بالذات لتعبأة حشود كبيرة متنامية من الجماهير التي تعتقد عميقا بأنّ ما يمثّله بُلسنارو خاطئ مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها ، و التي تكون على إستعداد لمواجهة مخاطر كبرى لوضع حدّ لتطبيقه برنامج تراه غير شرعي تماما . لكن عوض حركة من هذا القبيل التي تقطع مع القنوات العاديّة للمعارضة ، تقريبا كامل المشهد السياسي في البرازيل ، مثل حزب العمّال المواصل لمعارضة بلسنارو الآن ، يحاجج بأنّ رفض القبول بإنتخابه على أنّه شرعيّ سيعنى نبذ " الديمقراطيّة " و أنّ هذه " الديمقراطيّة " – السيرورات الإنتخابيّة البرازيليّة والمؤسّسات و الدستور – هي أفضل أمل لمنعه من ما يعد بالقيام به . و يشبه هذا واقعيّة القبول بالشنق على أمل أن يتمزّق الحبل . و الحاكم الذى أرسل لولا إلى السجن و سمح لبُلسنارو بأن يصبح رئيسا عُيّن في المدّة الأخيرة وزيرا للعدل .
ما يمثّله بُلسنارو :
ماذا يعنى أن يتبنّى بلسنارو شعار الفرق شبه العسكريّة " البرازيل فوق كلّ شيء و الله فوق الجميع " ؟ يدافع بعد الناس عن أنّه يمثّل قبل كلّ شيء ظاهرة مدفوعة إقتصاديّا ، " ليبراليّة سلطويّة " ( ليبراليّة هنا بمعنى " أصوليّة السوق الحرّة " في تعارض مع تدخّل الدولة في الاقتصاد ) ، حيث سيتحمّل منتهى القمع لتطبيق سياسات السوق الحرّة كي يصبح الأغنياء أكثر غنى . إلاّ أنّ الذى يطرحه صعود بُلسنارو أكبر من ذلك بكثير .
ما نشاهده هو تغيّرات دراماتيكيّة في نظام حكم البرازيل و موقع البلاد في النظام الإمبريالي العالمى .
السياسة و الاقتصاد مترابطان هنا . وقد ساعدت الولايات المتّحدة في تنظيم و بقوّة في دعم الإنقلاب العسكري في البرازيل سنة 1964 ليس للإعتبارات الإقتصادية المباشرة فحسب و إنّما أيضا لمصالحها الإستراتيجيّة الشاملة زمنها . و الشيء نفسه صحيح اليوم . فبلسنارو يسعى إلى تفكيك العوائق أمام مزيد التدخّل الأمريكي في الاقتصاد البرازيلي ، و تعزيز يد الولايات المتّحدة ضد منافسيها . إنّه معادى للغاية للصين و التصاعد القويّ و السريع لتأثيرها الاقتصادي في البرازيل . وهو يتّجه إلى العمل عن قرب مع الولايات المتّحدة ( و إسرائيل ) على جميع الجبهات . و رغم الإنكار الرسميّ ، يمكن أن يخوض الجيش البرازيلي ( و لحق به الجيش الكولومبي ) حرب بلسنارو ضد " الشيوعيّة " و توسيعها إلى الأجوار مثل فنزويلا ، الأصغر بكثير و دفعها بأكثر صلابة للتموقع تحت سيطرة الولايات المتّحدة . ترامب ، من أوائل الذين هاتفوا بلسنارو و هنّؤوه ، أعلن بعد ذلك ، " ستعمل البرازيل و الولايات المتّحدة جنبا إلى جنب في ما يتّصل بالتجارة والجيش و كلّ شيء آخر ! "
البرازيل خامس بلد في الكثافة السكّانيّة في العالم و إقتصادها ثامن أكبر إقتصاد في العالم . و يحلم بلسنارو بأن يجعل البرازيل حتّى أقوى نفوذا في المنطقة ، تبرز في العالم كشريك أصغر لجهود ترامب العاملة على تفوّق أوضح للولايات المتّحدة ، مسيطرة على منافسيها مثل الأرجنتين و بلدان أصغر حجما ، بأفق تقلّبات جديدة كاملة على القارة .
حينما يصرخ رجال " أقتلوا المثليّين الجنسيّين " لا يتعلّق الأمر أساسا بمحاولة الأغنياء تلهية الطبقات الفقيرة و الوسطى عن مصالحها الطبقيّة المباشرة . إنّه إفراز للنظرة الأصوليّة الدينيّة المتجذّرة عميقا في المجتمع الطبقي و أضحت واحدة من المظاهر المحدّدة لعالم اليوم . إنّنا نشهد تراجعا عالميّا هدفه إعادة تركيز نفوذ الجهل المفروض بالعنف والعلاقات الإجتماعيّة التقليديّة التي تشلّ الروح والنظرات و القيم التي تتحدّاها التغيّرات في الهيكلة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة للبلدان في كلّ مكان . هناك كافة أنواع الخصوصيّات الهامة جدّا ، لكن السيرورة تدفعها جوهريّا تطوّرات في النظام الإمبريالي ككلّ ( أنظروا بحث بوب أفاكيان ، " لماذا صعود الأصوليّة الدينيّة في عالم اليوم " وهو مقتطف من كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ! ..." على موقع أنترنت revcom.us ).
و يرى بُلسنارو هذه التغيّرات و التحدّيات كتهديد غير مقبول و قاتل للوضع الاجتماعي القائم ، و ليس أقلّه لأنّ القيم المسيحيّة كانت أساسيّة في وحدة المجتمع البرازيلي منذ إخضاع الهنود الحمر وإختطاف أفارقة و جعلهم عبيدا وصولا إلى يومنا هذا. صعوده غير المنتظر في سنة واحدة فقط ، بعد عقود من الهامشيّة السياسيّة ، و قدرته على جذب دعم عبر المجتمع ، بما في ذلك الناس الأكثر تهميشا ، لم يكونا ليحصلا دون تنامى الكنائس الإنجيليّة . و بدورهم فتح الإنجيليّون الأبواب أمامه بالدعاية الكنسيّة الكاتوليكيّة لنظرة خرافيّة و بطرياركيّة / ذكوريّة للعالم . و صار بُلسنارو وهو ممارس للكاتوليكيّة المسيحيّة مولود من جديد في قالب إنجيلي . وهو يجسّد شخصيّا الحركتين المتنافستين ، واحدة أكثر تقليديّة و شكليّة و أخرى أحدث و أكثر طلاقة ، ركّز الكاتوليكيّون على منع الإجهاض و الإنجيليّون المهووسون بإجتثاث المثليّة الجنسيّة ، و سجن تأثيرهم أذهان ملايين البرازيليّين ، حتّى مع أنّ أشكالا أصوليّة مسيحيّة تصطدم بالوقائع و التفكير الإجتماعيّين الجديدين ، كإنهيار الأسرة التقليديّة و السيادة المنتشرة لأنماط متنوّعة من العلاقات الجنسيّة .
و ما العمل الآن ؟
لا يمكن لعديد ملايين الناس أن يقبلوا بما يمثّله بلسنارو و يفتّشون عن قيادة من القوى الإصلاحيّة التي إستسلمت للفاشيّة أكثر فأكثر مجدّدا لسنوات الآن – و هذا جزء هام للماذا تمكّنت الفاشيّة من أن تصبح التهديد القاتل تماما . هناك في آن معا حاجة ماسّة و إمكانيّة أن تقطع قوى جديدة مع فكرة أنّ وسيلة إيقاف هذا النظام الفاشيّ هي العمل داخل القنوات العاديّة -بينما هذه القنوات العاديّة بالذات هي التي أدّت إلى الوضع الذى آلت إليه البرازيل اليوم . ثمّة حاجة إلى حركة جماهيريّة واسعة متصاعدة تكون مصمّمة بشراسة على إيقافه قبل فوات الأوان .
و فيما هناك إختلافات في وضع البرازيل في ظلّ بلسنارو و الوضع في الولايات المتّحدة في ظلّ ترامب ، يحتاج الشعب في البرازيل بصورة ملحّة إلى التعلّم من تحليل مهندس الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، بوب أفاكيان ، الوارد في مقطع من شريط فيديو حول صعود نظام ترامب الفاشي في الولايات المتّحدة و الحاجة إلى إبعاده من السلطة ( على موقع revcom.us ) و كيف يمكن القيام بذلك ، إلى جانب المنهج و المقاربة العلميّة المستخدمين في تتبّع مسار صعود التيّار الفاشي في الولايات المتّحدة في مقالين يشار إليهما في نهاية هذا المقال . فى البلد خلف البلد ، كما جدّ في البرازيل ، تكسب القوى الفاشيّة قوّة – و يوفّر بوب أفاكيان حالة دراسة للولايات المتّحدة للتعاطى مع هذا على نحو يوفّر عمليّا الأمل في إلحاق الهزيمة بصعود هذه القوى و فتح المجال أمام إمكانيّات للثورة أيضا ، للتخلّص من النظام الرأسمالي - الإمبريالي الذى تسبّب في فظاعات للمضطهَدين في العالم لأجيال وهو الآن يعدّ لأشياء أنكى حتّى . و تبع أفاكيان ذلك بشريط فيديو ( كذلك على revcom.us )نشر أخيرا في أكتوبر حول " لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكننا حقّا القيام بالثورة "- خطاب يجب أن يوفّر دروسا و يلهم عديد الآخرين حول العالم .
يحذّر بعض الناس من الطبقة الحاكمة البرازيليّة ( حسب وسائل الإعلام التي يملكونها ) و الجيش ، إلى جانب ناطقين رسميّين من مثل " الإيكونومست " الأنجليزيّة وغيرها ، من منتهى الخطر على إستقرار النظام السياسي في البرازيل و بصفة أشمل إن فشلت قبضة بلسنارو الفاشيّة – إذا لم يستطع أن يعزّز النظام ، و من وجهة نظرهم ، أن يحكم بنجاح . وهذا دليل إضافي على عمق التصدّعات في صفوف العدوّ و على أنّ نجاح هذا النظام بعيد عن أن يكون أكيد. وهو كذلك مؤشّر على أنّ خوض و كسب هذه المعركة ، معركة الإطاحة بهذا النظام الفاشيّ يمكن أن تفتح آفاقا جديدة للقتال من أجل الثورة .
ستتراكم عدّة جثث بلا فائدة في حال عدم كسر بعض الناس سلاسل الإصلاحيّة و أنواع أخرى من الفكر غير التوّاق و مفاده إنتظار شيء غير الوعي و النشاط الجريء لقطاع متنامى من الجماهير لإنقاذ الوضع . و فكرة أنّ " الشعب المتّحد لن يهزم أبدا " تجهل واقع أنّ الجماهير منقسمة على نحو كارثيّ و السؤال المطروح اليوم هو كيف يتمّ القتال في سبيل توحيد كافة الذين يمكن توحيدهم على أساس يتناسب و المصالح الأكثر جوهريّة للشعب البرازيلي و الإنسانيّة .
يستدعى النضال الفعّال ضد بلسنارو أو أيّ تيّار فاشيّ توحيد أوسع ما أمكن من الناس على هذا الأساس والعمل بإستمرار على توسيع هذه الإمكانيّات . كما يستدعى تشجيع و قيادة نقاش إستعجالي ، إجتماعي واسع بشأن هذا الصنف من المجتمع و نوع العالم الذى يريد الشعب أن يعيش فيه ، و بأيّة علاقات بين الناس ، و علاقات قائمة على أيّة أخلاق و قيم ، و أيّ نوع من النظام يمكن أن يسمح بأيّ نوع من العالم بالولادة ، و كيف نبلغ ذلك – و بناء حركة لإنجاز المهام .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------