روزا لوكسمبورغ/في الذكرى المئوية لمصرعها الفاجع


ماجد الشمري
2019 / 1 / 14 - 19:01     

"ان الاخوة الكونية بين اولئك الذين يكدحون من اجل العيش تمثل بالنسبة لي الاكثر سموا والاكثر نبلا على الارض هذا هو وطني وافضل التخلي عن حياتي على خيانة هذا المبدأ".

"الجماهير هي العنصر الحاسم وهي الصخرة التي ستبني النصر النهائي للثورة".

"الذين لايتحركون لا يلاحظون اغلالهم".

"ان على البروليتاريا الخيار بين الاشتراكية او الهمجية".

-روزا لوكسميورغ-


الى الشهيدة البطلة.... نسر الثورة الخالد...روزا الحمراء....
لذكراها الخالدة في الفكر والذاكرة والضمير،تحية اجلال،وغصة الم،ونداء للامل.....


ليس هذا المقال تقويما(تقييما)،او تحليلا او نقدا او عرضا او تفسيرا،لنظرية وممارسات،وافكار وآراء روزا لوكسمبورغ..بل هو مجرد استحضار واستذكار،وتنشيط وهز للذاكرة السياسية النضالية الواهنة والذابلة،وتعريف بسيط لمن لم يعرف او يطلع على هذه الشخصية الثورية العظيمة،في مبدئيتها وانسانيتها،وايضا استعادة لذكرى مؤلمة من تاريخ حافل وماثل ومجيد ولن ينسى عبر الزمن والاجيال القادمة،لنساء ورجال،من معدن نادر ضحوا بحيواتهم من اجل حرية وسعادة الكادحين..انه الرجع المدوي،والبيان المعبر والخالد لصوت وصورة وفعل مناضلة ثورية متميزة،واعتقد انها لن تتكرر!استشهدت دون ان ترتد او تنهار او يعتريها الوجل..لقد مضى100عام على رحيلها،وهنا نستحضر ذكرى مصرعها التراجيدي في15/1/1919 السبارتوكسية الخالدة،التي هزت عالم التكلس الايديولوجي،والخمول الفكري،وبلادة التحريف والشوفينية...ليست الشيوعية اقتصادا،ونظرية علمية،ومنهجا جدليا،وممارسة سياسية وايديولوجية،وتشكيلة اجتماعية لاطبقية،ونمط انتاج مشاعي مستقبلي فقط!بل هي في المقام الاول:تربية واعادة تربية،وخلق رفيع،ووجدان سامي،ونبل انساني شفاف،وتجاوز سايكولوجي للوضع البشري المتناقض والمستلب ،المستغل والاغترابي،انه الجوهر والحس الانساني بأبعاده ومضامينه ومعاييره من حق وخير وجمال،والتخوم القصوى للايثار ونكران الذات ،والتي بدونها تهبط الانسانية الى حضيض الهمجية وقهر الانسان،والارتداد الى المراتب الدنيا من اصناف الكائنات !!انها تشكل وصهر نفسي ذاتي بمعناه الايجابي،وتحويلا وتصعيدا متسامي للطبيعة البشرية التي مسختها الوف السنين من الاستغلال والقمع والاضطهاد وامتهان الكرامة،انه كسر الضرورة،واعادة ترتيب الشرط البشري،والتخلي عن الذات بأتجاه تأكيدها وابرازها نقية من خلال الآخر .والغايات الاكثر نبلا،وقيمة انسانية..انا متأكد ان هناك من سيسخر ويتهكم من طوباوية كهذه ولكني اشفق عليه لا ادينه!!!.ليس هذا غلوا في المثالية(البرجوازية)او اللاهوتية،كما قد يتصور غالبية ماديو الهوى،وعلميو الاعتقاد،ومتحذلقو مابعد الحداثة وانيقوا الليبرالية الجديدة،وبقية الجوقة!!! فهذا بلا مبالغة او ادعاء او تصنع هو لب الشيوعية ونخاعها على المستوى الذاتي.والا ما الذي يدفع بالشيوعي للتضحية والمعاناه والتشرد والاعتقال والكفاح ببذل حياته والتي لايملك غيرها،وتسخير ذاته من اجل الآخر،دون ان ينتظر جزاءا او مقابل -كما يفعل عبيد وتجار الدين-! الشيوعي هو(بروميثيوس) واقعي من لحم ودم لااسطوري!!....وقفت روزا طيلة حياتها كسنديانه باسقة لم تحنيها الرياح والعواصف،شامخة تتصدر لوحة كبار القادة التاريخيون للحركة الثورية العمالية والاشتراكية الاممية،لجيل مابعد ماركس:منظرة رفيعة ومتفردة،وخطيبة مفوهة ومقنعة في دعويتها وطرجها،مساجلة من طراز خاص لاتتهيب من خوض الصراع والجدل الفكري،مناضلة عملية لاتكل ولا يفتر حماسها،وثائرة صلبة لا متصلبة وهي تدافع عن قناعاتها بمنطق متماسك،والمترفعة العنيدة في خصامها مع رفاقها الكبار،والاوسع وعيا في الممارسة تنظيميا وسياسياوفكريا..ساجلت وجادلت وحاورت وانتقدت،قامات واعلام في التنظير والتنظيم والفكر الماركسي مثل:بليخانوف،لينين،تروتسكي،برنشتاين،كاوتسكي،وغيرهم.قاومت وصمدت ببسالة واقتدار،وعرت الاتجاهات التحريفية،والتيارات المرتدة،والانقسامات اليمينية والشوفينية،وكشفت خونة قضية الطبقة العاملة.لم تتنازل او تهادن او تحابي اوتتهيب او تتردد او تخشى،في دفاعها وكفاحها عما تعتقد بأنه الصواب والاقرب لروح ونهج الماركسية،وطيلة حياتها،وحتى استشهادها،كانت امينة لاشتراكيتها الديمقراطية الثورية،واخلصت حتى النهاية لهدفها الاسمى:تحرر البروليتاريا من الاستغلال والاضطهاد والاستلاب،ولم تتغير قناعاتها بأن الحرية الحقيقيةوالعدالة الاجتماعية لن تتحققا الا في ظل المجتع الاشتراكي،دعت للعمل الجماعي الاممي،واستلهمت روح الديقراطية العفوية للجماهير.كانت امرأة باسلة تحررت من قيم البرجوازية المتعفنة،كافحت ونافحت فكريا وايديولوجيا ضد رجال
متميزون،وفي زمن كان المجتمع الذكوري هو الطاغي والمهيمن والمتسلط..."النسر المحلق"هذا ما اطلقه عليها خصمها الفكري(لينين)،وكان نعتا صائبا،واستعارة تنطبق على روحها الحية والحرة والسامية.ليس في كل ماذكرت نوعا من التبجيل المغالي او الصنمية المزيفة،ولامبالغة اوافراط في المدح!فهي ارفع شأنا بكثيرمن اي تعظيم ومدح،وايضا لايقلل من قيمتها اي هجاء او تفريط او قدح!فقدت الحركة العمالية والاشتراكية الاممية بمصرعها الاكثر وحشية،واحدا من اخلص وانبل والاكثر ثورية من جميع قادتها.كانت روزا-روزاليا-العقل الاكثر براعة وابداعا من بين ورثة ماركس وانجلس العمليين كما قال-فرانز مهرنغ-وهي بالذات من قدمت كل شيء في حياتها كما في موتها في سبيل تحرر العمال.كانت امرأة من طراز خاص،بطلة ومناضلة رفيعة،وانسانه في منتهى الطيبة والرقة والحنان،وايضا في منتهى الصلابة وقوة الشخصية والاعتداد بالنفس،والاستقلالية بالرأي في نفس الوقت،واجهت قيودا وضغطا على المستوى الاجتماعي والشخصي،في بيئةالقرن التاسع عشر-القرن الاكثر ذكورية وتمييزا جندريا وضعت عواطفها واحلامها الخاصة كمرأة،في المرتبة الثانية من اهتماماتها،بل قللت من شأنها،من اجل نضالها الثوري السياسي والاجتماعي والطبقي-هدف حياتها المتقدم-...عاشت بين قرنين:قرن مضى وقرن في مخاض!تلك الفترة العارمة والصاخبة،والاشد هولا وبؤسا،وايضا الاكثر حركة وسيرورة،وارهاصا،فترة الهزائم والانتصارات والنهوض والافول،زمن الصراعات الاجتماعية والسياسية الاكثر حدة ودموية،والتي غير البعض منها وجه التاريخ!!!..
بيوغرافيا،وتاريخ روزا لوكسمبورغ،رغم عمرها القصير،غني بالاحداث والوقائع،وصفحات خالدة من الفكر والنشاط السياسي،والاعتقالات_فقد كانت روزا ضيفة دائمية على سجون المانيا وبولندا_،ولن تفي مقالة او مقالات بتغطية الصورة الكاملة عن حياة وسيرة روزا الحافلة،فما ادرجه هنا هو اختزال واختصار سريع،وعرض مقتضب لسيرتها المشرفة والبطولية في زمنا الذي تشح فيه التضحية والنبل الانساني....
ولدت روزا لكسمبورغ في مارس1871_عام الكومونه المجيدة_ في بلدة تابعة لمقاطعة(زاموسك)ببولندة،ومن عائلة يهودية من الطبقة الوسطى،في السادسة عشر من عمرها،انضمت الى حلقة ماركسية من حلقات حزب(البروليتاريا)البولوني المتشرذم،بعد تصفية واعدام قادته،وسحق الحزب،وتفتت الى تنظيمات حلقية صغيرة.في عام1889 وهي في الثامنة عشر،وبسبب نشاطها السياسي التنظيمي والتحريضي المرصود من قبل الشرطة،هربت روزا من بولندة الى سويسرا،لانها كانت مطاردة وعرضة للاعنقال في بلدها,واصلت روزا دراستها في زيورخ،وحصلت على الدكتوراه في الاقتصاد،ارتبطت عاطفيا برفيق نضالها الشيوعي البولوني ليو يوغيش،وكانت علاقة قلقة توزعت بين الحب والخلاف الفكري!.في عام1898 التقت في زيورخ بالعديد من الثوريين الروس المنفيين،وتعرفت على البعض منهم:جورجي بليخانوف،بافل اكسلرود،الكسندرا كولنتاي،واشتبكت معهم في جدالات محتدمة حول قضية تقرير المصير بشأن بولندا،والتي كان جزءا منها تحت الاحتلال الروسي_وهل يجب ان تحصل بولندا على هذا الحق ام لا؟!وكان موقف روزا ضد حق تقرير المصير بالنسبة الى بولندا،"وطوباوية فكرة الاستقلال"!بسبب ضعف الدولة التي نشأت توا،لتحسسها من النزعة القومية وذيولها الشوفينية،وعدم ملائمة الاستقلال للشعب الكادح،حيث لن يستفيد منه غير البرجوازية النهمة،والتي ستبادر للاستيلاء على السلطة والدولة،وتعزز قبضتها واستعبادها للعمال_كان هذا رأيها-.وقد عارض الغالبية من الثوريين موقف روزا،ونتيجة لذلك شكلت الحزب الاشتراكي الديقراطي البولوني لمملكة بولندا وليتوانيا،والذي كان في صراع دائم مع الحزب البولندي،حول المسألة القومية،وكانت المنظرة الفكرية للحزب دون منازع.في نفس العام غادرت روزا سويسرا الى المانيا،حيث اثارت اهتمامها الحركة العمالية الالمانية المتصاعدة،بعد ان تطورت فكريا ونضجت سياسيا وتنامى خزينها المعرفي.انضمت لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الالماني،بعد ان تزوجت من العامل الشيوعي غوستاف لوبيك،لتتمكن من الحصول على الجنسية الالمانية.حرصت روزا على دعم النقاشات والاراء المختلفة،ومارست الكتابة الصحفية الملتزمة،وكانت ابرز محرري(الازمنة الحديثة)،والتي كانت اهم مجلة نظرية ماركسية.كانت روزا تتمتع بشخصية مستقلة فكريا-بأحكامها ونقدها-،ووقفت بجرأة وثبات حازم الى جانب الماركسية ضد الاصلاحي الالماني-تلميذ انجلس غير النجيب-ادورد برنشتاين،الذي كان يعتقد بأن افضل وسيلة للوصول الى الاشتراكية في بلد صناعي هو من خلال العمل النقابي العمالي،والنشاط والممارسة البرلمانية،وكان يعتقد بعدم الحاجة للثورة،وبالتالي يرفض الصراع الطبقي!كتبت روزافي عام1900كراسها الهام والمعنون(الاصلاح الاجتماعي او الثورة)،وهو دفاع عن الماركسية ضد اصلاحية برنشتاين التحريفية،واعربت عن تأييدها للاصلاح كوسيلة لتحسين ظروف الطبقة العاملة،ولكن لاالتوقف عند الاصلاح كهدف نهائي فقط!فروزا كانت ترى ان السلطة البرجوازية لاتمنح للطبقة العاملة اكثر مماترغب هي ان تعطيه ويصب في مصلحتها،وليس من سبيل لحل التناقض وتحرر العمال الا بالثورة الكاملة والدائمة ضد كل انظمة الاستبداد في اوربا..بين عام1903-1904خاضت سجالا محتدما وجدلا نظريا خصبا مع لينين،وكانت وجهة نظرها مغايرة ومتميزة عن لينين حول:المسألة القومية،وبناء الحزب،والعلاقة بين الحزب والنشاط الجماهيري،واكدت على العلاقة المتداخلة بين عفوية الجماهير الديمقراطية وتنظيم الحزب،والتلازم بين الديمقراطية والاشتراكيةـفقد كانت الى جانب الفكر المستقل المتحرر من الدوغما،ومدافعة عنيدة عن الحرية حرية المختلف..وقفت روزا موقفا داعما من الثورة الروسية1905باعتبارها الخطوة الاولى على طريق الثورة،وكتبت مجموعة مقالات للحزب الاشتراكي الديقراطي البولوني،طورت فيها نظريتها عن الثورة الدائمة،وبمعزل عن تروتسكي وبارفوس،اللذان كانا لهما طروحاتهم المستقلة..وقف ضد موقفها الكثير من ماركسيي تلك الفترة،وفي الوقت الذي كان البلاشفة والمناشفة يعتقدون-بالرغم من انقسامهم والصراع الحاد بينهما-بأن الثورة الروسية ستتحول الى ثورة برجوازية ديمقراطية،كانت روزا تساجل من جانبها وبالضد من ذلك بأن:الثورة ستتطور الى اكثر من مرحلة الديمقراطية البرجوازية،فاما ان تنتهي بسلطة البروليتاريا،واما ان تمنى بالهزيمة،وكان شعارها-الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا المستندة على القاعدة الفلاحية..في عام1906 اعتقلت روزا،وحكم عليها بالسجن اربعة اشهر،وسحبت منها الجنسية الالمانية/وطردت خارج البلاد،انتقلت الى وارشو حيث كانت تأمل بتحريك الثورة هناك..اعتمادا على تجربة الثورة الروسية1905 توصلت الى فكرة ان الاضرابات الجماهيرية السياسية والاقتصادية المطلبية،تعد عنصرا جوهريا لنضال العمال الثوري،وسلاحا سياسيا ماضيا ومؤثرا بأتجاه الاستيلاء على السلطة..تعرضت روزا للاتهام بالتحريض على العنف بسبب مواقفها الصلبة وارائها المعلنة،وحصل بينها وبين قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني،والذي كان الناطق النظري بأسمه هو كارل كاوتسكي،وادركت بقلق الثورية ان قياديي الحزب،وبالرغم من ماركسيتهم،سيترددون وينسحبون في حالة اندلاع او القيام بفعل ثوري حاسم..بلغت الخلافات داخل الحزب الذروة في عام1910وحدث الشرخ والانقسام داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني الى ثلاثة اجنحة:الاصلاحي،والذي تبنى السياسات الامبريالية واليمينية والتدرج الاصلاحي،والثاني:الماركسي الوسطي المهادن،وكان على رأسه كاوتسكي التوفيقي،والذي وبالرغم من حفاضه على الشعارات الثورية،كان عمليا يقترب من الاصلاحين البيرقراطيين والشوفينيين!فقد كان يقر بالطرق البرلمانية والتمثيل النيابي لادارة المناورات والصراعات،والتعتيم على الثورة،وقد لقبته روزاب(قائد المستنقع)!اما الجناح الثالث،والذي كان هو الجناح الثوري،وزعيمته روزا،واعداد من الكوادر العمالية والقاعدة الجماهيرية..
في عام1913 نشرت روزا اهم عمل نظري لها هو(التراكم الرأسمالي)بعنوان فرعي"مساهمة في تفسير الاقتصاد الامبريالي"وكان هذا الكتاب ابرز مساهمة اصيلة ومبدعة في تحليل آليات الاقتصاد الرأسمالي في حقبة الامبريالية بعد رأس المال لماركس،وكان بحثا لامعا وغنيا بالتحليل الموضوعي الرصين والشامل، احتوى كم غزير من المعلومات،وعمقا متميزا بدراسة تطور الرأسمالية بأتجاه الصعود الامبريالي،مع قدر كبير من الاستقلال النظري والفكري.في شباط 1914وعشية اندلاع الحرب العالمية الاولى،اعتقلت روزابسبب نشاطها التحريضي للجنود بالتمرد ورفض الحرب،وحكم عليها لمدة سنة،وقد وقفت روزا بكل قوة ضد الحرب وادانتها،وادانت الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني لوقوفه الى جانب تأييد الحرب،وقد دعا قادة الحزب الى الانضمام الى ماسمي"التيار الوطني"المناصر للحرب،بينما وقفت روزا وحيدة ضدها،وقد صوتت المجموعة البرلمانية للحزب مع قرار الحرب بالاجماع.تركت روزاsdp،وانضم اليها كارل ليبكنخت،بعد ان خرق الانضباط الحزبي،وصوت ضد قرار الحزب،واصطف الى جانب روزا،وشاركها وجهة نظرها،واتفق مع اغلب افكارها،وتحالف معها بعد ان ترك الحزب هو ايضا،وشكلا فريق "انترناسينول"،وفي الوقت الذي كانت فيه مجموعة الحزب البرلمانية الى جانب القيصر،اجتمعت مجموعة من الاشتراكيين في شقة روزا،وهم كل من:روزا لوكسمبورغ،كارل ليبكنخت،فرانز مهرينغ،كلارا زتكين،وشكلوا تنظيما اطلقوا عليه"عصبة سبارتكوس"،وقرروا الاستمرار في النضال ضد الحرب،وكان توجيه المنظمة الجديدة للجنود والعمال الالمان بالتمرد والعصيان ورفع بنادقهم بوجوه ضباطهم،ومن ثم نحو الحكومة للاطاحة بها.القي القبض على روزا وليبكنخت بسبب نشاطهما السياسي التحريضي،وفي السجن كتبت روزا كراس"جونيوس"-وهو اسم مستعار لها-وشكل الكراس ايديولوجيا العصبة،وقالت فيه نبوءتها المدوية:"على البروليتاريا الخيار بين الاشتراكية او الهمجية".كتبت في السجن العديد من المؤلفات منها:"الاضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات"و"المجتمع البدائي وانحلاله"وغيرها من كتب ومقالات.اكدت ثورة شباط1917صحة افكار وسياسة روزا المعارضة للحرب،ووجوب الصراع للاطاحة بالحكومات الامبريالية،ورغم وجودها في السجن تابعت بأهتمام وارتياح الاحداث المتسارعة،واعلنت بيقين ان انتصار شباط ليس هو نهاية النضال بل بدايته،وان سلطة البروليتاريا هي الوحيدة التي ستصنع السلام.وجهت روزا نداءا الى الشغيلة والجنود الالمان ليحذوا حذو رفاقهم الروس للاطاحة باليونكر والرأسماليين،وانهم بهذا الفعل،سيخدمون الثورة الروسية،ويحققوا ثورتهم،ويجنبوا انفسهم الموت تحت انقاض الرأسمالية الامبريالية في حربها البربرية.رحبت روزا بحماس بثورة اكتوبر من العام نفسه،ولكنها لم تقبل بكل ماكان يقوم به البلاشفة دون نقد ولصالح الحركة العمالية الاممية،فقد عارضت المركزية المفرطة ،وميل البلاشفة المتنامي للانفراد بالسلطة وكبت الحريات:صحافة..تعبير..تجمع ..معارضة سلمية..احزاب مشاركة بالثورة.وقد تنبأت روزا بأن الثورة الروسية ستتعرض لتحريفات عديدة ستعطلها ان بقيت وحيدة ومعزولة-كانت محقة الى اقصى مدى في توقعها العبقري-،وان حركة التغيير في روسيا السوفيتية يعتريها بعض التشويه،وخاصه:طريقة معالجتها للمسألة الديمقراطية،والحريات،وقضية الارض والفلاحين،وحل المجلس التأسيسي المنتخب من قبل البروليتاريا والجنود الروس،ورغم نزاعها مع لينين حول سبل الثورة،وعدم الفصل بين التكتيك والمبدأ،وحول اشكال ومحتوى الحركة العمالية الجديدة.رغم كل هذا،كان من الصعب رسم الصورة الكاملة والواضحة للخلافات في ما بينهما،فقد كانا عدوين لدودين للتحريفية،وحاربا معا الاصلاحية والشوفينية،لانهما في خندق واحد..ومن ضمن نقدها الحريص على الثورة،وقوفها بحزم ضد السياسات الشمولية،والنزعة الانتهازية للبلاشفة،وقد استندت على مفهوم ماركس عن"الثورة في الاستمرارية" بنقدها للحزب البلشفي،وكانت مع الحزب ولكن دون خلق دولة،وكانت لها مآخذ على ما يسمى بالمركزية الديمقراطية،وقد شاع مصطلح اللوكسمبورغية على يد البلاشفة للتفريق بين نظرية روزا واللينينية التقليدية..في نوفمبر1918اطلق سراحها من السجن،لصدور عفوا عاما عن السجناء السياسين من قبل الامير ماكس فون بادن،وبضغط من الثورة الالمانية،رغم اعتراض جنرالات الجيش الامبراطوري،وقيادة الجناح اليميني وسياسيي الحزب المرتد.عاودت روزا نشاطها السياسي الثوري،وانغمرت بلجة الثورة المشتعلة،ولكن كانت القوى المضادة للثورة مسيطرة بأجهزتها القمعية المسعورة،حيث وحدت قواها،واقدمت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليمينية،وقادة الجيش الامبراطوري الالماني،واقطاب الرأسمال المتوحش،بالتحالف المصيري،وليسحقوا بالعنف الدموي المسلح،ثورة الطبقة العاملة والجنود الثوار بقسوة ووحشية وخسة لامثيل لهما-وهي من شيم واخلاقيات البرجوازية المتعفنة-.وفي ذروة الاحداث شاركت روزا بتأسيس الحزب الشيوعي الالماني-وليد عصبة سبارتاكوس-.وفي الوفت الذي كانت تجري به الثورة الالمانية في برلين ومدن اخرى،اوعز جلاد الحكومة اليمينية،الاشتراكي الديمقراطي؟؟؟!!!!فردريك ايبرت،ومن اجل حماية السلطة الى منظمة الفري كوربس(الكتائب الحرة)؟! اليمينية المتطرفة-الرحم المتعفن للنازية المقبلة-لتصفية الشيوعيين وابادتهم-كما جرى في العراق ابان انقلاب63 الفاشي-ومن سخرية التاريخ ان ايبرت بقراره ذبح الشيوعيين كان يعبد الطريق ويمهد المسرح لصعود الهمجية النازية والتي ستسحق حزبه وكل الاحزاب بعد عدة سنوات!!!!.استشهد في الثورة آلاف العمال والجنود في برلين وغيرها من المدن..في15كانون الثاني-اليوم الاسود الحزين-قبض على روزا وكارل ليبكنخت وفيلهيلم بيك،والكثير من كوادر واعضاء الحزب،واحتجزوا بفندق ادلون الكبير ببرلين،وبينما كانت المجزرة تجري في الشوارع،استطاع فلهيلم بيك الهروب،وجرى تصفية ليبكنخت بأعدام سافر وزرعوا بجسده الرصاص،اما روزا فقد قتلت بوحشية،حيث هشمت جمجمتها باعقاب البنادق،واطلقت رصاصة في راسها فيما بعد،وقد عثر على جثتها بعد اشهر في قناة لاندفير ببرلين....والملفت ان جميع من شارك بقتل روزا وليبكنخت اصبحوا فيما بعد كلاب نازية مسعورة ومتعطشة للدم:رونجة،بابست،هارتونغ،فوجل،دراجز!..بعد 100 عاما على مصرعها لازال المواطنون الالمان يحيون ذكراها:عمال،طلبة،نساء،منظمات وحركات يسارية ونسوية وتروتسكية،وينظر لها الان على انها ابرزمن اسهم بتطوير النظرية الثورية،وهذا ما يقره مفكرين ماركسيين مثل ارنست ماندل وغيره..بعد مصرعها رثاها لينين قائلا:"لقد اخطأت روزا،ولكن على الرغم من كل اخطائها،فقد كانت وستظل بالنسبة لنا نسرا محلقا،ولن يحفظ الشيوعيون حيثما كانوا ذكراها وحسب،بل ان سيرة حياتها ومؤلفاتها الكاملة ستكون،وايضا،دليلا لتدريب اجيال من الشيوعيين في كل انحاء العالم"...في15 كانون الثاني من كل عام يزور قبرها الآف في برلين،ويحتفل عشرات الآلاف بمسيرات وتجمعات وندوات تحية لذكراها واحياءا لمآثرها الخالدة..كان اخر ما تفوهت به قبل مصرعها الدامي هو:"ان الثورة سوف تعود مرة بعد اخرى وسوف تعلن:لقد كنت هنا من قبل،وهاانذا هنا الان،وسوف اكون مرة اخرى"..سيبقى اسم روزا لوكسمبورغ حيا في ذاكرة الاجيال الثورية القادمة،لاسمها الخلود كأيقونة للثورة والحرية والانسانية المكافحة من اجل غد افضل..........................................
...............................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي......