فلاديمير لينين - كيف يُكتب التاريخ؟


عمرو عاشور
2019 / 1 / 17 - 01:41     


ترجمة: عمرو عاشور

تلك قصة قديمة، مقاطعة مجلس دوما الدولة، يكتب رفيق منشفي في العدد الثالث من “الاشتراكيين الديموقراطيين” مقال “موقف أم موقع؟” ،يخبرنا فيه التالي.

"عندما أظهر لنا التاريخ خطة مجلس دوما بوليجين، اقترحنا مدفوعين بمبادئنا العامة، تنظيم انتخابات موازية وغير رسمية لمجلس دوما الشعب، لمعارضة مجلس دوما بوليجين، الذي لم نستطع النفاذ إليه، ولكن بعد انتفاضة ديسمبر تمت مواجهتنا”

توقف عزيزي المؤرخ لحظة واحدة، تخطيك الأحداث بين خطة مجلس دوما بوليجين وانتفاضة ديسمبر لهو أمر صغير،مجرد قفزة زمنية. ولكن ان تفعل المثل بتكتيكاتك ومبادئك شئ أخر. فتلك الفجوة اقل ما يقال انها دبلوماسية. هل اقترحت انتخابات “غير رسمية” فقط؟ هل تعاملت مع مجلس دوما بوليجين كمؤسسة لم تستطع النفاذ إليها؟ ولذلك نويت لمصلحة دوما الشعب ان تقاطع دوما بوليجين؟ أو تتجاهله؟ ولكن ألم تشن الحرب في ذلك الوقت علي بعض المقاطعين؟ وأصريت علي ان الدور الفعال يجب ان يتم عبر حملة انتخابات بوليجين المتوقعة في ذلك الوقت؟ ألم تطالب الحزب بدعم اليسار الليبرالي في الانتخابات؟ كيف نسيت كل ذلك؟

"ولكن بعد انتفاضة ديسمبر تمت مواجهتنا...." توقف لقد اغفلت نقطة اخري صغيرة. حتي الان لم يوجد مجلس دوما الشعب بعد ان قاطعت روسيا دوما بوليجين،فهل اعترفت ان تكتيكاتك في تلك الايام كانت خاطئة؟ لا. إجابتك للمقاطعين كانت تأكيد صحة تكتيكاتك بخصوص دوما بوليجين، فقط الثورة هي من منعت التكتيكات من الظهور بكامل تألقها. فلتكمل قصتك.

“ولكن بعد حدوث انتفاضة ديسمبر، وجهت الينا دعوة مجلس دوما الدولة الجديد واوصينا بالمشاركة في المراحل الاولي من الانتخابات، معتمدين علي احتمالين:إما حقيقة ان مشاركتنا ستثير انتفاضة ثورية تزيل مجلس دوما الدولة..او”

توقف عزيزي المؤرخ، توقف، ماذا اصابك؟ “حقيقة ان مشاركتنا ستثير انتفاضة ثورية” حقا؟ لابد انك تمزح! فدائما ما اتهمت البلاشفة بالمبالغة بقوتهم بسذاجة، في حين تتكلم بجدية حول انتفاضة ثورية، واي انتفاضة؟، تلك التي تزيل مجلس دوما الدولة والتي يمكن ان تثار بواسطة “حقيقة مشاركتنا” ، بالطبع لست تتحدث بجدية.

وهكذا “اما حقيقة ان مشاركتنا ستثير انتفاضة ثورية تزيل مجلس دوما الدولة وتحوله لمؤسسة تمثيلية اكثر ملائمة لنا، او ان الانتفاضة الثورية لن تاتي في الحال، في كلتا الحالتين لن نكون قادرين علي النفاذ الي الدوما فقط، ولكن الوضع ائنداك سيجبرنا علي ذلك، كما كان الوضع بمنطقة ليفورتوفو بموسكو”

معذرة، علي ما اتذكر جيدا، انت لم تنبس بكلمة عن “او”

يجيب صديقنا المؤرخ بالايجاب”نعم لم نفعل” ويورد الاتي:-

“صحيح اننا اوصينا في الكراس المنشور بواسطة مجلس التحرير المشترك بعدم الاشتراك مباشرة في انتخابات الدوما. ولكننا اشتركنا، وقيدنا انفسنا مقدما، فقط لغرض التسوية والتوصل لاتفاق ما مع المقاطعين ولايجاد تكتيكات موحدة. فقررنا السير خلف أراء رفاقنا المقاطعين قصيرة النظر والباطلة وتلك انتهازية من جانبنا، وهذا ما نندم عليه بحق.”

هكذا اذن! تفكر في شئ وتقول أخر ثم تصرح للبروليتاريا بندمك! الا تعرف المثل “اذا ضبطت تكذب مرة، من سيصدقك ثانيا؟” ماذا لو ان ندمك هذا نتيجة تبني أراء الاخرين قصيرة النظر والباطلة؟ أين حد تلك الانتهازية والتسوية المزعومة؟ ما موقفنا تجاه اياً من شعاراتك عندما تعلن بنفسك ان شعارك حول واحد من اهم المسائل التكتيكية لم يطرح بجدية؟ لماذا سيصدق احد بعد كل هذا انك تلقب نفسك بالاشتراكيين الديموقراطيين فقط لتبني أراء البروليتاريا الثورية قصيرة النظر والباطلة؟

حسناً يجب ان اعترف انه خلال اشتداد الخلاف قد اعترفت بخطئك. فكنت مقاطعاً صادقاً خلال المرحلة الثالثة من الانتخابات كما كنا نحن خلال كل المراحل. ولكننا بخلافك مقاطعين جميعاً “نضبط سوياً ونشنق سوياً” والان تريد ان تشنقنا لكوننا مقاطعين. ولكن رفيقي العزيز ستضطر لتشنق نفسك أيضاً فقد ضبطت متلبساً في تلك اللعبة. وندمك الذي اعلنته، حسناً، سيخفف من خطأك ولكن لن يفيك من العقاب. ماذا عن ضرب جيد بالسياط علي سبيل المثال؟ أليس هذا ما تسعي اليه؟

بالنسبة لنا، لم نندم.فلقد صرحنا ولازلنا نصرح: المقاطعة او عدم المقاطعة ليست مسألة مبدأ بل مسألة ملاءمتها ام لا. فمقاطعة مجلس الدوما الاول كان ملائماً واعطي لجماهير الشعب نظرة بروليتارية مادية وشديدة الوضوح عن مجلس الدوما كمؤسسة غير قادرة علي حل المسائل الاساسية للثورة. وحل مجلس الدوما وماتبعه اكد صحة ذلك. وجماهير الشعب يدركون ذلك بوضوح هنا ايضا، فالبروليتاريا التي اثبتت انها القائدة الطبيعية للثورة، تحذرهم مقدماً من عقم الاوهام الدستورية. فالمقاطعة صرفت انتباه وقوي الحكومة وبالتالي ساهمت في انتصار البرجوازية في الانتخابات. كما وحدت المقاطعة جماهير البروليتاريا الواسعة في فعل واحد من الاحتجاج الثوري، فأثرها التحريضي والتنظيمي كان عظيماً.

ادت المقاطعة خدمة عظيمة ولكن عملها قد انتهي. فوجهة النظر البروليتاريا قد وُضحت، وسددت ضربة عظيمة الاثر للأوهام الدستورية، لذلك لا حاجة لتكرارها مرة اخري. ففي الوقت الحالي لن تؤدي المقاطعة الي إلهاء قوي الحكومة. فتلك الاخيرة قد تعلمت درس الانتخابات السابقة. والتحريض والتنظيم يمكن ان يتم سواء شاركنا في الانتخابات ام لا، الا اذا تغير القانون الانتخابي كثيراً للأسوأ ولو تقرر ذلك فمن الممكن عندئذ ان نلجأ للمقاطعة مجدداً. ولكننا قد لا نملك الوقت علي الاطلاق لننزعج بانتخابات الدوما لو بدأت المعارك الثورية الكبري مجدداً.

لذلك تظل المقاطعة مسألة (ملائمة أم لا) والنقطة الوحيدة هي انه في الوقت الحاضر لانري اسس موجبة كافية للمقاطعة.

أياً كان من يشعر بالندم، دعه يندم، واثناء ذلك دعه ينثر الرماد فوق رأسه ويمزق ملابسه لا ملابس الجماهير. فالفرد لا يجب ان يشوه التاريخ ويقوم بالتشهير تحت مسمي الندم-حتي لو ضد نفسه.

-----------------------------------------------------------------------------------------
لينك المقال: https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1906/nov/10b.htm