ديفيد هارفي: الرأسمالية والنيوليبرالية!


طلال الربيعي
2019 / 2 / 12 - 03:34     

ديفيد هارفي بعتبر من اشهر الماركسيين في عصرنا ويشغل منصب بروفسور متميز في الجغرافية والانثروبولوجيا في جامعة سيتي في نيويورك. يشتهر هارفي بدعمه للحركة الطلابية والحركات المجتمعية والعمالية.
David Harvey
https://www.gc.cuny.edu/Faculty/Core-Bios/David-Harvey

تحظى دوراته التعليمية حول كارل ماركس بشعبية كبيرة وقد تم تحويلها إلى سلسلة على YouTube
انظر مثلا
مستقبل الرأسمالية المعولمة
The Future of Global Capitalism with David Harvey
https://www.youtube.com/watch?v=9hgszeNb8wU
ماركس في القرن الحادي والعشرين
Marx for the 21st Century with David Harvey
https://www.youtube.com/watch?v=LATFJtwB23I
ماركس وول ستريت
David Harvey: Marx on Wall Street
https://www.youtube.com/watch?v=syZjXaxTGxI

وقد اجرى هارفي الآن مقابلة مع مجلة The Wire اقوم بترجمة بعض اجزاءها ادناه.

في المقابلة يتحدث هارفي عن المشاكل الناشئة عن المشروع الليبرالي الجديد, الذي نجم عن تعاظم السياسة الشعبوية والحركات اليمينية. كما يتحدث عن أهمية نقد ماركس للرأسمالية في السياق الحالي.

س. السوال الذي يوجهه صحفي المجلة
ج. جواب هارفي
-----------------
س. هل يمكنك تتبع أصل الليبرالية الجديدة؟ ما هي الأسباب الهيكلية لظهورها؟

ج. يعتمد التفسير المثالي لليبرالية على رؤية خيالية لعالم الحرية الفردية والحرية للجميع المضمونة من قبل اقتصاد قائم على حقوق الملكية الخاصة, والأسواق الحرة ذاتية التنظيم والتجارة الحرة, والمصممة لتعزيز التقدم التكنولوجي وزيادة إنتاجية العمالة لإرضاء الحاجات والاحتياجات للجميع.

في النظرية الليبرالية, فإن دور الدولة هو في الحد الأدنى (دولة "الحارس الليلي" مع سياسات عدم التدخل). في الليبرالية الجديدة, من المقبول أن تلعب الدولة دوراً نشطاً في تعزيز التغييرات التكنولوجية وتراكم رأس المال الذي لا نهاية له من خلال الترويج للسلع وتسييل كل شيء إلى جانب تشكيل مؤسسات قوية (مثل البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي), وإعادة بناء المفاهيم العقلية للعالم لصالح الحريات النيوليبرالية.

هذه الرؤى اليوتوبية الليبرالية والليبرالية الجديدة تم انتقادها منذ فترة طويلة على أنها غير مناسبة لأنه, وكما يظهر ماركس بوضوح في الممارسة, فإن كلاهما يدعم عالما يصبح فيه الأغنياء أكثر ثراء على حساب الرفاه والعمل المستغَل لعموم السكان.

اقترحت السياسات الكينزية ودولة إعادة التوزيع بعد عام 1945 رؤية خيالية بديلة استندت إلى زيادة تمكين الطبقات العاملة دون تحدي سلطة الملكية الخاصة. في سبعينيات القرن العشرين, نشأت حركة معادية للثورة في أوروبا والأمريكتين نظمتها الشركات الكبيرة والطبقات الرأسمالية للإطاحة بنظام كينيز واستبداله بنموذج ليبرالي جديد (مع جميع أمتعته الأيديولوجية) كوسيلة للطبقة الرأسمالية في أن تستعيد قوتها الاقتصادية المتلاشية وقدرتها السياسية المضمحلة.

هذا ما فعلته [مارجريت] تاتشر ، [رونالد] ريغان، [أوغستو] بينوشيه، الجنرالات الأرجنتينيون وغيرهم خلال الثمانينيات. إنها مستمرة اليوم. وكانت النتيجة زيادة عدم المساواة الاقتصادية والسياسية وتزايد التدهور البيئي في جميع أنحاء العالم.

س. أنت تصف التراكم عن طريق نزع الملكية كواحد من أهم خصائص الليبرالية الجديدة. كيف يعمل هذا وما هي عواقبه البنيوية؟

ج. رأس المال يمكن أن يتراكم بطريقتين. يمكن استغلال العمل في الإنتاج لخلق فائض القيمة ومن ثم الربح الذي يستحوذ عليه رأس المال. رأس المال يمكن أيضا أن يتراكم من خلال السرقة والسطو والربا والغش التجاري والحيل من جميع الأنواع.

في نظرية التراكم البدائي, يشير ماركس إلى أن الكثير من التراكم الأصلي لرأس المال كان يعتمد على مثل هذه الممارسات. وتستمر هذه الممارسات ولكنها استكملت الآن بمجموعة من الاستراتيجيات الجديدة.

في أزمة الرهون في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2007 و,2008 فقد 6-7 ملايين شخص قيم أصول منازلهم بينما ارتفعت مكافآت وول ستريت. المضاربة في قيم الأصول (الأرض والممتلكات على سبيل المثال) توفر وسيلة غير منتجة للتراكم.


اعلانات الإفلاس من جانب الشركات الكبرى (مثل شركات الطيران) تحرم العاملين فيها من حقوقهم التقاعدية والرعاية الصحية. التسعير الاحتكاري في مجال الأدوية, في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية, وفي تأمين الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية, كلها توفر وسائل للربح. زيادة استحصال الثروة من خلال المديونية أمر واضح. وقد أصبحت عمليات الاستخراج الريعية القائمة على التراكم عن طريق نزع الملكية (مثل الحصول على الأراضي أو الموارد المعدنية بطريقة غير مشروعة أو بمعدلات مخفضة) أكثر شيوعًا لأن رأس المال العالمي المتعاظم يجد صعوبة متزايدة في الحصول على استخدامات إنتاجية للفائض الرأسمالي.

س. حتى في عهد ماركس, كان هناك العديد من الانتقادات للرأسمالية. كيف تميز نقد ماركس عن تلك الانواع الاخرى؟

ج. كان الكثير من نقد الرأسمالية قائما على تصورات أخلاقية (الرأسماليون الجشعون والشريرون مقابل العمال الفقراء والذين يٌعاملون بسوء, أو في الآونة الأخيرة, الرأسماليون القساة بيئياً مقابل الإيكولوجيين). نقد ماركس بنيوي. لا تزال الاعتراضات الأخلاقية قائمة, لكن ماركس يعاملها على أنها ثانوية بالنسبة للموضوعة البنيوية التي تدور حول سبب وكيفية استبدال النمط الرأسمالي للإنتاج وقوانين الحركة الكارثية بطريقة أخرى لتلبية احتياجات و تطلعات البشر.

س. هل تعتقد أن الرأسمالية قد وصلت إلى طريق مسدود, خاصة في سياق أزمة 2008؟ هل يمكن ان يتعافى رأس المال؟

ج. رأس المال ليس في طريق مسدود. المشروع الليبرالي الجديد على قيد الحياة وبصحة جيدة. يقترح يائير بولسانارو, الذي انتُخب مؤخراً في البرازيل، تكرار ما فعله بينوشيه في شيلي بعد عام 1973.

المشكلة هي أن الليبرالية الجديدة لم تعد تحظى بموافقة جموع السكان. لقد فقدت شرعيتها. أشرت بالفعل في "التاريخ الوجيز للنيوليبرالية" (2005) إلى أن الليبرالية الجديدة لا تستطيع البقاء دون الدخول في تحالف مع الدولة السلطوية. إنها تتجه الآن نحو تحالف مع الفاشية الجديدة، لأننا كما شهدنا من خلال جميع حركات الاحتجاج حول العالم ويرى الجميع الآن أن الليبرالية الجديدة تهدف الى اغناء الأثرياء على حساب الناس (لم يكن الأمر هذا واضحا في 1980s وأوائل 1990s).

س. اعتقد ماركس أن الرأسمالية سوف تموت بسبب تناقضاتها الداخلية. أنت لا توافق على هذا. لماذا؟

ج. يجعل ماركس في بعض الأحيان الأمر يبدو وكأن مصير رأس المال هو التدمير الذاتي. لكن في معظم الحالات, ينظرماركس إلى الأزمات كمحطات لإعادة بناء رأس المال بدلاً من الانهيار. "إن الازمات ليست أكثر من مجرد لحظة، حلول عنيفة للتناقضات القائمة، والانفجارات العنيفة التي تعيد التوازن الذي اختل"، كما يقول في المجلد الثالث من رأس المال.

عندما يرى ماركس نهاية رأس المال, فان ذلك بسبب الحراك الطبقي. أعتقد أن موقفي يتفق مع ماركس. الرأسمالية لن تنهار من تلقاء نفسها. يجب أن يتم دفعها أو الإطاحة بها أو إلغائها. أنا لا أتفق مع أولئك الذين يعتقدون أن كل ما يتعين علينا القيام به هو الانتظار حتى تتم الرأسمالية تدمير نفسها. هذا ليس، في رأيي، موقف ماركس.

س. حدد الاقتصادي الاجتماعي الألماني وولفجانج ستريك Wolfgang Streeck خمسة مشاكل للرأسمالية في كتابه كيف ستنتهي الرأسمالية How will Capitalism End. بدلا من ذلك، حددت انت 17 تناقضا, وليس مشاكلا, للرأسمالية المعاصرة. ما الفرق بين المشاكل والتناقضات فيما يتعلق بأزمة الرأسمالية؟

ج. المشاكل لها حلول. على عكس التناقضات فهي دائما تبقى كامنة. يمكن فقط إدارتها، وكما يشير ماركس، تنشأ الأزمات عندما تتعاظم إلىتناقضات الى تناقضات مطلقة. لا يمكن حل التناقض بين قوى الإنتاج والعلاقات الاجتماعية. سيكون دائما معنا.

لقد أدرجت سبعة عشر تناقضاً للتأكيد على أن الأزمات يمكن أن تنشأ بطرق مختلفة وأننا نحتاج إلى تطوير نظرية أزمات تفهم مصادرها المتعددة حتى نتمكن من الابتعاد عن نظرية "الطلقة الواحدة" التي غالباً ما تطارد التفكير الماركسي.

س. ماذا تقصد بـ "الإمبريالية الجديدة"؟ ما هي خصائصها الأساسية؟ كيف تختلف نوعيا عن الإمبريالية الكلاسيكية؟

ج. لقد وصفتها بـ "االإمبريالية الجديدة" لأنها كانت نظرية صريحة قدمها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت حرب العراق. كنت أرغب في انتقاد ذلك, وليس العودة إلى نظرية لينين، ولكن للإشارة إلى أن النظام العالمي الليبرالي الجديد كان يستخرج قيمة بجميع أنواع الطرق من جميع أنواع الأماكن (على سبيل المثال من خلال سلاسل السلع). كان هذا, بالطبع, موضوع "تاريخ موجز للنيوليبرالية". الذي أعقب كتابي الإمبريالية الجديدة. ينبغي قراءة الكتابين معا.
---
ملاحظتي
يمكن تنزيل
A Brief History of Neoliberalismby David Harvey, Oxford University Press, 2005, 256. pp.Michael J. Thompson
في
http://rebels-library.org/files/d3Thompson-1.pdf

و"الإمبريالية الجديدة" في
http://eatonak.org/IPE501/downloads/files/New%20Imperialism.pdf